حول حقيقة الدعم الغربي والأوروبي للديمقراطية في بلادنا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حول حقيقة الدعم الغربي والأوروبي للديمقراطية في بلادنا

20 اكتوبر 2009

بقلم: ضياء رشوان

تدور فى الأوساط السياسية والأكاديمية المصرية والعربية خلال السنوات الأخيرة أحاديث وتحليلات وآمال كثيرة حول الدعم الذى يمكن أن تقدمه الدول الغربية عموما والأوروبية خصوصا لترويج ونشر الديمقراطية فى بلادنا التى حرمت منها طويلا.

وتتزايد هذه الأحاديث والتحليلات والآمال بشكل خاص عندما تقترب البلاد من وقوع حدث ذى صلة بالتطور الديمقراطى مثل الانتخابات العامة، برلمانية أو رئاسية، كما هو الحال الآن، حيث تعالت أصوات عديدة فى مصر تطالب بإشراف دولى على الانتخابات البرلمانية المقررة فى نهاية العام المقبل، والرئاسية التى تتلوها بنحو عشرة أشهر باعتبار أن ذلك هو السبيل الوحيد الذى بات المجتمع المصرى يملكه لضمان حريتها ونزاهتها.

والحقيقة أن هذا المطلب يعكس فى خلفيته ثقة فى الدور الغربى عموما والأوروبى خصوصا على أن يخلق أو على الأقل ينقل التجربة الديمقراطية الغربية إلى بلادنا بما يدفعها إلى تجاوز حالة الاستبداد والفردية التى تهيمن على نظامها السياسى حاليا.

وربما يكون من المناسب فى هذا المجال القيام بمناقشة أعمق للأمرين معا، أى لقدرة الدعوة للإشراف الدولى على الانتخابات العامة المقبلة على تحقيق المستهدف منها، وبعد ذلك وبصورة أشمل لحقيقة علاقة الدول الغربية عموما والأوروبية خصوصا بالتطور الديمقراطى فى بلادنا.

فيما يخص الدعوة للإشراف الدولى على الانتخابات المقبلة، فإن الأسباب الرئيسية التى دفعت إلى الدعوة إليه تتمثل فيما قام به النظام السياسى من تعديلات دستورية عام 2007 أخرجت القضاة من الإشراف على انتخابات مجلس الشعب وجعلتها وانتخابات مجلس الشورى ورئاسة الجمهورية وقبلهما المجالس الشعبية المحلية فى يد لجان خاصة لا تتمتع بصفة الاستقلال حيث إن قرار تشكيلها يتم بقرار من رئيس السلطة التنفيذية ورئيس الحزب الوطنى الحاكم رئيس الجمهورية. والحقيقة أن التخوف الرئيسى والكبير من الموافقة على الإشراف الغربى والدولى على الانتخابات ليس مرده الحفاظ على «السيادة الوطنية» كما قد يرى البعض، فهو لا يمسها من قريب أو بعيد حيث إنه فى حالة قبوله فإن الموافقة عليه ستأتى من الدولة التى تحتكر السيادة وتمارسها.

التخوف الرئيسى من هذا الإشراف هو أن يتحول فى الحالة المصرية المعقدة التى نعرفها جميعا إلى «غطاء» شرعى دولى لعملية تزوير وتزييف واسعة لإرادة الناخبين المصريين يعرف النظام المصرى الحالى كيف يديرها وتساعده عليها عوامل متعددة فى مقدمتها التشريعات القانونية الحالية المتعلقة بالانتخابات والممتلئة بالثغرات التى قد يستعصى على أى إشراف دولى الإحاطة بها وإيقاف آثارها الضارة، وأيضا اتساع رقعة البلاد وتنائى المسافات بين لجانها الانتخابية الفرعية مما يصعب بكثير من قدرة الإشراف الدولى على متابعتها جميعا، الأمر الذى سيعنى فى النهاية الوصول إلى انتخابات «معدلة» قليلا ولكنها متخمة بالتزوير والتزييف الذى سيضحى حينها مشروعا وقانونيا فى ظل التواجد الذى لن يكون فعالا ومحض رمزى للإشراف الدولى.

وبالعودة للقضية الأوسع المتعلقة بالدور الغربى عموما والأوروبى خصوصا فى تدعيم الديمقراطية فى بلادنا، فإن المسألة الأولى التى يجب مناقشتها هى حقيقة هذا الاهتمام وخلفيته التاريخية.

وفى هذا السياق يبدو واضحا أن الدول التى تشكل اليوم الاتحاد الأوروبى سواء الكبيرة منها أو الصغيرة، الغربية أو الشرقية، لم تبدأ الحديث عن قضية الديمقراطية فى بلادنا سوى بعد هجمات الحادى عشر من سبتمبر عام 2001 ضمن رد فعل أمريكى بالأساس رأى أن نمو التطرف والإرهاب المنسوب للإسلام فى مجتمعاتنا جاء كنتيجة لغياب الديمقراطية.

من هنا فإن أساس الاهتمام الغربى عموما والأوروبى خصوصا بدعم الديمقراطية لدينا كان الحرص على الأمن والاستقرار فى بلادهم وبعدها بلادنا باعتبارها مؤثرة عليهم فى هذا السياق، وليس أن تنعم شعوبنا بخيرات الديمقراطية وما تتيحه للناس من إمكانيات وطاقات هائلة لتنمية أوضاعهم الخاصة والعامة.

أى أنه وبالمقابل إذا تحقق الأمن والاستقرار المنشود من الغرب وأوروبا فى بلادنا بأى ثمن حتى لو كان نزع الحقوق الأساسية السياسية وغيرها من شعوبنا، فإنهم سيرحبون بذلك، وهو ما حدث ويحدث بالفعل خلال السنوات التى تلت الاهتمام الأول بقضية الديمقراطية فى بلادنا عقب هجمات سبتمبر، حيث تمتعت ــ ولاتزال ــ مختلف النظم الفردية والاستبدادية فى دولنا العربية بدعم غربى وأوروبى لم يتغير باعتبارها «حارسة» الأمن والاستقرار وليس الديمقراطية.

ولعل ما يثير شكوكا أكبر فى حقيقة الدعم الأوروبى خصوصا لبناء الديمقراطية فى بلداننا أمران، الأول حقيقة أن نفس الدول التى يرى البعض أنها تدعمها اليوم كانت هى التى احتلت بلدانا عربية لعقود طويلة من الزمن لم تسع خلالها لتطبيق أى نوع من الديمقراطية بل كان سعيها فقط نحو نهب ثرواتها والسيطرة على مواقعها الإستراتيجية المهمة، بالرغم من أن بعضا من تلك الدول الأوروبية بنت سمعتها فى العالم على ما شهدته هى من تطورات بل وثورات ذات علاقة مباشرة بالديمقراطية.

أما الأمر الثانى فيتعلق بالمواقف التاريخية والحالية للدول الأوروبية الكبيرة من القضية الرئيسية فى منطقتنا، أى الصراع العربى ــ الإسرائيلى، حيث اتخذت مواقف التأييد للدولة العبرية منذ بل وقبل قيامها واستمرت حتى اليوم تتخذ نفس المواقف بصور متنوعة، الأمر الذى خلق لدى الجماهير العربية الواسعة حالة من عدم الثقة فيما تطرحه هذه الدول من سياسات تجاه بلداننا ومن بينها ما تطرحه مؤخرا حول بناء ودعم الديمقراطية.

وقد أدى هذان الأمران، أى الخبرة الاستعمارية المريرة مع الدول الأوروبية ومواقفها المنحازة لإسرائيل، إلى خلق فجوة ثقة واسعة فى الرأى العام العربى باتت تحول دون تصديق أى أطروحات تأتى منها أو يطالبها البعض منا بها فيما يخص دعم وبناء الديمقراطية فى بلادنا، الأمر الذى ربما يكون المدخل لتعديله هو أن تبادر هذه الدول بتعديل مواقفها من إسرائيل وإشعار الرأى العام العربى أنها منحازة على الصعيد الدولى للشرعية الدولية والقانون بما يؤدى إلى تصديقه لما يطرحونه من قيم متشابهة على الصعيد الداخلى تندرج ضمن عملية بناء الديمقراطية.

كذلك فإن ما يثير شكوكا أكبر حول حقيقة الدعم الأوروبى خصوصا لبناء الديمقراطية فى بلداننا هو مواقف الدول الأوروبية من الأوضاع الثقافية والدينية فى بلداننا.

فهناك قضيتان رئيسيتان لا تزالان تحولان دون الثقة فيما تطرحه هذه الدول من تصورات حول الديمقراطية فى بلادنا، الأولى تتعلق بالنموذج السياسى الديمقراطى الذى يريده الأوربيون لنا، والثانية بموقفهم من التيارات الإسلامية السياسية السلمية وموقعها من التطور الديمقراطى.

فأما القضية الأولى فهى تتلخص فى أن الغالبية الكبرى من الدول الأوروبية عندما تتحدث عن النظام السياسى الديمقراطى الأمثل لبلادنا فهى تتحدث فى الحقيقة عن نظام سياسى «علمانى» قبل أن يكون ديمقراطيا، خالطة بصورة واضحة بين الديمقراطية والعلمانية.

فأوروبا التى هى أسيرة لنموذجها العام السياسى ذى الطابع العلمانى، على الرغم من الاختلافات الواضحة بين نماذجه الفرعية، لا تتصور إمكانية بناء نظام ديمقراطى حقيقى فى بلادنا دون أن يكون نظاما علمانيا يقع الموروث الدينى والثقافى الخاص بنا خارجه تماما كما هو الحال فى مختلف التجارب الأوروبية، وهى ترى فى تداخل بين الدين والدولة خروجا كاملا عن الديمقراطية.

وقد نتج عن هذا الرؤية تبنى الدول الأوروبية جميعا تقريبا لموقف واحد تجاه التيارات الإسلامية السياسية السلمية فى بلادنا والتى تمثل اليوم فى معظمها القوى الأكثر شعبية وحركية سواء فى المجتمع أو الساحة السياسية، وهو عدم الثقة بها والسعى دوما للتشكيك فى حقيقة توجهاتها الديمقراطية ووضع شروط لا تنتهى أبدا من أجل دمجها فى المجال السياسى أو الاعتراف بها كقوى ديمقراطية يمكن أن تحكم بلدانها بصورة ديمقراطية.

والمشكلة الرئيسية فى الرؤيتين الأوروبيتين السابقتين فيما يخص بناء الديمقراطية فى بلادنا أنهما تصطدمان بقوة بتوجهات مجتمعاتنا ومواقف الرأى العام فيها.

فبناء نظام سياسى علمانى على غرار أحد النماذج الأوروبية يخرج فيه الموروث الدينى والثقافى من ممارسات السياسة والسلطة أمر عصى على التطبيق فى بلادنا إن لم نقل مستحيلا بالنسبة للغالبية الساحقة من الناس.

أيضا فإن التشكيك الأوروبى والسعى المشترك مع النظم الحاكمة فى بلادنا لإقصاء التيارات الإسلامية السياسية السلمية من الساحة السياسية والمجتمعية يصطدم أيضا مع توجهات وآراء قطاعات واسعة من الناس الذين يؤيدونها ويقفون وراء ما تطرحه من رؤى وبرامج أيا كان رأينا فيها.

من هنا، فإن دعم الغرب وأوروبا للديمقراطية فى بلادنا ربما يستلزم منهم قبل كل شىء أن يكونوا هم أنفسهم ديمقراطيين، وذلك بأن يقبلوا ما اجتمعت عليه أغلبية الناس فى بلادنا وليس بأن يفرضوا عليهم، كما تفعل نظمهم الحالية، ما لا يريدون.

المصدر