خطاب بن لادن في ذكرى سبتمبر .. ثقة أقل واعتدال أكثر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
خطاب بن لادن في ذكرى سبتمبر .. ثقة أقل واعتدال أكثر

16 سبتمبر 2009

بقلم: ضياء رشوان

ألقى زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن قبل ثلاثة أيام كلمته المعتادة فى الذكرى السنوية (الثامنة) لهجمات الحادى عشر من سبتمبر 2001 على برج التجارة العالمى بنيويورك ومقر وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) بواشنطن.

إلا أن كلمة بن لادن هذا العام لم تكن عادية ومشابهة لعشرات الكلمات الصوتية والمرئية التى وجهها منذ تلك الهجمات عبر وسائل إعلامية مختلفة. فالطابع العام لكلمة زعيم القاعدة الأخيرة يوحى بدرجة أقل بكثير من الثقة فى النفس ودرجة أعلى من الاعتدال والاعتماد على التحليل السياسى وليس الرؤية الدينية.

ولعل أولى الملاحظات على الكلمة هى أن الرجل الذى اعتاد فى كلماته السنوية فى ذكرى هجمات سبتمبر أن يحتفى بها متفاخرا بمسئولية تنظيمه عنها، بعد أن أنكرها خلال الأسابيع الأولى، وأن يطلق عليها الاسم الذى أضحى ملازما لها فى الأوساط الجهادية الدولية وهو «غزوة مانهاتن»، لم يعطها فى كلمته الأخيرة أى صفة واكتفى فقط بذكرها كتاريخ «الحادى عشر».

وغير بعيد عن هذا «الحياد» المستجد على زعيم القاعدة فى تسمية هجمات سبتمبر، لم يتطرق ولو بكلمة واحدة إلى «التسعة عشر» من أعضاء تنظيمه الذين قاموا بها حسب روايته والذين كانوا يحظون دوما فى خطاباته السنوية بحفاوة خاصة منه باعتبارهم حسب رؤيته «الاستشهاديين» الأبطال الذين دافعوا عن شرف الأمة الإسلامية وضربوا عدوها اللدود فى عقر داره.

ولم يتوقف جديد أسامة بن لادن فى كلمته الأخيرة عند ذلك بل تعداه إلى مضمونها الذى انصب فى معظم فقراتها على تقديم تفسيره أو تبريره للقيام بالهجمات وليس التفاخر بها، وهو كما قال مخاطبا الأمريكيين: «دعمكم لحلفائكم الإسرائيليين المحتلين لأرضنا فلسطين، فموقفكم هذا مع بعض المظالم الأخرى هو الذى دفعنا للقيام بأحداث الحادى عشر».

وقد أتى ذكر هذا الدافع فى سياق انضمام زعيم القاعدة للمرة الأولى فى جميع كلماته إلى من سماهم «ذوى المصابين فى تلك الأحداث» فى المطالبة بفتح تحقيق لمعرفة أسبابها، وإن كان التحقيق الذى يطلبه هو تحقيق سياسى، بينما هم يطلبون تحقيقا جنائيا، ويظل أن كليهما لم يتم حتى اليوم بصورة كاملة وعلنية.

وهنا تظهر ملاحظة أخرى رئيسية على التفسير الذى قدمه زعيم القاعدة للقيام بهجمات سبتمبر، فهو هنا يقصره على الدعم الأمريكى لإسرائيل مع بعض المظالم الأخرى، وهو الأمر الذى يتناقض مع ما سبق له وتبناه فى معظم كلمته وخطبه السابقة من جانبين أساسيين.

الجانب الأول أن رؤية بن لادن التقليدية لهجمات سبتمبر وما تلاها من احتلال أمريكى للعراق وأفغانستان وما سبقها من احتلال صهيونى يهودى لفلسطين كانت تقوم على أنها جميعا مجرد حلقات فى سلسلة طويلة متصلة من الصراع بين الأمة الإسلامية و«العدو الصليبى ــ اليهودى» لن يصل إلى نهايته سوى بانتصار أحدهما، وهو بالنسبة إليه الطرف المسلم بدون جدال.

وفى كلمته الأخيرة يتخلى زعيم القاعدة عن تصوره الثابت هذا لكى يخرج الصراع مع إسرائيل من هذه السلسلة الطويلة من الصراعات ليجعله مركزا وسببا مباشرا وربما وحيدا لما جرى فى سبتمبر 2001 وبعده من أحداث وصراعات بين أمريكا والعالم الإسلامى.

ويبدو الجانب الثانى المختلف فى أن هذا الرؤية التفسيرية لبن لادن تقوم على منطق سياسى للصدام بين المصالح التاريخية وليس على منطق التناقض بين الأديان الذى قامت عليه دوما رؤيته للعلاقة والصراع بين الغرب والعالم الإسلامى.

ولم يتوقف جديد بن لادن فى كلمته عند هذا، فقد تبنى للمرة الأولى فى جميع كلماته وخطبه رؤية إيجابية لثلاثة رؤساء أمريكيين بصور مختلفة، حيث ساق شهادة الرئيس جيمى كارتر عن معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلى فى غزة ومصرع الرئيس جون كنيدى بسبب عدم خضوعه لجماعات الضغط والمصالح وإقرار الرئيس أوباما فى خطابه للعالم الإسلامى بالقاهرة بهذه المعاناة التى يعيشها الفلسطينيون.

وتبدو هذا الرؤية الإيجابية جديدة من زاوية أن الرؤية التقليدية لبن لادن كانت تقوم فى أفضل صورها على التمييز ــ أحيانا ــ بين الشعب الأمريكى المنساق والجاهل وبين إداراته التى كانت جميعها بالنسبة له متساوية فى السلبية، فهو فى هذه المرة يميز بين رؤساء سلبيين وآخرين إيجابيين تجاه الإسلام والمسلمين وقضاياهم.

وفى نفس السياق يبدو حديث بن لادن عن الرئيس باراك أوباما بالمقارنة مع سلفه جورج بوش مثالا جليا لهذا التمييز الجديد بين الرؤساء الأمريكيين، وهو يحمل أيضا جديدا فيما يخص أوباما الذى تحول من «العبد الأسود فى البيت الأبيض» السائر على نهج سلفه بوش فى العداء للمسلمين حسب وصف بن لادن ونائبه أيمن الظواهرى له فور انتخابه، إلى رئيس «مستضعف» ومحاصر من جماعات الضغط والمصالح من استمرار الحرب على العالم الإسلامى.

ويبقى بعد رصد كل هذه التغيرات الرئيسية فى خطاب بن لادن أن نعرف لماذا تمت فى هذا التوقيت بالذات. والتعرف على الأسباب يلزمنا بالعودة إلى خطاب آخر ألقاه قبل نحو ثلاثة أسابيع نائبه أيمن الظواهرى حول الحرب الدائرة فى شمال باكستان ضد حركة طالبان الباكستانية وحمل اسم «طرق الهلاك».

فقد بدت لهجة الظواهرى فى خطابه منكسرة للغاية حيث راح فى عديد من فقراته يجأر للمرة الأولى بالدعاء المطول لله سبحانه وتعالى مستغيثا به لنصرة «المجاهدين» المحاصرين من أعدائهم من كل جانب، تاليا أيضا للمرة الأولى آيات طويلة متتابعة من القرآن الكريم تؤكد هذه الاستغاثة وتلك الحالة.

والواضح أن كلا من زعيم القاعدة ونائبه يعانيان بصورة مباشرة من الآثار السلبية للهزائم التى منيت بها حركة طالبان باكستان على يد القوات الباكستانية الحكومية والقوات الأمريكية، وهو ما يرجح وجودهما ومعظم قيادات القاعدة فى المناطق الحدودية بين باكستان وأفغانستان التى تدور فيها المعارك الطاحنة منذ أسابيع.

وبالتالى فإن انخفاض الروح المعنوية للرجلين وظهور ذلك واضحا فى كلماتهما يعود على الأرجح إلى هذا السبب المادى المباشر، حيث أنهما لو كانا يعيشان فى العمق الأفغانى حيث تتوالى الانتصارات العسكرية لحركة طالبان أفغانستان على القوات الغربية والحكومية، لظهرت آثارها واضحة فى كلماتهما والتى كانت ستبدو فى هذه الحالة متشددة مزهوة بما يجرى على الأرض من انتصارات كبيرة لحليفهم الرئيسى والتاريخى على أعدائهم الدائمين.

المصدر