خليل العنانى يكتب: نهاية حلم "الدولة الإسلامية"

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
خليل العنانى يكتب: نهاية حلم "الدولة الإسلامية"


(7/25/2015)

ظلت الحركات الإسلامية ترفع شعار إقامة "الدولة الإسلامية" باعتبارها أحد الأهداف الأساسية لها.

وقد أخذت هذه الحركات مسارات مختلفة من أجل تحقيق هذا الهدف، حيث اتبع بعضها النهج السلمي سواء من خلال العمل الدعوي المتواصل أو من خلال الانخراط في العملية السياسية أو كليهما، بحيث يتم العمل على تغيير المجتمع من أسفل وصولاً إلى القمة وهنا نستحضر تجربة جماعة "الإخوان المسلمين" التي تضع الوصول إلى حكومة إسلامية فى سلم أهدافها الذي يبدأ بتنشئة الفرد المسلم وينتهي بـ "أستاذية العالم".

والبعض الأخر اتبع نهجاً راديكاليا عنيفا قام باستهداف الأنظمة القائمة ومحاولة كسرها مثلما حدث فى مصر خلال السبعينات والثمانينات وبعدها الجزائر في التسعينات، وتنظيم "القاعدة" خلال العقد الأول من الألفية الجديدة.

ولم يكد العقد ينتهي حتي تم إعلان قيام الدولة الإسلامية في العراق عام 2009، قبل أن تضم إليها الشام بعد فشل الثورة السورية فى خلع بشار الأسد حتى وصلنا الآن إلى مرحلة "داعش".

قام تنظيم "داعش" بحرق المراحل وأعلن قيام دولة الخلافة أواخر يونيو 2014 التي أصبحت ملاذاً وقبلة لكل الحالمين شرقاً وغرباً بإقامة "الدولة الإسلامية" الموعودة، وما لبث أن أسس التنظيم نظاماً شبه كامل للحكم من خلال إنشاء إدارات وأقسام مختلفة لإدارة المهام اليومية من توفير للخدمات، وحماية الطرقات، وإدارة البنوك والمصارف، وبيع النفط...إلخ.

بعدها حاول التنظيم تصدير نموذجه فى الحكم والسلطة والإيديولوجيا إلى الخارج، فانتشرت فروعه فى أكثر من بلد، وتم إعطاء البيعة للخليفة المدّعي أبو بكر البغدادي.

وكان استخدام أدوات القتل والتنكيل بشكل عدمي وبربري هو أحد أدوات التنظيم لإثبات قوته وإرهاب أعداءه.

ولكن على عكس ما يريده أنصار التيار الإسلامي ودعاة "الفكرة الإسلامية" فى العالم العربي، فقد نجح "داعش" فى تدمير أي مفهوم إيجابي للدولة الإسلامية التي أصبحت مرادفاً لـ"وحش" كاسر يقتل كل من حوله في جنون وبربرية لم تشهدها البشرية منذ قرون.

وقد تجاوز في جرائمه كل ما فعلته الحركات المتمردة التي ظهرت طيلة القرن الماضي كنوع من الاحتجاج على الأوضاع القائمة. فالمسألة لا تتعلق فقط بأدوات القتل والتدمير التي يستخدمها الدواعش وإنما بالتبرير الديني والايديولوجي لهذه الأفعال التي تمارس أكبر تشويه عرفه التاريخ للإسلام والمسلمين.

ومع كل عملية قتل وتدمير يمارسها "الدواعش"، فإنهم يدّمرون مفهوم "الدولة الإسلامية" التي طالما حلم الإسلاميون بإقامتها من المشرق وحتي المغرب.

ومن الآن فصاعداً، لن يكون بوسع أي فصيل إسلامي أو حركة إسلامية أن يعلن صراحة عن سعيه لإقامة دولة إسلامية أو حتي الدفاع عمن يرفعون شعاراتها.

فكلما تم استخدام هذا المصطلح في الإعلام والنقاشات الحية على شبكات التواصل الاجتماعي، يتم استحضار معاني القتل والعنف والعدمية.

لذا لا يمكن فهم تأييد بعض الإسلاميين خاصة من الشباب لممارسات "داعش" وتبريرها. وإذا كان لديهم قدر من العقل والتفكير السليم لاكتشفوا أن "داعش" هي أخطر على مشروعهم، بغض النظر عن ماهيته وكنهه، من الأنظمة السلطوية التي تقمعهم وتحاصرهم.

ولا يمكن فهم احتفاء بعض هؤلاء الشباب بأفعال "الدواعش" سوى وقوعهم فى براثن اليأس والإحباط من جهة، وتراجع القدرة الوقائية لإيديولوجيتهم ومحاضنهم التربوية من جهة أخرى.

ومع التسليم بأن مفهوم "الدولة الإسلامية" بحد ذاته هو مفهوم إشكالي سواء من الناحية التاريخية (كما أكد ذلك وائل حلاق فى كتابه الأخير "الدولة المستحيلة") أو الفقهية التأصيلية، فإنه قد فشل أيضا علي أيدي "الدواعش" كمشروع سياسي.

فنموذج "داعش" الدولتي هو نموذج "عدمي" لا يقيم وزنا للأفراد أو الأرواح التي يتم تقديمها كوقود وكبش فداء بهدف الانتقام والتمرد على ما هو قائم.

وهو نموذج يسير عكس مسار التاريخ حين يستحضر مفاهيم الغلبة والغزو والتوحش والسبي والرق والغنائم من سياق تاريخي منفصل تماما ويحاول تطبيقها الآن.

وهو نموذج لا يقبل الحوار أو التفاوض وينظر للعالم وفق فسطاسي الخير والشر والإيمان والكفر بطريقة تسقط كل معايير التنوع والاختلاف والتعدد التي ذُكرت في القرآن والسنة النبوية الشريفة.

وهو نموذج يستبيح الحدود والمواثيق والمعاهدات والاتفاقات ولا يعترف بأي عهود أو قوانين.

بكلمات أخرى، فمثلما نجح "داعش" فى حرق المراحل وإعلان قيام دولته الإسلامية، فإنه قد نجح أيضا وبشكل منقطع النظير في تدمير هذه الدولة كفكرة ومفهوم في أذهان الكثيرين.

وسيكون على الإسلاميين ليس فقط إعادة النظر فى نجاعة مشروعهم السياسي وحلمهم بإنشاء "الدولة الإسلامية"، وإنما أيضا فى إثبات قدرته على البقاء أمام النموذج العدمي الذي يطرحه "الدواعش".

المصدر