خليل العناني يكتب: الأصولية السلطوية وصناعة الوهم

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
خليل العناني يكتب: الأصولية السلطوية وصناعة الوهم


(5/27/2015)

خليل العناني

لم يكن أمام الأصوليات السلطوية فى العالم العربي سوى البحث عن "عدو" من أجل تبرير ثورتها المضادة وانقلابها على "الربيع العربي".

ولمّا كان الهدف الرئيس لهذه الأصوليات هو وقف موجة التغيير والتحول الديمقراطي فى المنطقة بأي ثمن، فكان لابد من "صناعة" هذا العدو وتضخيمه حتي يتم تبرير سياسة القمع والبطش التي تمارسها تجاه الثورات وكل من يمثلها خاصة الشباب.

وكي يتم تمرير هذا السيناريو غربياً، كان من الضروري أن يتم البحث عن أضعف حلقة فى الثورات العربية وهي حلقة "الإسلاميين" الذين جرى استدعاءهم كفزاعة من أجل التخويف كما جرت العادة خلال العقود الثلاثة الماضية.

ولعل ذلك ما يفسر حالة الصمت والتواطؤ الغربي تجاه عملية إجهاض "الربيع العربي" التي تجرى على قدم وساق.

طيلة العامين الماضيين كان الهدف الأساسي للسلطويات العربية هو تصنيع وتضخيم "الخطر الإخوان ي" باعتباره خطر داهم يجب إيقافه والتخلص منه.

وقد اشتركت في عملية "تصنيع" هذا الخطر أذرع محلية وإقليمية ودولية تم تمويلها بملايين الدولارات.

وكانت الحجة المعلنة لهذه الأذرع هي أن جماعة "الإخوان " تسعى لتصدير الثورة خارج حدود مصر وأنها تسعى للسيطرة والهيمنة على المنطقة العربية.

وقامت جوقة من الكتاب والباحثين العرب والغربيين بتسويق هذا السيناريو المصطنع.

وقد مرت عملية تصنيع "الخطر" الإخوان ي بعدة مراحل، بدأ أولها بتهيئة وتعبئة الرأي العام العربي والإقليمي بهذا الخطر.

وبدأت عجلة "الثورة الإقليمية المضادة" فى الدوران.

فرأينا فضائيات وإعلاميين وصحافيين وباحثين وسياسيين ورجال دين يهاجمون الثورات العربية ويرون أنها جاءت بالبلاء على البلاد والعباد.

وقد استفاد هؤلاء من رعونة وأخطاء جماعة الإخوان في السلطة وانعدام خبرتهم وذلك من أجل تبرير وتمرير مقولاتهم، وهو ما مهد الأرض لانقلاب الثالث من يوليو 2013 .

وبعد إسقاط الإخوان تم الانتقال إلى المرحلة الثانية وهي محاولة تصدير "الخطر الإخوان ي" للخارج واعتبارهم "رأس الشيطان" و"مصدر الشرور" في المنطقة والعالم.

وانطلقت الماكينة الإعلامية للثورة المضادة من أجل شيطنة وتشويه الإخوان واعتبارهم جزء من "مؤامرة كونية" كبرى تستهدف مصر والمنطقة.

وكان من الطريف، وغير المنطقي أيضا، أن يتم وضع دول وأطراف متصارعة فى نفس المربع مثل إيران وإسرائيل وأميركا وحماس ضمن هذه "المؤامرة الكونية".

كما قام رعاة "الثورة الإقليمية المضادة" بالضغط على مراكز صنع القرار في الغرب تارة بالمال وتارة أخرى بالدبلوماسية من أجل اعتماد الإخوان كحركة إرهابية.

وتم إجبار عواصم غربية من أجل مراجعة أنشطة الإخوان وفتح ملفاتها الداخلية والبحث عن أية ثغرة قد تدعم هذه السردية.

ولمّا لم يبتلع العالم الغربي هذا "الطُعم"، تم الانتقال للمرحلة الثالثة وهي محاولة ربط "الخطر الإخوان ي" بالخطر الداعشي واعتبار أن ثمة تحالفاً بين الطرفين.

وهو ما يبدو بوضوح فى تصريحات الجنرال عبد الفتاح السيسي ومحاولته وضع الإخوان مع التنظيمات الإرهابية فى سلة واحدة.

وهو ما قاله نصاً فى حواره مع جريدة "الواشنطن بوست" الأمريكية قبل فترة حين ذكر أن الإخوان هي "أم التنظيمات الإرهابية" في العالم.

وهو ما أكده أيضا المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية المصر ية التي ادعي فيها أن جماعة الإخوان تقوم بتوحيد الجماعات الجهادية تحت رايتها.

الآن لم يعد أمام حلف "الثورة المضادة" الكثير من الأوراق من أجل دعم أطروحة "الخطر الإخوان ي"، خاصة بعد أن صحا العالم على الخطرين "الداعشي" و"الإيران ي".

وقد اكتشف كثيرون أن استمرار تصدير هذه الأطروحة من شأنه تجاهل الأخطار الحقيقية التي تعصف بالمنطقة.

في حين تدرك الحكومات الغربية أن المعركة الحقيقية ليست مع الإخوان ، وإنما بالأساس مع التنظيمات الراديكالية المتشددة التي ترفض الإخوان وتكفرّهم بسبب مشاركتهم فى العملية السياسية وهو ما يبدو بوضوح فى الحالة التونسية.

قطعاً لدى جماعة "الإخوان " مشاكل سياسية وفكرية وإيديولوجية عديدة، لا يمكن إنكارها، ولكنها لا تختلف فى ذلك عن بقية القوى والأحزاب السياسية العربية التي ثبت فشلها وكسادها طيلة الفترة الماضية.

وصحيح أن الإخوان قد ارتكبوا أخطاء عديدة أثناء وجودهم فى السلطة خاصة عندما اعتقدوا، بسذاجة منقطعة النظير، أن بإمكانهم الانتصار على قوى الثورة المضادة من خلال التعبئة والحشد فى الشارع فحسب.

وأخطأت الجماعة حين ظنت أن بمقدورها احتواء النظام القديم وضمان ولاء مؤسساته وشخوصه وذلك على حساب الثورة وأهدافها، وأخطأ قادتها حينما تعاطوا برعونة واستخفاف مع القوى الثورية.

بيد أن هذه الأخطاء لا تقارن بحجم الأخطاء والجرائم التي ارتكبها معارضوهم سواء أولئك الذين تواطؤا فى عملية إقصاءهم وقمعهم أو الذين صمتوا على قتل أنصارهم ومطاردتهم.

إن الخطر الأصلي الذي يواجه المنطقة العربية لا يأت من الإخوان أو الإسلاميين بوجه عام، وإنما من تلك الأنظمة الرجعية التي لا تريد للمنطقة العربية أن تنعتق من سلطانها واستبدادها.

وهي أنظمة على استعداد أن تضحي بالجميع من أجل البقاء فى السلطة.

المصدر