خواطر حرة من وراء الأسوار!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
خواطر حرة من وراء الأسوار!
10-10-2007

بقلم: د. عصام العريان

عدت إلى أهلي وبيتي وجيراني وإخواني عقب أذان الإفطار يوم الجمعة 5/10/2007م، بحوالي ثلث الساعة، وكان القبض علينا تم قبل أذان مغرب يوم الجمعة 17/8/2007م.

وشعرت وأنا أعود إلى أحبائي أنني لم أغِب عنهم إلا فرق الساعتين تقريبًا، مرَّت كحلم ليلة صيف، زُرت فيها السجن الثامن من سجون مصر التي تستعصي على العدّ، والعامرة المكتظَّة بالنزلاء من مختلف الأنواع والاتجاهات، في المرة السادسة أو السابعة (تعبت من العدّ)، وأقضي بذلك رمضان العاشر (أو معظمه) خلف الأسوار وأكاد أكمل السنة الثامنة لي خلال 26 سنة هي فترة حكم الرئيس مبارك.

آخر من التقيت به في يوم الإفراج الطويل هو معتقل منذ عام 2000، لم يعرض على النيابة قط، ولم يحقق معه في أي تهمة أو جريمة، هو جمال الدين زكي إبراهيم رائد مهندس متقاعد، خريج الكلية الفنية العسكرية، كاد يكمل العقد الخامس من حياته (خريج دفعة 1984)، زوج وأب لأربعة أولاد: عبد الرحمن وأحمد وياسر ومريم، أكبرهم دخل الجامعة- كلية التجارة عين شمس، وآخرهم تركها جنينًا، لم ترَ أباها إلا خلف الأسوار، دخلت المرحلة الابتدائية بالسنة الثانية!!

كل جريمته أن صهره- شقيق زوجته- متهم في إحدى قضايا التنظيم الجهادي؛ ولذلك عندما أصيب أثناء خدمته العسكرية وهو في رتبة الرائد وأصبح بقاؤه متعذِّرًا لم يخرج صحيًّا ليستمتع بالمزايا المقررة لأقرانه، وتم نقله إلى وظيفة مدنية بوزارة الكهرباء، وعندما تظلم من هذا القرار كان الحاكم هو الذي أصدر القرار في إجراء غير دستوري بالمرة، فلا يجوز أن يتظلم المرء إلا من مصدر القرار نفسه.

ثم ألقي القبض عليه في حملات الاعتقال العشوائية التي يقوم بها ضباط أمن الدولة؛ لمجرد إثبات النشاط، ولقيد المزيد في سجلّ الوظيفة للترقي والحصول على رتبة أعلى، والمزعج أنه بمجرد إلقاء القبض على شخص وتصنيفه في اتجاه خطير لا يملك من يأتي بعد ذلك الشجاعة الكافية لإثبات العكس وإخلاء سبيل هذا المسكين.

سألني المهندس جمال الدين في رحلتنا من لاظوغلي إلى قسم المرْج وعودتنا من قسم المرج أثناء توجهنا إلى فرع أمن الدولة بمدينة الشيخ زايد (فرع الجيزة) سؤالاً أوجعني وما زال يؤلمني حتى الآن، وسيظل معي لفترات الله أعلم بها، قال: ما هو البلد الذي تنصحني أن أتوجَّه إليه ومعي زوجتي وأولادي إذا قدَّر الله لي الخروج من السجن لأشعر فيه بالأمن والأمان؟!

لقد قرر أن يغادر البلاد وأن يهاجر أو يغترب إلى مكان يشعر فيه بما افتقده في الوطن الأم، مسقط الرأس، وبلد الأهل والأحباب.. أجبته فورًا بأنني أنصحه بأن يبقى في مصر ولا يغادرها لعدة أسباب:

  • السبب الواقعي الأصلي أن كل بلاد العالم لم تعُد آمنةً أمام مثله من المصنَّفين في تيار الجهاد، في ظل التعاون الأمني الوثيق بين أجهزة الأمن في كل بلاد العالم لمواجهة التيارات الإسلامية الحركية، خاصةً العنيفة منها أو المتهمة بالعنف تحت لواء السيد جورج بوش قائد المعارك ضد الإرهاب الذي ازدهر في ولايته الثانية بما لم يزدهر في تاريخ العالم من قبل.
  • ثانيًا: من قال إنهم سيسمحون له بالسفر إلى الخارج! وهذه تجربة مجرّب ممنوع من السفر، رغم أنه لم يُتهم في حياته بتهمة الإرهاب، وينتمي إلى حركة إسلامية موصوفة بالاعتدال والمسالمة.
  • ثالثًا: من قال إن هناك دولةً عربيةً أو إسلاميةً أو حتى أوروبية ستسمح له بالدخول إلى أراضيها، إذا كانت الإمارات العربية تمنع الشيخ يوسف القرضاوي من الدخول لإلقاء محاضرة، والولايات الأمريكية تمنع د. طارق رمضان من الدخول إلى جامعاتها للتدريس، وتمنع يوسف إسلام من الوصول لمسارحها للغناء الديني؟!
  • رابعًا: إن مصر بلده، وهي وإن جارت عليه عزيزة وموطن أهله، وهم إن ضنوا عليه كرام، وإن الأصل هو الصبر على البلاء وإن طال، والعمل من أجل الإصلاح ولا نفقد الأمل، ولا يجوز أن يتسرَّب اليأس إلى نفوسنا أبدًا، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الخاسرون، نعوذ بالله من الخسران.

ولا أشعر أن كان كلامي ترك في نفسه أثرًا أم لا، وحمَّلته السلام إلى كل من يلقاه في سجن وادي النطرون، خاصةً من الإخوان المسلمين، الذين صمَّم هو وآخرون أن يعيشوا في عنبرهم، بعيدًا عن بقية التيارات الأخرى، بعد أن رفضوا التوقيع على الوثيقة التي أعدها د. السيد إمام- الشهير بالدكتور فضل- في إطار مراجعات تنظيم الجهاد، بعد محاضرة ألقاها عليهم في سجن الفيوم؛ حيث كانت المعاملة أفضل والخدمات أجود، فتم ترحيلهم من الفيوم إلى ليمان طرة؛ حيث قضوا أسبوعًا واحدًا رفض فيه قيادات الجهاد الموجودون بقاءهم معهم لأسباب غير معروفة؛ فتم ترحيلهم إلى وادي النطرون.

تركت له الجرائد فأخذ "الأهرام" فقط وترك لي "الدستور" وغيرها؛ لأنه لم يسمح بدخولها ولا يستطيع أحد تهريبها.

كان جمال عائدًا من مقرّ لاظوغلي بعد أن حصل على إفراج وجوبي للمرة الـ15 بعد أن تعب من تعداد مرات الإفراج، وقضى 12 يومًا في الحجز التقاه فيه ضابط أمن دولة وسأله: ذكرني بموضوعك!! فهو مجرد رقم من أرقام الجماعة الإسلامية، وعندما سأله لماذا رفضت التوقيع على الوثيقة؟ أجابه: أنا أصلاً لم أنتمِ لجماعة فكيف أوقِّع على وثيقة له؟! هل أقوم بإثبات انتمائي لجماعة لم أنتمِ إليها في حياتي وأدين نفسي بنفسي؟! مفضِّلاً البقاء في المعتقل على أن يثبت على نفسه تهمةً لم يرتكبها، مفوِّضًا أمره إلى الله؛ حيث إن الإفراج يتم من جميع الأطراف، الذين وقَّعوا والذين لم يوقِّعوا.

كانت هذه أول خواطري بعد خروجي من سجن عنبر الزراعة بطرة، وهذه أول مرة أدخله، يفصلني عن سجن المزرعة وسجن ملحق بالمزرعة سوران فقط؛ حيث قضيت بهما أكثر من 6 سنوات ونصف، عشت فيه 7 أسابيع في أقصر فترة حبس مرت بي.

عندما عدت إلى بيتي قالت لي زوجتي: هيا لنكمل مشوارنا إلى مدينة 6 أكتوبر لقضاء يومين هناك كما كنا نستعد يوم 17/8/2007 يوم القبض عليَّ، وكانت معي شنطة الخضار وعدة القهوة والمشروبات، وعندما فتش رئيس النيابة عربتي وفتح الشنطة وجد بها الطماطم والباذنجان والثوم والخيار والقهوة والبنّ وغيرها، فأخذتها معي بالسجن بدلاً من حمْلِها إلى 6 أكتوبر لقضاء يومين مع الأولاد، فصاروا 50 يومًا في صحبة الجيوش وليم وبودرة وسكانيا، بجانب أيمن عبد المنعم ود. هاني سرور وخالد الديب، وغيرهم من المتهمين في قضايا الأموال، الذين في ليلةٍ حاولت حساب حجم الأموال المتهمين فيها فعجزْت؛ لأنها فاقت المليارات من الجنيهات، لكن هذه خواطر لعلنا نعود إليها.

ملحوظة.. كل عام وأنتم بخير في شهر رمضان وفي العشر الأواخر وفي ليلة القدر وبحلول عيد الفطر المبارك.

المصدر