دارفور بين أخطاء الداخل وأخطار الخارج

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٧:٤٥، ٨ أغسطس ٢٠١٠ بواسطة Admin (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


دارفور بين أخطاء الداخل وأخطار الخارج

حال دارفور يتحدث عن نفسه

فيما كانت الحكومة السودانية تجري محادثات في الدوحة مع حركة العدل والمساواة المتمردة في دارفور - برعاية من قطر والوسيط الدولي للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وتشجيع من أطراف عربية وأوروبية- كان زعيم جماعة متمردة أخرى يزور الكيان الصهيوني ويلتقي «عاموس جلعاد» رئيس مكتب الأمن السياسي في وزارة الدفاع (الذي يديرعملية التفاوض مع مصر حول اتفاق التهدئة في غزة)، ويعد بأنه إذا وصل للسلطة فسيتم فتح سفارة للصهاينة بالخرطوم !

بعد عصيان مسلح استمر سنوات جلس ممثلو الحكومة السودانية مع متمردي حركة العدل والمساواة وجهاً لوجه في محادثات استمرت من 10 إلى 17 فبراير 2009م، وانتهت بالتوقيع على اتفاق لحسن النوايا. تضمن إعلان حسن النوايا رغبة الطرفين في العمل على وضع حد للصراع، وإعطاء العملية السلمية الأولوية الإستراتيجية على ما سواها، واتباع نهج شامل يخاطب جذور المشكلة، ويحقق السلام الدائم، مع ضمان انسياب مساعدات الإغاثة إلى من يستحقها.

وتعهد الجانبان بالدخول في مرحلة ثانية من المفاوضات لإبرام اتفاق إطاري يضع الأسس للتفاوض حول القضايا التفصيلية، والاستمرار في محادثات السلام، مع إبقاء ممثليهما في الدوحة.

ورغم اللهجة المتفائلة التي حملها البيان الختامي وتصريحات المسؤولين الحكوميين فقد اتسمت تصريحات مسؤولي «حركة العدل» بالتحفظ والهجوم على الخرطوم، فقد أفاض خليل إبراهيم رئيس الحركة في الحديث عن مشكلة درافور باعتبارها مشكلة السودان كله، و«تتمثل في تمتع الخرطوم بكل المزايا من خدمات، وبنية تحتية، وفرص عمل.. في الوقت الذي تم فيه تجاهل باقي الأقاليم»، مؤكداً أن الحركة تهدف إلى تغيير النظام وتجديد الحياة السياسية، وأشار إلى أن «الحكومة السودانية دمرت أربعة آلاف قرية في دارفور، وقتلت 300 ألف نسمة، وحرقت 1500 مسجد، وأطفأت نار القرآن في ستة آلاف خلوة»، وهي تصريحات تتسم كما يبدو بالمبالغة الشديدة.

ساحة صراع

كيف تحوّل إقليم دارفور إلى ساحة صراع مستمر؟ يمكن أن نرصد العوامل التي ساعدت على ذلك، وأهمها: - مساحة كبيرة تعادل مساحة فرنسا.

- حدود مفتوحة على دول الجوار وأكثرها تعاني من صراعات داخلية.

- امتداد جذور بعض القبائل إلى دول الجوار خاصة تشاد وأفريقيا الوسطى، حتى أن بعض القبائل تعبر الحدود لنصرة فروع القبيلة في صراعاتها.

- يشكل الإقليم نقطة تماس مع الحزام الفرانكفوني الأفريقي: (تشاد، النيجر، أفريقيا الوسطى، الكاميرون)، وهذا يفسر الاهتمام الفرنسي عبر الاتحاد الأوروبي بالإقليم. ونتيجة لذلك تأثرالإقليم بالصراعات المحيطة، خاصة الصراع الداخلي في تشاد، والصراع التشادي الليبي على الحدود، والصراعات داخل أفريقيا الوسطى.

- تعدد القبائل وتنوعها وتوطن قبائل من غير سكان الإقليم فيه؛ فبعض قبائل دارفور مستقر في مناطق ريفية وغالبيتها من الأفارقة، وهناك قبائل رُحّل وافدة أكثرها من العرب. وقد تعايش الجانبان ونشأت بينهما علاقات اجتماعية، واعتادت مجموعات الرحل التنقل في فترات الجفاف إلى المناطق الزراعية، وجرى تنظيم ذلك في اتفاقيات، وإن لم يخلُ الأمر من نزاعات بسبب شح الموارد الطبيعية من مياه ومراع خاصة في مواسم الجفاف والتصحر، كانت تتم تسويتها بالأعراف القبلية السائدة، وكانت خلافات حول الموارد ولم تكن بسبب الاختلافات العرقية والثقافية، غير أن النزاعات اتسعت بصورة كبيرة، وتشعبت وتدخلت فيها أطراف إقليمية ودولية، وأصبحت دارفور مرآة للصراعات القبلية.

وقد انفجر الصراع في مطلع 2003م حين هاجمت المعارضة قواعد عسكرية للحكومة، وبدأت سلسلة من الأفعال وردود الأفعال أدت إلى سقوط عدد كبير من القتلى ونزوح أعداد أكبر وتدويل المشكلة.

انتشار السلاح

في ظل وضع كالذي ذكرناه كان من الطبيعي أن ينتشر السلاح وتجارته في الإقليم للاستخدام الداخلي أو لتصديره لمناطق النزاع.

ويشير البعض إلى الدور الذي لعبته الحكومات السودانية منذ عهد الصادق المهدي في نشر السلاح في دارفور، إذ عمدت إلى تزويد بعض القبائل بالسلاح لتكوين مليشيات محلية بهدف منع الحركة الشعبية بزعامة «جون قرنق»، التي أعلنت التمرد في الجنوب من مد نفوذها ومسرح عملياتها إلى غرب السودان (بعد أن ظهرت دلائل على ذلك)، غير أن القبائل استخدمت هذه الأسلحة فيما بعد في صراعها مع القبائل الأخرى .

انفجار الصراع.. وحركات المعارضة

بدأ التمرد في دارفور عام 2003م بعد استيلاء مجموعات مسلحة على حامية عسكرية، كما هاجمت حركة تحرير السودان «مطار الفاشر» ودمرت أربع طائرات. حينذاك كان الخلاف على أشُدّه بين الحكومة وحزب المؤتمر الشعبي الذي يقوده حسن الترابي بعد الانقسام العنيف الذي حدث بينهما، لذا فقد اتهمت الحكومة المؤتمر بأنه أحد الأطراف المحرضة على العنف، خاصة أن الجبهة الإسلامية التي أسسها الترابي قبل حزب المؤتمر كانت قد استقطبت العديد من مثقفي دارفور.

وقد دعم الإسلاميون في دارفور ثورة الإنقاذ، وانخرطوا في مؤسساتها، لكن أغلبهم ترك الحكم وانضم للمعارضة.

وقد نفى الترابي أن يكون وراء العنف في دارفور، وإن أعلن تأييده لمطالب أهله، وربما سعى لاستخدام دارفور أداة لزعزعة نظام الإنقاذ. ورغم النفي المتكرر لدور المؤتمر الشعبي في الأحداث فإن بعض المراقبين يرى مؤشرات على علاقة ما.

وقد تباينت نظرة حركات المعارضة للنزاع بين من يرى أنه صراع على موارد الطبيعة، ومن يراه صراعاً إثنياً، أفريقياً/عربياً، ويعتبر أن «المركز النيلي المسيطر على السلطة والثروة» الممثل في حكومة الخرطوم هو سبب الأزمة، وثالث يراه صراعاً على أساس جغرافي باعتبار أن دارفور جزء من قطاع واسع مهمش يضم الجنوب والشرق وأقاصي الشمال، كما ظهرت حركات تدعو لانفصال دارفور عن السودان. وهذا التباين لا ينفي أن قيادات الحركات ومعظم قواعدها تنتمي لقبيلتي الفور والزغاوة الأفريقيتين.

ويمكن الحديث عن ثلاثة تنظيمات رئيسة للمعارضة:

1- حركة العدل والمساواة التي وقعت اتفاق قطر ويقودها د. خليل إبراهيم، وكان في السابق من القيادات الوسيطة في جبهة الترابي وحزب المؤتمر الحاكم، وعمل وزيراً للصحة والتربية في ولايتي دارفور والنيل الأزرق في عهد الإنقاذ، وفي 2003م أسس «العدل والمساواة » التي تميل إلى تبني طرح علماني، وفصل الدين عن الدولة، وتدعو لتحالف المهمشين، ويدور جدل كبير حول استمرار علاقة هذه الحركة بحزب المؤتمر (الترابي)، رغم أن الحركة تريد أن تبتعد عن الطروحات العربية الإسلامية لتعزيز علاقتها بالغرب.

2- جبهة تحرير السودان (الأم)، ويترأسها عبدالواحد محمد نور المنتمي إلى الفور، والذي زار الكيان الصهيوني مطالباً بدعم عسكري لقواته، وافتتح فرعاً لحركته في «تل أبيب». وقد رفض نور المشاركة في محادثات الدوحة، وتتحدث بيانات الجبهة عن تهميش دارفور واستبعاد أبنائه من السلطة، وانعدام الخدمات الأساسية فيه، كما تنتقد هيمنة الوسط النيلي، وتنادي بحكم ذاتي موسع، وتزعم أن الاضطهاد والتطهير العرقي المدعوم من الخرطوم ترك سكان دارفور دون خيار سوى اللجوء للمقاومة المسلحة .

وقد انقسمت الحركة إلى: جناح عبدالواحد، وجناح «مني أركو مناوي»، وأجنحة أخرى.

وفي عام 2005م توصل «مناوي» عبر التفاوض مع الحكومة في «أبوجا» إلى اتفاق أصبح بموجبه كبير مساعدي الرئيس ورئيساً للسلطة الانتقالية لدارفور، وضمن له الاتفاق حق الاحتفاظ بقواته العسكرية في معسكرات خاصة، كما شمل إنشاء صندوق لدعم تطبيق اتفاق السلام ودعم مشاريع التنمية بدارفور.

وتتشابه حركـــة تحــرير السودان (جناح نور) إلى حد كبير مع الحركة الشعبية التي قادت التمرد في الجنوب، سواء في الاسم أو تقسيم الأدوار بين سياسي وعسكري، أو في علاقتها الصريحة بالكيان الصهيوني.

3- حزب التحالف الفيدرالي، ويتزعمه أحمد إبراهيم دريج، ونائبه شريف حرير هو الأكثر نشاطاً.

ولا تربط هذه الحركات والأحزاب علاقات ودية فيما بينها، بل تعمد إلى مهاجمة بعضها بعضاً، كما تكثر الانشقاقات داخلها.

عقدة التهميش

وتسيطر عقدة «التهميش» على فكر المعارضة السودانية في الجنوب والغرب، وهي مستعدة للجوء للعمل العسكري، والزج بالبلاد في أتون حرب أهلية من أجل إزالة هذا التهميش، على الرغم من أن السودان ليس حالة متفردة في هذا الشأن، ففي كل الدول النامية تقريباً هناك شكوى من سيطرة المركز واستئثاره بالسلطة والثروة، ولم يكن أبداً اللجوء للسلاح الحل الوحيد ولا السليم لإزالة هذا الوضع.

وإذا كانت المعارضة قد أخطأت باللجوء إلى العمل المسلح والاستعانة بالخارج فإن الحكومات المتعاقبة أخطأت بتجاهل تمثيل وتنمية الولايات حتى انكمش الانتماء الوطني لحد يجعل عبدالواحد نور يستنجد بالصهاينة. فما يأخذه إقليم دارفور من الحكومة لا يتناسب مع مساهمته في الدخل القومي.

كما أن الحكومة لم تتعامل مع التمرد بجدية، واعتبرته مجرد هجمات من قبل قطاع الطرق؛ مغلقة بذلك باب الحل السياسي لتفتح باب الحل الأمني الذي فشل.

صحيح أن السودان أنشأ عام 1993م هيئة مستقلة تسمى«هيئة تنمية ولاية دارفور» تحت إشراف رئيس الجمهورية بهدف إحداث التنمية في الإقليم إلا أن القرار جاء متأخراً، كما أن نتائج مثل هذه الأعمال لا تظهر إلا بعد وقت طويل، وكثير من هذه الأعمال متوقف بسبب النزاع.

حكومة إسفنجية

الدرس الذي فهمه متمردو دارفور من الجنوب هو أن في السودان حكومة إسفنجية قابلة للانضغاط، وهي تقدم التنازلات تلو التنازلات كلما تعرضت للضغوط الداخلية والخارجية، وهو ما يغري بطلب المزيد، والمعضلة أن الحكومة بين نارين:

- إما أن تمتنع عن العطاء، وتدخل في دوامة العنف.

- أو تعطي فتغري بطلب المزيد وتبدو في موقف الضعيف.

وهي معضلة موروثة على كل حال، وهي نتاج حالة التخلف والفقر والضعف الذي ساد البلاد لقرون، لذا فمن غير المتوقع أن ينهي اتفاق الدوحة الصراع؛ فباقي الحركات المتمردة تنتظر نصيبها في الكعكة التي تكاثرت عليها السكاكين.

التغير الملحوظ في الموقف الدولي هو خفوت أو انعدام الحديث عن تدخل عسكري، مع وجود دعم واضح للمحادثات، بخلاف ما كان عليه الحال من قبل، ولا يعني ذلك أن الأخطار المحدقة بالسودان قد زالت؛ فقد ينفصل الجنوب بعد انتهاء المرحلة الانتقالية وفق اتفاقي «مشاكوس» و«نيفاشا»، وقد يعقبه دارفور وربما شرق السودان، وقد يصبح «سيلفا كير» نائب الرئيس السوداني حالياً رئيساً للبلاد إذا سلم الرئيس البشير نفسه للمحكمة الدولية أو اضطر للاستقالة تحت الضغوط!

ويبدو أن المجتمع الدولي يتحرك في اتجاه حل الأزمة عبر المحادثات، بعد الفشل في وقف الاقتتال وزيادة الانتهاكات تجاه المدنيين ومواجهة اللاجئين لظروف قاسية، خاصة أن المفاوضات يمكن أن تعطي مثلما تعطي الحروب.. وربما أكثر.. وتجربة جنوب السودان خير دليل.>