دور الإخوان في إصلاح المجتمع ومحاربة الفساد (11)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
دور الإخوان في إصلاح المجتمع ومحاربة الفساد (11)


محاربة الشيوعية

الإمام الشهيد حسن لبنا

الشيوعية مذهب مادي، تهتم بكل ما هو محسوس على حساب الجانب الروحي، ولذا فقد أنكرت وجود الله ومحت العقيدة ورفضت الأخلاق، يقول لينين: "إننا لا نؤمن بالإله، ونحن نعرف كل المعرفة أن أرباب الكنيسة والإقطاعيين والبرجوازيين لا يخاطبوننا باسم الإله إلا للمحافظة على مصالحهم".

ولقد أوضحنا من قبل جهود الإخوان في التصدي لهذا الفكر الهدام، المتمثل في محاربة التبشير والبهائية والقاديانية، وقد عمل الإخوان على تبصير الشعب بخطورة هذا الفكر على الدين والوحدة، فكتبوا في صحفهم يحذرون الحكومات والمجتمع من هذا المذهب، وفى سبتمبر 1939 اندلعت الحرب العالمية الثانية، وانشغل العالم بها وخفت جذور الدعوة إلى الشيوعية لكن بعد انتهاء الحرب، وظهور الاتحاد السوفيتي (حامي الشيوعية) بمظهر القوى العظمى، عاد المعتنقون لهذا المذهب في الظهور والترويج له بمصر، وإثارة البلبلة وسط العمال وجموع الأمة، ولم يقف الإخوان مكتوفي الأيدي أمام هذا الفكر الهدام، فعملوا على كشف زيفه والتصدي له بالقول والفعل.

فالشيوعية والاشتراكية تفرعت عن "الماركسية" نسبة إلى الفيلسوف الألماني كارل ماركس الذي نشر ما يسمى "البيان الشيوعي" عام 1848 بمشاركة فريدرك إنجلز.

أولاً: ظهور الشيوعية في مصر

وجد هذا التيار ضمن تيارات الفكر الوافد على مصر؛ حيث بدأت تتكون في مصر حلقات شيوعية من الأجانب واليهود الروس، وبعض المصريين بعد الثورة الاشتراكية في روسيا عام 1917م، وتكون الحزب الاشتراكي المصري عام 1921م، وحمل برنامجه معالم الماركسية وكانت تسيطر عليه العناصر اليهودية، وبعد عدة انقسامات تحول إلى حزب شيوعي تبنى خط (العمل المباشر) مما أدى إلى تصادمه مع حكومة سعد زغلول عام 1924م، فما كان من سعد إلا أن وجَّه ضربة لهذا الحزب بدأ بعدها الفكر الشيوعي في الاختفاء.

ويرجع بداية العمل الشيوعي في مصر إلى نهاية الحرب العالمية الأولى، عندما بدأت بعض العناصر الأجنبية بالإسكندرية نشر الشيوعية تحت إشراف جوزيف روزنتال، وانضم له بعض المصريين أمثال سلامة موسى، وعلي العناني، ومحمود حسني العرابي، وتشكل الحزب الاشتراكي المصري، ثم تحوَّل إلى الحزب الشيوعي المصري في يناير 1923، والذي تبنى سلسلة إضرابات واعتصامات عمالية، أدت إلى القبض على أعضاء الحزب الشيوعي والحكم عليهم بالسجن.

ولو نظرنا إلى الأسباب التي أدَّت إلى ظهور الشيوعية لوجدنا أنها تمثَّلت في:

1- عدم رضاء الشباب عن نتائج ثورة 1919 والتي حققت حلولاً للأزمة الاجتماعية؛ كالفوارق الطبقية والبطالة.

2- أصداء ثورة أكتوبر 1917 الروسية في مصر وانكباب بعض الشباب المصريين على التعرف على الفكر الشيوعي.

وفى 25 مايو 1926 أصدر أحمد زيور باشا رئيس الوزراء قانونًا يطلق يد الوزارة في تعقب الشيوعيين، كما منع البواخر السوفيتية من دخول الموانئ المصرية، وقام باعتقال بعض الروس وترحيلهم، وحظر استيراد الصحف والكتب الاشتراكية أو بيعها للجمهور.

والشيوعية دعوة هدَّامة، تستند إلى أسس اجتماعية واقتصادية، وهي قديمة جدًّا، غير أنها لم تنتظم إلى مذهب ثوري ذي قواعد ونظم معينة إلا في فاتحة القرن التاسع عشر، وقد كانت الشيوعية نظام المجتمعات البشرية في طورها الأول، وفي مهاده قامت الملكية الشخصية، ثم كان مثلاً تبشر به بعض المذاهب الفلسفية والدينية، وغاية يدعو إليها بعض الطوائف الدينية والثورية، والغاية الشيوعية تكاد تطابق الغاية الاشتراكية ولا تخالفها إلا في بعض الإجراءات التفصيلية، بيد أن الشيوعية ثورية في جوهرها وفي وسائلها، وهي أشد إمعانًا في الهدم من أية حركة ثورية أخرى.

والشيوعية مذهب مادي يؤمن بالمحسوس فقط، ويفسر حركة التاريخ والفتوحات بأنها كانت لغرض مادي، وكانت في سبيل التملك والتوسع، ومن ثم راحت الشيوعية تهتم بكل محسوس على ظهر الأرض، وبكل محسوس في الكيان البشري من مأكل وملبس ومسكن وشهوة، ثم طمست في الإنسان جانب الروح؛ فأنكرت وجود الله ومحت العقيدة الحقة، ورفضت كل ما يشع منها من مثل وأخلاق، فالشيوعية في جوهرها حرب على كل القيم الإنسانية وعلى المثل العليا، حرب على الدين والتدين، حرب على الخلق والفضيلة، يقول ستالين: "لا يستطيع الحزب أن يقف من الدين موقف الحياد، إن الحزب يشن حملة دعاية ضد أي انحياز للدين".

ثانيًا: دور الإخوان في التصدي للشيوعية

لقد كان للإخوان وصحافتهم موقف واضح حاسم من الشيوعية في العالم الإسلامي عامةً، وفي مصر خاصةً، إذ شعروا بخطورتها في بداية ظهورها، فحذروا ونشروا أول تحذير لهم من هذا الخطر القادم في افتتاحية جريدة الإخوان المسلمين تحت عنوان: "فليحذر الإخوان.. انقلاب خطير يهدد العالم"، جاء فيه: "ولكن يا ترى ما عوامل هذا الانقلاب؟ ومن هم الذين يحرِّضون عليه؟ ومتى يكون؟ وهل يستقر النظام أو تسود الفوضى بعد ذلك؟ ومن يذهب ضحيةً لهذا؟ وكيف الخلاص؟

عاملان قويان يلوحان بسلاح الخطر ويهددان كيان المجتمع وهما سائران بخطى سريعة، ولو صحت حركات واحد منهما لهدمت المساجد وعطلت العبادة، وأبيحت الأعراض وذلت الأديان بعد عزة ولا حول ولا قوة إلا بالله.

"أخاف من الشيوعية وقد نشطت واندس دعاتها في كل شعوب الأرض ولبسوا أثوابًا كاذبة يتوارون خلفها ليدسوا السم للمرضى على سبيل الدواء فيقتلونهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.

أيها الإخوان إلى العمل، يا جنود الحق طغى إبليس وجنوده يحاربون الله ورسوله في الأرض، يتربصون بكم الدوائر يريدون الانتصار عليكم، فهل أنتم منهزمون؟

يا جنود الحق، شرعوا لكم من الدين ما لم يأذن به الله، أبيح الزنى، واستحل الربا، وطغى سيل التهتك، واستبدل العمل بما وضعه الغربيون عما في كتاب الله فهل أنتم راضون؟"

فلبى الإخوان النداء وقامت مقاومة شديدة.

كما كتب مصطفى الرفاعي اللبان سلسلةَ مقالات تحت عنوان: "خطر اليهود في مصر" كشف فيها عن مدى السيطرة اليهودية على مختلف جوانب الحياة الاقتصادية المصرية، وتغلغلها في جميع الأنشطة المالية، وسيطرتها على البنوك والمصارف، وعن المنظمات الماسونية وجذورها وأهدافها الصهيونية، وعن الشيوعية ومدى علاقتها وارتباطها بالصهيونية.

وكتب الإمام البنا مقالاً تحت عنوان "مشرق الشمس" قال فيه: "وانطلقت الشيوعية المخربة تبشر بعالمية جديدة، تجمع حولها الأعوان والأنصار، وتنشر بها القلق والفوضى والكراهة والبغضاء في كل مكان، وأن علينا أن نتميز بصفاتنا، ونعتز بتراثنا ونستمسك بخصائصنا، ونستلهم الحق والخير من رسالات ربنا، ونثبت في ميدان الكفاح للحرية والإسلام، فإن الفارق بين الهزيمة والنصر "صبر ساعة" تضبط فيها النفوس، وتهدأ بإذن الله".

كما أوضح واجب الحكومات المسلمة ودورها نحو شعوبها فكتب تحت عنوان "لو كان لنا حكومة" في رسالة الإخوان المسلمون تحت راية القرآن يقول: "عجيب أن تجد الشيوعية دولةً تهتف بها، وتدعو إليها، وتنفق في سبيلها، وتحمل الناس عليها، وأن تجد الفاشستية والنازية أممًا تقدسها، وتجاهد لها، وتعتز باتباعها، وتخضع كل النظم الحيوية لتعاليمها، وأن تجد المذاهب الاجتماعية والسياسية المختلفة أنصارًا أقوياء، يقفون عليها أرواحهم وعقولهم وأقلامهم وأموالهم وصحفهم وجهودهم، ويحيون ويموتون لها.

ولا نجد حكومة إسلامية تقوم بواجب الدعوة إلى الإسلام، الذي جمع محاسن هذه النظم جميعًا وطرح مساوئها، وتقدمه لغيرها من الشعوب كنظام عالمي فيه الحل الصحيح الواضح المريح لكل مشاكل البشرية".

لقد نشط الإمام حسن البنا، كداعية إلى الله، يندد بجشع الرأسمالية ويدعو إلى العدالة الاجتماعية كما جاءت في الإسلام، كما نهض الإمام الشهيد يحارب الشيوعية بما فيها من إلحاد وإباحية، ويدعو إلى الربانية وإلى الفضيلة ومكارم الأخلاق.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ظهر بعث شيوعي جديد على مجموعة من الشباب اليهوديين المصريين أمثال هنري كورييل ومارسيل إسرائيل وقد انضم بعد ذلك بعض المصريين الذين شكلوا بداية الحركة الشيوعية بعد الحرب وكانوا جميعًا ينتمون إلى الطبقة البرجوازية الكبيرة ذات الثقافة الأجنبية، حتى حدث الشقاق بينهما فانقسمت الحركة إلى عدة حركات.

كما كوَّن هلل شوارتز تنظيم "أسكرا" وأصدر فيما بعد جريدة الجماهير، كما كوَّن مارسيل إسرائيل تنظيم "تحرير الشعب"، وكان أصحاب هذه التنظيمات يميلون للثقافة الفرنسية، وكان الاختلاف السمة البارزة بينهم.

لقد عملت الحركة المصرية للتحرر الوطني على ضم المصريين دون أخواتها من المنظمات الشيوعية الأخرى، ولقد أنفقت الأموال الكثيرة على قسم النشر والمجلات العلنية والنشرات السرية.

واتحدت الحركة المصرية للتحرير الوطني مع الطليعة الوفدية، ولذا أصبح لهم تأثير في النماذج الوفدية، وظل الوضع حتى كان يوم 11 يوليو 1946 عندما قام البوليس السياسي بتوجيه ضربة قوية للشيوعيين وأعوانهم بالقبض على هنري كورييل وأكثر من مائتي شخص من الكتاب والقيادات الطلابية والعمالية.

وفي يناير 1946 تكونت اللجنة الوطنية للعمال والطلبة من الشيوعيين والوفدين، ويقول طارق البشرى: "إنه خلال المدة من 1943 إلى 1945 ظهرت لمدة مجموعات شيوعية في مقدمتها الطليعة التي تكونت من طلبة ومثقفين وفديين.

ولقد برز نشاط الشباب اليساري في الوفد من خلال جريدة الوفد المصري والتي كانوا يعملون من خلالها ويتخذونها منبرًا لتوصيل أفكارهم ومهاجمة خصومهم.

وعندما تشكلت اللجنة التنفيذية للطلبة بين الوفد والشيوعيين رفض الإخوان الانضمام إليها، وكتب عبد الحكيم عابدين تحت عنوان (على مفترق الطرق- إسلامية قرآنية- تهدي الناس سواء السبيل) وضح فيه أن الشيوعية لا تعمل على وحدة الشعوب بل تفرق بين الأجناس من حيث الدين واللون.

وفي حوار أجراه مستر سبنسر المراسل الحربي الأمريكي مع الأستاذ البنا أوضح الإمام البنا أن الشيوعية كمبدأ فلسفة الإسلام وتشريعه يغني الأمة عما تنادي به الشيوعية، بل الإسلام يعتمد على الإقناع لا على العنف وهو ليس محذرًا للأمم أو داعيًا لها إلى التواكل بل عمل على حصول كل فرد على حقوقه.

وكتب عبد العزيز الزهيري تحت عنوان (ارجعوا إلى الإسلام): "لقد باءت ديمقراطية أوروبا واشتراكيتها وشيوعيتها بخذلان مبين؛ لأنها مبادئ لا ترتكز على شعور إنساني كريم وإنما دعا إليها وبشر بها ما ملأ قلوب الناس من أحقاد، وأن الشيوعية تعتمد على إضرام نيران البغضاء في القلوب بين طبقات المجتمع".

وكتب عبد العزيز كامل سلسلة مقالات تحت عنوان (الدين في الميزان) شرح فيها كيف بدأت فكرة الشيوعية والاشتراكية في ذهن كارل ماركس، والسبب الذي دفعه للدعوة إليها، وأسباب نبذه للدين؛ حيث قال عنه: "إنه لا يَخلُق الإنسان، ولكن الإنسان هو الذي يصوغ الدين، وإن الدين عبارة عن صدى الألم الذي يتردد في نفس المظلومين كما أنه الأفيون الذي يخدر الناس ويجعلهم يرضخون للمظالم التي يلقيها على عاتقهم النظام القائم وعلى ذلك لن يكون الناس سعداء حقًّا إلا إذا حرموا من هذه السعادة الوهمية وذلك بإلغاء الدين.

ولقد نشرت مجلة الإخوان ما كتبته مجلة المنار السورية تحت عنوان (الإخوان المسلمون في مصر بين الوفديين والشيوعيين)، ذكرت: سر العداء بين الشيوعية والإخوان فذكرت أن الشيوعيين يأتمرون بأمر موسكو، كما أنهم دعاة إلحاد وفوضى وهذا على خلاف الإخوان الذين يأتمرون بأوامر شرع الله ويدعون إلى الإيمان وسمو الأخلاق.

وعندما حاول العمال الشيوعيون تعطيل العمل بدون سبب ومحاولة التخريب تصدى لهم العمال الإخوان ومنعوهم من فعل شيء يسيء للعمال ولمصانعهم وكان ذلك في شركة الغزل والمنسوجات بكرموز.

وفي حوار لصحيفة (روز اليوسف) مع الإمام البنا حول الشيوعية وهل ستجد مكانًا لها في الدول الإسلامية قال: "في الإسلام ما يغني الشعوب الإسلامية من كل ما سواه من المبادئ، وخصوصًا وهو قد اهتم بالتقريب بين الطبقات، ورعاية المساواة والعدالة الاجتماعية وإشراب ذلك بروح العطف والتكافل، ولو طبقت مبادئ الإسلام تطبيقًا صحيحًا، لما وجدت المبادئ الشيوعية أو غيرها أي مجال.

ولقد هاجم الشيوعيون الإخوان وطالبوا الحكومة بحل جماعة الإخوان وذلك عبر صحيفة "الجماهير" اليسارية وفي عام 1951م قاد الشيوعيون المصريون الحركة بعد التخلص من شوارتز وكورييل، وظل الإخوان يتصدون للشيوعيين حتى في أحلك الظروف داخل المعتقلات بعد محنة 1954م.

المراجع

1- رءوف عباس: أوراق هنري كورييل والحركة الشيوعية المصرية، ترجمة عزة كامل، الطبعة الأولى، سينا للنشر القاهرة 1988م.

2- عبد الله الخطيب، فوق أطلال الماركسية والإلحاد، الطبعة الأولى، دار المنار الحديثة، القاهرة 1989م.

3- جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2003م.


للمزيد عن دور الإخوان في الإصلاح

كتب متعلقة

من رسائل الإمام حسن البنا

ملفات وأبحاث متعلقة

مقالات متعلقة

الإصلاح السياسي:

الإصلاح الإجتماعي ومحاربة الفساد:

تابع مقالات متعلقة

رؤية الإمام البنا لنهضة الأمة

قضايا المرأة والأسرة:

الإخوان وإصلاح التعليم:

موقف الإخوان من الوطنية:

متفرقات:

أحداث في صور

.