دور الإخوان في إصلاح المجتمع ومحاربة الفساد (2)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
دور الإخوان في إصلاح المجتمع ومحاربة الفساد (2)


الإمام الشهيد حسن البنا


تحدثنا من قبل عن جهود الإخوان في التصدي لحركات التبشير والجهود التي قام بها المركز العام للإخوان في تنبيه الناس بهذا الخطر، وما يحدث الآن لم يتغيَّر عمَّا كان يحدث في عهد الإمام البنا؛ فحملات التنصير والتبشير منتشرة وسط ربوع الأمة الإسلامية تحت نظر ورعاية الحكام المسلمين، بيد أن الظروف تغيَّرت؛ فالإخوان الآن محاصرون ومضيَّق عليهم أشدَّ تضييق، لكنهم مع ذلك لا يتوانون عن العمل وبذل الجهد.

لم يكن خطر التبشير هو وحده الذي ابتليت به مصر- وتصدى له الإخوان وحرَّكوا الأزهر الشريف للتصدي له- بل هجم عليها في مأمنها خطرٌ وبلاءٌ أخطر، ألا وهو: البابية، والبهائية، والقاديانية.

فما هذه الأخطار التي ابتليت البلاد بها؟ وكيف تصدَّى الإخوان له؟ وكيف كشفوا ستر هؤلاء المضلين المخادعين؟.. هذا ما سنتحدث عليه عبر هذه السطور القليلة.

ما هي هذه الحركات؟

البهائية مذهب مادي لا يعترف بالروح وخلودها، وينكر الآخرة وما فيها من نعيم أو جحيم، ولقد ادَّعى مؤسسها النبوةَ ثم الألوهيةَ، وزعم أنصاره أن الوحي نزل عليهم بكتب مقدسة، وهي: "البيان"، و"الإيقان"، و"الأقداس"، وكل هذه الكتب تُعارض القرآن!!.

ولقد حرَّمت البهائية الجهاد ومقاومة الاحتلال، كما أحلَّت المحرَّمات والرِّبا، ويُعتبر البهائيون من أشد الناس عملاً لتمكين اليهودية والصهيونية.

والبابية مؤسسها يدعى علي بن محمد بن الميرزا البزاز الشيرازي، ولد بشيراز بإيران عام 1235هـ- 1819م، وعندما بلغ سن الشباب جاهر بعقيدة مخالفة للإسلام، وادعى أنه الباب وأنه المهدي المنتظر، ولقد قُبض عليه وأُعدم رميًا بالرصاص في تبريز عام 1266هـ- 1850م.

ولقد ورثت البهائية البابية في معتقداتها؛ فمؤسس البهائية هو حسين علي نوري بن عباس بن بزرك المعروف بالبهاء، ولد ببلدة نور بإيران عام 1233هـ- 1817م، وقد اعتنق دعوة الباب وخلفه في دعوته، اتُّهم بالاشتراك في مؤامرة لقتل شاه إيران؛ انتقامًا لمقتل الباب، فقُبض عليه ونُفي إلى بغداد ثم تركيا، ثم سُجن في عكا عام 1868م، ثم أفرج عنه ومات ودفن في حيفا بفلسطين عام 1309هـ- 1892م.

خلفه عباس عبد البهاء- ابن مؤسس البهائية- في فلسطين، ويعتبر من أنشط من دعا إلى البهائية.

وتُعتبر الولايات المتحدة موطنًا رئيسيًّا للبهائية حيث الصهيونية، ومن المعروف أن البهائية تنشط حيث تنشط الصهيونية.

أما القاديانية فهي حركة نشأت سنة 1900م بتخطيط من الاستعمار في القارة الهندية؛ بهدف إبعاد المسلمين عن دينهم، وعن فريضة الجهاد بشكل خاص؛ حتى لا يواجهوا المستعمر باسم الإسلام، وكان لسان حال هذه الحركة هو مجلة "الأديان" التي تصدر باللغة الإنجليزية مرةً كل شهر منذ 1902م، وصاحب هذا المذهب هو ميرزا غلام أحمد، ألَّف كتابًا سمَّاه "براهين الأحمدية" وخرج الجزء الأول منه 1880م، وفي هذا الجزء ادَّعى المؤلف أنه "المهدي"!!.

يقول أبو الحسن الندوي: "إن القاديانية تنشر في العالم الإسلامي الفوضى الفكرية وعدم الثقة بمصادر الإسلام الصميمة ومراجعة سلفه، وتقطع صلة هذه الأمة عن ماضيها وعن خير أيامها وأفضل رجالها، وتفتح باب الأدعياء والمتطفلين على مصراعيه، وتسيء الظن بقوة الإسلام وحيويته وإنتاجه، وتيئس المسلمين من مستقبلهم".

عمل القاديانيون لمذهبهم في مصر عدة سنوات متتالية، وقد نشطت دعايتهم في الأيام الأخيرة نشاطًا ملموسًا، واستغلوا مظاهر الانحلال الخلقي والعقدي في الأمة، فأخذوا يزيِّنون لمَن يتصلون بهم دعايتَهم الخاطئة.

منهج الإخوان في التصدي لهم

اتخذ الإخوان موقفًا رادعًا من كل الأفكار والحركات التي تهدف إلى تحريف عقيدة الإسلام وإخراج الناس منها، وكان هذا الموقف واضحًا وصريحًا منذ البداية، ولا غرابةَ في ذلك؛ فدعوةٌ قامت لإرجاع الناس إلى العقيدة الصحيحة والعبادة السليمة وتوحيد الله وجعْل الإسلام عقيدةً وشريعةً ومنهاجَ حياة، لا يمكن أن تتهاون مع مَن يهدم في هذه العقيدة.

كشف الإخوان زيف البابية والبهائية، وأظهروا حقيقتها وحذَّروا المسلمين من خطرها والأسباب التي مهَّدت لطاغية البابية، والذي زعم مرةً أنه خاتم النبيين، وأخرى أنه المهدي المنتَظر، وثالثة أنه الله!!.

وبيَّنوا أن الباب- زعيم البهائيين- أحد أذناب الطائفة الباطنية، وأن البهائيين لا يؤمنون بالبعث والنشور والثواب والعقاب، فحاربوا هذه العقيدة الباطلة، وفنَّدوا مزاعمها، وخاصةً عقيدتهم في المهدي المنتَظر، واستدلَّوا على زيْفها مما جاء في الأديان السماوية الأخرى عن المهدي المنتظر وأوصافه في التوراة والإنجيل والديانات الأخرى، كالبوذية وغيرها، ثم ذكروا الأحاديث النبوية التي جاءت في شأن المهدي المنتظر، ونقلوا كلام الأئمة الأعلام من الثقات في هذه الأحاديث، ووضَّحوا صحتها وصلاحيتها للاستدلال، وقارنوا بين المهدي الذي ذكرت أوصافَه السنةُ، وبيَّنوا أن هذا الدجال الأفَّاك، طاغية البابيين والبهائيين، ليس بينه وأتباعه وبين المهدي المنتظر صلةٌ ولا معرفةٌ ولا نسبٌ، وإنما هم أفَّاكون كذَّابون.

ولقد نشرت مجلة "النذير"- والتي أصدرها الإخوان عام 1938م وتوقَّفت أوائل 1940م- تحت عنوان "البهائية" مقالاً لأحد الإخوان يوضِّح هذه الحقائق ويكشف زيف هذه الحركة الهدَّامة التي غزت المجتمع، كما أنهم أخذوا يستطلعون رأي كبار مشايخ الأزهر في هذه الطائفة ومن يؤمن بها، فأوضحوا أنها نِحلةٌ مستحدَثة لأناسٍ اتخذوا إلههم هواهم، وأضلهم الله وختم على قلوبهم، وجعل على أبصارهم غشاوة فهم لا يبصرون، دِينٌ حديث في تعاليمه ومسائله؛ يحتم على معتنقيه الأخذ بعقائده، والقيام بتبليغ دعوته، قومٌ يتبعون غير سبيل المؤمنين، وإنها طائفةٌ ضالةٌ مضلةٌ؛ لا تريد بالإسلام إلا شرًّا.

ولقد أفاد الإمام الشيخ محمد عبده حين سُئل عن عباس هذا فقال: "إنه ضالٌّ مضلٌّ"، وأن هذه الشرذمة تنازع الإسلام في جميع تعاليمه.

وللبهاء أحكام في كتبه المطبوعة والمخطوطة:

1- الهيكل 2- الأقدس 3- الإيقان 4- الألواح 5- البيان

وفي الإسماعيلية عندما تُوفِّي البهائي الذي يُدعَى محمد سليمان عبد الله، رفض الإخوان بالإسماعيلية أن يُدفن في مدافن المسلمين؛ لأنه ليس منهم، وحتى يكون هذا الموقف رادعًا لأي إنسان يعتنق هذا المذهب، وقد اعتُقل في هذا الحادث الأخ عوض أفندي عبد الكريم، وأشار الإخوان إلى أنه لعل في هذا الحادث عبرةً للمسلمين فيصدون الكفر بمثل هذه الإرادة الإسلامية والعزة المحمدية، فقد كان من ثمار هذا الحادث أن رجع إلى الله ثلاثةٌ من هذه الطائفة "البهائية".

وقد حدث نفس الأمر في بورسعيد؛ حيث إن الإخوان رفضوا دفن أحد البهائيين في مقابر المسلمين، وقد أصدر الإخوان في ذلك بيانًا كان نصه:

في صباح يوم الخميس الموافق 9 رجب سنة 1358ه علم بعض الإخوان أن أحد البهائيين الأنجاس قد زُهقت روحه الخبيثة إلى جهنم وبئس المصير، وعرفوا أن أهله وأعوانه يريدون أن يدفنوه في مقابر المسلمين، فما هي إلا لحظات حتى قام الإخوان بلفت نظر المسلمين إلى هذا الأمر الخطير، وإلى ما فيه من غضب الله ومخالفة الدين، كما طلبوا منهم أن يعاونوهم في مقاومة هذا البلاء، فما كان من المسلمين البورسعيديين إلا أن لبُّوا النداء، وقاموا بما يوجبه عليهم دينهم من مقاومة المنكر والقضاء عليه، فما وافى الظهر حتى كانت بورسعيد كلها قد علمت بهذا النبأ وأعدَّت له عُدَّته، فرابط فريقٌ من الإخوان بالجبانة حتى المساء، كما قام أهل المناخ، وهو الحي الفاصل بين المدينة والجبانة، قاموا مستعدين لمنعهم إذا مر بحيهم، وقبل صلاة العصر كانت الأهالي جميعًا قد تجمهرت عند دار الخبيث الراحل، فما أن علمت حكمدارية القنال بذلك حتى أرسلت أكثر من خمسين جنديًّا للمحافظة على النظام، ولمنع الأهالي من الاعتداء على المنزل ومن فيه، واستمروا على هذا المنوال إلى ما بعد العشاء وهم في حيرة من أمرهم.. أين يدفنونه؟.

وقد بذل رئيسهم- أو نبيهم كما يزعمون- جهدًا جبَّارًا لدفنه بمختلف الطرق، ولكن جهودهم ذهبت أدراج الرياح أمام يقظة الإخوان، وأخيرًا لم يستطيعوا دفنه إلا في طريق الإسماعيلية على بعد 50 ميلاً من بورسعيد، وكان درسًا قاسيًا ألقاه الإخوان على البهائية وعلى الملحدين والخارجين على الدين، كما كان نصرًا للمسلمين قرَّت به أعينهم وفرحت به قلوبهم، ولا يفوتنا أن ننوِّه بجهود حضرات الإخوان المحترمين الذين اهتموا بالأمر من مبدئه إلى آخره، وهم: الأخ حامد أفندي المصري، ومحمد أفندي شحاتة، وإبراهيم أفندي السيسي، فلهم الجزاء من الله ومنا الشكر.

وقد حرص الإخوان على إعلان أسماء من يتبرَّأ من هذه الطائفة؛ حتى يكون مثالاً يُقتدى به من الآخرين؛ فقد نشرت "النذير" نشرةً مطبوعةً لواحدٍ ممن تبرَّأ من البهائية إلى الإسلام كان نصها:

حضرة صاحب العزة مأمور قسم الإسماعيلية..

مقدمه لعزتكم عبد العزيز عبد النبي شلبي (تاجر وترزي بشارع بالإسماعيلية). سبق أن اتصلتُ بالجماعة البهائية، ولكن تبين لي ضلال هذه العقيدة؛ ولذلك رجعت عنها إلى ديني وإسلامي، فلزم إخباركم بذلك؛ حتى لا يكونَ اسمي ضمن هذه الجماعة، وتفضَّلوا بقبول احترامي".

وكتب آخر: "أنا فؤاد محمد حسين (ترزي أفرنكي بالإسماعيلية)، وبحضور الأستاذ الشيخ محمد فرغلي وفا، واعظ القنال ونائب الإخوان، وقد تبيَّن لي ضلال هذه الفئة ومناقضة مذهبها للإسلام، فرجعت إلى الإسلام وتبرَّأت من هذه الجماعة الملحدة".

لم يقتصر جهود الإخوان عند البهائية فحسب، بل وقفوا بالمرصاد للقاديانية، وإن كان وجود هذه الطائفة أضعف من البهائية، إلا أن الإخوان كانوا يحذِّرون الناس منها إذا ما بدا لها بعض الظهور؛ فعندما علم الإخوان بقدوم طالبين من ألبانيا إلى مصر للانتساب للأزهر الشريف، وكانا قد تعلَّما بمدرسة قاديانية بلاهور، واعتنقا ديانة عدو الله غلام أحمد القادياني، بدأ الإخوان يُحذِّرون من هذا الخطر، ولمَّا علم مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين بذلك الخبر بادر فضيلة الأستاذ المرشد العام بإرسال خطاباتٍ إلى كلٍّ من فضيلة شيخ الجامع الأزهر، وشيخ كلية أصول الدين، وشيخ القسم العام؛ يلفت نظرهم فيها إلى خطر انتساب مثل هذين الطالبين إلى الأزهر الذي هو أكبر جامعات الإسلام؛ لأنهما سوف يقومان بنشر الدعاية الضالة لمذهبهما القائل بتحريم الجهاد ورفع السيف أمام أعداء الإسلام، وحض المسلمين على الدخول في نير الحكم الإنجليزي.. إلخ.

وكان أن أمر فضيلة شيخ الجامع الأزهر بعمل تحقيق إداري قام به شيخ القسم العام، فاعترف الطالبان بانتسابهما إلى مذهب عدو الله المتنبئ الكاذب غلام أحمد القادياني الذي ادَّعى نزول الوحي عليه والرسالة والنبوة.

ولما انتهى التحقيق الإداري شكَّل فضيلة شيخ الجامع لجنةً علميةً مؤلَّفةً من 5 أعضاء؛ هم حضرات أصحاب الفضيلة: الشيخ عبد المجيد اللبان شيخ كلية أصول الدين، والشيخ إبراهيم الجبالي شيخ معهد طنطا، والشيخ محمد العناني رئيس مفتشي العلوم العربية بالأزهر، والشيخ محمود أبو دقيقة من جماعة كبار العلماء، والشيخ محمد العدوي مفتش الوعظ بالأزهر؛ وذلك لدراسة مذهب أعداء الدين القاديانية.

وقد صعَّد الإخوان هجومهم على القاديانية؛ حيث شرح الإمام البنا في مجلة "المنار" للرأي العام نشأةَ هذه الطائفة وفساد عقيدة مؤسسها غلام أحمد الذي ادَّعى أنه المسيح الموعود به، وأن روح الله قد حلَّت فيه، وأنه المهدي المنظر.. إلخ".

وكان نتيجةً لهذه الضجة التي أثارها الإخوان أن أعلن الطالبان براءتهما من هذا المذهب، وصرَّحا بتوبتهما النصوحة ورجوعهما إلى عقيدة الإسلام الصحيحة.

وبذلك استطاع الإخوان الحفاظ على المجتمع من هذا الداء وغيره من الأدواء التي تهدد المجتمع المصري بوجه خاص، والمجتمعات الإسلامية بوجه عام.


للمزيد عن دور الإخوان في الإصلاح

كتب متعلقة

من رسائل الإمام حسن البنا

ملفات وأبحاث متعلقة

مقالات متعلقة

الإصلاح السياسي:

الإصلاح الإجتماعي ومحاربة الفساد:

تابع مقالات متعلقة

رؤية الإمام البنا لنهضة الأمة

قضايا المرأة والأسرة:

الإخوان وإصلاح التعليم:

موقف الإخوان من الوطنية:

متفرقات:

أحداث في صور

.