الفرق بين المراجعتين لصفحة: «دولة المساجد ووطنية الربانيين»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
(أنشأ الصفحة ب''''<center><font color="blue"><font size=5>دولة المساجد ووطنية الربانيين</font></font></center>''' '''بقلم الإمام الشهيد [[حسن...')
 
ط (حمى "دولة المساجد ووطنية الربانيين" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
(لا فرق)

مراجعة ٠٩:٢٩، ٢٨ مارس ٢٠١٢

دولة المساجد ووطنية الربانيين

بقلم الإمام الشهيد حسن البنا

من أخطاء الحكام المصريين أنهم متى أسندت إليهم مقاليد الحكم شعروا بهوة سحيقة بينهم وبين الشعب، ونظروا إلى الأمة نظرة الحيطة والحذر إن لم تكن نظرة الجفاء والخصومة، ولعل هذا أثر من آثار الحكم الاستعمارى الذى رزح الوطن تحت أعبائه أكثر من نصف قرن كان فيه هؤلاء الساسة والحكام ما بين موظف أو صديق أو نصير حسن الظن بالغاصبين، فلا عجب أن تظل رواسب هذا الحكم الغاصب فى نفوس هؤلاء الحاكمين ولو فى عهد الاستقلال كما يزعمون!

والحاكم فى الإسلام راع يعلم ووالد وقائد، وفى الديموقراطية نائب ووكيل وشريك ومساعد.

ولن تتوافر هذه المعانى جميعا إلا إذا توافرت المشاركة الوجدانية الكاملة فأصبح الحاكم يحس بإحساس المحكومين، ويشعر بشعورهم، ويتألم لألمهم، ويسر بسرورهم، ويصبح قلبه هو القلب الكبير المحيط بكل شئونهم.

وأشد ما تكون الأمة حاجة إلى هذه المشاركة الوجدانية التى تدفع إلى المشاركة الفعلية إذا واجهتها المصاعب وأحاطت بها الأزمات من كل جانب، ورحم الله عمر حين وقف على المنبر عام المجاعة ولبطنه قرقرة من الزيت فضرب عليه بيده وقال: قرقر أو لا تقرقر والله لن تأدم السمن حتى يخصب المسلمون.

هل للشعب فى الأزمات من قائد أحنى عليه وأعطف، وأعلم بمسالك الطريق وأعرف من حكامه؟

وهل للحاكمين من سند إذا أظلمت المسالك واشتدت الحوالك أقوى وأعز من الشعب؟ إليه يستندون من روحه وحماسته يستلهمون، وعليه بعد الله يعتمدون.

ولكن الحكام المصريين سرعان ما ينسون أو يتناسون هذه الحقائق جميعا فيقفون من الشعب موقف المتوجس المترصد، ويحشدون له من القوى الظاهرة والخفية ما يتصورون أنه كفيل بكبت مشاعره، وقتل عواطفه، وكبح إرادته، وخنق حريته باسم حماية القانون تارة وبحجة المحافظة على الأمن والنظام تارة أخرى.

ولو أراد هؤلاء الناس أن يضعوا الأمور فى مواضعها لرسموا بأنفسهم لهذا الشعب طريق جهاده، ولاستطاعوا -إن كانوا مخلصين- أن يوفقوا بين واجباتهم الوطنية وتبعاتهم الرسمية، ولكنهم لم يفعلوا ويبدوا أنهم لا يريدون أن يفعلوا، بل لعل ذلك مما لا يخطر لهم ببال، ما داموا يستطيعون أن يتغلبوا ولو فى ظاهر الأمر على المشاعر والعواطف بالقهر والجبروت.

لقد أصدر صدقى باشا أمره بتأخير الدراسة فى المعاهد العلمية شهرا فى وقت هو أنسب شهور العام للدراسة والتحصيل.

وراقب الهيئات والأندية والجماعات وبخاصة دور الإخوان المسلمين وضيق الخناق على المجتمعين فيها والمترددين عليها، بل لقد وصل الأمر إلى أن أباح رجال البوليس لأنفسهم أن يقتحموا الأندية الخاصة وأن يقبضوا على من فيها بدون إذن من النيابة أو أمر من القضاء.

وجل الأمر وفدح الخطب فصدرت الأوامر إلى أئمة المساجد وموظفيها أن يمنعوا المصلين من الاجتماع بها عقب الصلوات، وأن يقوموا فورا بمهمة تفريقهم كما يفعل رجال البوليس فى المظاهرات، وإلا عرضوا أنفسهم لأثقل التبعات، ووضع فى كل مسجد مخبر خاص يراقب الناس ويلاحظ تنفيذ التعليمات، كما وضعت على بابه قوة تتفاوت بحسب موقع المسجد واتساعه والإقبال عليه لتستخدم عند اللزوم فى البطش والعدوان.

لقد استبشرت بهذا وفرحت به؛ لأنه تصحيح للوضع الخاطئ الذى أخذ به الناس حينا من الدهر فبعدوا به عن الحق وبعدوا عن الله، فالمسجد كان وما زال مشرق النور، ومطلع الهداية، ومنبع المشاعر الصافية الكريمة فى الروحانية أو فى الوطنية على السواء.

ويوم يأخذ أهل المساجد بزمام الحركات الدينية أو القومية، فقد أخذ القوس باريها ورجع الأمر إلى نصابه، وبهذه المناسبة ألفت نظر الحاكمين والغاصبين معا إلى أمرين:

إلى أن هذه الوسائل كلها لن تجديهم نفعا، فلم يعد الشعور الوطنى مقصورا على طبقة دون طبقة، أو مختصا بجماعة دون جماعة، فالطلاب والعمال والموظفون وغير الموظفين سواء فى هذا الشعور، بل إنى لأذكر لهم عن يقين أن هذا الشعور الغامر قد جرف ضباط الجيش وجنوده، وضابط البوليس ورجاله، ولم تعد تستطيع قوة بعد ذلك أن تكسر حدته أو تطفئ جذوته.

وإلى أن هذا الشعور الآن من نوع جديد ولون جديد؛ فهو شعور امتزج به حب الوطن برسالة الإسلام، والجهاد فى سبيل البلاد بالجهاد فى سبيل الاعتقاد، وأخلص فيه أهله النية لله باذلين فادين مضحين، وقد انصهرت النفوس وأذابت فيها حرارة الإيمان كل معانى الوصولية والنفعية.

وأصبح الواحد من هؤلاء المواطنين الآن يستعذب الموت ويتشهاه كما يستعذب أهل الحياة الدنيا طعم الحياة وستكشف الحوادث والأيام عن الفارق البعيد بين أحلاس الأندية وعباد المساجد وبين وطنية السياسيين ووطنية الربانيين، ولن يقف شىء فى سبيل العاملين والمجاهدين ليرقب صدقى باشا المعاهد والمساجد أو ليدعها، فسيقام للعمل فى كل قلب محراب، وسيجد المجاهدون إلى جهادهم ألف باب إذا أغلق فى وجههم الباب: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِى خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِى الدُّنْيَا خِزْىٌ وَلَهُمْ فِى الآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ*وَللهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾[البقرة: 114-115].

المصدر: الإخوان المسلمون اليومية، العدد (145)، السنة الأولى، 27 ذو القعدة 1365ه- 22 أكتوبر 1946، ص(1).