دولة مؤسسات أم دولة قبائل..! ؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
دولة مؤسسات أم دولة قبائل..! ؟

بقلم : السعيد الخميسى

(05/05/2014)

  • تعرف دولة المؤسسات بأنها دولة ديمقراطية مدنية حديثة يحكمها حاكم منتخب من عموم الشعب بها سلطة تشريعية مستقلة لاتتبع أى جهة وهى التى توافق على الموازنات العامة للدولة وتمريريها . كما أن بها سلطة قضائية أيضا مستقلة لاتخشى سيف " المعز " ولاذهبه ..! . كما أن بها محلس وزراء يمثل الحزب أو الاحزاب ذات الاغلبية البرلمانية فى انتخابات نزيهة ولايمكن ان يعمل " هذا المجلس " بعيدا عن أعين السلطة التشريعية المنتخبة . كما أن بدولة المؤسسات أجهزة رقابية حرة مستقلة مهمتها كشف الفساد فى أجهزة الدولة وضبطه وتقديمه للمحاكمة . كما أن بها أجهزة أمنية ومخابراتية تعمل لصالح الدولة بمفهومها الواسع وليسوا عبيدا لسطة حاكم يعملون فقط لحفظ أمنه وسلامته وتثبيت أوتاد حكمه حتى تصل للأرض السابعة..! . هذا باختصار تعريف دولة المؤسسات.
  • أما دولة " القبائل " بفهومها البدوى فهى دولة لاتحمل " فكرة " ولا " أيدلوجية معينة " غير مفهوم التعصب للقبيلة ولغتها وحدودها وشيوخها . حيث أن أفراد القبيلة يتكلمون لهجة واحده ويسكنون إقليما واحدا مشتركا يعتبرونه ملكا خاصا بهم . ويخضعون فقط لقانون القبيلة ولشيخ القبيلة ونظام القبيلة. وهذا مايوضح أن نظما سياسية كثيرة فى دول العالم الثالث تستند إلى ثقافة القبيلة فى إدارة شئونها . وأصبحت القبيلة تشكل العمود الفقري لأجهزتها القمعية للحفاظ على سلطتها والسعي لإخضاع الآخرين لمشيئتها. فكلما عظم شأن القبيلة وكان لها من التحالفات القبلية المساندة أكثر، كلما سنحت الفرصة لها لتوارث الحكم عبر الأجيال. جيلا بعد جيل لأن منطق القوة هو المنطق السائد والعرف الرائد.
  • فى الدولة القبلية يتحكم " الرئيس " فى موارد البلاد والعباد. ولاصوت يعلو فوق صوت الرئيس لأنه هو الزعيم والقائد والبطل والملهم..! ولايصحو وزير من نومه ولايذهب إلى فراشه إلا بناء على توجيهات وتعليمات السيد الرئيس . فهو مركز الدائرة ومحيطها وقطرها وأوتارها وكل من حوله مجرد أشباح لاتسمن ولاتغنى من جوع مهمتهم فقط الموافقة والتصفيق على كل قرارات الرئيس بفهم أو بلا فهم . وهذا يؤدي مع الزمن إلى إحداث نوع من التقسيمات الجديدة داخل القبيلة ذاتها لاتباعها سياسة (الجزرة والعصا) ويصبح الرئيس الآمر الناهي لدولة القبيلة والآخرين مجرد تابعين ينفذون رغباته مقابل منحهم بعض النفوذ والجاه. ناهيك عن تقسيمات في جسم القبيلة نتيجة إحكامها السيطرة على الدولة.
  • وتلك التقسيمات تفرز عصبيات وطموحات جديدة لدى بعض فئاتها بغرض تحقيق المزيد من النفوذ والجاه أو لشعورها بأنها لم تنل من النفوذ والجاه ما يجب مما يدفعها إلى التآمر على الرئيس بغرض الاستيلاء على دولة القبيلة وتحقيق طموحاتها الكامنة. وغالباً ما تسفر عنها مجازر دموية تنفذها الفئات المتآمرة، بحق أبناء العمومة أو الأخوة أو الأخوال بغرض إزاحتهم عن السلطة والاستيلاء على مقدرات الدولة. وهذا مايحدث فى بعض الدول غير المستقرة سياسيا وبدعم من جهات دولية لديها من المصالح الاستراتيجية في البلد ما يدفعها إلى تدبير المؤامرات ضده بغرض إزاحته عن السلطة وفرض آخر يدين بالولاء والطاعة لأولياء نعمته من الدول الأجنبية. وهذا النوع هو مثال حى واضح لدولة القبيلة على حساب دولة المؤسسات .
  • ومن المعلوم لكل ذى عينين أن دولة القبيلة لا شأن لها بنشوء وتطور الدول الحديثة في العالم، إنها نظام خاص يستمد (شرعيته) من الأعراف والقيم القبلية المتوارثة عبر الأجيال. ولاتهتم بصلاح الأمة وتطورها، وتسخر جميع موارد الدولة لأجل تقوية أجهزتها القمعية وشراء الذمم وتعزيز صلاتها الدولية لتثبيت أقدامها في الحكم ولأمد غير محدود. وتعد الدولة القبلية ورموزها، دولة استبدادية لاتسعى لإخضاع جميع فئات المجتمع لتوجهاتها فحسب، بل إلى إخضاع أبناء القبيلة ذاتها وبصور شتى، ولن تتوانى عن استخدام العنف المفرط مع وجهاء القبائل والعشائر المتحالفة معها حينما تتقاطع مصالحها معهم . إنها تمثل الإرث الشرعى لعرب الجاهلية الاولى الذين كانت تحمكهم الأعراف والتقاليد أكثر من القانون والنظام .

• يتحدث "أبن خلدون" عن الصراعات داخل دولة القبلية قائلاً:" تحمل العصبية هرم الدولة على كتفيها، وتحفر قبرها بيدها. ذاك أنه ليس لرئيس القبيلة وسيلة لتوطيد دولته سوى العصبية. غير أن القبيلة التي هي منبع السلطة السياسية كثيراً ما تماري ثم تعارض بعنف السيادة وما منحتها لرؤساء الدولة. آنذاك يتسرب الفشل إلى الدولة، فلا تجد لديها أية عصبية للدفاع عن نفسها". ويعتقد "أبن خلدون" أن الرئيس المتبوع لايظهر إلا في البداوة وقبل تأسيس الدولة، وبعد تأسيسها ينقسم الناس فيها إلى مراتب وطبقات يعلو بعضهم على بعض. ويكون الملوك في أعلى تلك الطبقات"

  • إن دولة القبيلة، دولة غير مؤسسية تستند في هيكلتها على مجتمع القبيلة القديم. فتضع على رأس كل (مؤسسة) من مؤسساتها شيخ أو أمير تابع لقبيلة السلطة وبغض النظر عن كفاءته وقدرته على إدارة شؤون المؤسسة. إن من أوليات مهامه فرض هيبة وسطوة القبيلة على العاملين فيها وترسيخ الاعتقاد لديهم بأن القبيلة هي أساس الدولة وعيونها الأمنية الساهرة على مراعاة مصالح القبيلة واستمرار سطوتها على مؤسسات الدولة تحقيقاً لمبدأ القيم البدوية في توزيع مغانم ( النهب والسلب) للدولة على أبناء القبيلة حسب نفوذهم وقوة شكيمتهم وقدرتهم على الدفاع عن دولة القبيلة. فابن قبيلة القضاء لابد أن يكون قاضيا. وابن قبيلة العسكر لابد أن يكون ضابطا . وابن قبيلة الداخلية لابد أن يكون أمنيا وهكذا بصرف النظر عن الكفاءة والسلوك والقدرات الذاتية للفرد .

• * إن مفهوم دولة القبيلة يسود المجتمع عندما ترى " قاضى جنح " يحكم على فتيات قصيرات صغيرات لم يبلغن سن الرشد ب 11 سنة سجن . هذا فضلا عن مئات الأحكام بالإعدام بسعر الجملة على متهمين لم يدانوا بعد . فعندئذ تفهم أن هذا القاضى تسلق أسوار سلك القضاء من باب " المحسوبية " كجزء من ميراث حق القبيلة فى مناصب الدولة . وعندما تسمع عن ضابط كبير برتبة لواء يقول فى إحدى الفضائيات " سوف يطبق قانون التظاهر بالجذمة..! " فاعلم أن هذا الضابط التحق بكلية الشرطة من باب " المحاصصة " أى حق القبيلة فى الحاق أبنائها بكلية الشرطة . وعندما تسمع إعلامى مشهور يقول وبصوت عال وهو يصرخ " ياولاد ستين كلب..! " فاعلم أنه كان يعمل طبالا فى إحدى الحوارى وزمارا سابقا فى إحدى الكابريهات وتم ترقيته الى إحدى الفضائيات لأنها تريد " مهرج سيرك يلاعب القطط والقرود والكلاب " بدرجة إعلامى . • * إن مفهوم دولة القبيلة يسود عندما ترى أن ابن القاضى لابد أن يكون قاضيا لأنه ولد فى بيئة قضائية . وابن الضابط لابد ان يكون ضابطا حتى ولو كان فاسد اخلاقيا . وابن الوزير لابد أن يكون وزيرا حتى ولو كان غبيا لايتحرك ولايفهم كالزير...! وابن استاذ الجامعة لابد أن يكون معيدا فى الكلية حتى ولو كان راسبا فى آخر القائمة . وابن رئيس المحكمة لابد أن يكون وكيل نيابة حتى ولو كان فاشلا لايجيد بل يتلعثم كثيرا فى قراءة نص الاتهام فلاتدرى أيتلكم هو بالعربية أم باللغة الهندية القديمة..؟! وابن الاعلامى لابد أن يكون إعلاميا حتى ولو كان جاهلا تافها لايفرق بين من يمشى على اثنتين ومن يمشى على أربع فالله يخلق فعلا مايشاء...! . عندما ترى دولة بهذه المواصفات فاعلم أن طريق الاصلاح ليس هينا كما يظن البعض بل هو طريق شاق وطويل يحتاج إلى رجال أشداء أقوياء يحبون الوطن أكثر مما يحبون أنفسهم وذويهم وينتمون للوطن قبل أن ينتموا للقبيلة والعصبية المقيتة المميتة.

* خلاصة الطرح والبحث :

عندما تتحول مؤسسة القضاء إلى قبيلة ومؤسسة الجيش إلى قبيلة ومؤسسة الداخلية إلى قبيلة ومؤسسة الإعلام إلى قبيلة وكل قبيلة لها أمير يبحث فى المقام الاول عن تثيبت دعائم الولاء له داخل القبيلة مقابل عدة امتيازات ينتزعها لهم من الدولة بصرف النظر عن مصلحتها , وفى الوقت نفسه هناك نوع من التنسيق بين تلك القبائل على إسقاط أى رئيس يحكم تلك الدولة إذ لم يخضع لسلطة تلك القبائل فإن مصيره سيكون السقوط والفشل..! عندئذ عليك أن تعلم أنك تعيش فى دولة قبائل لا فى دولة مؤسسات وهنا تصبح مسئولية جميع القوى السياسية المخلصة فى هذا الوطن هو تجميع شتات هذا البلد وإعادة هيكلة تلك القبائل لتدور فى فلك الدولة لا فى فلك مصالحها الشخصية . حقا..نريد تحويل مصر من دولة قبائل إلى دولة مؤسسات يحمكها رئيس مدنى منتخب بعيدا عن سطوة العسكر فهل إلى ذلك من سبيل..؟

المصدر