د. "هويدي": الشرق الأوسط الكبير

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
د. "هويدي": الشرق الأوسط الكبير
المرشد العام ينعي نائبة حسن هويدي.jpg

'بقلم: د. " حسن هويدي "*

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا وحبيبنا محمد رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن ولاه، أما بعد:

فما هي قصة (الشرق الأوسط الكبير)؟ وما هي حقيقتها وبواعثها ونتائجها؟ لكي تعلم الأمة العربية والإسلامية ما يُراد بها، وما يكاد لها على أيدي المستعمرين الجدد- ورثة الاستعمار القديم من أعداء الشعوب وأعداء الإنسانية- فنقول:

1- عاشت الشعوب العربية والإسلامية والإفريقية ردحًا من الزمن تحت وطأة الاستعمار الغربي من بريطانيا وفرنسا والبرتغال وإيطاليا وهولندا وبلجيكا، وسيطرت جيوش تلك الدول بالقوة والقهر، وبسطت نفوذها على بلاد العالم الثالث تتحكم بمقدراتها استبدادًا وظلمًا، وتصادر ثرواتها وتسلب خيراتها، فهم السَّادة وأهل البلاد العبيد!

2- انتهت تلك المرحلة المظلمة الظالمة من حياة البشر انتهاءً ظاهرًا، وعادت دول الاستعمار- من أدعياء الحضارة وحقوق الإنسان- لإيجاد صيغة جديدة للظلم وصورة مستحدثة للاستعمار متسترة بدعاوى الحرية والمعرفة والديمقراطية، ومن الأمثلة على ذلك:

أ- نشرت الولايات المتحدة نَصَّ الموضوع الذي نحن بصدده، وهو (مشروع الشرق الأوسط الكبير)، والمُزمَع عرضُه على الدول الصناعية الثمانية في اجتماعها المقبل في شهر يونيو القادم، وقد نشرت صحيفة (الحياة) 13/2/ 2004 م نَصَّ هذا المشروع مُترجَمًا إلى العربية، ومن خلال مطالعته يتبين أنه بُني على أسس الأحكام والتوجيهات التي وردت في تقريري التنمية الإنسانية العربية، وذلك دهاءٌ مرسوم وتخطيطٌ من الولايات المتحدة لتقول: "إن المشروع قام على أساسٍ من التخطيط العربي، فلا بأس عليها أن تقوم بتنفيذه".

ب- كما يتبين من مطالعته أنه يهدف إلى وضع الدول العربية تحت وصاية الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ويهدف إلى تغييرٍ حقيقيٍّ في السياسة والاجتماع والثقافة، وكل ذلك على عَينِ أمريكا وأوروبا دون أن يكون للدول العربية والإسلامية عِلمٌ بشيء من ذلك، ولا يقتصر ذلك على التخطيط؛ بل يتعداه إلى الإشراف والتنفيذ بإدارة أمريكية أوروبية.

جـ- ومِن صنع هذا المشروع إدخال أفغانستان و باكستان و إيران والكيان الصهيوني و تركيا ضمنه، وكأنها (شركات) تديرها الشركة الأم (الكيان الصهيوني ) بإشرافٍ أمريكي أوروبي! ولعل ذلك يذكِّرنا باقتراح "شمعون بيريز" الذي سبق المشروع، وكان مقدمة له باسم (الشرق أوسطية) ليُدخِل دولة الكيان الصهيوني ضمن دول المنطقة دون ذكر للعالم العربي أو الإسلامي.

ولكي لا تبقى الدولة العبرية نشازًا بين تلك الدول؛ بل لتفتح لها أبواب النفوذ السياسي والاقتصادي بلا حواجز ولا حرج، كما يذكِّرنا بشكل أوضح بتصريح "شولتز" وزير خارجية الولايات المتحدة، وتصريح "شمعون بيريز" بعد انهيار الاتحاد السوفيتي؛ وهو أن: "الشرق الأوسط يحتاج- لكي يتغير- إلى زلزال يشبه الزلزال الذي ضرب الاتحاد السوفيتي".

ويعيد هذا التصريح إلى ذاكرتنا انعقاد (مؤتمر هلسنكي) الذي سبق انهيار الاتحاد السوفيتي مخطِّطا له، وضمن هذا الاستهداف تقول "كونداليزا رايس": "إن من أهداف الخارجية الأمريكية تحرير العالم الإسلامي"، ومن هنا يبدو واضحًا تشابه المخططات الاستعمارية وتكرارها على الوتيرة نفسها، ولقد بدأت أمريكا بهذا الزلزال بإعلان الحرب على أفغانستان والعراق وتهديد سوريا وإيران ودول المنطقة، غير مبالية بالأمم المتحدة، ولا قوانين المجتمع الدولي، ولا الديمقراطية، ولا حقوق الإنسان التي تتغنى بها زورًا وبهتانًا!

د- قال أكثر من زعيم من زعماء الغرب في مناسبات كثيرة: "إنهم لم يبق لهم عدوٌّ بعد سقوط الاتحاد السوفيتي إلا الإسلام"، فبيتوا في أنفسهم- بعد قياس العالم العربي والعالم الإسلامي على الاتحاد السوفيتي- أن يقضوا على نظام العالم العربي والإسلامي، ومعنى ذلك القضاء على الإسلام بمُثُله وقيمه وتشريعه، وبذلك تموت أمتنا بزعمهم بموت دينها وتشريعها وتراثها، وللقارئ أن يتصور من وراء هذا المكر خطورة هذا المشروع الكبير على العرب والمسلمين والمجتمع البشري.

لكن هؤلاء الزعماء أعماهم حقدهم وجهلهم بحقيقة الإسلام أن يدركوا الفرق العظيم بين (إيديولوجية) الاتحاد السوفيتي وقوة الإسلام؛ فالإيمان العميق بعقيدة الإسلام، وما اشتملت عليه من الإيمان بالله، وبما غرسته في النفوس من الصدق والصبر والتضحية وحب الشهادة والثبات، يستعصي على العدوان، ولا يرضى بالغلبة والهوان.

وإن كانت مرَّت بالعالم الإسلامي مصائب وحروب كانت ميادين كرٍّ وفرٍّ، فالعبرة دائمًا في الخواتيم، فليتذكر الزعماء وليقرءوا التاريخ ليجدوا أن الإسلام صدَّ كل مَن تصدى له وردَّه بالخزي والعار، فليسألوا (حروب الردة)، وليسألوا (الحروب الصليبية)، وليسألوا (حروب التتار)، وليسألوا (الاستعمار الغربي)، وليسألوا (إلحاد الشيوعية)، ويسألوا أنفسهم بعد ذلك عن النتائج! فإن بيتوا اليوم استعمارًا جديدًا، فلينتظروا النتائج نفسها- طال الزمن أو قصر- والله سبحانه يقول: ﴿وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا﴾ (الإسراء: 8)، ويقول مؤيدًا لنا: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ﴾ (غافر: 51).

3- والخلاصة أن مشروع (الشرق الأوسط الكبير) يستهدف ما يلي:

أ- القضاء- بزعمِه- على الإسلام عقيدةً وتشريعًا، حتى تطاولوا على القرآن العظيم، وبالأمس صرَّح حاكم العراق "بريمر" بذلك فقال: "إذا نَصَّ مشروع الدستور العراقي على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، فإنه سيستخدم حق النقض أو الفيتو".

ب- إلغاء النظام العربي والإسلامي، ورسم خارطة جديدة للمنطقة لمصلحة أمريكا والدولة العبرية، وذلك واضح في اقتصار مشروع (الشرق الأوسط الكبير) على أمريكا والدول الصناعية الثمانية، دون الدول العربية والإسلامية التي تشكل ميدان الغنائم ورقعة الاستعمار الحديث.

ج- انفراد أمريكا بالسيطرة على المنطقة، وإعادة صياغة دساتيرها وقوانينها وسلوكها سياسيًّا واقتصاديًّا بما يحقق مصالحها ومطامعها، وكل ذلك بمنطق القوة وشريعة الغَابِ، ومن المضحك المبكي أن أمريكا تدَّعي نشر الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، وليتها أراحت شعوب المنطقة من العنف والاضطهاد وويلات الحروب بدلاً من أن تخادعهم وتدسَّ لهم السمَّ بالدسم.

والنداء اليوم للعرب والمسلمين في أرجاء الأرض أن يتنبهوا لما يُكاد لهم وما يبيِّته لهم أعداؤهم، وليستعدوا مع جميع أحرار العالم بكل ما يستطيعون للدفاع عن عقيدتهم وكرامتهم: ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: 21).


المصدر

قالب:روابط حسن هويدى