د. توفيق الواعي يكتب عن: رمضان وأيام القرآن

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
د. توفيق الواعي يكتب عن: رمضان وأيام القرآن
توفيق الواعي.jpg

د. توفيق الواعي

رمضان له في الإسلام مكانة سامية وعند المسلمين منزلة فريدة، حيث نزل فيه القرآن ﴿هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ (البقرة: 185) وتعينت فيه ليلة القدر واختص بها ولازمته وعز فيه المسلمون ببدر بعد ذلة ومطاردة ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (آل عمران: 123)، وفتح الله عليهم في مكة ونصر دينه وأعز جنده وسادوا على الشرك والكافرين وقال قائلهم:

إذا ما غضبنا غضبةً مضريةً هتكنا حجاب الشمس، أو قطرت دما

أما عن نزول القرآن في رمضان فهو تكريم لهذا الشهر الذي اختص بالفضل والهدى والنور دون الشهور، وجاء فيما يرويه البغوي عن أبي ذر عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : "نزلت صحف إبراهيم عليه السلام في ثلاث ليالٍ مضين من رمضان- ويروى في أول ليلة من رمضان- وأنزلت التوراة على موسى عليه السلام في ست ليال مضين من رمضان، وأُنزل الإنجيل على عيسى عليه السلام في ثلاث عشرة ليلة مضت من رمضان، وأُنزل الفرقان على محمد في الرابع والعشرين من شهر رمضان، حيث ختمت الرسالات بالقرآن، وجعله الله فارقًا بين الحق والباطل وسماه سبحانه فرقانًا بين الحق والباطل فقال تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ ( الفرقان:1) وسمى فرقانًا لأنه فارق بين الجاهلية والإسلام وبين الهدى والضال، وبين نهج للحياة ونهج، وعهد للبشرية في مشاعرها وواقعها وعقائدها وأخلاقها، وسيرتها، لا يختلط بكل ما كان قبله، عهد ينتهي به عهد الطفولة البشرية ويبدأ عهد الرشد الإنساني، وينتهي به عهد الخوارق المادية ويبدأ به عهد المعجزات العقلية واليقظة النفسية، وعهد ينتهي به عهد الرسالات المحلية والوعظية ويبدأ عهد الرسالات العامة الشامل، عهد يتخطى الديانات والتعاليم المؤقتة ويأتي بعده عهد الرسالة الدائمة الباقية، بمعجزته القرآنية المحفوظة الناصعة الشاهدة على العالمين.

فكان شهر رمضان شهرًا مشهودًا ومباركًا لنزول الهدى فيه، الهدى المؤقت في رسالات الأنبياء والهدى المشرف الباقي والدائم على الأيام، ولهذا غلب على الشهر وشُرِّف بنزول القرآن فقال تعالى ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ ( البقرة: 185).

واختص بليلة القدر التي شرفها الله بنزول القرآن ونزول الملائكة وزيادة الأجر ورفعه الدرجات فقال تعالى ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)﴾ (القدر).

وهذا القرآن حبل الله المتين، ونوره المبين والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، العروة الوثقى، والمعتصم الأقوى، فيه نبأ من قبلكم وخبر من بعدكم وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، مَن تركه من جبار قصمه الله، ومَن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو الذي لا تزيع به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة، ولا تتشعب معه الآراء، ولا تشبع منه العلماء ولا يمله الأتقياء، ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه ولا تنتهي غرائبه ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)﴾ (فصلت).

وقد كان سلفنا الصالح- رضي الله عنهم- يخصون هذا الشهر بمزيد من العناية بكتاب الله عز وجل، قراءةً وتدبرًا، وتلاوةً وتعبدًا في الصلاة وخارج الصلاة، لأنه شهر القرآن.

فكان إبراهيم النخعي وقتادة رحمهما الله تعالى يختمان القرآن في كل ثلاث ليالٍ مرة، وفي العشر الأواخر في كل ليلة، وكان الإمام الزهري إذا دخل رمضان يترك قراءة الحديث ومجالس أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن في المصحف، وكذلك يفعل سفيان الثوري يرحمه الله، وكان زبيد اليمامي إذا حضر رمضان أخرج المصاحف وجمع إليه أصحابه وقال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده" (أخرجه مسلم).

وقال خباب بن الأرت- رضي الله عنه- لرجل: تقرَّب إلى الله تعالى ما استطعت، واعلم أنك لن تتقرب إليه بشيء هو أحب إليه من كلامه، وقال عثمان بن عفان- رضي الله عنه-: لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم.

وقال بعض السلف: إذا أردت أن تعرف قدرك عند الله فانظر قدر القرآن عندك. ولما كان شهر رمضان انتصارًا على النفس كان كذلك انتصارًا على الأعداء، وأراد الله سبحانه أن يجعله بركةً على المسلمين، وفوزًا فكانت موقعة بدر الكبرى التي ظهرت فيها قيم الرجال وعظيم التضحيات، حين استشار الرسول- صلى الله عليه وسلم- أصحابه المهاجرين والأنصار، فقام من المهاجرين المقداد بن عمرو وقال: يا رسول الله، امضِ لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون), ولكن: "اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون".

وقال سعد بن معاذ من الأنصار: "والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل، قال: لقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامضِ يا رسول الله لما أردتَ فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلَّف منا رجلٌ واحدٌ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصبرٌ في الحربِ صدقٌ عند اللقاء، لعل لله يُريك منا ما تقر به عينك.

هذه الصخور الصناديد من المؤمنين هل يقف أمامها شيء؟ وهل تنكص عن تحقيقِ الأهداف؟ هؤلاء الأبطال هم الذين يتحقق بهم وعد الله ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ (آل عمران: من الآية 152)، ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7)﴾ (الأنفال).

وكأنَّ النصرَ الذي أذهل التاريخ الإنساني والحربي ورفع الله به حزبه وجنده، وخفض به أعداءه ومعادي رسله، وأطاحت بهامات قريش وفرسانها، وأسرت سادتها وكبراءها، وكان هذا أمر عجبًا أذهل الكثير حتى من المسلمين، قالت سودة بنت زمعة زوج النبي- صلى الله عليه وسلم-: كنت حاضرةً عند مجيء الأسرى، فرجعتُ إلى بيتي ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، وإذا أبو يزيد سهيل بن عمرو في ناحيةِ الحجرة مجموعة يداه إلى عنقه بحبل: قالت: فلا والله ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد رأس قريش كذلك أن قلت: أي أبا يزيد، أعطيتم أنفسكم بأيديكم، ألا متم كرامًا!! فوالله ما نبَّهني إلا قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في البيت: "يا سودة، أتحرضين على الله وسوله"، قالت: والله يا رسول الله ما تمالكتُ نفسي حين رأيت سهيل كذلك.

وكانت دهشة المشركين غير مسبوقةٍ وخافوا من شماتةِ العرب والمسلمين فمنعوا النواح على قتلاهم، وكان الأسود بن عبد المطلب قد قُتل له ثلاثة أولاد منهم عقيل ولده الأكبر، فسمع بكاء في جوفِ الليل فقال لغلامه: انظر لعل قريشًا قد أباحت النواح على قتلاهم فإن قلبي سيحترق، فذهب الغلام ثم رجع فقال له: إنها امرأة تبكي بعيرًا ضلَّ لها، فقال:

أتبكي أن أضل بها بعير ويمنعني من النوم السهود

فبكى أن بكيت على عقيل وبكى حارسًا أسد الأسود

ألا وقد ساد بعدهم رجال ولولا بدر لم يسودوا

نعم لقد أذهل حزبُ الله حزبَ الشيطان وبعث العزةَ في الصفِّ المؤمن، وكان رمضان فاتحةَ الخير والبركة، فهل نعود كما كانوا وهل يرجع رمضان الفرقان والقرآن؟ نسأل الله ذلك.

المصدر

قالب:روابط توفيق الواعى