د. سعد زغلول العائد إلى الحرية في حوار مع "إخوان أون لاين"

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
د. سعد زغلول العائد إلى الحرية في حوار مع "إخوان أون لاين"

[07/08/2003]

مقدمة

• نلمس بوادر من السلطة في الحوار مع "الإخوان".

ديمقراطية "الإخوان" تُعد أولية وندعو للمصالحة الوطنية.

• مشهد سقوط بغداد كان أشدَّ ألمًا من مرارة السجن.

• على شباب "الإخوان" أن ينشطوا لمواجهة التيار الانحلالي في المجتمع.

أطلقت السلطات المصرية- قبل أيام- سراح الدكتور "سعد زغلول العشماوي"- الأمين العام لنقابة أطباء القاهرة- مع اثنين من إخوانه، بعد قضائهم ثلاثة أرباع المدة في القضية المعروفة بقضية النقابيين، فكيف استقبل الدكتور "زغلول" خبر الإفراج عنه؟ وهل في هذا الإفراج مؤشر على حدوث نوع من الانفراجة بين "الإخوان" والنظام؟ ثم من المستفيد مِن حالة "الانسداد" القائمة بين الطرفين؟

وأخيرًا... كيف كانت مشاعرُه تجاه مشاهد سقوط بغداد وتصاعُد الانتفاضة الفلسطينية؟

نص الحوار

هذه الأسئلة وغيرها طرحها موقع "حقائق مصرية" على الدكتور "سعد زغلول" في هذا الحوار معه.. فماذا قال؟

  • في البداية... كيف تلقَّيتم خبر الإفراج عنكم، بعد قضاء ثلاثة أرباع المدة، وهل اعتبرتم أن تنفيذ هذا الحكم يُعد بداية انفراجة قد تؤدي إلى حوار بين جماعة "الإخوان المسلمين" والسلطة في مصر؟
كانت هناك إرهاصات قبل الإفراج بإمكان تنفيذ حكم "ثلاثة أرباع المدة..."، سمعنا بهذا الكلام قبل الإفراج عنا بنحو ثلاثة أيام حتى تم تأكيد الخبر وهذه المرة الأولى في تاريخ السجون المصرية التي يتم فيها الإفراج بثلاثة أرباع المدة؛ بسبب حسْن السير والسلوك في قضية سياسية، وقد تم تنفيذ الحكم في نفس القضية على إخواننا النقابيين الذين حُكِم عليهم بثلاث سنوات، لكن للأسف.. مع طول الإجراءات القضائية وبعض الاستشكالات تمَّ تنفيذ الإفراج قبل قضائهم الثلاث سنوات بستة أيام فقط... لكن معنا الحكم طُبِّق- والحمدُ لله- في موعده بعد أن قضينا45 شهرًا كاملة، وهو ما يعادل ثلاثة أرباع المدة المحكوم بها وهي خمس سنوات.
وأعتقد أن تنفيذ الحكم دون وضع عراقيل ينمُّ عن وجود النيَّة من قبَل السلطة في فتح باب للحوار مع "الإخوان".. خاصةً أن الأجواء تتطلب وجود هذا الحوار، وعلى "الإخوان" أن يتلقوا هذه الرسالة ويتفاعلوا معها جيدًا.

بوادر إيجابية للحوار

  • هل تتوقع أن يبادر "الإخوان"- من جهتهم- بخطوة أخرى تقرب المسافات بينهم وبين السلطة؟
أتوقع ذلك؛ لأن "الإخوان" دائمًا غرضهم مصلحة الوطن، وبما أن اليد الممدودة تستهدف لمصلحة العليا للوطن فلا أظن أن "الإخوان" لا يبادرون من جهتهم بخطوة أو خطوات تصبُّ أيضًا في مصلحة الوطن.
  • هل لمست أي بوادر أخرى من السلطة في سبيل إجراء مُصالحة وطنية؟
من خلال متابعتي للأحداث ووسائل الإعلام رصدْتُ بالفعل بعض المؤشرات التي تشير إلى وجود بوادر حوار بين السلطة وجماعة "الإخوان".
ولعل أوضح مثال على ذلك حلقة برنامج الرأي الثالث، الذي يعده ويقدمه الصحفي "عبد اللطيف المناوي"، واستضاف فيه الدكتور "محمد عمارة"، الذي تحدث عن فكر "الإخوان" باستفاضة، وردّ على الشبهات التي تُثار حول هذا الفكر، وبيَّن أنه فكْرٌ وسطيٌّ يبعُد عن التطرف أو العنف، وطالب بإتاحة الفرصة أمام هذا الفكر؛ حتى يتلاشى الفكر المتطرف، وكما تعْلم فإن وسائل الإعلام تحت سيطرة السلطة... الأمر الذي يشير إلى أن السماح بإذاعة هذه الحلقة على الهواء مباشرةً بالتليفزيون المصري يدلُّ على وجود بوادر للحوار من قبَل السلطة مع جماعة "الإخوان المسلمين".
وهناك أحاديث ومقالات غير قليلة لبعض الكتَّاب، ومنهم المحسوبون على السلطة، ممن ينادون بإتاحة الفرصة أمام تيار "الإخوان" للمشاركة في الحوار الوطني لمصلحة البلد، باعتبار أن "الإخوان" شريحة كبيرة في المجتمع لا يمكن تهميشها أو التقليل منها.
طالما أننا نؤمن بالديمقراطية وارتضيناها لنا ولهم فللناس حرية الاختيار، لكن البعض لا يُبدي تخوفه من ذلك فقط، بل يقولون: إن "الإخوان" أصحاب الديمقراطية ذات المرة الواحدة، أي أننا إذا طبقنا الديمقراطية ونجح "الإخوان" فسوف يلغون- أي الإخوان- الديمقراطية ويتحكمون في البلد!
وهذا الكلام بالطبع غير صحيح... ولدينا تجارب، وإن كانت محدودة، لكنها تنمُّ عن فكرنا.

في النقابات المهنية كنَّا نحن الذين نشرف على الانتخابات من خلال مجالس نمثل أغلبها، وحين اختار الناخبون مرشحين من غير "الإخوان" سلَّمنا لهم هذه النقابات عن طيب خاطر، مثلما حدث في انتخابات البَيْطريين حين خسر "الإخوان" الانتخابات، أو مثلما حدث بنقابات أخرى فقَدْنا فيها مقاعد كثيرة سلمناها لمن اختاره الناخبون دون غضاضة، رغم أن العملية الانتخابية كلها كانت في أيدينا، قبل فرْض القانون على النقابات المهنية.

وأؤكد أن "الإخوان" لا يؤمنون بديمقراطية المرة الواحدة، وهذا الأمر يتطلب تحرّكًا قويًا من "الإخوان" لطمْأنة الآخرين، وتأكيد أننا لسنا من أنصار ديمقراطية المرة الواحدة.
  • وما تبريرك لبعض الأقلام التي تحاول عرقلة حدوث أيّ حوار بين "الإخوان" والسلطة؟
لا أريد أن أقول: إن أصحابها مغرضون، ولكن ربما يحملون فكرًا معاديًا لفكر "الإخوان"، ولا يريدون للفكر الإسلامي الظهور على الساحة، أو الاعتراف به في مختلف المؤسسات، خاصةً السياسية... فيحاولون إيجاد أي مبررات لعرقلة التيار الإسلامي!
إننا مواطنون، ولنا حقوق المواطنة كافة، ونؤمن بالديمقراطية شأننا شأن الأخرين، ونؤدي واجباتنا، ونلتزم بحقوقنا، وللأسف فبعض هذه الأقلام يعبِّر عن تيارات سياسية وفكرية فقدت صلاحيتها ووجودها في الشارع، فيحاول عرقلة أيّ تقدم في علاقة "الإخوان" بالسلطة كلما أحسَّ ببوادر تحسُّن في العلاقات.

المصالحة والنقابات

  • هل إذا ما حدثت هذه المصالحة الوطنية تتوقع أن يتم الإفراج عن النقابات المهنية المعطلة منذ أكثر من عشر سنوات؟
أنا أتوقع هذا، وقد تحدثنا مع بعض المسئولين وأبدَيْنا استعدادًا لتقديم قائمة موحدة تعبِّرعن جميع الاتجاهات داخل كل نقابة، وليس للإخوان فيها سيطرة، ويتم الاتفاق على هذه القوائم، حتَّى ولو بالتزكية، كخطوة انتقالية لإجراء انتخابات بمعناها الديمقراطي الشامل، وأبديْنا استعدادًا لتقديم تنازلات في مثل هذه التجارب... كما أننا بشكل عام رفعنا شعار "المشاركة لا المغالَبة" داخل النقابات المهنية.
  • في تصورك.. ما هي الضمانات التي يُمكن أن تصون أيَّ تجربة ديمقراطية، سواء شارك فيها "الإخوان" أو غيرهم؟
هناك ضمانات كثيرة، من بينها:
قانون الانتخابات نفسه الذي يضْمن النزاهة والحيادية، وروح تطبيق هذا القانون؛ لأنه من الممكن أن أضع قانونًا جيدًا لكن أضع في الوقت ذاته من العراقيل ما يحول دون تطبيقه، إضافةً إلى الناخب نفسه أو المواطن الذي يستطيْع أن يحمي الإنجازات التي تحقَّقت، أو يقوّم أيَّ انحراف يحدث.
  • سعَى "الإخوان" كثيرًا للحوار مع السلطة، لكن الأبواب كانت مغلقة، فهل حدثت متغيرات جعلت كِلا الطرفين- "الإخوان" و"السلطة"- يسعى نحو الآخر، ويحاول التواصل معه؟
طبعًا.. حدثت متغيرات على المستوى المحلي والمستوى الدولي، ولعل أهمها احتلال العراق، وتصاعد الأحداث في فلسطين، وتدخُّل مصر لتوحيد صفوف الفصائل الفلسطينية، لاستمرار الدور المصري على المستوى العربي.
وجماعة "الإخوان"- بالطبع- حريصة على استمرار هذا الدور في المنطقة العربية،وأعتقِد أن من مصلحة أيّ حكومة أن تُجري مصالحة مع شعبها ومع القوى الفاعلة فيها، حتى تقْوَى الجبهة الداخلية؛ لأننا كلنا في سفيْنة واحِدة.
  • بدأت رياح الديمقراطية تهب- وإن كان ذلك بشكل محدود- على بعض الدول العربية، الأمر الذي أفرز تجارب شبه ديمقراطية شاركت فيها مختلف الفصائل والقوى السياسية، كما حدث بالمغرب أو الأدرن أو اليمن أو الكويت... ما تقييمك لمثل هذه التجارب وإمكانية تكرارها وتعميقها في الوطن العربي ككل؟
برغم ما شاب بعض هذه التجارب من شوائب.. لكنها تدل على أنه- إن آجلاً أو عاجلاً- سوف يحدث تغير نحو ديمقراطية حقيقية في الدول العربية والإسلامية، ولكن بشكل تتدريجي، والأمر يستوجب تحالف القوى الوطنية للمطالبة بحقوقها؛ لأن الديمقراطية "تؤْخذ ولا تُمنح"، ولابد من وجود بعض التضحيات والتنازلات التي يشارك فيها الجميع.
ومن العجيب أن بعض الدول الإفريقية بدأت تشهد تجارب ديمقراطية حقيقية، أي أنَّنا بِتْنا لا نتطلَّع إلى العالم الغربي بل إلى العالم الأفريقي في ديمقراطيته!!

بغداد والأقصى

  • حدِّثْنا عن مشاعِرِك- كـ"سجين"- وأنت تتابع الأحداث المتلاحقة، من تصاعد الانتفاضة في فلسطين، وسقوط عاصمة الخلافة الإسلامية؟!
كنَّا نتابع الأحداث عن طريق الصحف والإذاعة وتلفزيون صغير، وكان أكثر الأمور التي تؤثر فينا في أحداث فلسطين، ووصايا الشهداء، وأمّ الشهيد التي قدَّمت ابنها للشهادة، وكنَّا ننقل مشاعرنا لأسرنا لنزيدَهم ثباتًا في بلائنا، بل كنا نستقبل محنتنا، بل نراها تافهة تجاه ما نسمع من وصايا الشهداء المقبلين على الموت، والحمد لله... كنا حريصين على الدعاء لإخواننا في فلسطين.
أما سقوط "بغداد" فكان ومازال حدَثًا مدوّيًا، شعرنا فيه بانكسار كبير جدًا، وما زلنا نشعر بالخزْي والعار.
كما ودَدْنا لو كنَّا حائط صد أمام سقوط عاصمة الخلافة، التي حمت الإسلام قرونًا عدة، وكانت منارةً للعلم وللحضارة تفُوْق أي دولة من الدول اللقيطة التي هاجمتها.
لقد كان حدَثًا أليما أن نرى سقوط دولة عربية وسط هذا السقوط العربي المريب، بل إن بعض الدول العربية- للأسف- تشارك في عملية الغزو!!.
ولست مبالغًا إذا قلت: إن مرارة "السجن" لا تقارَن بالمرارة التي اعتصرتْنا من رؤية مشاهد سقوط "بغداد"!!.

وفاة المرشد

من الأحداث التي عايشتموها في الأشهر الأخيرة وفاة فضيلة المرشد السابق.. فكيف تلقَّيْتم خبر الوفاة؟
موضوع الوفاة نفسه كان متوقعًا؛ لأننا علِمنا قبلها بمرضه- يرحمه الله-، وذهابه للمستشفى، وأنه وصل لمرحلة "الموت السريري..."، وكنَّا في هذه الفترة نجلس لنتحدَّث عن مناقب الأستاذ "مصطفى مشهور"- عليه رحمة الله-، ومواقفه في الحفاظ على الدعوة، وجهاده في سبيل الله، كما كنَّا ندعو الله أن يتقبَّل منه جهاده، وبرغْم أن خبر الموت كان متوقَّعًا إلاَّ أنه أثَّر فينا كثيرًا، وحين علمت بالخبر أنا وأخٌ لي ليلاً أشفقنا أن نخبر "الإخوان" داخل "السجن" بذلك، وأعلمناهم الخبر في صلاة الفجر، وشعرنا بأننا فقدْنا ليس مجرد أخٍ لنا، بل كان أبًا لنا وسندًا كبيرًا.
ومن الأمور التي أدخلت السرور إلى قلوبنا في حادث الوفاة علْمنا بالجنازة والتنظيم الكبير والدقيق الذي شهدته، برغم حضور عشرات الآلاف من مختلف المحافظات، الأمر الذي أكَّد مكانة هذا الرجل- يرحمه الله- في قلوب الشباب، وأغلبهم لم يلتقوا به، بل منهم من ليس من "الإخوان"، الأمر الذي يدل على حب هذا الشعب للتَّديُّن وللصالحين المجاهدين في سبيل الله.

طموحاتي والشباب

  • التجارب السابقة تؤكّد أن "الإخوان" من أفضل الناس استثمارًا للوقت داخل السجن.. كيف استفدْت من وقتك هناك؟
كانت لي طموحات خارج "السجن"، وللأسف لم أتمكَّن من تحقيقها؛ بسب كثرة المشاغل، سواء كانت طموحات إيمانية أو علمية، كعلوم دينية أو علوم طبيَّة، وكانت فترة "السجن" فرصة لتحقيق ما لم أستطِع تحقيقه خارجه، فالحمد لله على المستوى الإيماني والروحاني كنت أفضل كثيرًا في الحفاظ على العبادات وأداء النوافل والالتزام بورد القرآن، وأسأل الله- الآن- أن أؤدي حتى ولو نصف ما كنت أحافظ عليه داخل "السجن".
وعلى المستوى العلمي كنت أتطلَّع للحصول على شهادة دراسية في العلوم الشرعية، وتمكنت بفضل الله من الحصول على دبلومة سنتين في معهد الدراسات الإسلامية، وناقشْت رسالة الدكتوراة في الطبِّ، والحمد لله نجحت فيها، والحمد لله، ربّنا قدّر لي أن أُحسن استغلال وقتي خلال هذه الفترة.
  • كلمة يهمس بها الدكتور "سعد" في آذان إخوانه من الشباب؟
دعوة "الإخوان المسلمين" عريقة جدًا، بذل فيها الإمام "البنا"- وكلُّ من خلفه- من المجهود والبذل والعطاء ما أدى إلى نشرها، وإن جاز التعبير فالكرة الآن في ملعب الشباب، وعليهم أن يتفهَّموا جيدًا طبيعة هذه الدعوة وروحها، ويحاولوا نشرها كما بدأها الإمام "البنا" وكلّ من تلاه.
وعلى الشباب أن يعلموا أن في هذا الطريق الكثير من التضحيات، قد يكون من بينها التعرُّض لابتلاء "السجن"، ويجب ألا تُثْنينا هذه التضحيات عن طريق دعوتنا؛ لأن طريق الدعوات لن يكون مفروشًا بالورود أبدًا، فواجبنا أن نبذل الجهد، ونسير على الكتاب والسنة، ولا ننحرف بفكرنا ردًا على ما نتعرض له من ابتلاءات، ولنا القدوة في أساتذتنا وسلفنا الصالح، الذين تعرَّضوا للأذى والابتلاء، ولم يغيِّروا أفكارهم مثلما حدث للإمام "أحمد بن حنبل"، أو مثلما واجَهه المرحوم "حسن الهضيبي" من ابتلاء، لكنه أصرَّ على رفْض فكْر التكفير هو ومن معه.

وأخيرًا: على شباب "الإخوان" أن يَعوا ذلك جيدًا، ويسعَوا في نشر تعاليم الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة في مواجهة التيار الانحلالي، الذي يحاول الانتشار في ربوع الوطن.

المصدر