د. صفوت حجازي: احذروا الانتحار الدعوي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
د. صفوت حجازي: احذروا الانتحار الدعوي

[16-10-2003]

مقدمة

حتى الشر من أسباب انتشار الإسلام.

لا ينجح الداعية حتى يطابق قوله عمله.

إنه واحد من كوكبة الدعاة، ممن جددوا دماء الدعوة، والتحموا بالقطاعات التي ظلت خارج اهتمامات الدعاة فترة طويلة، فاقتربوا من الشباب والفتيات، ورصدوا مشكلاتهم وعرفوا قضاياهم وانشغلوا بما يشغلهم، فدخلت دعوتهم إلى قلوب هؤلاء، واستطاع بمنهج التيسير والبشاشة والتبشير أن يهدي الله على يديه من كادوا يقنطون من رحمة الله.

درَس السياحة والتخطيط العمراني، لكنه فضل أن يسيح في التراث الإسلامي، وأن يلتقط الدر من ذخائره، وأن يبني النفوس بدلاً من العمائر والبيوت، إنه الداعية الإسلامي "صفوت حجازي"، الذي نستضيفه في هذا الحوار؛ حيث نقترب فيه من فكره ومنهجه الدعوي.

نص الحوار

  • في البداية سألناه عن النشأة والتكوين..؟ فأجاب:
الاسم: صفوت حمودة حجازي رمضان، من مواليد قرية الورق، مركز سيدي سالم بمحافظة كفر الشيخ في 1/4/1962م.
حاصل على ليسانس آداب، قسم سياحة وخرائط، ودبلوم التخطيط بعنوان "المدينة المنورة دراسة تخطيطية" بتقدير جيد جدًّا عام 1998م، ودكتوراه في الدراسات الشرقية من جامعة (ديجون) بفرنسا بعنوان "الأنبياء والمرسلون عند أهل الكتاب والمسلمين" عام 2003م.
لوالدي أكبر الأثر في تكويني الدعوي؛ لأنه تخرج في كلية الدراسات الإسلامية، والمعروف أن خريج هذه الكلية مؤهل دعويًّا لأن يتحدث إلى الناس، وقد كان والدي حريصًا على التربية الإسلامية، وكنت أنهل من مكتبته، وللبيئة الريفية التي نشأت فيها أثر لا ينكر في تكويني؛ حيث العادات والتقاليد الريفية التي تتوافق مع الشرع.
أما عن الزمان ودوره في تكويني، فقد عشت فترة نمو الحركة الإسلامية في مطلع شبابي، والجيران والمدرسون والملتزمون أيضًا كان لهم أثر في اتجاهي إلى مجال الدعوة.
  • قوة الجسد من أهم خصائص الشاب المسلم؛ فما موقع الرياضة في برنامجك اليومي؟ وهل كان للصحابة رياضة يحترفونها؟ وما رسالتك إلى الشباب فيما يخص الرياضة؟
فضلاً عن القراءة التي أحبها جدًّا، فإن أهم الرياضات التي أمارسها الجري؛ حيث إنني لاعب ألعاب قوى سابق بنادي الزمالك، ومنتخب مصر مسافات طويلة جري، وحبي للرياضة عائد إلى مكانتها عند الصحابة، واستحبابهم لها.
فسيدنا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يقول:
"علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل"، وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- يتعلم السباحة في بئر بني النجار وهو طفل صغير عندما ذهب لزيارة المدينة المنورة مع أمه، وكان- صلى الله عليه وسلم- ينظم سباق الخيل الذي يبدأ من مسجد "سبق" بالمناخة، بجوار مسجده- صلى الله عليه وسلم- إلى الغابة في أقصى شمال المدينة "يوم السبت"، وسمي المسجد بهذا الاسم نسبة إلى السبق الذي كان ينظمه الرسول- صلى الله عليه وسلم، وكان سيدنا سلمة بن الأكوع عدَّاء، وكان يسبق الخيل، وكان- صلى الله عليه وسلم- يقسم له قسمة الفارس الراكب، وليس قسمة الماشي، وبما أن "العقل السليم في الجسم السليم"، فإنني أدعو كل الشباب إلى أن يحترفوا رياضة ليكونوا قادرين على طاعة الله، والدعوة إلى دينه.

لهذه الأسباب اخترت الدعوة

  • ما سبب تحولك إلى الدعوة الإسلامية برغم عدم تخصصك ودراستك للعلوم الشرعية؟
سر تحولي إلى الدعوة الإسلامية هو محاضرة سمعتها للداعية الإسلامي الدكتور "عصام العريان" وأنا طالب في الثانوية العامة، وكانت عن القدوة والهدف، وقتها كنت أتساءل: مَنْ قدوتي؟ وما هدفي؟ فقررت أن أكون مهندسًا داعيًا إلى الله.
أما عن عدم التخصص، فالدين ليس حكرًا على دراسيه؛ فابن حجر العسقلاني، والعز بن عبدالسلام لم يتخرجا في كليات دينية، المهم هو أن مَنْ يتكلم في الدعوة لابد أن يكون عالمًا بالجانب الذي يتحدث فيه.
  • وما رأيك في القدح في الدعاة، والتقليل من شأنهم، خاصةً مع انتشار ظاهرة الدعاة الشباب، وأنت منهم؟
القدح في الدعاة والعلماء والشيوخ سيحاسب الله عليه يوم القيامة، ولحم الدعاة مسموم فاحذروه. وهؤلاء القادحون يلبسون على الناس دينهم؛ ولذلك أقول لهم: بينوا للناس أنتم- يا أيها القادحون- أين الصواب والخطأ!
أما الدعاة الجدد أمثال "عمرو خالد" وغيره، فقد نجحوا في أن يكسروا الحاجز بينهم وبين الناس، فلبسوا ملابسهم، وتحدثوا بلغتهم، وخاطبوهم على قدر عقولهم، وهذا أمر إيجابي.

السيرة منهج للإصلاح

  • كيف نجعل من السيرة النبوية منهجًا للإصلاح؟
السيرة النبوية هي التطبيق العملي للإسلام، وهي أبلغ رد على الذين يدعون أن الاسلام نظريات غير قابلة للتطبيق، ولا يتحقق الإصلاح من خلال السيرة إلا عبر داعية أحب الرسول- صلى الله عليه وسلم- وتشبع بسنته، وعندما يتحدث عن حبه، فإنه يتكلم عن شيء ذاقه وعاشه، فيستطيع أن ينقله إلى الناس ويصدقونه.
فاستحضار أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- يعيش بيننا في غاية الأهمية في استخدام السيرة النبوية في الدعوة والإصلاح، فعلى الداعية أن يتخيل أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- معنا، وينقل هذا الخيال إلى كل من يدعوهم ليقيسوا عليه سلوكهم.
وهذا ينقلنا من السيرة إلى العقيدة، فإذا كنت تعتبر وجود النبي- صلى الله عليه وسلم- فلماذا لا تعتبر وجود الله؟ وتسأل نفسك: هل كل عمل ستقدم عليه سيرضي الله، ويجدر بخليفة الله في أرضه؟.. لو وصلت هذه المعاني إلى القلوب يسهل الإصلاح.

الكون كله دعوة

  • ما الوسائل الدعوية المختلفة؟ وهل المسجد أنسب أماكن الدعوة أم لا؟
كل شيء في الكون هو وسيلة من وسائل الدعوة؛ بمعنى أن العمل والتعامل وسيلة من وسائل الدعوة، والكلام والأناشيد والتلفاز والكاسيت والإنترنت وسائل دعوة، وكرة القدم والرياضة بأنواعها وسائل للدعوة، حتى الشر وسيلة للدعوة؟ كيف؟!
يقول سيدنا "حذيفة بن اليمان":
"كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر؛ مخافة أن يدركني"، فهذا الشر الذي نراه في المجتمع لابد أن ننبه الناس إلى أنه شر فلا تقربوه، ومن هنا فهو وسيلة من وسائل الدعوة،، وأحسب أنه لا أحد ميئوس منه، ففي كلٍّ خير، والداعية هو الذي يبحث عن هذا الخير، كما فعل سيدنا "عبدالله بن مسعود"، حين مرَّ في العراق بمغنٍّ اسمه "زاذان" وهو يضرب على العود، فوقف أمامه، فقال له "زاذان": من أنت؟ فقال "ابن مسعود": أنا صاحب نبيك، فقال "زاذان": أيعجبك صوتي؟ قال "ابن مسعود": نعم، إلا أنه لو كان بالقرآن لكان أجمل، فبكى الرجل، وعاهد "ابن مسعود" على أن يترك الغناء، ويتفرغ لكتاب الله، فأصبح من علماء القرآن.
وإن كل ما يقع عليه بصرك، وكل ما ينطق لسانك، وكل ما يشمه أنفك، وكل ما تفعله يدك أو قدمك، وكل ما يدركه عقلك، وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله، وقديمًا قالوا: "حال الرجل في ألف رجل خير من وعظ ألف رجل في رجل"، فالقدوة ومطابقة القول للعمل من أهم وسائل نجاح الداعية.
  • ما هي أهم العقبات التي تواجه الداعية؟
هناك عقبات كثيرة أمام الدعوة والداعية تنقسم إلى نوعين:
أولاً: عقبات خاصة بالداعية، وهي:
  1. عدم الإخلاص، وأقصد طلب الشهرة والظهور، والمال، وأخذ الدعوة كوسيلة للتربح والغنى، والسيادة والوجاهة.
  2. عدم معايشة الداعية لزمانه: "من عرف زمانه استقامت طريقته".
  3. الانتحار الدعوي بمعنى: أن يلقي الداعية نفسه في قضايا لا يستطيع أن يحيط بها.
ثانيًا: عقبات خارجية، أهمها: محاربة الدعاة من جانب أصحاب المصالح الذين يظنون أن الداعية يسحب البساط من تحت أرجلهم، كما أن الداعية قد يفقد صوابه عند الفتن؛ ولذلك أرى أن واجبات كل مسلم، لا الداعية فقط، في مناخ الفتنة أن يتسلح بما يلي:
  1. الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم.
  2. الصحبة الصالحة التي تقي المسلم شرور هذه الفتن.
  3. الاعتقاد الكامل بأن هذا الدين لن يمحى من الوجود، وأن أمة محمد باقية إلى قيام الساعة حتى تعود خلافة راشدة على منهاج النبوة.
  4. القرب من الله- عز وجل- وأخذ النفس بالعزائم، وحديث الرسول- صلى الله عليه وسلم: "إن لكل عمل شرة- نشاط وهمة- ولكل شرة فترة- أي فتور وضعف- فما كانت فترته إلى سُنَّة، فقد اهتدى"، فمن فر من الفتن والفتور، ومن الضعف إلى ملكوت الله- عز وجل- وسنة نبيه، فقد أخذ النفس بالعزيمة.

كانوا بشرًا

  • كيف نقنع شبابنا بأن في الإسلام حلاًّ لكل مشكلاتهم؟
كان مجتمع الصحابة مجتمعًا من البشر، يصيبون ويخطئون، يعتريهم ما يعترينا من الفتن والشهوات والفتور والمشاكل، فلابد أننا سنجد لكل مشكلة تحدث مشابهات في سلفنا، أو قريبة منها نقيس عليها؛ ولذلك أقول لكل شاب: ابحث عن مشكلتك في هذا الجيل المبارك، وكيف كانت الحلول لها، وطبق هذا الكلام في عصرك.
ولنأخذ مثلاً بأبرز مشاكل عصرنا؛ وهي عدم قدرة الشباب على الزواج، وعجزهم عن كبح جماح شهواتهم وغرائزهم، فقد كان الصحابة يعانون مثلنا، حتى إن أحدهم يأتي النبي ويقول له: إئذن لي في الزنى، فلم ينهره الرسول- صلى الله عليه وسلم- لكنه أرشده إلى الصواب، وقال له: تزوج، وإن لم تستطع فصم، ونقول في زماننا هذا: إذا لم تستطع الصوم بالقياس على ما سبق، فعليك بممارسة الرياضة التي تستنفذ قوتك وطاقتك، وعليك أن تبتعد عما يثير شهوتك من أفلام ومجلات وصور، وقبل ذلك نود أن نشير إلى الحافز الأخلاقي واستثارة الغيرة على المحارم، فقد سأل الرسول- صلى الله عليه وسلم- الشاب الذي طلب إذن الزنى: أترضاه لأمك؟ أترضاه لأختك؟..

برنامج لاستثمار الوقت

  • استثمار الوقت قيمة غائبة في حياة المسلمين؛ فكيف نحيي هذه القيمة بشكل عملي؟
يقول- صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما ابن آدم: الصحة، والفراغ"؛ ولذلك أقول لكل مسلم: لابد أن تعرف قدرتك ثم تقيمها، ومن هنا أقترح برنامجًا لاستثمار الوقت يعتمد على:
  1. تنمية القدرات:
فإذا كنت تمارس رياضة معينة بشكل عشوائي غير مخطط، فمارسها لكي تكون بطلاً فيها.
  1. برعت في قدرة من القدرات، فعليك أن تفيد بها المجتمع وتستثمرها.
  2. حدد أهدافًا، وهذه الأهداف لابد أن تكون متوافقة مع قدراتك؛ حتى لا تُصاب باليأس والعجز والإحباط.
  3. أصبح عندك قدرات، وأصبحت لديك أهداف، ابدأ في البحث عن الوسائل التي تحقق هذه الأهداف باستغلال هذه القدرات، ولابد أن تكون القدرات متفقة مع الشرع، ولابد أن تكون الأهداف مشروعة، والوسائل مشروعة كذلك.
  4. لابد أن يكون هناك زمن محدد، وتنفذ فيه أهدافًا محددة بوسائل محددة، بناءً على قدرات محددة.
  5. في نهاية الفترة الزمنية التي حددتها لتحقيق أهدافك، وبالوسائل المشروعة، لابد من وقفة تقييم ومحاسبة وتعديل للمسار إن كان يحتاج الأمر إلى تعديل.
  6. المدة المحددة يمكن أن تكون ساعة أو أسبوعًا أو شهرًا أو سنوات، والأهداف يمكن أن تكون أهدافًا رئيسية تنقسم إلى فرعية حسب قدراتك.

الشباب والفتيات

  • كيف يمكن ربط الشباب بواقع الأمة في خضم الاهتمامات التافهة التي يراد له الغرق فيها؟
النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس الأعلى"، يفهم من هذا الحديث أن المسلم دائمًا يطلب المعالي، ولا يتطرق إليه اليأس، ولا يرضى بصغائر الأمور، فقد خلق ليكون أمة وحده، ولابد أن يفكر بهذا المنطق.
وفي الحديث: "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها"، هذا يقودنا إلى العمل حتى وإن رأينا الساعة تقوم، وعلى العبد السعي وليس عليه إدراك النجاح، فالشاب المسلم المتطلع إلى المعالي والعامل لدينه ودنياه حتى آخر عمره، لابد أن يكون أيضًا مسئولاً عن هذا الدين، وعن هذه الأمة، فكل منا خليفة الله في الأرض، وعلينا أن نكون أهلاً للخلافة، خاصةً إذا أدركنا قدراتنا وطاقاتنا واكتشفناها.
هذه المعاني إذا استطعنا أن نوصلها إلى قلوب وعقول الشباب وأعطيناهم الفرصة أو أخذوها بإرادتهم وسواعدهم، فسيكونون شبابًا يبنون أمة.
  • أخيرًا: كيف تكون فتاة اليوم كصحابية الأمس؟
قام الإسلام على أكتاف الرجال والنساء، والله رب للرجال والنساء، فالمرأة شقيقة الرجل لقوله- صلى الله عليه وسلم: "النساء شقائق الرجال"، ولقد كانت أول شهيدة في الإسلام هي "سمية" أم عمار.
والغريب أن المرأة هي التي فرطت في حقها؛ إذ لم تُخلَق لأن تكون زوجة فقط، لم تُخلَق لكي تكون أمًّا فقط، فالله- عز وجل- قال: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات: 56)، فكل معاني العبادة يحملها كل من الرجل والمرأة على السواء، والمرأة هي التي جعلت رسالتها في الحياة أن تتزين وتتجمل وتجلس منتظرةً الزوجَ العائد إليها، دون أن يكون لها هدف أبعد أو رسالة أسمى.
فكثير من النساء يصلحن لأن يكُنَّ قائدات في الكثير من المواقع، ولكنهن يتخلين- بإرادتهن أحيانًا- عن الرسالة والقيادة.
أين كلمة الشرف عند المرأة؟ أين الرجولة بمعانيها القرآنية التي تختلف عن الذكورة؟ أين المرأة المجاهدة المقاتلة كأم عمارة "نسيبة بنت كعب"؟ أين المرأة العالمة، الإمامة التي تعلم الأمة كعائشة، وأسماء بنت عبد الكريم زوجة الحافظ بن حجر العسقلاني؟ أين المرأة الشاعرة كالخنساء التي يُروى أنها فاقت حسان بن ثابت شاعر الرسول- صلى الله عليه وسلم؟ أين المرأة الصوامة القوامة كمعاذة العدوية؟ أين المرأة العابدة كرابعة العدوية؟ أين ذات العقل والمشورة كأم سلمة- رضي الله عنها؟!
لا تعارض ولا تناقض بين نبوغ المرأة وتفردها وأداء رسالتها الإنسانية والأسرية، كما لا تعارض بين كون الرجل زوجًا وأبًا، وتفرده ونبوغه في رسالته.

نقلاً عن مجلة الزهور - العدد 36 - رجب 1424هـ = سبتمبر 2003م

المصدر