د. محمد كمال يكتب: قل الحمد لله

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٩:٥٤، ٢٢ فبراير ٢٠١٢ بواسطة Darsh10 (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
د. محمد كمال يكتب: قل الحمد لله


د. محمد كمال

الحمد لله أول كلمة في كتاب الله العزيز، بدأت بها سورة الفاتحة ليس هذا فحسب، بل هي المستهل لخمس سور من القرآن الكريم، وما وضعت هذا الموضع إلا لعظمها وثقلها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله تملأ الميزان".

الحمد لله هي لسان حال المؤمن المتصل بربه دائمًا وأبدًا يقولها في كل وقتٍ وحين، في السراء يقول الحمد لله، وفي الضراء يقول الحمد لله، وكل المخلوقات تسبح بها إن شئت فاستمع لقول الله تعالى: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ (الإسراء: من الآية 44).... الحمد لله قالها سيدنا إبراهيم حيث رُزق الولد الصالح، قال تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء (39)﴾ (إبراهيم).... الحمد لله قالها سيدنا نوح حينما نجاه الله من القوم الطالمين قال تعالى: ﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28)﴾ (المؤمنون).

الحمد لله هي دعاء أهل الجنة قال تعالى: ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)﴾ (يونس).

الحمد لله تقال عند هلاك القوم الظالمين قال تعالى: ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)﴾ (الأنعام).

والحمد لله يقولها المؤمنون المخلدون في الجنة قال تعالى: ﴿وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (الأعراف: من الآية 43)، ويقولونها وهم ينعمون فيها قال تعالى: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34)﴾ (فاطر).

أخي الحبيب ما أحوجنا في هذه الفترة التي تبدو فيها بشائر النصر وملامح التغيير أن نقول الحمد لله على ما مَنّ علينا وبسط لنا من رزق وتأييد من غير حول منا ولا قوة، وفي ظل هذه الأحداث التي تلاحقت سريعًا لا بد لنا من وقفات.

أولاً: هيا بنا نطالع قول الإمام البنا- رحمه الله-: "إن تكوين الأمم وتربية الشعوب وتحقيق الآمال ومناصرة المبادئ يحتاج من الأمة التي تحاول هذا أو من الفئة التي تدعو إليه على الأقل إلى عزيمة قوية تتمثل في عدة أمور: إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف، ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر، وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل، ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه والخديعة بغيره".... ولنتوقف عند قول الإمام البنا: "إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف"، فمتى كانت الإرادة كان التغيير.

وإن تغيير الظلم والاستبداد والقهر يحتاج منا إلى كل ما سبق أن نبه إليه الإمام- رحمه الله.

ثانيًا: إن الذي حدث ما كان يتوقع أحد أن يتم بهذه السرعة ولكنها يد الله تعمل بطريقتها الخاصة، مَن كان يظن أن النظام يكتب شهادة وفاة أعضائه بيده؟! ولنا أن نتذكر في ظل ذلك قول الله تعالى: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى﴾ (الأنفال: من الآية 17)، وقوله تعالى: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾ (الأنفال: من الآية 63).

ثالثًا: على المسلم ألا يستعجل ساعة النصر لأن الله لا يتعجل بعجلة أحدنا ولأن كل شيء يسير بقدر الله عز وجل، قال تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50)﴾ (القمر)، وإن كان الاستعجال هو سمة بشرية حينما يضيق الناس بالذل والقهر والبطش والطغيان، يقول الله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ (214)﴾ (البقرة).

وحينما سأل الصحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حينما اشتد عليهم بطش أهل مكة من الكفار: ألا تستنصر لنا، بيَّن لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- طبيعة الطريق، وما فيه من مشقة، وما يستوجبه من تبعات ثم بشرهم بنصر الله وبالأمان، فقال- صلى الله عليه وسلم-: "والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم قوم تستعجلون".

رابعًا: إن التعامل مع الله عز وجل لا يكون بقوانين البشر المادية، وإنما يكون بقوانين الله- عز وجل- الذي يقول للشيء كن فيكون، يقول رسول الله- عليه الصلاة والسلام- للسيدة عائشة- رضي الله عنها-: "يا عائشة لا تحصي فيحصي الله عليكِ..."، وإن على المسلم أن يعد عدته ما استطاع، قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾ (الأنفال: من الآية 60)، ويترك النتائج على الله- عز وجل-، ليس يعني ذلك أن يقصر في الأخذ بالأسباب؛ ولكن يأخذ بكل الأسباب التي يمتلكها غير أنه لا يعول عليها فإن مرد النجاحات كلها لله عز وجل.

خامسًا: إن الباطل مهما بان حجمه فهو ضعيف وإن أركانه هاوية وأهله واهنون، قال تعالى: ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾ (الحشر: من الآية 14)... ﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ﴾ (المنافقون: من الآية 4)، وانظر كيف تنكر بعضهم لبعض، وكيف ألقى كل واحد منهم التهمة على الآخر، وكيف تنصل بعضهم من بعض، وهذا- والعياذ بالله- حال المنافقين.

سادسًا: الشباب، هؤلاء الذين ضربوا المثل الأعلى في هذه الانتفاضة المباركة بعد أن كان الكثيرون ينظرون إليهم نظرة مختلفة، فثبت أن فيهم طاقة خلاقة وإبداعًا واستشرافًا للمستقبل يوحي بأنهم أهل لحمل الأمانة، وأن فيهم خيرًا كثيرًا.. تحملوا المشاق ولا زالوا، وصبروا وصابروا وضحوا وحملوا قضيتهم، وهي قضية الوطن كله.

هؤلاء الشباب الذين خاطبهم الإمام البنا برسالة خاصة قال لهم في مقدمتها: أيها الشباب.. إنما تنجح الفكرة إذا قوي الإيمان بها، وتوفر الإخلاص في سبيلها، وازدادت الحماسة لها، ووجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها، وتكاد تكون هذه الأسس الأربعة (الإيمان والإخلاص والحماسة والعمل) من خصائص الشباب، لأن أساس الإيمان: القلب الذكي، وأساس الإخلاص: الفؤاد النقي، وأساس الحماسة: الشعور القوي، وأساس العمل: العزم الفتي، وهذه كلها لا تكون إلا للشباب، ومن هذا كان الشباب قديمًا وحديثًا في كل أمة عماد نهضتها، وفي كل نهضة سر قوتها، وفي كل فكرة: حامل رايتها، قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾ (الكهف: من الآية 13)، ومن هنا كثرت واجباتكم، ومن هنا عظمت تبعاتكم، ومن هنا تضاعفت حقوق أمتكم عليكم، ومن هنا ثقلت الأمانة في أعناقكم، ومن هنا وجب عليكم أن تفكروا طويلاً، وأن تعملوا كثيرًا، وأن تحددوا موقفكم، وأن تتقدموا للإنقاذ، وأن تعطوا الأمة حقها كاملاً من هذا الشباب، رحم الله الإمام كأنه يعيش بيننا الآن.

أيها الأحباب: إن أي ثورة يجب أن تمر في مرحلتين؛ مرحلة هدم نظام فاسد ومستبد، وهو ما تحقق بفضل الله عز وجل، ويتحقق كل يوم بكشف المستور من جرائم النظام البائد ومساءلة مرتكبيها، ومرحلة بناء نظام صالح وعادل؛ وهي المرحلة الأصعب التي تتطلب منا جميعًا العمل الدءوب والسعي الحثيث والجهد المتواصل، حتى نتم هذا البناء.

أيها الأحباب: هذه بشائر النصر ولا زلنا ننتظر الكثير ولا زال يُرجى منا الكثير من البذل والتضحية والعطاء والدعاء لله- عز وجل- أن يحقق الأمل ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)﴾ (آل عمران) .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

والله أكبر ولله الحمد