ذكريات

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مقالة-مراجعة.gif
ذكريات

مقدمة

رمضان شهر الذكريات الإسلامية العالية لا شكّ، وكأنما ادَّخَر الله لهذا الشهر أن تكونَ فيه كلُّ الحوادث التي دعمت دعوة الإسلام، وطارت بها في الخافقين.

ففي شهر رمضان أنزل القرآن، ومعنى نزول القرآن الكريم أن السماء قد طالعت الأرض بمبادئ النهضة الجديدة والتطور الجديد، ونظام الحياة السعيدة، الذي يقوم على الرحمة والعدل معًا، والحق والقوة معًا، والروحية والمادية معًا، والربانية والإنسانية جميعًا، والفردية والجمعية كلاهما؛ فالفرد فيه للجماعة والجماعة للفرد، والكل لله الواحد القهار.

وفي رمضان كانت غزوة بدر، وغزوة بدر هي الامتحان العملي الأول للجماعة الإسلامية الناشئة التي لها في إيمانها القوي، وإخائها الثابت الموطد، وقدرتها على الكفاح والجلاد، واحتمالها لمعاني المشقة والجهاد، فلما نجحت الحملة نجاحًا منقطع النظير يتمثل في قولة سعد بن معاذ رضي الله عنه: "يا رسول الله، آمنا بك وصدقناك، وآمنا بأن الذي جئت به هو الحق من ربك؛ فنحن سِلْمٌ لمن سالمت، حَرْبٌ على من حاربت، لو خضت بنا البحر لخضناه معك، ولو ذهبت إلى أقصى الأرض لذهبنا وراءك، ما تخلَّف منا رجل واحد، وإنا لصبر في الحرب صدق عند اللقاء؛ فامض لما أمرك الله، وسيريك الله منا ما تقر به عينك"، وكان الرجل جادًّا فيما يقول، يعني كلامه كلمة كلمة، ويُشهد الله على ما في قلبه، وهو الصدق كل الصدق؛ فلما نجحوا هذا النجاح المنقطع النظير كافأهم الله بنصر منقطع النظير كذلك ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (آل عمران: 123).

وفي رمضان كانت غزوة الفتح كذلك..

والذي يتذكَّر كيف خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من مكة مهاجرًا، قد ترك أهله وبلده ووطنه يودع مكة وداع المحب الوامق (الوامق: المحب المتودِّد، انظر: لسان العرب 10/385)، فيقول: "يا مكة، والله يا مكة لأنتِ أحبُّ بلاد الله إلى الله، وإنك لأحب بلاد الله إليَّ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت" (مسند الإمام أحمد: 4/305 رقم 18737، وأخبار مكة لابن الفاكهي: 4/207- تحقيق د/ عبد الملك عبد الله دهيش- دار خضر- بيروت- الطبعة الثانية- 1414ه)، ثم يتعسَّف بعد ذلك الطرق، ويغشى المفاوز والغيران ليس معه بعد ربه إلا صاحبه؛ حتى أشرف على المدينة، دار الأمن والطمأنينة.

ثم يتذكر كيف عاد بعد ذلك إلى مكة فاتحًا في جيش لجب من المؤمنين الصادقين، يأسر أبا سفيان وينادي مناديه في الناس: "من دخل الحرم فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن"، ويجمع إليه قومه من قريش جميعًا فيخاطبهم جهرةً، وهم الذين آذوه أشدَّ الإيذاء: "يا معشر، قريش، ما تظنون أني فاعل بكم؟" فيقولون: "خيرًا.. أخ كريم وابن أخ كريم"، فيقول: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".

ثم يلتفت إلى الكعبة المشرفة وعليها الأصنام تُعبَد من دون الله، فينكسها جميعًا بعود في يده وهو يقول: ﴿جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ (الإسراء: من الآية 81)، ويعلن بذلك الإيمان والطمأنينة والسلام في يوم واحد.

مَن تذكَّر هاتين الصورتين ووازن بينهما، علم أن فتح مكة كان فتحًا عظيمًا؛ استقرَّت به دعوة الإسلام في الجزيرة المباركة، وتهيَّأت لتنتشر وتشرق على ما سواها من البقاع.

وفي رمضان اليوم..

تشغل قضايا العالم العربي والإسلامي كل قلب وكل نفس، من المحيط الهادي إلى الدار البيضاء، لقضية إندونيسيا وقضية الباكستان وقضية فلسطين وقضية اليمن والجزيرة العربية وقضية وادي النيل وليبيا وقضية المغرب العربي (كانت جميع تلك البلاد تقع تحت نير الاحتلال في ذلك الوقت).. كل هذه القضايا تحتل كلَّ نفس، وتشغل كلَّ بال، وتدور مع كلِّ خاطر، ويعرض الكثير منها على الهيئات الدولية، فتتذكَّر قول الفرزدق- رحمه الله ورحم أيامه- (البيت لهند بنت النعمان بن المنذر، وهو من بحر الطويل، ولقد ذكر الإمام البنا أن البيت للفرزدق ولكن الصواب ما أثبتناه):

إذا نحن فيهم سوقة نتنصف

فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا

ولكن لا يأس فالدنيا دول ﴿وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ (آل عمران: من الآية 140).

فيا أيها العرب والمسلمون.. وأنتم آلاف في رمضان، شهر الذكريات، راجِعوا صفحات هذا التراث المجيد، وأعدُّوا أنفسكم من جديد؛ لتخطُّوا في كتاب الوجود صفحاتٍ أخرى كالتي خطَّها آباؤكم من قبل في سبيل الحق والمجد والسلام، والله معكم.

للمزيد عن الإمام حسن البنا

Banna banner.jpg