ذكريات جمال ماضي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


ذكريات يوم النطق بالحكم في القضية العسكرية

بقلم: أ. جمال ماضي

أ. جمال ماضي

في محن الإخوان المسلمون رأيت هذه الحقيقة، انشغال الإخوان بغيرهم، لدرجة أن ينسوا أنهم في نفس البلاء، مما يجعل الإنسان يحمد الله تعالى على نعمة الألفة بين القلوب: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ (الأنفال: من الآية 63)، وحتى لا نذهب بعيدًا ما السؤال الذي حيرني؟!

كنت في عام 95 في القضيتَين العسكريتين معًا، بمعنى أنني كنت متهمًا في القضية 8 عسكرية بتهمة الانتماء للإخوان المسلمين وأنني قياديٌّ بها، وبنفس التهمة في القضية 11 عسكرية، وفي نفس المحكمة ومع نفس القاضي ونفس هيئة المحكمة، ولم يكن هناك اختلافٌ إلا تشريفي مع كواكب مصر من أهل الإصلاح ونهضتها وتنميتها من الإخوان، فكان على حدِّ تعبيرهم: "المتَّهمون في القضيتين مختلفون".

وكان السؤال المحيِّر في داخلي: يا تُرى أي القضيتين سيُحكم عليَّ فيها 8 أم 11؟! وكنت أحسب أنه بعد الأحكام ستكون كل قضية بعيدة عن أختها، ولذا سأحرَم على هذا الحال من مرافقتي للجميع؛ مما يجعلني محرومًا من أغلى أوقات الحياة!! ولكن الله سلَّم.

تجمَّعنا عقب صلاة الفجر، في يوم مشرق جميل، ونظرت إلى السماء من خلال السقف الحديدي لباحة السجن، وتساءلت سؤال كل يوم: لماذا أنتِ مسجونة يا سماء؟

فما كنت أشعر إلا بالحرية التي تربَّينا عليها في صفوف الإخوان، فحريَّتنا في قلوبنا ومن أفئدتنا تنطلق عواطفها ومشاعرها، وهذا لا يحسُّ به إلا من تعرضوا لتربية إيمانية وعقيدة سليمة بربهم، وهذا هو منهج الإخوان مع الشعوب، وهو ما يهدِّد الظالمين على عروشهم الزائلة، وكراسيُّهم الهشَّة: ?" فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا" (72)? (طه).

ولذلك لم يكن في طريقنا إلا الدعاء والابتهال والتكبير والتهليل و"حسبنا الله ونعم الوكيل"، والقرآن الكريم، الذي كان خير صديق؛ مما أضفى علينا روحًا وجوًّا من السحر، وكأننا في الطريق إلى الجنة ولسنا إلى المحكمة العسكرية!!.

وكان معنا في سيارة الترحيلات المجهَّزة لغير الإنسان وبعددنا جنود من الأمن المركزي، فكان نصيب كل أخ جندي تربطهما القبضة الحديدية حتى لا يهرب الجندي! .. فاستغلها الإخوان إلى دعوتهم إلى الصلاة والإيمان والطاعة والهداية، وقد لمسنا الاستجابة في عيونهم ومسلكهم، وهكذا طبيعة الشعب المصري الرقراق بعيدًا عن الفراعنة اللئام:?

وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا (27)? (النساء).

كيف استقبلنا الأحكام؟

كانت التوقعات ثلاثة بأجيال الجماعة الموجودين في هذه المحنة؛ فمنا الذين تعرَّضوا لمحنة 54، وكانت توقُّعاتهم "عشرات وخمس عشرات وعشرينات"، ومنَّا الشباب الذين نهضوا بالدعوة في السبعينيات على يد الإخوان، وشاركوا- ويشاركون- في كل مؤسسات المجتمع المدني؛ كنقابات واتحادات وجمعيات ومراكز ونوادٍ، وكانت توقُّعاتهم خيرًا من شركائهم في العمل، فقالوا: هي شهور وينتهي الأمر، ومنا الأعم والأغلب الذين لم يفكِّروا أصلاً ولم يتوقَّعوا، وكنت منهم، فلم أخُضْ هذه التجربة من قبل، كأساتذة الدعوة في 54 فكنت في علم الغيب، وإن كنت قد تلقَّيت منهم الدعوة، ولم أخُض التجربة الثانية وإن كنت من جيلهم.

وعلى كل الأحوال لمست الحكمة الإلهية في الابتلاء بأنها تنزل على كل العباد وفيها ثلاثة:

التخفيف واللطف وساعة الفرج، وهذا ما شعرنا به في كل لحظاتنا، فكان استقبالنا لمجريات الأحداث هاشًّا باشًّا ليِّنًا جميلاً.

وكان الإخوان قد أعدُّوا بيانًا، ووقف الدكتور محمد حبيب بعد خروجه من القفص لتلاوته، وكأن كل أخ يتلو البيان مع لسان الدكتور الحبيب، فقد عبَّر به عن خلجاتنا وأنفاسنا ونبضاتنا، ثم عاد إلينا؛ حيث لم نكن في حاجة لسماع الأحكام بعد إلقاء بياننا، وكأن المهمة قد انتهت.

وكان بجواري لحظة النطق بالحكم شيخ الدعاة الأستاذ محمد حسين، الذي تهلَّل وجهُه نورًا على نور وكأنه يُزَفُّ إلى الجنان قائلاً: يا دي الهنا اللي احنا فيه.

وخرج كواكب 8 عسكرية وهم مكبِّرون مهلِّلون مثل من ظفر بمكافأة أو شهادة نجاح أو نيشان تقدير، ولكنني أدركت بعد أن تركوني وحيدًا في الأقفاص التي كانت منذ لحظة مكتظَّةً بالحياة والحيوية، أدركت في نظراتهم عمق الانتباه إلى أخيهم في وحشته بعد هدوء نشوة النياشين، والذي تركوه مع مصيره المجهول في القضية 11 التالي الحكم فيها.

ربما الآن ما يدور في الأذهان ما الحكم الذي تفتَّقت به عقولهم للخروج من مأزق القضيتين معًا؟ خاصة وقد تم الحكم بـ3 أعوام في القضية 8؟

لقد كان أول نطق بالحكم قبل البراءات والأحكام هو اسمي؛ حيث حكم عليَّ فيها بالبراءة، وبذلك أصبحت أحمل حكمًا بـ3 أعوام والتهمة: أنني أدير وأقود وأنتمي لجماعة الإخوان المسلمين ، ومن نفس القاضي ومن نفس المحكمة وفي نفس اليوم: حكم بالبراءة من تهمة أنني أدير وأقود وأنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وكانت بحق المفاجأة!!.

المصدر: صفحتنا بيضاء