رؤية الإمام البنا لنهضة الأمة (5)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
رؤية الإمام البنا لنهضة الأمة (5)

بقلم / أ. عبدالمنعم الشريف


المنهج الأصولي عند البنا

الإمام حسن البنا

هناك مشكلات تعترض طريق الأمة في تعاملها مع أصول الفقه يجب الإلتفات إليها ، كما يجب التعرف على بعض الضوابط ( الخاصة بهذا العلم ) التي أدى تركها إلى الإضرار بمسيرتها نحو النهوض والإخلال بالأرضية الصالحة للانطلاق من جديد ، وعلم أصول الفقه هو العلم الذي يهتم بكيفية الوصول إلى الحكم الشرعي ، وبحسب أقوال كثير من العلماء : فإن أول من دون هذا العلم هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله .

تعرّفُ الأصول بأنها مجموعة من القواعد والبحوث التي يُتوصل بها إلى استخراج الأحكام الشرعية العملية ( الأحكام الفقهية ) . وقد قسم العلماء مصادر الأصول إلى :

1. مصادر معتبرة وتشمل : القرآن ، والسنة ، ولإجماع ، والقياس .

2. مصادر أخرى للأصول مختلف عليها وهي : قول الصحابي ، وشرع من قبلنا ، وعمل أهل المدينة ، والعرف ، والاستصحاب ، والاستحسان ..الخ ).

ويمكن الحديث على أن هناك أصول غير معتبرة وتشمل : ما أضافه أهل التصوف مثل الكشف والرؤى ، والإلهام والخواطر .

وفي ما يلي نتعرف على محاولة الإمام البنا في إظهار رؤيته لهذه المسائل ، وما هو ترتيب هذه الأصول في منهجه ، لنتبين أنه رحمه الله لم يخرق إجماعا ، ولم يأتي بالغريب الشاذ ، بل استقى منهجه من الأصول التي سارت عليها الأمة في قرون الخيرية وما بعدها ... فيقول رحمه الله في :


المرجعية

والقرآن الكريم ، والسنة المطهرة مرجع كل مسلم في تعرف أحكام الإسلام ( أ ) ويفهم القرآن طبقا لقواعد اللغة العربية من غير تكلف ولا تعسف ( ب ) ويرجع فهم السنة المطهرة إلى رجال الحديث الثقات ' ( الأصل الثاني / رسالة التعاليم ) .

إن التأثر بالأشخاص ، وتبني مواقفهم وأفكارهم دون دليل من الحق يودي بالمرء أحيانا إلى تعصب مذموم ، وانحياز كل ذي رأي إلى رأيه ، فينفرط العقد ، وتتغير النيات ، وينشأ بذلك النزاع ، و ويخيم الفشل و تذهب الريح .وبالتالي وجب الحذر كل الحذر من اتباع الرجال بغير هدى من الله ، حتى لا يختلط أمر المرجعية على المسلمين ، وحتى لا ينهلوا إلا من معينهم الصافي ، ولا يقبلوا إلا ما كان موافقا لكتاب الله وسنة نبيه ،ولذلك نبّه على ذلك الإمام البنا في :


انتفاء العصمة عن أقوال الرجال

كل يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم ، وكل ما جاء عن السلف رضوان الله عليهم موافقا للكتاب والسنة قبلناه ، و إلا فكتاب الله وسنة رسوله أولى بالإتباع ، ولكننا لا نعرض للأشخاص..( فيما اختُلِفَ فيه )..بطعن أو تجريح ، ونكلهم إلى نياتهم ، وقد أفضوا إلى ما قدموا '( الأصل السادس/ رسالة التعاليم ) .

يقول النبي صلى الله عليه وسلم ' ذاق حلاوة الإيمان من رضي بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ) .

وفي حديث آخر ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا في الله ) .

وفي حديث آخر ( اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ) .

واعتماداً على ما مضى من الأحاديث الشريفة ، فإن العبادة الصادقة لها أثر على قلب المؤمن ، وسبب في قذف الإلهامات والخواطر التي تنير له الطريق ، وتعينه على إبصار الحق ،و هذه الإلهامات ، والخواطر والفراسة ، أمور ثابتة ، وقد تسمى بالكرامات ، وهي حق وجب التسليم بها ، ولكنها لا تُتّخذ دليلاً من أدلة الأحكام ، فإن أدلة الأحكام هي القرآن والسنة وما تفرع عنهما ، وقد يُستأنس بهذه الأمور أي الإلهام ونحوه في معرفة الأشخاص والأحوال وما إلى ذلك ، وعلى هذا الفهم ارتكز الأمام حسن البنا في تقديره لهذه الأمور فقال في :


الأدلة الغير معتبرة للأحكام

وللإيمان الصادق والعبادة الصحيحة ، والمجاهدة نور وحلاوة يقذفها الله في قلب من يشاء من عباده ، ولكن الإلهام والخواطر والكشف والرؤى ليست من أدلة الأحكام الشرعية ، ولا تعتبر إلا بشرط عدم اصطدامها بأحكام الدين ونصوصه' .( الأصل الثالث / رسالة التعاليم )

( الأصل أن المسلم يعرف ألأحكام الشرعية من أدلتها ، ولكن هذا غير متيسر في الواقع ، فليس كل مسلم بقادر على أن يصل إلى رتبة النظر والاجتهاد ، ولهذا وجب على القاصر عن هذه الرتبة أن يسأل أهل العلم عن حكم الله فيما يهمه من أمور و ما يجب عليه من أعمال .

قال تعالى : ( فاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) ، وسؤال أهل الذكر هو أن يسأل المسلم عالماً ورعاً ثبتاً عما يهمه من مسائل ليعلم حكم الشرع فيها ، ويدخل في مفهوم سؤال أهل الذكر إتّباعه لإمام من أئمة الدين كأبي حنيفة والشافعي وأحمد ومالك ، بأن يأخذ باجتهاداتهم ، وأقوالهم في مسائل الفقه ، وأن لا يعتقد في أحدهم العصمة ، وإذا ظهر الصواب في مسألة عند غير إمامه اتبع الصواب في هذه المسألة ، أما إذا لم يتبين له ذلك استمر على متابعة إمامه في مذهبه واجتهاده ، فاتباع المذاهب إذاً سائغ وليس بواجب ، بمعنى أن المسلم له أن يتبع مذهباً ويأخذ بأقواله على مظنة أنه يوصله إلى حكم الشرع ، كما أن للمسلم أن لا يتبع مذهبا بعينه ، وإنما يسأل أي عالم يثق بعلمه وورعه عن المسألة التي تهمه و عن حكم الشرع فيها ، وعلى المسلم المقلد أن يجتهد في تعرُّف أدلة مذهبه إذا استطاع ذلك ، ثم عليه إذا آنس في نفسه القدرة أن يُكْمل نقصه العلمي ليصل إلى مرتبة النظر والاجتهاد ، أما إذا لم يبلغ هذه القدرة فلا حرج عليه أن يبقى في مرتبة التقليد لأحد الأئمة المشهود لهم بالعلم والصلاح على النحو الذي بيناه ، وفي جميع الأحوال على كل مسلم أن يعلم يقينا أن الذي فرضه الله عليه هو اتباع ما جاء به القرآن والسنة النبوية المطهرة .

فإذا ما بين أهل العلم أن الحكم الشرعي الصحيح هو ما نطق به الحديث الصحيح فعليه أن يأخذ بهذا الحديث الصحيح الذي يصرح به أهل العلم الثقات ، فإن أصحاب المذاهب كلهم قالوا ( إذا صح الحديث فهو مذهبي ) ، فالشريعة الإسلامية – أي القرآن والسنة – حجة على كل مذهب وليس أي مذهب حجة على الشريعة )

وحول هذه القضية يقول الإمام البنا ' و لكل مسلم لم يبلغ درجة النظر في أدلة الأحكام الفرعية أن يتبع إماما من أئمة الدين ، ويحسن به مع هذا الإتباع أن يجتهد ما استطاع في تعرف أدلته ، وأن يتقبل كل إرشاد مصحوب بالدليل متى صحّ عنده صَلاح من أرشده وكفايته . وأن يستكمل نقصه العلمي إن كان من أهل العلم حتى يبلغ درجة النظر ' ( الأصل السابع / رسالة التعاليم ) .


المنهج الفقهي عند الإمام البنا

الإمام حسن البنا

في هذا الجزء من الدراسة سنتناول المنهج الفقهي للإمام .

الفقه باختصار هو: العلم بالأحكام الشرعية العلمية المكتسبة من أدلتها التفصيلية .

أن النصوص تختلف في ثبوتها ودلالتها اختلافًا كبيرًا من حيث القطعية والظنية. وبما أن التعامل مع النصوص الشرعية في إطار الاستنباط يستدعي إعمال النظر فيها ، ومحاولة تفسيرها ، أو تأويلها بما يتطلبه الحكم الشرعي ، فإن حدوث الاختلاف يكون واردا ، وتفاوت درجات النظر في النص الشرعي تخلق حالة من التدافع الفكري الذي قد يكون سببا في تبعثر جهود الأمة ، واستنزاف طاقاتها ، بدل من أن تساهم في تقوية صرحها الفقهي ، وإثراء الساحة الفقهية بالأحكام المواكبة لمتطلبات العصر وحاجات الناس .

وهناك سبب من أهم الأسباب للخلاف في تفسير النصوص وفهمها، وهو الخلاف ما بين مدرسة ( الظواهر) ومدرسة ( المقاصد ) ، أي المدرسة التي تقف عنـد ظواهر الألفاظ، وتتقيد بحرفية النص في فهمها، وفي مقابلها المدرسة التي تهتم بالفحوى، وبروح النص ومقصده، فقد تخرج عن ظاهر النص وحرفيته، تحقيقًا لما ترى أنه مقصد النص وهدفه ) .

لذلك وجب على كل متصدر لعملية التجميع أن يعتبر ذلك ، ويتعامل على هذا الأساس ، وهذا ما اتبعه الأستاذ البنا عليه رحمة الله فقال :

‘ والخلاف الفقهي في الفروع لا يكون سببا للتفرق في الدين ، ولا يؤدي إلى خصومة أو بغضاء ، ولكل مجتهد أجره ، ولا مانع من التحقيق العلمي النزيه في مسائل الخلاف في ضل الحب في الله والتعاون على الوصول إلى الحقيقة من غير أن يجر ذلك إلى المراء المذموم والتعصب ‘ ( الأصل الثامن ، رسالة التعاليم ) .


بعض الأصول في فهم الفقه عن الأستاذ البنا

وفيما يلي نستعرض بعض الأصول في فهم الفقه عن الأستاذ البنا :

عمل القلب وعمل الجارحة

إن واجب المسلم أن يسعى للتخلق بشعب الإيمان، التي جمعت كل الأعمال، أعمال القلوب وأعمال الجوارح، ولا يجوز له الاكتفاء بأحدهما.

قال تعالى: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) .. )( الأنفال ).

فمهمة المسلم أن يجد ويسعى للكمال في كل الأعمال، مركزا على أعمال القلوب، بادئاً بها، غير مهمل ولا مستهين بأعمال الجوارح، لكن مراعيا للترتيب الأولويات مقدما الأعلى على الأدنى) ..( 2 ) .

وفي هذا يقول الأستاذ البنا رحمه الله أن…

العقيدة أساس العمل، وعمل القلب أهم من عمل الجارحة، وتحصيل الكمال في كليهما مطلوب شرعا، وإن اختلفت مرتبتا الطلب.. ( الأصل السابع عشر/رسالة التعاليم ) .


الأحكام الفقهية أنواع

• أحكام مصادرها نصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة على أحكامها، وهي نهائية، ملزمة، لا مجال فيها للاجتهاد.

• أحكام مصادرها نصوص ظنية في الدلالة على أحكامها.. وهذه فيها مجال للاجتهاد.

• أحكام انعقد عليها إجماع المجتهدين في عصر من العصور.. وهذه لا مجال فيها للاجتهاد.

• أحكام لم تدل عليها النصوص ولا أجمعت عليها الأمة.. فهي مجال للاجتهاد.


ولكن من الذي يملك حق الاجتهاد؟

الذين لهم الاجتهاد بالرأي هم الجماعة التشريعية الذين توافرت في كل واحد منهم المؤهلات الاجتهادية التي قررها علماء الشرع الإسلامي، فلا يسوغ الاجتهاد بالرأي لفرد مهما أوتي من المواهب واستكمل من المؤهلات، لأن التاريخ أثبت أن الفوضى التشريعية بالفقه الإسلامي كان من أكبر أسبابها الاجتهاد الفردي.

ولا يسوغ الاجتهاد بالرأي لجماعة، إلا إذا توافرت في كل فرد من أفرادها شرائط الاجتهاد ومؤهلاته، ولا يسوغ الاجتهاد بالرأي لجماعة توافرت في كل فرد من أفرادها شرائط الاجتهاد ومؤهلاته إلا بالطرق والوسائل التي مهدها الشرع الإسلامي للاجتهاد بالرأي والاستنباط فيما لا نص فيه (4) .


الأصل في العبادات التعبد

يقول ابن تيمية : إن تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان:

عبادات يصلح بها دينهم، وعادات يحتاجون إليها في دنياهم.

أما العبادات التي أوجبها الله لا يثبت الأمر بها إلا بشرع.

وأما العادات فهي ما اعتاد الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه، والأصل فيه عدم الحظر، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله.

ويقول الإمام أحمد : إن الأصل في العبادات التوقيف فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله. والعادات الأصل فيها العفو فلا يحظر منها إلا ما حرمه.

ومن هنا فإن القاعدة هي أن الأصل في العبادات التوقيف والتعبد بها لله سبحانه وتعالى، والأصل في العادات البحث في الحكم والمقاصد، فإن فهمنا حكمة الله في شيء حمدنا الله على ذلك، وإن عجز العقل عن إدراكها اتهمنا العقل بالعجز ولا نتهم الشرع بالنقص (5).

والأصل التالي يبين رؤية الأستاذ البنا لهذه القضية فيقول :


الخلاف الفقهي

الخلاف الفقهي نوعان :

• خلاف منهي عنه، وهو الخلاف الذي يفرق الأمة، كالاختلاف الذي حدث بين الفرق الإسلامية، التي اختلفت في أمور تتصل بالأصول والعقائد التي لا يجوز الخلاف فيها.

قال تعالى: ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )( الأنعام /152 )

• وخلاف جائز حول فروع الأعمال والعبادات، وهو خلاف لا يحرج صدرا، ولا يؤذي أحدا، وأمره دائر بين خطأ وصواب فإذا عرفنا أن المخطئ والمصيب مأجوران، هان الخطب واستطعنا في ظل الإخاء والحب أن نصل إلى الحقيقة.

والخلاف في فروع الدين أمرٌ لابد منه لأسباب عدة :

منها اختلاف العقول في قوة الاستنباط أو ضعفه، وإدراك الدلائل أو الجهل بها، والغوص على أعماق المعاني، وارتباط الحقائق بعضها ببعض. والدين آيات وأحاديث ونصوص يفسرها العقل والرأي في حدود اللغة وقوانينها، والناس في ذلك جد متفاوتين فلابد من خلاف.

ومنها سعة العلم وضيقه وأن هذا بلغه ما لم يبلغ الآخر. وقد قال الإمام مالك رضي الله عنه لأبي جعفر: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في الأمصار وعند كل قوم علم فإذا حملتهم على رأي واحد تكون فتنة.

ومنها اختلاف البيئات.

ومنها اختلاف الاطمئنان القلبي إلى الرواية.

ومنها اختلاف تقدير الدلالات فهذا يعتبر عمل الناس مقدما على خبر الآحاد مثلا وذاك لا يقول معه به وهكذا.

كل ذلك جعلنا نعتقد أن الإجماع على أمر واحد في فروع الدين مطلب مستحيل، بل ويتنافى مع طبيعة هذا الدين(6).

هناك قضية من أخطر القضايا التربوية في بناء الفرد المسلم.. وهي أن ينشغل بما يفيد ويدع ما لا ينبني عليه عمل، فيحفظ جهده من الضياع، وطاقته من التبدد، والقلوب من التفرق، ويكون بذلك إنسانا عمليا إيجابيا بناء، لا نظريا جدليا متكلفا .

وهو بذلك :

• يهذب لسانه .. فلا ينطلق في جدال عقيم، ومناقشات فارغة، تبدد الطاقة.. وتشحن النفوس.. وتزيد الفرقة.. ونظرة متفحصة إلى معظم النكبات التي أصابت المسلمين في القديم والحديث نجد وراءها هذا اللسان السليط.. وهذا الجدال العقيم.. وهذه المناظرات التي لا تبتغي سوى حب الظهور ومغالبة الآخرين …ومن منهج القرآن في التربية أن نمسك اللسان عمّا لا يعنينا، وألا نتكلم إلا فيما يفيدنا، وأن تكون مناقشاتنا وأسئلتنا ومجادلاتنا بالتي هي أحسن في كل ما يخدم دعوتنا ويحقق رسالتنا ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ( الأنعام / 68 ) .

• وينظم وقته.. والوقت هو الحياة.. فما من يوم ينبثق فجره إلا وينادي يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمني فإني لا أعود إلى يوم القيامة..

والمسلم الذي لا يحترم وقته لا قيمة للحياة عنده.. والأمة التي تفرط بزمانها.. تعيش خارجه، كماً مهملاً لا تفيد ولا تستفيد.. تنشغل بالجزئيات وتنسى أصول البناء ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ) (آل عمران/190)واختلاف الليل والنهار هو الزمان.. وأولو الألباب هم المسلمون الذين يتحكمون بهذا الزمان لصالح أنفسهم ومجتمعهم والإنسانية، ويتجنبون الخوض في كل مسألة لا ينبني عليها عمل نافع فالخوض فيها مضيعة للوقت وتبديد للجهد.

• ويحترم عقله.. فلا يبدد قدراته في جدليات فارغة.. أو في عبث ماجن.. أو في جزئيات لا أهمية لها.. أو في ساحات لا يستطيع العقل أن يدلي فيها برأي، مثل الأمور الغيبية.

قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ ) ( الانشقاق / 6 ).. كدح وعمل وتعب.. وجدٌ واجتهاد ومجاهدة تعمّر النفس والمجتمع.. وتفيد العباد والبلاد..وقد كان صدّيق هذه الأمة رضي الله عنه يدعو ربه فيقول: اللهم لا تدعنا في غمرة، ولا تأخذنا على غرة، ولا تجعلنا من الغافلين. وكان الفاروق رضي الله عنه يدعو ربه فيسأله: البركة في الأوقات وإصلاح الساعات..

بهذا المنهج التربوي الجاد ألزم الإسلام أتباعه فأصبحوا بناة هداة عظماء..لقد كان من فضل الله على سلفنا الصالح أنه كان جيلا جادا منشغلا بنشر الإسلام شرقا وغربا.. ولو أنه اشتغل بالمناظرات الكلامية والنقاشات العقيمة ما صنع أمة ولا حضارة، ولا خرج الإسلام من جزيرة العرب .

وبخصوص هذه القضية يشير الإمام البنا أن :

كل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذي نهينا عنه شرعا. ومن ذلك: كثرة التفريعات للأحكام التي لم تقع، والخوض في معاني الآيات القرآنية التي لم يصل إليها العلم بعد، والكلام في المفاضلة بين الأصحاب رضوان الله عليهم وما شجر بينهم من خلاف. ولكل منهم فضل صحبته وجزاء نيته وفي التأول مندوحة’( الأصل التاسع/ رسالة التعاليم ) .


حول البدعة الإضافية والبدعة التركية والالتزام في العبادات المطلقة

البدعة الإضافية تعني زيادة بعض الأمور في بعض ما جاء في الشرع الإسلامي كإضافة بعض ما أُحدث بعد الآذان.. والبدعة التركية تعني حذف بعض الأمور من بعض ما جاء به الشرع الإسلامي كترك سنة الجمعة البعدية بصورة دائمة ،أما الالتزام بالعبادات المطلقة يعني أن المسلم يلتزم بنوع معين من العبادات ، وغالبا يكون في وقت معين أيضا دون أن يرد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل : قراءة الفاتحة بعدد معين عقب صلاة الصبح كل يوم ، أو قراءة سورة الإخلاص بعدد معين في وقت معين بعد صلاة الصبح أو غيرها ، فهذه الأمور يقول عنها الإمام البنا أنها محل اختلاف فقهي في جوازها ولا بأس في معرفة الصواب في جوازها أو عدم جوازها .

فيقول : والبدعة الإضافية والتركية والالتزام في العبادات المطلقة، خلاف فقهي لكل فيه رأيه، ولا بأس بتمحيص الحقيقة بالدليل والبرهان ) .. (الأصل الثاني عشر/ رسالة التعاليم) .


للإطلاع على باقي الأجزاء:


للمزيد عن دور الإخوان في الإصلاح

كتب متعلقة

من رسائل الإمام حسن البنا

ملفات وأبحاث متعلقة

مقالات متعلقة

الإصلاح السياسي:

الإصلاح الإجتماعي ومحاربة الفساد:

تابع مقالات متعلقة

رؤية الإمام البنا لنهضة الأمة

قضايا المرأة والأسرة:

الإخوان وإصلاح التعليم:

موقف الإخوان من الوطنية:

متفرقات:

أحداث في صور

.

للمزيد عن الإمام حسن البنا

Banna banner.jpg