رؤية التيار الإسلامى لمستقبل الديمقراطية فى مصر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٢١:٢٩، ١٠ يونيو ٢٠١١ بواسطة Rod (نقاش | مساهمات)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
رؤية التيار الإسلامى لمستقبل الديمقراطية فى مصر


مقدمة

التيار الإسلامى فى مصر والوطن العربى والعالم الإسلامى تيار عريض ومتنوع وبات واضحا أن له تأييدا شعبيا واسع .

يشمل التيار الإسلامى العديد من الاتجاهات ، وبناء على ذلك تتوزع مواقفها من العملية السياسية أصلا ومن النظرية السياسية تابعا ثم من الديمقراطية كنظام سياسى أو ثقافة سياسية أو آليات فى الممارسة .

هناك قطاع واسع من المتدينين الذين لا نستطيع أن نطلق عليهم وصف التيار الإسلامى وهؤلاء يصوتون تصويتا ضعيفا فى الانتخابات وغالبا ما تذهب أصواتهم إلى اتجاهات متعددة ، وهذه هى صلتهم الوحيدة بالديمقراطية أما الحركات الإسلامية المنظمة التى تمارس العمل السياسى فهناك حاليا ثلاث توجيهات رئيسية يمكن أن يندرج تحتها العديد من الفصائل والتفريعات .


أولا: تيار الإخوان المسلمين ومدرستهم الفكرية

وهؤلاء يقبلون بالديمقراطية الإسلامية أو ديمقراطية ذات مرجعية إسلامية ، ويمارسون السياسة وفق مفهومهم الشامل للإسلام الذى ينظم شئون الحياة جميعا منذ نشأة الجماعة فى بداية الثلاثينيات من القرن الماضى.

ويعمل الإخوان لتطوير مواقفهم من الديمقراطية على كافة الأصعدة : الفكرية والثقافية ، آليات العمل والممارسة ، والعلاقة مع القوى السياسية والفكرية الأخرى ، وسنعرض رؤيتهم المفصلة لمستقبل الديمقراطية فى مصر لاحقا .


ثانيا: التيار السلفى والمدرسة السلفية

وهؤلاء منقسمون تجاه الديمقراطية بين رافض لها وبين من يقبلها ويعمل فى الإطار السياسى بموجب آلياتها وأشهرهم هم سلفيو الكويت وهناك اجتهادات خاصة بهم فى القيود التى يجب تقييد الممارسات الديمقراطية بها أو الشروط الواجب الالتزام بها عند الممارسة .

وفى مصر لا يشكل هذا التيار وجودا ملموسا ، فقط شارك أفراد منهم فى الانتخابات البرلمانية بصورة فردية محدودة .


ثالثا : تيار العنف

وهذا التيار له موقف سابق من الديمقراطية مضاد لها ولا يعترف بها وكان يعترض على مشاركة الإخوان المسلمين فى الانتخابات التشريعية ، وقد قامت فصائل فى هذا التيار بمراجعات فكرية تناول بعضها قضايا متعددة إلا أن ما نشر منها حتى الآن لم يتعرض لمراجعة الموقف من الديمقراطية .

وجدير بالذكر أن الخلفية الفكرية والفقهية لهذه التيارات العنيفة متعددة يغلب عليها المدرسة السلفية بتنويعاتها وقد نرى فى المستقبل آراء جديدة خاصة أن بعض الفصائل التى خرجت عن دائرة العنف وتنتمى إلى المدرسة السلفية قامت بمحاولة تأسيس أحزاب سياسية مثل "حزب الإصلاح" و "حزب الشريعة" وكان فى برامجها الإقرار الضمنى بالتعددية السياسية والرغبة فى ممارسة الانتخابات البرلمانية وغيرها من آليات الممارسة الديمقراطية .

مازالت الصوت العالى الغالب فى تيار العنف هو صوت الدكتور أيمن الظواهرى الذى أعلن رفضه القاطع للعملية الديمقراطية وكافة ممارساتها خاصة فى أعقاب النجاح الذى حققه الإخوان المسلمون فى مصر ثم حركة حماس فى فلسطين داعيا إلى طريقة واحدة فى تسلم السلطة ومواجهة الحكام وهى خلعهم بالقوة من سدة الحكم ، ويحذر من الإنسياق فى مما سماه "اللعبة الديمقراطية الأمريكية"

إذن نحن أمام رؤية وحيدة لمستقبل الديمقراطية يقدمها الإخوان المسلمون .


الإخوان المسلمون والديمقراطية

وضع الإمام الشهيد حسن البنا قاعدة التزم بها فى تحديد موقف الإخوان من أى فكرة جديدة .

فقد تحدث عن دعوة الإخوان فوصفها بقوله :

"أجمع ما توصف به أنها "إسلامية" ، ولهذه الكلمة معنى واسع غير ذلك المعنى الضيق الذى يفهمه الناس ، فإنا نعتقد أن الإسلام معنى شامل ينتظم شئون الحياة جميعا ، ويفتى فى كل شأن منها ويضع لها نظاما محكما دقيقا ، ولا يقف مكتوفا أمام المشكلات الحيوية والنظم التى لابد منها لإصلاح الناس" رسالة دعوتنا .

ثم حدد الميزان الذى يزن به بقية الدعوات والأفكار بقوله :

"وموقفنا من الدعوات المختلفة التى طغت فى هذا العصر ففرقت القلوب وبلبلت الأفكار أن نزنها بميزان دعوتنا ، فما وافقها فمرحبا به وما خالفها فنحن براء منه ، ونحن مؤمنون بأن دعوتنا عامة محيطة لا تغادر جزءا صالحا من أية دعوة إلا ألمت به وأشارت إليه" رسالة دعوتنا

ووفق هذا الميزان قام بنقد أكبر فكرتين فى ذلك الزمان : الوطنية والقومية ، وقبل منهما ما يتفق مع قواعد ومبادئ الإسلام ورفض منهما ما يخالف القواعد الإسلامية ، قبل وطنية الحنين والحرية والعزة والمجتمع والفتح ورفض وطنية الحزبية الزائفة التى لم تكن تخدم وقتها إلا المستعمر الذى استغل تفرق الأحزاب لمصلحته وزاد التناحر والبغضاء بين الحزبين ففرقهم فى الحق وجمعهم على الباطل وحرّم عليهم الاتصال والتعاون ببعضهم البعض بينما أحلّ لهم هذه الصلة به والالتفاف حوله فلا يقصدون الإدارة ولا يجتمعون إلا زوّاره .

وختم حديثه عن الوطنية بقوله :

"فها أنت قد رأيت أننا مع دعاة الوطنية ، بل مع غلاتهم فى كل معانيها الصالحة التى تعود بالخير على البلاد والعباد ، وقد رأيت أن تلك الدعوى الوطنية الطويلة العريضة لم تخرج عن أنها جزء من تعاليم الإسلام" رسالة دعوتنا

وبنفس الميزان حللّ فكرة القومية فقبل منها قومية المجد وقومية الأمة ورفض قومية الجاهلية وقومية العدوان وأوضح أن الإسلام يحترم خصائص الأقوام والشعوب ويخص العرب منهم بالنصيب الأوفى والأوفر .

إلا أنه صبغ فكرة الوطنية والقومية بصيغة إسلامية حيث اعتبر حدود الوطنية بالعقيدة وليست بالجغرافيا ، وهذه هى فكرة الإنسانية والعالمية والعولمة الجديدة وبين أن غاية الوطنية الإسلامية هى أمانة الدعوة والإرشاد وهداية البشر بنور الإسلام ابتغاء وجه الله وإسعاد العالم لا طلب المال والجاه والسلطان وليس استبعادا للشعوب وفرض الوصاية عليها .


موقف الإمام الشهيد البنا من الديمقراطية

لم تكن الفكرة الديمقراطية قد طغت على الأفكار الأخرى مثل الوطنية والقومية آنذاك ، ولكن كان هناك نظم الحكم الشمولية كالشيوعية والفاشية والنازية ، وتواجهها نظم حكم ديمقراطية تتسم بالنظام الدستورى النيابى .

وقد كان للإمام البنا موقف من معظم هذه النظم وقد وصف الديمقراطية بالاستعمارية فى رسالة "مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي، وهى من آخر ما كتب .

وفى نفس الرسالة ألحق الشيوعية والاشتراكية بالنظم الديمقراطية فقال :

"وأمامنا الشيوعية والاشتراكية ، وهما معتبرتان فى منطق التحالف الدولى اليوم من معانى الديمقراطية ، ولا يستطيع الديمقراطيون أن يقدموا غير هذا"

وقد وضع النظم أمامه جميعا فى سياق واحد : "فالشيوعية جادة فى فرض تعاليمها على أبناء هذا المجتمع ، والديمقراطية الاستعمارية الهزيلة تحاول من جانبها أن تقاوم هذا التيار ، ويتوسطهم قوم داعون للاشتراكية"

ثم يقرر الإمام البنا بوضوح وجلاء : "إننا جميعا آمنا بهذا الإسلام الحنيف دينا ودولة ، واعتبرنا مصر دولة إسلامية ، بل هى زعيمة دول الإسلام ، وقال دستورنا صراحة فى مادته التاسعة والأربعين بعد المائة : "دين الدولة الرسمى الإسلام ولغتها اللغة العربية"

فى التطبيقات الديمقراطية نرى للإمام البنا وجهة نظر فى الدستور والحكم النيابى بناها على قاعدة أخرى هامة :

"يعتقد الإخوان أن أساس التعاليم الإسلامية ومعينها هو كتاب الله تبارك وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، اللذان إن تمسكت بهما الأمة فلن تضل أبدا : وإن كثيرا من الآراء والعلوم التى اتصلت بالإسلام وتلونت بلونه تحمل لون العصور التى أوجدتها والشعوب التى عاصرتها .

ولهذا يجب أن تستقى النظم الإسلامية التى تحمل عليها الأمة من هذا المعين الصافى معين السهولة الأولى ، وأن نفهم الإسلام كما كان يفهمه الصحابة والتابعون من السلف الصالح رضوان الله عليهم ، وأن نقف عند هذه الحدود الربانية النبوية حتى لا نقيد أنفسنا بغير ما يقيدنا الله به ، ولا نلزم عصرنا لون عصر لا يتفق معه ، والإسلام دين البشرية جميعا" رسالة المؤتمر الخامس .

ووفقا لهذه القاعدة الذهبية التى تجمع بين الأصالة والمعاصرة فصّل الإمام الشهيد حسن البنا القول فى أحد أهم قواعد الديمقراطية وهى نظام الحكم الدستورى النيابى فيقول :

"الواقع أيها الإخوان ، أن الباحث حين ينظر إلى مبادئ الحكم الدستورى التى تتلخص فى المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها ، وعلى الشورى واستمداد السلطة من الأمة ، وعلى مسئولية الحكام أمام الشعب ومحاسبتهم على ما يعملون من أعمال ، وبيان حدود كل سلطة من السلطات ، هذه الأصول كلها يتجلى للباحث أنها تنطبق كل الانطباق على تعاليم الإسلام ونظمه وقواعده فى شكل الحكم ، ولهذا يعتقد الإخوان المسلمون أن نظام الحكم الدستورى هو أقرب نظم الحكم القائمة فى العالم كله إلى الإسلام ، وهم لا يعدلون به نظاما آخر" رسالة المؤتمر الخامس

وفى قضية الحزبية كان للإمام رأى شديد القسوة وارتبط ذلك الرأى بطبيعة الأحزاب المصرية في عهده وعصره، وقد راجع الإخوان ذلك الرأى عام 1994 في وثيقة شهيرة أقرت بالتعدادية الحزبية.

يقول حسن البنا: "والإخوان المسلمون يعتقدون أن الأحزاب السياسية المصرية جميعاً قد وجدت في ظروف خاصة، ولدواع أكثرها شخص لا مصلحى".

ويضيف إضافة هامة ليزيل التناقض بين قبوله للنظام النيابى والبرلمانى ورفضه للأحزاب التى وضعها بأنها سيئة هذا العصر.

" ويعتقدون كذلك أن النظام النيابى بل حتى البرلمانى في غنى عن نظام الأحزاب بصورتها الحاضرة في مصر. وإلا لما قامت الحكومات الائتلافية في البلاد الديمقراطية، فالحجة القائلة بأن النظام البرلمانى لا يتصور إلا بوجود الأحزاب حجة واهية وكثير من البلاد الدستورية البرلمانية تسير على نظام الواحد وذلك في الإمكان".رسالة المؤتمر الخامس

وفي آليات العملية الديمقراطية كان للإخوان السبق في تنظيم شئونهم الداخلية وفق القواعد الديمقراطية وهذا ما قررته لوائحهم الداخلية وقانونهم الأساسي. فقد كان للشعب : الوحدات الأساسية، جمعية عمومية تنتخب مجلس إدارة الشعبة وتختار نائب الشعبة، كما كان للجماعة كلها هيئة تأسيسية أو مجلس شورى يمثل كافة المناطق والشعب. وكانت القرارات يتم اتخاذها بطريقة التصويت ويتم حسمها بآلية الأغلبية وما زالت تلك هى القواعد التى تحكم أسلوب عمل الإخوان الداخلى حتى وضعهم الدكتور وحيد عبد المجيد بأنهم أكثر القوى السياسية والشعبية ديمقراطية في العالم العربى. وقد تطرق حسن البنا إلى آلية الانتخاب العام في رسالة :مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي" عند الحديث عن نظام الحكم الذى فصًل قواعده إلى 3 قواعد أساسية هى:

- مسئولية الحاكم

- وحدة الأمة

- احترام إرادة الأمة

فقال بوضوح : " ولقد رتب النظام النيابى الحديث طريق الوصول إلى أهل الحل والعقد بما وضع الفقهاء الدستوريون من نظم الانتخاب وطرائقه المختلفة، والإسلام لا يأبى هذا التنظيم ما دام يؤدى إلى اختيار أهل الحل والعقد وذلك ميسور إذا لوحظ في أى نظام من نظم تحديد الانتخاب صفات أهل الحل والعقد، وعدم السماح لغيرهم بالتقدم للنيابة عن الأمة، رسالة مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي ثم تطرق إلى عيوب نظم الانتخاب في مصر ولم يكتف بذلك بل اقتراح وجوه إصلاح ضرورية مثل: صفات المرشحين – برامج الهيئات – إصلاح الأحزاب في مصر والهيئات السياسية، وضع حدود للدعاية الانتخابية إصلاح جداول الانتخاب، وضع عقوبات قاسية للتزوير وللرضوة الانتخابية، العدول إلى نظام الانتخاب بالقائمة بديلاً عن الانتخاب الفردى للتحرر من ضغوط الناخبين.

خلاصة موقف مؤسس الجماعة الإمام الشهيد حسن البنا من الديمقراطية يمكن أن نوجزه في الآتى:

1. هو يعتمد الإسلام كنظام شامل أساساً لفكرته ومقياساً يقيس عليه بقية الأفكار.

2. الذى يلزم الإخوان هو القرآن الكريم والسنة النبوية، ولا يلزمها نظم عصور أخرى.

3. قبول الأفكار الأخرى من حيث المبدأ وتحليلها إلى عناصرها الأولية.

4. وزن عناصر الأفكار بميزان الإسلام، ما يقبله منها فهو مقبول ويمكن إضفاء صبغة إسلامية عليه ورده إلى أصوله الإسلامية، وما نرفضه منا لا يجب قبوله.

5. المزج بين الأصالة والمعاصرة ، وبناء نهضة الأمة على أصول الإسلام ودعائمه.

6. يقبل الإمام الشهيد الدستور المكتوب ونظام الحكم النيابى وقواعده الأساسية مع بعض الملاحظات كما يقبل استمداد السلطة من الأمة عبر الانتخابات الدورية التى قدًم تصوراً لإصلاح النظام الانتخابى وقتها، ويعترض الإمام على صيغة الحزبية بسبب صراعات الأحزاب السياسية المصرية وقتها وعدم قدرتها على تحقيق أمل المصريين في الاستقلال وإنهاء الاحتلال بسبب صراعاتهاوخلافتها الشخصية بين الزعماء وعدم وجود برامج واضحة لها ودعاها جميعاً إلى حل نفسها والاندماج في هيئة واحدة فيقول في نظام الحكم " وهى جزء من رسالة " مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي" بعد أن نقل كلام الفقيه الدستورى الدكتور سيد صبري أن أغلب الأحزاب لم يعد له برنامج يدافع عنه أنصاره، وأن الانتخاب لن يقوم على المفاضلة بين البرامج فقد أصبحت واحدة للجميع، وستكون الانتخابات شخصية لا حزبية بالمعنى المفهوم لدى الشعوب الغربية } لقد حاول المصلحون أن يصلوا إلى وحدة ولو مؤقتة لمواجهة هذه الظروف العصيبة التى تجتازها البلاد، فيئسوا وأخفقوا. ولم يعد الأمر يحتمل أنصاف الحلول، ولا مناص بعد الآن من أن تحل هذه الأحزاب جميعاً، وتجمع قوى الأمة في حزب واحد يعمل لاستكمال استقلالها وحريتها، ويضع أصول الإصلاح الداخلى العام، ثم ترسم الحوادث بعد ذلك للناس طرائق في التنظيم في ظل الوحدة التى يفرضها الإسلام".

يمكننا أن نقرر بكل وضوح أن حسن البنا قبل الفكرة الديمقراطية وأسسها العادية وتحفظ على فكرة الحزبية وقدًم اقتراحات لعلاج أوجه الخلل في الممارسات العملية.


الإخوان بعد البنا

مارس الإخوان نشاطهم منذ نشأتهم في ظل نظام يمكن وصفه بالليبرالى مع بعض التحفظ بسبب وجود الاحتلال وسيطرة السراى الملكية وضعف الحياة الحزبية وتفشى الأمية في الشعب وتدخل الإنجليز والسراى وأحزاب الأقلية لتقليص الصلاحيات الدستورية.

حدثت أخطاء محدودة بسبب تعدد أوجه نشاط الإخوان خاصة عندما انحرف بعض أعضاء الجهاز الخاص، فارتكبوا بعض الجرائم البشعة كاغتيال القاضى الخازندار ثم اغتيال رئيس الوزراء النقراشى الذى كان قد حلً الجماعة بأمر عسكرى وصادر ممتلكاتها وما تلا ذلك من أحداث عنف قليلة.

كان الخطأ الأكبر هو اليأس من إصلاح الأوضاع سلمياً ودستورياً عبر القنوات القانونية فتم قبول فكرة الضباط الأحرار للانقلاب على الأوضاع بغية الإصلاح الشامل والمشاركة فيها وحمايتها مدنياً وشعبياً. ولكن رؤية الإخوان للاصلاح الشامل والسياسى بالذات لم تنته بل تم نشر مذكرة من الإخوان في صحف 2/8/1952 في بيان للناس بعد أسبوع واحد من القيام بالحركة وكان أهم بنوده.

1. المطالبة بمحاسبة أعوان الملك وأدواته على فسادهم.

2. المطالبة بإلغاء الأحكام العرفية وسائر القوانين سيئة السمعة أو الربعية المنافية للحرية.

3. الإصلاح الخلقى ومحاربة الفساد والسجون والتحلل.

4. الإصلاح الدستورى : بالمطالبة بعقد جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد يعبًر عن عقيدة الأمة وإرادتها ورغبتها وسياج لحماية مصالحها.

5. الإصلاح الاجتماعى: بتوفير فرص العمل، وإيجاد التكافل والتضامن الاجتماعى وتحديد الملكيات الزراعية وتحديد العلاقة بين المالك والمستأجر واستكمال التشريعات العمالية وإصلاح نظم التوظيف.

6. الإصلاح الاقتصادى.

7. التربية العسكرية والتدريب العسكرى.

8. الاهتمام بالبوليس وتطهيره من الفساد وإلغاء البوليس السياسي.

رغم هذا الوضوح إلا أن رجال الثورة نجحوا في الالتفاف حول أهم المطالب الخاصة بالإصلاح الدستورى والسياسي حيث جعلوا إقامة حياة ديمقراطية سليمة في مؤخرة الأهداف الستة للثورة وقاموا بحل كل الأحزاب السياسية وعطلًوا الحياة النيابية ولم يقوموا بعقد جمعية تأسيسية لإصدار دستور جديد. وكان خطأ الإخوان الآخر أنهم يواجهون ذلك بقوة حسم حتى حانت لحظة المواجهة في 4 مايو 1954 في خطاب المرشد العام إلى رئيس مجلس الوزراء وبتها البكباشى جمال عبد الناصر مطالباً بـ:

1. إعادة الحياة النيابية.

2. إلغاء الأحكام العرفية.

3. إطلاق الحريات خاصة حرية الصحافة والافراج عن المعتقلين والمحكوم عليهم في محاكم استئنافية. ثم كانت المواجهة الحاسمة التى كسب جولتها رجال الثورة من أكتوبر 1954 إلى 1975م ودخل الإخوان السجون والمعتقلات قرابة عشرين عاماً.

خلاصة ذلك كله:

أن منهج وفكرة الاخوان تقبل بأسس الحياة الديمقراطية منذ نشأة الجماعة رغم أن الجماعة تتبنى بصورة كاملة مبدأ العودة إلى الأصول الاسلامية وبناء النهضة على دعائم وقواعد الإسلام.

السبب في ذلك هو مرونة نظر الجماعة إلى أمرين أساسيين:

الأول : مصادر الفقه والفكر الأسلامى والنظر بعين ناقدة إلى التراث الإسلامى.

الثاني: المرونة في النظر إلى افرازات الحضارة الإنسانية بصفة عامة فمنها ما هو مقبول ومنها ما هو مرفوض.


الموقف الآن منذ 19752005

كان اطلاق الرئيس السادات للتعددية الحزبية المقيًدة وحرمان الإخوان من حقهم الطبيعى في تشكيل حزب سياسى في إطار منع معظم القوى السياسية من نفس الحق هو سمة الحياة السياسية في النصف الثانى من السبعينات وحتى اغتيال السادات.

انصب اهتمام الإخوان خلال هذه الفترة على المطالبة بالإصلاح العام الشامل والدفاع عن أنفسهم في وجه التشويه الإعلامى الذى كان قصفاً مستمراً طوال أكثر من 15 سنة وبناء تنظيمهم الداخلى والدولى.

ولكننا نرصد هنا تحفظاً إخوانياً على التعددية الحزبية ظهر واضحاً في حجب مقال للشيخ محمد الغزالي رحمه الله تعالى عن القبول بالتعددية الحزبية مع أواخر السعينات ثم نشره بعد ذلك في مجلة الدعوة بعد أن امتنع الشيخ عن إرسال مقاله الاسبوعى حتى يتم نشر مقاله المحجوب بعد زيارة من مرشد الإخوان إلى بيته لترضيته وللحوار معه حول المسألة.

جرت تحت الجضور مياه كثيرة بعد الإفراج عن الإخوان الذين اعتقلوا في هجمة سبتمبر الشهيرة وبدأت مرحلة جديدة أثرت في تصورات الإخوان حول الديمقراطية وثقافتها وآلياتها ووسائلها.

أهم تلك الخبرات كان في فترة الثمانينات وهى:

1) مشاركة الإخوان الأنشطة في الانتخابات البرلمانية عامى 1984، 1987.

2) تحالفات الإخوان السياسية مع الأحزاب القائمة والمرخص لها كالوفد عام 1984 وحزبى العمل والأحرار عام 1987م.

3) نشاط الإخوان البرلمانى المحدود في برلمان 1984-1987 والنشيطة جداً في برلمان 1987-1990م.

4) مشاركة الإخوان مع الأحزاب والقوى السياسية في تشكيل هيئة تقوم بمهمة معارضة الحكم القائم منذ عام 1985 وحتى عام 1997.

5) النشاط النقابى الواسع للإخوان في النقابات الهامة وقيامهم بإدارتها وإحساسهم بأهمية المشاركة لا المغالبة وقبول الآخرين في العمل المشترك رغم ضعف الآداء أنذاك.

6) السعى للحصول على رخصة حزب ساسيى وإعداد أكثر من برنامج سياسي لمشاريع أحزاب.

7) الاحساس بمدى القيود التى يفرضها النظام على نشاط الإخوان الصحفى وحرمانهم من الحق فى رخصة صحيفة أو مجلة بعد وفاة صاحب رخصة مجلة الدعوة المرحوم صالح عشماوي.

كان من نتيجة تراكم الخبرات خلال عقدين من الزمان أن راجع الإخوان مواقفهم في قضايا أساسية تتعلق بالديمقراطية ووضحًوا موقفهم بجلاء من قضايا أخرى.

أصدر الإخوان وثيقة هامة في أبريل 1994 م حول قضيتين:

الأولى  : الموقف من الشورى والتعددية السياسية في المجتمع المسلم.

الثانية  : المرأة المسلمة في المجتمع المسلم.

وقد كان أهم ما أعلنه الإخوان في هذه الوثيقة:

1. تقرير ما سبق أن أعلنته الجماعة في مراحلها الأولى والتأكيد عليه بعد أن نسبه الناس والباحثون مثل:

- القبول التام بالحكم الدستورى النيابى.

- التأكيد على أن الأمة هى مصدر السلطات.

- التأكيد على أهمية الانتخابات الدورية النزيهة كأداة سلمية لتداول السلطة عبر صناديق الانتخاب.

2. وأضاف الإخوان في مراجعة جادة قبولهم بالتعددية الحزبية في المجال السياسيى في إطار الدستور والقانون الذى يحدد المقومات الأساسية للمجتمع وأهمية تحديد مدة تولى الحاكم لفترتين فقط تحت رقابة ومحاسبة مؤسسات الدولة الدستورية في فصل واضح بين السلطات الثلاث وأكدًوا على أهمية استقلال القضاء وأن القضاء الطبيعى المستقل والمحصًن هو وحده صاحب الحق في الفصل في المنازعات الحزبية دون أى تدخل من جانب السلطة التنفيذية في إنشاء الأحزاب أو مراقبة نشاطها أو حظرها وتقييد حركتها أو إلغائها.

3. المساواة الكاملة بين المرأة والرجل في الحقوق والحريات المدنية والسياسية دون إخلال بثوابت الشريعة الإسلامية.

فللمرأة حق التعليم والعمل وتولى الوظائف العامة والتصويت في الانتخابات والترشيح لمقاعد البرلمان وغيره من المؤسسات الدستورية.

وكان هناك إيضاح لموقف قديم من الإخوان حول العلاقة مع المسيحيين وتطورهذا الموقف ليصل إلى الاعلان التام عن أن العلاقة بين أبناء الوطن الواحد على اختلاف أديانهم أو مذاهبهم الفكرية والفقهية يقوم على مبدأ "المواطنة" التى تعنى المساواة في الحقوق والواجبات أمام الدستور والقانون دون إخلال بحقوق الأقلية في شئونهم الخاصة المتعلقة بالأحوال الشخصية.

مرً الإخوان بعد ذلك بأكثر من 5 سنوات عصيبة اعتقل خلالها أكثر من 20 ألف من الإخوان وتمت محاكمة أكثر من 125 قيادى أمام 6 محاكمات عسكرية واستشهد منهم ثلاثة على الأقل أحدهم تحت التعذيب و أثناء سجنهم بسبب الاهمال في الرعاية الصحية.

توقف خلالها التنسيق بين القوى السياسية بعد إعلان واضح من الجميع في عام 1997م في وثيقة مشهورة لبرنامج كامل مفصًل حول الإصلاح السياسيى والدستورى محلً اتفاق الجميع بعد الفشل في إعلان ميثاق وطنى سابق عام 1995 بسبب الاعتقالات في صفوف الإخوان وبسبب الشكوك المتبادلة بين الفرقاء وبسبب نجاح الحكم في استقطاب فصائل سياسية لجانبه ضد الاخوان المسلمين.

عاد الإخوان مرة أخرى بقوة إلى الساحة السياسية بعد انتخابات 2000م التى فاز فيها 17 من النواب وانتخابات 2001 لنقابة المحامين التى فاز فيها الإخوان بأغلبية مقاعد مجلس النقابة العامة للمحامين.

وبعد وفاة المرشد العام السابق المستشار محمد المأمون الهضيبي تولى الأستاذ محمد مهدي عاكف مهام المرشد العام.

وقًدم المرشد مبادرة للإصلاح في 3 مارس 2004م في مؤتمر صحفى عالمى بنقابة الصحفيين في خضًم توالى مبادرات الإصلاح من الخارج والداخل. كانت أهم القواعد التى أرساها المرشد العام في مبادرته هى الأسس الأربعة التى قًام بها تفصيل المبادرة.

أولاً : إن الإخوان المسلمين يرفضون كل صور الهيمنة الأجنبية، ويدينون.

ثانياً : إن الإصلاح الشامل هو مطلب وطنى وقومى وإسلامى .. وأن الشعوب هى المعنية أساساً بأخذ المبادرة لتحقيق الإصلاح الذى يهدف إلى انجاز آمالها في حياة حره كريمة ونهضة شاملة وحرية وعدل ومساواة وشورى.

ثالثاً : إن البداية يجب أن تكون من الإصلاح السياسى الذى هو نقطة إنطلاق لإصلاح بقية مجالات الحياة كلها والتى تعانى في مصر والوطن العربى والإسلامى تدهوراً متسارعا يكاد يصل إلى القاع.

رابعاً : إن القيام بريادة هذا الإصلاح لا تقوى عليه حكومة ولا أى قوة سياسية منفردة .. بل هو عبء يجب أن يحمله الجميع .. وأن المصالحة الوطنية العامة التى تؤدى إلى تضافر الجهود جميعاً، هى فريضة الوقت للوقوف بحسم ضد المخصصات الهادفة الإستباحة المنطقة، وللنهوض بجد من عثراتنا وعلاج مشكلاتنا.

اليوم الإخوان المسلمون يرون أن الطريق لتعزيز الديمقراطية يمر بالآتى:

1. الغاء حالة الطوارىء فوراً وإطلاق سراح المعتلقلين السياسيين.

2. إطلاق الحريات العامة وخاصة حرية التعبير وحرية تشكيل الأحزاب.

3. الانتخابات الحرة النزيهة دون تدخل حكومى.

4. إعلاء شأن القضاء المستقل وإصدار قانون يحقق استقلال السلطة القضائية.

5. إعادة النظر في الدستور لعلاج عيوبه سريعاً وإصدار دستور جديد بعد الإصلاح السياسي.

والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل،،،