رؤية الجماعة للوضع الراهن والمستقبل

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.


رؤية الجماعة للوضع الراهن والمستقبل

Ikhwan-logo1.jpg

خلال أكثر من نصف قرنٍ من ممارسة العمل العام داخل الوطن وخارجه، ومن خلال ما استجدّ على الأوضاع العالمية والعربية من تطوراتٍ وتغيّرات.. تفاعلت الجماعة مع معطيات الواقع، وروح العصر، فتطورت بالتالي وسائلها وطرائق حركتها، بما يلائم الواقع الجديد وينسجم معه، ذلك أنّ الجماعة، من خلال النخب العلميّة والثقافيّة التي تقود حركتها.. تمارس عمليّة نقدٍ ذاتيٍ بنّاءٍ باستمرار، ثم تعمل في كلّ مرحلةٍ على تسديد ما تراه محتاجاً إلى تصويبٍ من أساليبها ووسائلها، ولعلّ من أهم ما يمكن أن يراجَع في هذا الإطار: الموقف من (الآخر) داخلياً وخارجياً، فقد كان موقفها من الآخر منذ البداية منفتحاً وحوارياً، يعتمد فكرة قبول الآخر، والإنصات إليه، وقد تعززت -في المرحلة الحالية- هذه المفاهيم أكثر، لدى صنّاع قرارها وقواعدها على حدٍ سواء، فالحوار هو وسيلتها الأساسية لتحقيق أهدافها، وقد أكدت هذه الحقيقة أكثر من مرةٍ على أرض الواقع، من خلال خوضها جولات المفاوضات مع النظام الحاكم، متّخذةً من الحوار وسيلةً أساساً لتحصيل حقوقها وحقوق شعبها.

كذلك يمكن أن نشير إلى تطوراتٍ أساسيّةٍ حدثت في مرتكزات خطاب الجماعة السياسي والإعلاميّ، تفاعلاً مع معطيات الواقع، وانسجاماً مع روح العصر، وبذلك تعمّقت رؤيتها للتعددية بكل أطرها، لاسيما السياسية منها، ولم تكن التعددية السياسية -بنظرها- في يومٍ من الأيام، وسيلةً للاستئثار بالسلطة، والانقلاب على الطريقة التي قد توصلها إليها، بل هي في رؤيتها ركيزة أساسية في بناء الدولة الحديثة، واستقرار المجتمع المعاصر، والتعددية في تصوّرها ينبغي أن تتجاوز حكم (الحزب الواحد)، كما هو شأنها في ظل الأنظمة الشمولية.. إلى أطرٍ أكثر انفتاحاً وحيويةً وتلبيةً لمصالح الجماهير.

  • إن الجماعة إزاء ذلك كله، توضّح -في هذه المرحلة المهمة من تاريخ البلد والمنطقة- رؤيتها الإسلامية والسياسية والوطنية، من خلال المحاور التالية:

أولاً: موقف الجماعة الحالي وأولوياتها

الجماعة لا تتوقّف عند الماضي، وتحتفظ بحقها في المطالبة بالإنصاف مما لحقها من ضيمٍ وظلم، وبحق أبناء الوطن في الإنصاف مما أصابهم من حيفٍ وضرر، نتيجة ممارسات النظام القمعية الاستبدادية.. وتعتقد أنه من واجبها وواجب الآخرين، التفكير في المستقبل وتجاوز الماضي وجراحاته، لأنها تريد الخروج من الأزمة الوطنية، وتضع المصلحة العليا للوطن والأمة فوق كل الاعتبارات!..

لقد طرأت تحولات كبيرة على الأنظمة في العالم باتجاه الانفتاح على الشعوب، وباتجاه التعددية، تستدعي إعادة النظر في كثيرٍ من العلاقات والمواقف، وإعادة ترتيب الأولويات، كما أنّ التحديات الكبيرة المفروضة على الأمة وعلى سورية، خاصةً بعد احتلال العراق الشقيق.. تستدعي تعزيز الوحدة الوطنية والجبهة الداخلية!..

إنّ أي حديثٍ من قبل النظام الحاكم عن انفراجٍ سياسيّ، ومكافحةٍ حقيقيةٍ للفساد المستشري، ومقاومةٍ لضغوط القوى الخارجية.. كل ذلك إذا كان حديثاً جاداً وحقيقياً.. فإنه يتطلّب استيعاب جميع القوى الوطنية وليس الإسلاميين وحسب، فالوطن بحاجةٍ لكل أبنائه، ومكافحة الفساد اليوم شعار لا يمكن تحقيقه من غير معارضةٍ سياسيةٍ إيجابيةٍ حقيقية، ولا بد من التمييز بين محاربة الفساد التي يرفع النظام شعارها.. وبين تصفية الحسابات التي تمارسها مراكز القوى داخله!.. والسؤال المهم هو: هل لدى النظام السوريّ استعداد لقبول مبدأ التعددية الفكرية والسياسية، وقبول حركةٍ إسلاميةٍ تعبّر عن نفسها بالطرق السلمية والوسائل الديمقراطية؟!..

ثانياً: موقف الجماعة من الطائفية

لم يكن في ودّنا التعرض لهذا الموضوع الحسّاس، الذي ناله – بحق الجماعة- من المغالطات والتحريضات، ما لم ينله أي موضوعٍ آخر، لِظنّ مَن يعزفون على هذا الوتر، أنّ ذلك سيرفع عنهم الجناية أولاً، ثم ليلصقوا هذه الجناية الضخمة بالإخوان المسلمين -افتراءً وتزويراً-.. ثانياً، وذلك على مبدأ: (رمتني بِدَائها وانسلّت)!.. والجماعة عندما تتعرّض لهذه القضية الهامة الحسّاسة، لا يفوتها أن تعلن بشكلٍ واضحٍ لا يقبل اللّبس، بأنها تحترم كل الطوائف والأقليات في سورية، وتحترم حقوقها الكاملة في المواطنة والوطن والحقوق والواجبات، بالمساواة والعدل والقسط!..وخاصةً تلك التي نصّب بعض الناس أنفسهم أوصياء عليها، يتحدّثون باسمها ويحرِّضون!..

حقائق الواقع والتاريخ والجغرافية في سورية، تقرِّر بما لا يقبل التأويل أو التزوير، بأنه توجد في الوطن السوريّ أغلبية كبيرة واحدة، إلى جانبها طوائف من الأقلّيات التي تحترمها الجماعة، وتحترم حقوقها الكاملة في المواطَنة والحرية والمشاركة في بناء الوطن الواحد!.. فالوطن لكل أبنائه، ومؤسّسات الوطن وأرضه وسماؤه ليست حكراً حتى على الأكثرية، فكيف إذن يغالط بعض الناس ويبرّرون احتكار الوطن، لا بيد الأكثرية، بل بيد شريحة من أقليةٍ لا تمثل أكثر من ثمانية في المئة من سكّانه،هي الشريحةٍ المتنفّذةٍ من الطائفة!.. فهي أقلية الأقلية.. والجماعة ليست بحاجةٍ إلى سرد الأدلة على ذلك، فالحديث هنا عن سورية التي يعيش فيها المواطن السوريّ التمييز الفئويّ الأعمى على مدار الساعة، وعلى كل المستويات، وفي كل مؤسّسات الدولة، وفي كل نواحي الحياة!.. وكل مواطنٍ سوريٍ يعرف أنّ جواز العبور إلى أي موقعٍ في الوطن، يجب أن يكون ممهوراً بموافقةٍ فئويةٍ حاكمة، أو بوساطةٍ فئويةٍ في الأقل!.. هذا في المؤسّسات التي لا أهمية لها، أما في المؤسّسات المهمة، فالأمر أكثر صعوبة!.. وأما في المؤسّسات الحسّاسة كالجيش والأمن وكبريات المؤسّسات الاقتصادية و.. فالأبواب موصدة تماماً بوجه أبناء الشعب الذين لا ينتمون إلى هذه الشريحة من الطائفة الحاكمة، لأنّ تلك المؤسّسات الحسّاسة هي مادة الحياة التي تستمدّ منها هذه الفئة استمرارها في التسلّط على الوطن وأبنائه، والوسيلة التي أمرعت بها وتجذّرت في مؤسّسات الحكم والسلطة الفاعلة، والجدار الذي تستند إليه في نهب خيرات الوطن وممارسة الفساد بشتى جوانبه!.. ونحن هنا لا نتحدّث عن المؤسّسات الديكورية، من مثل: مجلس الشعب، والجبهة الوطنية، ومجالس الإدارة المحلية، وبعض الوزارات التكنوقراطية.. إنما نتحدّث عن مواقع السلطة الفعلية، ومراكز قواها الحقيقية، التي يعرفها كل ذي قلب!..

شتّان بين مَن يمارس التمييز وبين مَن يقاومه، فالفرق بين ممارسته ومقاومته، لا يستطيع أن يلمسه أو يراه متعصّب، على الرغم من وضوحه الشديد!.. ولينظر القافزون -عمداً- على الحقائق التاريخية الموثّقة إلى عملية مدرسة المدفعية الشهيرة (عام 1979 م) مثلاً، التي نفّذها شباب كان النظام قد حَكَمَ عليهم بالإعدام، واستنكرها الإخوان المسلمون.. فهل كانت تلك العملية المجزرة، إلا ردّ فعلٍ عنيفٍ على تجميع أبناء طائفةٍ بما تفوق نسبته الثمانين بالمئة في دورةٍ عسكرية واحدة، بينما حُرِمَ أبناء الأكثرية الكاثرة منها، لا لشيء، إلا لأنهم أبناء الأكثرية الكاثرة!..

لو كان الإخوان المسلمون طائفيين استئصاليين.. لما شاركوا في بناء الوطن مع غيرهم من أبناء الطوائف، ولما تعايشوا معهم منذ تاريخ نشأتهم عشرات السنين.. ولما بقيت سورية المسلمة ذات الأكثرية الساحقة على مرّ التاريخ.. بلداً مركّباً هذه التركيبة الفسيفسائية اللافتة، وأمّاً رؤوماً لكل الأقليات، تعترف بكامل حقوقهم في الحياة والحرية والمشاركة في الحقوق والواجبات!..

من مفهوم أنّ الإسلام العظيم يأمر بقبول التعدّدية الدينية لقوله تعالى: (لا إكراه في الدين)، ومن واقع الاعتراف بالواقع الديمغرافي التعدّديّ السوريّ.. فإنّ الجماعة لا تقبل أن تحكم على أجيالٍ بجريرة جيلٍ سبقها، أو أن تحكم على طائفةٍ أو فئةٍ بوزر مَن سبقوهم من بني جلدتهم (.. وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (الأنعام: من الآية 164).. وبالتالي سيبقى الباب مفتوحاً على مصراعيه إلى يوم الدّين، لمن يرغب في سلوك طريقٍ صحيحٍ قويم، يُفَاصِل فيه سَدَنة التمييز الحقيقيّين السابقين والحاليّين، ويُفاصِل أخطاءهم وأساليبهم!..

من الأمانة أن نشير، إلى أنّ عدداً غير قليلٍ من أبناء الطائفة المحسوبة على الحكم، قد نشطوا في صفوف المعارضة، وأدانوا سياسات الإقصاء والتمييز والاستبداد، فتعرّضوا وما يزالون يتعرّضون لمعاملةٍ سيئة، ومنهم من توفي في السجن، ومنهم مَن اغتيل (أحمد سليمان الأحمد وابن أخيه منير الأحمد)، ومنهم مَن اعتقل: (حبيب عيسى، والدكتور عبد العزيز الخيّر، والدكتور عارف دليلة، وأكثم نعيسة، و..)، ومنهم مَن هجر الوطن من الاضطهاد: (الكاتب هادي دانيال، والناشط الحقوقي نزار نيوف، و..)، ومنهم مَن يعمل في صفوف المعارضة: (الدكتور محمود حسين صارم، والأديب ممدوح عدوان قبل وفاته، والناشط فاتح جاموس، والحقوقي سليم خير بيك، و..).

ثالثاً: رؤية الجماعة لحل الأزمة

الأزمة في سورية ذات صبغةٍ سياسية، وينبغي حلها ضمن هذا الإطار وهذا المفهوم، وإنّ الإصرار من قبل النظام الحاكم على الأسلوب الأمنيّ في التعامل مع هذه المشكلة ذات الصبغة السياسية، والتمسك بوهم الاستقرار الأمني القائم على القمع والإرهاب، بديلاً عن الاستقرار السياسي الحقيقي، الذي يقوم على الانفتاح والتعددية والحرية والمشاركة الشعبية.. كل ذلك يُبقي الأزمة قائمة، بل يؤجّج أوارها، وهذا يجعل الوطن هو الخاسر الأكبر، ويجعل عدوّه المتربّص به أكبر الرابحين!..

إنّ حل الأزمة، بيد النظام وحده بشكلٍ كامل، والجماعة لا تملك الحل، لأنها في موقع الدفاع وموقع الضحية، ولا بد للنظام الذي يملك كل أوراق الحل، أن يعمل على إزالة العوائق الرئيسة أمام حل الصراع:

أول هذه العوائق هو إصرار النظام –بعد أربعين عاماً- على النهج الدكتاتوريّ في الحكم، وعلى سياسة الحزب الواحد القائد، وإلغاء الآخرين ومحاولة استئصالهم.. في عصرٍ يتجه نحو الانفتاح على الشعوب، وإطلاق الحريات، وإقرار مبدأ التعددية والديمقراطية.. وذلك في كثيرٍ من البلدان التي كانت تنهج نهج النظام السوريّ نفسه!..

وثاني هذه العوائق هو النظر إلى الماضي وجراحاته أكثر من النظر إلى المستقبل وتحدّياته، فالماضي بجراحاته شكّل عقدةً لدى النظام، تجاه ما خلّفه من المآسي والمظالم للشعب السوري، ومع ذلك فهو يطلب من الضحية (الإخوان وأنصارهم) أن تعتذر من الجاني (النظام الحاكم)!.. وثالث هذه العوائق هو حالة الاحتقان المستمرة التي تسود العلاقات بين مختلف الفئات في الوطن، وحالة العداء المفروضة على الإسلاميين والحركات الإسلامية.. من جبهة النظام ومؤسساته القمعية وقوانينه الاستثنائية من طرف آخر، والقانون رقم (49) لعام 1980 م، واستمرار الاعتقالات والملاحقات، وعدم الاعتراف بالحقوق الشخصية وحقوق المواطَنَة للملاحَقين والمهجَّرين والمنفيّين!..

ورابع هذه العوائق هو وجود بعض مراكز القوى المتطرفة داخل النظام، المستفيدة من حالة الصراع والاحتقان، والرافضة للحل السياسي.. هذه المراكز والعناصر، هي التي كانت وما تزال وراء تضخيم المشكلة وتأزيم المواقف وإيغار الصدور، وهي التي نفّذت كثيراً من المجازر البشعة بحق الشعب وحق الإسلاميين منهم خاصة، كمجزرة سجن تدمر، ومجزرة حماة.. و.. وغيرها!..

رابعاً: مطالب الجماعة

مطالب الجماعة لا تخرج عن مطالبتها بإعادة الحقوق لأصحابها، وتمتّعها مع أبناء شعبها بحقوق الإنسان التي سلبها النظام، كحق المواطَنَة، وبقية الحقوق الإنسانية التي كفلتها كل شرائع السماء وقوانين الأرض، من مثل: إنهاء حالة الطوارئ وإلغاء الأحكام العرفية والقوانين الاستثنائية بما في ذلك القانون رقم (49) لعام 1980 م، الذي يحكم بالإعدام على مجرّد الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، وإطلاق الحريات العامة والسياسية، والكفّ عن ملاحقة المواطنين واعتقالهم خارج إطار القانون والقضاء، ووقف الإجراءات التعسفية والقمعية، واحترام عقيدة الأمة، والسماح بحرية العمل للإسلام والدعوة إليه، وقبول مبدأ التعددية الفكرية والسياسية، وتحقيق المساواة بين المواطنين، وإلغاء كل أشكال التمييز، وكل أشكال الاستبداد.. أما المعتقلون السياسيون وضحايا الرأي الآخر الذين يتجاوز عددهم الآلاف، فهم مواطنون سوريون، والحكومة مسؤولة عنهم وعن أرواحهم وأرزاقهم وحقوقهم، وهم ليسوا سلعةً للمساومة، فحمايتهم وتحريرهم وضمان كامل حقوقهم من واجب الحكومة، فلا توجد حكومة أو نظام متمدّن يقوم بأسر مواطنيه، ويجعلهم سلعةً للمساومة السياسية مع المعارضة أو مع غيرها من فئات الشعب!..

لابد من تحقيق انفراجٍ سياسيّ، يشعر فيه المواطن بالأمن والحرية والكرامة والمشاركة، ولابد من قبول الرأي الآخر والتعايش معه، لبناء الوطن وتعزيز صموده في وجه التحديات!..

كما لا بدّ من رفع الوصاية العسكرية والأمنية والحزبية والتمييزية عن كاهل الشعب العربيّ السوريّ، والتعامل الإيجابي مع مشروع الجماعة السياسي لسورية المستقبل، وأدبيات المعارضة السورية!..

وإعادة المهجرين من غير البوابة الأمنية – وهم بعشرات الآلاف – فمن عاد منهم حتى الآن كان مصيره الملاحقة والسجن والحكم يقانون/49/ أي الإعدام، ثم التفضل عليه بتخفيف الحكم إلى اثني عشر عاماً سجناً من غير إلغاء للقانون نفسه، حتى ولو كان العائد مولوداً في المهجر. والافصاح عن مصير المفقودين في السجون السورية، الذين يزيد عددهم عن عشرين ألفاً، لا أحد بعد الله يعلم مصيرهم غير النظام.

وإعادة الحقوق المدنية والسياسية للمفرج عنهم من معتقلي الرأي والملاحقين، والأملاك المصادرة للمقيمين والمهجرين، المسلوبة منهم ومن أهليهم.

خامساً: موقف الجماعة من التهديدات الخارجية

الإسلاميون والإخوان المسلمون لا يتحمّلون مسؤولية الأوضاع غير الطبيعية والاستثنائية في سورية، بل النظام هو الذي يتحمّل مسؤولية الإصرار على سياساته، التي أساءت إلى صورة الوطن وسمعته، وجعلته عرضةً للتدخّل والاستغلال من قِبَل القوى الخارجية (مثل تدخله في شؤون الدول المجاورة كلبنان الشقيق وتركية،وحلفه الاستراتيجي مع إيران)، وموقف الجماعة من هذه السياسات معلن منذ زمنٍ طويل، فلا بد من البدء بعملية الإصلاح والتغيير، ولو على مراحل، وهي تتفهّم سياسة التدرج في هذا الأمر، لكنها تعيد التحذير من عواقب الاستمرار في تجاهل معاناة المواطن السوريّ، وتعلن بوضوحٍ: إنها لا تقبل الاستقواء على الوطن بأيّ قوةٍ خارجية، وعلى النظام الحاكم أن يتحمل المسؤولية، وأن يعي الأخطار التي تحدق بالبلاد!..

كما ترفض الاتهامات والتهديدات الخارجية لسورية وشعبنا، وستقف مع شعبنا حتماً في مواجهة أيّ عدوان، فهذه سياستها ومواقفها المبدئية، التي تنطلق فيها من رؤيتها الشرعية، وثوابتها الإسلامية، ومصلحتها الوطنية والشعبية.. وإننا نعجب من النظام الذي لم يحرّك ساكناً حتى الآن، لتصحيح الأوضاع السياسية والإنسانية الداخلية!..

إنّ الشعب السوري وكل قواه السياسية الوطنية (بمن فيهم قوى النظام الحاكم).. مهدَّدون خارجياً، والفرق بين الجماعة والنظام، أنه وحده الذي يملك أوراق الحل الوطنيّ، وأوراق المبادرة إلى تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة، لأنها وحدها الضمانة الأكيدة لحماية الوطن والشعب والأمة، من التدخلات الخارجية السافرة بكل أشكالها!..

سادساً: الواقع والرؤية المستقبلية

أ- بالنسبة للنظام:من الواضح أن هذا النظام الحاكم، نظام متخلّف آيل للسقوط، لأنه لا يمكن أن يستمر وهو عَصي على الإصلاح، فلا بد من تغييره للأسباب التالية:

1- لقد انتهى دور الأنظمة الشمولية منذ سقوط (جدار برلين)، ولعل الأنظمة الشمولية أدركت أنها لم تعد مواكبةً لحركة التاريخ ومتطلبات العصر، وثورة التكنولوجيا، وعصر الفضائيات والإنترنت والانفتاح الاقتصادي والسياسي والفكري والثقافي.

2- لم تعد الحياة السياسية والاجتماعية في سورية، قابلةً للاحتكار الحزبي بنص الدستور: (المادة الثامنة: حزب البعث قائد الدولة والمجتمع).

3- أصبحت الأجهزة الأمنية الأربعة عشر، عبئاً على الدولة والمجتمع، ومصدراً أساسياً للفساد والإفساد، ولم تعد مؤهّلةً لحماية النظام من التداعيات والمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية.

4- لم يعد الاستمرار في النهج الأمني الأحادي الإقصائي مفيداً للنظام، ومن ذلك: استمرار العمل بقانون الطوارئ والأحكام العُرفية، وبالمحاكم الميدانية، وقانون حماية الثورة، والقانون رقم (49) لعام 1980 م، وغير ذلك.

5- لم يعد الانفراد الحزبي أو الفردي أو العائلي بالسلطة مجدياً، لأن ذلك يسير بعكس حركة التاريخ ومتطلّبات المجتمع الحديث، ولا يفي بحاجات التحدي والاستحقاقات الداخلية والخارجية.. وإنّ انفراد نفرٍ قليلٍ من أزلام السلطة المتسلّطة.. بالثروات الوطنية وعائداتها، سيؤدي لاندلاع ثورة الفقراء والعاطلين عن العمل، الذين وصلت نسبتهم إلى أكثر من 40% من تعداد الشعب السوريّ.

6- تخلي النظام نهائياً عن حماية الوطن والشعب، لصالح حماية كرسيّ الحكم الذي يتسلّط به على شعبه، وذلك بالخضوع للقوى الأجنبية، وقيامه بسلسلة تنازلاتٍ على حساب الوطن، إلى درجة اتهام أبناء شعبه الشرفاء بالإرهاب، وتسليم الملفات الأمنية الوطنية الشخصية إلى المخابرات الأميركية.. كل ذلك أدى لتصدّعٍ خطيرٍ في الجبهة الداخلية، التي هي الضمان الأكيد للتصدي لأي عدوانٍ أو تدخلاتٍ خارجية.

لقد صرّح نائب الرئيس السوري لأحد ضيوفه، تصريحاً يعبّر عن الحال والمآل: (إننا نظام متخشّب متحجّر، لا يصلح لهذا العصر، وإن لم نقم بتغييرٍ حقيقيٍ جديّ، يتناسب ومتطلبات العصر.. فستطوينا الأيام، كما طوت غيرنا)!..

ب- بالنسبة للجماعة:

1- أثبتت الجماعة أنها تتمتع بالمرانة الكافية للتعامل مع المتغيّرات والمستجدّات، إذ قامت بإنجاز (مشروع ميثاق الشرف الوطني)، الذي يتعامل مع الآخر بلا استثناء، ويشكّل مخرجاً لائقاً جاداً من حالة الانسداد السياسي في سورية، وفيه دعت الجماعة إلى:

  • أ- مواجهة تحدي البناء الوطنيّ العام: بناء الإنسان، وبناء المجتمع، وبناء المؤسّسات.
  • ب- التصدّي للمشروع الصهيوني، بكل أبعاد التصدّي: العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية، مع بناء الإنسان المطلوب لتحمّل هذا العبء.
  • ج- السعي الحثيث لتحقيق الوحدة العربية الحقيقية.
  • د- دعوة أطراف الطيف السياسي والاجتماعي الوطني السوري بلا استثناء، إلى مؤتمرٍ للحوار، تم عقده في (لندن) تحت شعار: (سورية لكل السوريين).

2- أنجزت الجماعة مشروعها السياسي، الذي تشرح فيه رؤيتها الإسلامية لسورية المستقبل، وهو مشروع يستوعب كل المستجدات، ويتطوّر معها، ويواكبها.. مع المحافظة على الأصالة الإسلامية.

3- على الرغم من كل المآسي التي سبّبها النظام للجماعة وأفرادها، فإنها بقيت متمسّكةً بالحوار أسلوباً لحل الأزمة الوطنية، ولم تترك أي فرصةٍ لتحقيق ذلك إلا حاولت استثمارها، ضمن شروطٍ إنسانيةٍ عاديةٍ، لا تتعدى حقوق الإنسان، وحقوق المواطنة، لكنّ النظام دائماً كان يوصد أمام تحقيق ذلك كل الأبواب، لأنه يخاف من عودتها إلى المجتمع السوريّ، لإعادة تأهيله وقيادته نحو التحرر والحرية، بل أصرّ النظام على نهجه الاستئصاليّ تجاهها (اجتماع بشار الأسد بالضباط العائدين من لبنان في صيف عام 2005 م، وتصريحه أمامهم، بأنّه (لا يصلح في التعامل مع الجماعة إلا الاستئصال والسحق) وذلك بعد خمس سنوات من الوساطات الإنسانية التي قامت بها قيادات ورؤساء أحزاب وشخصيات عربية وإسلامية.

سابعاً: مشروع الجماعة السياسي لسورية المستقبل

الإخوان المسلمون على استعدادٍ للتعاون مع جميع القوى الوطنية، لإخراج البلد من دائرة الرؤية الواحدة إلى دائرة الرؤية الوطنية الشاملة، وللبحث دائماً عن نقاط الالتقاء والجوامع المشتركة مع الآخرين، لمواجهة التحديات الكبيرة المفروضة على الوطن والأمة!..

على ذلك.. فالإخوان المسلمون لهم مشروعهم السياسي لسورية المستقبل، وهو مشروع وطني عام، يُعتبر ورقة عملٍ للحوار الوطني ليلتقي عليه الجميع، وهو يناهض المشروع الصهيوني والهجمة التطبيعية، ويؤكد على احترام عقيدة الأمة وهويّتها الإسلامية، وعلى تنشئة الأجيال على مبادئها وأخلاقها، وتعزيز الوحدة الوطنية، وتقوية الجبهة الداخلية للصمود في وجه التحديات والأخطار، وإطلاق الحريات العامة، والتأكيد على التعددية الفكرية والسياسية، وإقامة دولة المؤسسات وفصل السلطات، والمساواة بين المواطنين، وإفساح المجال أمام المعارضة الإيجابية لتؤدي دورها الوطني في الرقابة والنصح والتسديد والمشاركة في بناء الوطن، وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، والتأكيد على برامج التنمية الاقتصادية ومكافحة الفساد المستشري، للخروج من الوضع الاقتصادي الخانق الذي يرزح تحته المواطن السوريّ!..

(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108).

وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين مكتب الدراسات في جماعة الإخوان المسلمين في سورية

موضوعات ذات صلة

الشجرة الطيبة دعوة الإخوان المسلمين

الإخوان المسلمون من النشأة إلي الحل

الإخوان المسلمون والأزهر الشريف

الإخوان المسلمون والسياسة الحزبية

الإخوان المسلمون والأقباط

الإخوان المسلمون وأسباب الصدام مع الأنظمة المتعاقبة

الإخوان المسلمون واليهود

الإخوان المسلمون وعلاقتهم بجمعية الشبان المسلمين

الإخوان وإصلاح التعليم

الإخوان ونصرة فلسطين

الظروف السائدة بمصر قبل نشأة جماعة الإخوان

جهود الإخوان نحو فلسطين

شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية فى مصر

شهداء (الإخوان) في معارك القناة

كيف ساند الإخوان الثورة؟

ما قبل "الإخوان المسلمين"

مظاهر الإصلاح الاقتصادي عند الإخوان المسلمين

مواقف الإخوان

موضوعات متنوعة