رئيس علماء البوسنة: الحضارة التي لا تسامح فيها ولا حوار ليست بحضارة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
رئيس علماء البوسنة: الحضارة التي لا تسامح فيها ولا حوار ليست بحضارة

[09-03-2004]

مقدمة

أكد د. "مصطفى سيرتش"- رئيس علماء البوسنة والهرسك- أنه لا يُوجد ما يُسمى بصراع الحضارات؛ فالحضارات لا تتصارع؛ لأن بعضها بُنيت على أسس ما سبقها أو عاصرها، وقال- في حوار لـ(المجتمع)-:

إن المشكلة تكمن في أن بعض الناس في الغرب لا يستطيعون تحمل الإسلام والحضارة الإسلامية؛ لأنهم يعتقدون أن الوقت قد حان لقلب الأمور رأسًا على عقب.

وقد تناول في حواره مفهوم الحداثة وأهدافها، ومفهوم الحضارة عند البعض في الغرب، ومردود ذلك على العلاقات الدولية، فإلى تفاصيل الحوار:


نص الحوار

  • هناك فوضى في العلاقات بين الحضارات؛ فوضى في العلاقات بين الأديان، وفوضى حتى في العلاقات بين مكونات المجتمع الواحد.. بماذا تعلقون؟
الإسلام نعمة للذين يناصرونه، وللذين يعادونه.. الذين ينصرون الإسلام لهم جزاؤهم في الدنيا والآخرة، ويحسون بأن لهم شرفًا كبيرًا في ذلك؛ لأنهم يقفون مع الحق، وينصرون الدين الحنيف، والذين يعادون الإسلام، يشعرون بنعمته عليهم؛ لأنهم لولا الإسلام ما عرفوا طريقًا إلى الشهرة في العالم، أو في محيطهم، وكيف يكون لهم اسم في هذه الحياة الدنيا.. ﴿فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ (البقرة: 126)، والأموال التي يحصلون عليها، والشهرة التي يلقونها هي النعمة الزائلة، التي ستعقبها نقمة الله عليهم في الدنيا أو الآخرة.
وبخصوص صراع الحضارات، فأنا لا أعتقد أن هناك صراعَ حضارات؛ لأن الحضارات لا تتصارع؛ إذ إن بعضها بُني على أساس ما سبقها أو عاصرها، فالحضارة في ذاتها تدعو إلى السلام والتعاون، والبناء والحوار، وقبول الآخر، والحضارة التي لا تَسامُح فيها لا يمكن إطلاق وصف حضارة عليها؛ بل هي غابة من النوازع، وصحراء مقفرة، وبحر من الكراهية.
نحن- المسلمين- نُدرك أن هناك تحدياتٍ تواجهنا، وهذه التحديات دافع لنا كي نتقدم، فنحن لا نخاف من التحديات، ولم نستسلم لها عبر التاريخ، المشكلة أن بعض الناس في الغرب- ولا أقول كل الغرب- وإنما بعض الدوائر في الحكم واللوبيات لا يستطيعون أن يتحملوا الإسلام والحضارة الإسلامية؛ لأنهم يعتقدون أن الوقت قد حان لقلب الأمور رأسًا على عقب، أو بتعبير أحدهم (استغلال الفرصة)، وإلا كيف يمكن أن يُسمح للشاذِّين جنسيًّا ليس بممارسة الشذوذ، أو الانخراط في القوات المسلحة فحسب؛ وإنما العمل كوعاظ داخل أماكن العبادة.
لقد أصبحوا رجال دين جديرين بالاتِّباع والاحترام، وكيف يمكن أن نُسمي قتل الأطفال والنساء والشيوخ وهدم المنازل وترويعهم ليلاً ونهارًا حضارةً، كيف يمكن تسمية السجون التي يوضع فيها المخالفون في الرأي، ويحرمون من أبسط حقوقهم، ويُمَارس ضدهم كل أشكال التنكيل والتعذيب حضارة؟!
في بعض الدوائر داخل العالم الإسلامي هناك أناس يعيشون في دائرة ضيقة ويريدون للآخرين أن يعيشوا في دوائر ضيقة مثلهم، والمطلوب ألاَّ ننغلق بطريق سلبي أو أن ننفتح بطريق سلبي، علينا اقتباس ما ينفعنا من الآخرين، والمحافظة على ما ينفعنا مما لدينا، يجب ألا نخاف من الحريات؛ لأن ديننا لم يُبنَ على الإكراه، أما الإكراه الذي يمارسه البعض باسم القانون والمراسيم المختلفة فإنه لن يستمر، فعندما يُترك الأمرُ للشعب أو الأمة، ولو بعد ألف عام، فإن الفطرة الإنسانية والأحكام الشرعية ستعود لتسوس الأمة، وتقود الحياة.. ماذا فعلت الشيوعية في (الاتحاد السوفيتي) بعد 70 عامًا غير الدمار والهلاك؟! ومع ذلك يعود الناسُ إلى الدين.


العلماءوالسياسيين

  • كيف يمكن بناء الثقة بين السياسيين والعلماء، وبين الشعب وتنظيماته ومؤسساته وتشكيلاته المختلفة؟
أعتقد أن حل المشكلة يكمن في عدة قضايا رئيسية، وهي المرجعية، والعلاقة بين الدولة والإسلام، والحريات وآليات السلطة، وما يؤخذ من الغرب وما يترك، والعلاقة بين القومية والإسلام، وهذه القضايا الأساسية والمصيرية والجوهرية لا تزال بدون حلٍّ مُجمَعٍ عليه العالم الإسلامي للأسف.
  • يسأل المرء هنا عن دور العلماء والمؤسسات الإسلامية الرسمية وغيرها؟
على العلماء أن يعيشوا قضايا شعوبهم وأمتهم، ولا يتركوا الشعوب فريسة لمن خان الله ورسوله وكتابه؛ لأن الذي يخون خالقه ودينه لن يكون مخلصًا لعباده، حتى وإن ارتدى لبوس الإصلاح باسم الحداثة أو التقدم أو غير ذلك.. ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ- أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ﴾ (البقرة: 11-12).
على العلماء أن يهتموا بشئون الناس العامة، وليس الدينية فقط، ويتلمسوا حاجاتهم، ويقضوا حوائجهم قدر المستطاع، ويتقدموا صفوف العمل الخيري والعمل الاجتماعي والثقافي والتنموي في مختلف المجالات، كما يتقدمون صفوف الصلاة، وأن يؤموا الناس في الدنيا كما يؤمونهم في الصلاة.


الحداثة

  • ماذا ترون فيمن يقدم الحداثة بأنها عكس التقليد؟
عكس "التقليد" يكون "الاجتهاد"، أما الحداثة فتعني الجديد، أو التطور؛ لكن غالبًا ما يُساء تفسيرها، ويتم تطويعها لخدمة أهداف بعيدة عن الحداثة بشكلها الخارجي البرَّاق، فهي (وجودية سارترية) نسبة للوجودي "جون بول سارتر".
الحداثيون في العالم العربي يركزون على الأمور الاجتماعية التي لها علاقة بالدين، أكثر من تركيزهم على السياسة التي لها علاقة بالحريات والديمقراطية، والتداول على السلطة، ويطوعون السلطة لخدمة أهدافهم، فهي حداثة انتقائية، تنطلق من العداء للإسلام، وليس حبًّا في التطور، وبعض هؤلاء لا ينطلق من منطلقات حسنة؛ سواء من يبحثون عن مخارج من خلال لَيِّ أعناق نصوص الدين بما يخدم أهدافهم، وهم بعيدون عنه في عباداتهم وسلوكياتهم.
أما الحريات، ونصرة القضايا المصيرية للأمة والوحدة، وما إلى ذلك من القضايا، فإن حداثتهم لا تتطرق إليها، أو تجعلها قضية ثانوية، وهي بذلك حداثة مسخ، فالحداثيون الجدد- إن صح التعبير- أكثر سوءًا من أسلافهم الذين نادوا بالأخذ بما لدى الغرب؛ خيره وشره، أما هم فيطلبون شرَّه فقط، وهم مرتبطون بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر بتلك المراكز التي تعمل على تغيير المناهج في العالم الإسلامي، وتتخذ من قضايا المرأة مشجبًا للتدخل في شئون الدول الإسلامية، وتحاول أن تضر مراكز قوة الأمة لتشل دفاعها عن الأرض والدين والعرض.


حوار الحضارات والأديان

  • تشاركون في سلسلة حوار الحضارات والأديان، والدعوة لأكثر من لقاء في هذا السبيل.. إلى أين وصلت هذه الحوارات؟ وهل من فائدةٍ تُرجى منها؟
نحن لا نستطيع من خلال هذه الحوارات والنقاشات أن نلمس نتيجة مباشرة أو قل فورية؛ ولكنها تؤسس لمشروع كوني يعتمد على الحوار، ولا يمكن لحوار كهذا أن ينجح ما لم تكن حواراتنا الداخلية مع كافة أطيافنا الثقافية والسياسية قد وضعت معالمها وأطرها في شفافية ووضوح، ودون مصادرة أحد أو استثناء أحد، هذا نوع من الهروب من الحقيقة، وما لم نواجه الحقيقة لن تحل مشكلاتنا الداخلية وبالتالي الخارجية.. إنَّ مَن يفعل ذلك كمن يعترف بمنظمة التحرير ولا يعترف بفلسطين، فهو لم يحل القضية؛ وإنما هرب من الحقيقة.
وبالنسبة لحوار الحضارات، وللحوار عمومًا، لا يجب علينا أن نخاف من الحوار، ولا نشك في رشد طرف من الأطراف، ونحن أول من يجب أن يدعو إليه؛ لأن ديننا دين حوار.. لقد حاور الله "إبليس".. وحاور "موسى"- عليه السلام- "فرعون".. وحاور "إبراهيم"- عليهم السلام- النَّمرود.. وحاور "محمد"- صلى الله عليه وسلم- المشركين والنصارى واليهود.. وتواصل حوار علماء الإسلام مع أهل الكتاب وأصحاب البدع والأهواء والملحدين إلى يوم الناس هذا، وإلى ما شاء الله بما شاء الله: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بَأنَّا مُسْلِمُونَ﴾ (آل عمران: 64)، وهذه الدعوة ملحة اليوم؛ لأن هناك مَن يريدون أن يكونوا أربابًا لنا من دون الله.

المصدر