رجل بأمة .. اختصر في نفسه شاعر ومجاهد وسياسي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
الشهيد الدكتور إبراهيم المقادمة

رجل بأمة .. اختصر في نفسه شاعر ومجاهد وسياسي

رحل الدكتور إبراهيم المقادمة ابا احمد بعد ان نالت منه صواريخ الحقد و الغدر صباح السبت 8-3-2003 إثر قصف مروحيات صهيونية لسيارته التي كان بداخلها مع ثلاثة من مرافقيه قبل ان يحقق حلمه برؤية فلسطين من بحرها إلي نهرها حرة ..اسلامية ينعم اهلها بالامن و الامان في ظل شرع الله.

و لان الكلمات هي ما نستطيع ان نقدمه وفاء لذكرى الشهيد القائد نستعرض بعض ما حصلنا عليه من معلومات موجزة عن حياة هذا البطل و المفكر الكبير.

النشأة

يرجع اصل الشهيد الي بلدة بيت دراس داخل اراضي عام 1948 حيث ذاقت أسرته مرارة التشرد و الهجرة عندما هجّرتها قوات الاحتلال من بلدة بيت دراس و تنقلت الاسرة بين احياء مدينة غزة حتى استقرت في معسكر جباليا .

لم يتوقف عدوان قوات الاحتلال عند سرقة بيت الاسرة في بيت دراس بل لاحقتهم جرافات الاحتلال في معسكر جباليا حيث هدمت منزل اسرة المقادمة عام 1970 الي جانب عشرات المنازل أثناء ما عرف في تلك الفترة بـ ' موجة تخريب معسكر جباليا ' بعد العمل العسكري الذي انطلق منه و استقرت بعد ذلك أسرته في معسكر البريج بعد أن اشترت منزلا متواضعا. رغم ان عمره في تلك الاثناء كان لا يتجاوز العاشرة إلا أنه فاق سنه بكثير حيث عرف عن الفتى ابراهيم شدة البأس و قوة الشخصية التي ورثها عن والده المعروف بالشهامة و شدة المراس.

محطات

و بدت على المقادمة معالم الرجولة و الذكاء الشديد منذ صغره . تقدم الشهيد لامتحان الثانوية العامة و حقق نجاحا باهرا حيث حصل على ترتيب الاول في مدرسته ثم انتقل الي القاهرة عبر الدفعات من الطلبة الذين كانوا يسافرون الي مصر عن طريق الصليب الاحمر ، و التحق الشهيد بكلية طب الاسنان عام 1971 و أمضى حياته في مصر داعيا إلي الله ناشطا في العمل الاسلامي بين الطلبة الفلسطينيين.

بعد جهد و اجتهاد حصل المقادمة على الاجازة العالية في الطب عام 76 و عاد بعد ذلك إلي ارض الوطن و كان قد تزوج من ابنة عمه المقيمة في مصر أثناء دراسته و عمل الشهيد بوزارة الصحة في قسم الاشعة في العريش.

بعد فترة من الزمن انتقل إلي قسم الاشعة بمستشفى النصر بمدينة غزة و ظل متنقلا بين مستشفى الشفاء و النصر للاطفال ، و في تلك الحقبة من الزمن أنشأ الشهيد عيادة لطب الاسنان في معسكر جباليا ليعمل فيها بعد انتهائه من عمله في المستشفى إلا أنه شعر ان عمله في العيادة يعيقه عن عمله الاسلامي فقرر إغلاق العيادة رغم النجاح الباهر الذي حققه في منطقة مخيم جباليا .

مع الإسلام ..

انتمى الشهيد إلي جماعة الاخوان المسلمين في عام 1968 و حينما كان الانتماء لتلك الجماعة جريمة في الحقبة الناصرية، تحمل الكثير من الاذى لا سيما ان صورة الإخوان كانت مشوهة بفعل الحملات التي شنها الاعلام المصري.

ومنذ عودة الشهيد إلي قطاع غزة عام 1976 التحق بقيادة الاخوان و مارس نشاطا دعويا حتى تعرضت جماعة الاخوان عام 84 لحملة اعتقالات واسعة فيما عرف وقتها باسم ' قضية التنظيم العسكري الذي انشأته الحركة بقيادة الشيخ أحمد ياسين .

وكان للدكتور المقادمة دور بارز في تأسيس الجهاز العسكري لحركة حماس و اعتقل الشهيد مع الشيخ احمد ياسين فقضى في السجن ثمانية أعوام و نصف تنقل خلالها بين سجن نفحة و المجدل و خرج الشهيد في آواخر عام 1992 .

ولم يكن السجن ليرهب القائد بل زاده صلابة و ثبات على المبدأ و عشقا لمواصلة الجهاد في سبيل الله ، فما أن تنسم عبق الحرية حتى هب مجددا نشاطه بصورة أكثر عنفوانا و تنقل الشهيد بين مساجد مدينة غزة و البريج داعيا الي الله و محرضا الناس علي الجهاد .

و كانت رياح اوسلو المنتنة تهب في تلك الفترة على المنطقة فكان الشهيد يبين للناس مخاطر المرحلة و ما ستجنيه على الشعب الفلسطيني من خراب و دمار. وألف المقادمة كتيبا تناول فيه اتفاقية اوسلو بالتحليل مما ادى إلي اعتقاله من قبل سلطات الاحتلال اعتقالا اداريا لمدة ستة أشهر.

وظل الشهيد متحمسا لمواصلة الجهاد مهما بلغت التضحيات فكان يردد دائما " لابد من الرد على تضحيات الجهاد بمزيد من الجهاد ، و كان يرى في معركة حمراء الاسد بعد غزوة احد دليله الذي لا يمل من تكراره" .

السياسي الاستشهادي

يذكر أن الشهيد كان يرى انه لابد أن يعيش السياسي بروح الاستشهادي حتى يكون قويا و ناجحا و فاعلا و كان يدرك تماما تكاليف الجهاد فكان أحيانا يصف الذين يريدون جهادا بلا دماء و اشلاء و تضحيات بأنهم اصحاب ' جهاد الاتيكيت ' .

و لم يكن القائد المقادمة يرى أن هناك مبررا لوقف الجهاد مهما كلف الامر . فكان يقوم بدور التعبئة منذ خروجه من سجون السلطة و قد تعرض للاعتقال من قبل السلطة الفلسطينية خضع خلال فترة اعتقاله لأبشع أنواع التعذيب حتى أنه في بعض الاحيان كان يعجز عن القيام أو التحرك إلا بصعوبة و تعددت المرات التى اختفى فيها الشهيد و توارى عن الانظار بفعل ملاحقة السلطة الفلسطينية و قوات الاحتلال له .

و عرف عن الشهيد قدرته الفائقة و العجيبة على الاستقطاب فقد كان واسع الاطلاع في كثير من المجالات متوقد الفكر حاضر الذهن سريع البديهة و اطلق عليه ' أبو الثورة الثقافية ' لحركة حماس في السجون حيث حول السجون الصهيونية إلي خلية نحل تعقد فيها المحاضرات و الامتحانات و الدورات المختلفة.

جزء من شهادة صديقه ..

ليس يغالي من عايش ابا احمد عن قرب حين يصفه بانه صحابي يعيش في هذا القرن فمن همته العالية و صدعه بالحق لا يخاف في الله لومة لائم ، الى بساطته وزهده واحتقاره لكل اعراض الدنيا ، الى صبره وثباته وقوة جنانه ، الى دماثة خلقه وخفة ظله ، كل هذه الصفات تجدها في ابي احمد ، فلقد تجمع فيه من الصفات ما تفرق في غيره . لقد كان ابو احمد رحالة بكل ماتحتويه هذه الكلمة من معاني .

وساتطرق هنا فقط الجانب الانساني من حياة هذا الرجل فقد كان هذا الرجل كبيرا لا يعرف الحقد حتى مع الذين آذوه ، فلقد تحمل من ذوي القربى أذى تنوء به الجبال ، ولكنه كان يرفض ان يدعو عليهم .

وكان ابو احمد ينصح الشباب المسلم ان يدعو لهم بالهداية مستندا لحديث الرسول عليه الصلاة والسلام ' اللهم اهدى قومى فانهم لا يعلمون ' ، الى جانب عفة لسانه وطهارته ، لم يؤثر عنه انه استخدم لفظا جارحا او نابيا حتى مع من ناصبوه العداء .

أما عن بره بوالدته فقلما تجد إنسانا مثله يحرص حرصا عجيبا على برها وتوقيرها وتوفير كل ما يظن انها تحبه من مطعم او مشرب الى جانب مؤانستها والتخفيف عنها وهي المريضة المقعدة التي أثقلتها امراض عديدة فلم تكن تشغله اعباء العمل الاسلامي الكثيرة عن ان يخصص لها جزءا واسعا من نفسه ووقته فكان ما ان يدخل المنزل حتى يدخل غرفتها في أواخر الليل يؤانسها ويتودد اليها وهو المتعب المكدود.

اما عن بره بإخوانه فكنت تجده ابا حنونا الى جانب كونه خالا او اخا بارا ، اما عن قدرته على تقييم الرجال فلقد كان صاحب نظرة عجيبة عميقة لا تكاد تخطئ فلقد كان يصف الرجل بكلمة او كلمتين تراها تحيط بكل جوانب شخصيته مع انه لم يحرص على استعداء احد ، وكان شهما حتى في تعامله مع خصومه.

اما عن رقة مشاعره فلعل الكثيرين لا يعلمون ان ابا احمد شاعر يفيض رقة وحيوية و عذوبة ، رغم قله قصائده .

فلقد وصله خبر وفاة ابنه الكبير احمد غرقا بينما كان في سجن عسقلان وذلك في اواخر التسعينات فلم يمنعه ذلك عن القاء درسه اليومي لاخوانه المعتقلين ولكن بعد ان جن الليل خلا بنفسه ليبث البحر الذي التهم جسد احمد الصغير مواجعه في ابيات يتفتـت الصخر منها .

اما عن ايثاره لاخوانه في داخل السجون او خارجها فيعرف ذلك كل من عايشه فكان يتلذذ في خدمة اخوانه واسعادهم والسهر على راحتهم ومعالجة مشاكلهم ، فكان ابا واخا وصدرا حنونا واسعا.


المصدر: كتائب الشهيد عز الدين القسام المكتب الإعلامي