رسالة إلى فخامة رئيس الجمهورية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
رسالة إلى فخامة رئيس الجمهورية
أ. أكرم كساب

فخامة رئيس الجمهورية: القائد محمد حسني مبارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
أما بعد

فإني لم أشأ يا فخامة الرئيس أن أقول لفخامتكم ما قاله أبو مسلم الخولاني لمعاوية بن أبي سفيان حين دخل عليه فقال: السلام عليك أيها الأجير. فقال الناس: الأمير يا أبا مسلم. ثم قال: السلام عليك أيها الأجير. فقال الناس: الأمير. فقال معاوية: دعوا أبا مسلم هو أعلم بما يقول. قال أبو مسلم: إنما مثلك مثل رجل استأجر أجيرا فولاه ماشيته، وجعل له الأجر على أن يحسن الرعية، ويوف جزازها وألبانها، فإن هو أحسن رعيتها، ووفر جزازها حتى تلحق الصغيرة، وتسمن العجفاء، أعطاه أجره، وزاد من قبله زيادة، وإن هو لم يحسن رعيتها وأضاعها حتى تهلك العجفاء، وتعجف السمينة، ولم يوفر جزازها وألبانها، غضب عليه صاحب الأجر فعاقبه ولم يعطه الأجر) وإذا كان رجال معاوية لم يفطنوا لها، فكيف برجال فخامتكم.

لذا أعود فأكرر: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها الرئيس القائد....

وبعد السلام، أسوق التهنئة لفخامتكم بالشفاء والعودة إلى أرض الوطن سالما معافى..

ولأن مصر تنعم بقسط وافر من الحرية؛ نعم بقسط وافر من الحرية ليس موجودا في كثير من دول العالم العربي والإسلامي- حتى وإن كانت من نوع (قولوا اللي انتو عايزين تقولوه، واحنا هنعمل اللي احنا عاوزينه)، ومع ذلك فإن كثيرا من دول العالم العربي لا تعرف عن هذه الحرية شيئا– فقد غرتني هذه الحرية أن أرسل رسالة لفخامتكم، وهذه الرسالة يا فخامة الرئيس سأذكر لكم فيها ما لم يقله لك علماؤنا الكرام... وإن كان فيهم - بالطبع- الأكبر، والأجدر، والأكفأ، والأبلغ، والأحق، والأولى... ولعلي بذلك أكون قد أسقطت عنهم فرض الكفاية، وسأغلف هذه الرسالة بطابع اللين، وأسديها إلى فخامكتم بغلاف الشفقة، وأرسلها لجنابكم ببريد الشفق والمحبة، وأخاطبكم من خلالها بنداء الصدق والحب، فأنا لست بأحسن من موسى عليه السلام، وفخامتكم – معاذ الله- لستم بأسوأ من فرعون، وقد قال الله تعالى لموسى وأخيه هارون: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)(طه:44).

سأخطها يا فخامة الرئيس وأرسلها لكم، لست متخوفا ولا نادما، لأنني ناصح أمين، وحسبي أني أسديها لك، متوكلا على ربي، وأفوض أمري إليه، سائله سبحانه ألا يمسني سوء من رجال أمنك، فالله حسبي ومعيني، وهو نعم المولى ونعم النصير....


فخامة الرئيس :

أعرف فخامتكم أولا بنفسي، فالعبد الفقير إلى ربه فرد مغمور من رعايكم، لست ممن يعرفه كبار وزارة داخليتك، وإن كان حالي – وكذلك سائر شعبك – لا يخفى عن صغار رجال داخليتك، إذ يعتقد الجميع منهم أن لديهم جهازا (لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها).

فأنا يا فخامة الرئيس: تخرجت من كلية الدعوة الإسلامية عام 1992م، بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف، وعينت إماما وخطيبا ومدرسا بوزارة الأوقاف، ولأنني- كغيري من شباب مصر المحروسة- أبحث عن مستقبل مستقر، أضمن فيه حياة طيبة هنيئة، لا أمد فيها يدي لأحد، ولا في جيب أحد؛ ولا (أهبش) من خير مصر مع (الهباشين) - وما أكثرهم- الذين لم يجدوا في الغالب من يقطع أيديهم فتجرأ غيرهم، لهذا وغيره؛ فقد خرجت من مصر بحثا عن رغد العيش، ولن أقول خرجت دعوة إلى الله كما يقول بعض شبابنا، فأرض مصر هي الأخصب، وشعبها – في نظري – هو الأقرب لقبول الدعوة، وإن كان لا مانع أن تكون نية الدعوة لاحقة لنية العمل، فقد تعلمنا في الأزهر- الذي كان ولا زال إن شاء الله شريفا، مهما عدت عليه العوادي- جواز تعدد النيات، على أن يكون الأصل هو البحث عن تحسين الأوضاع..

وقد منّ الله عليّ فجمعت مع العمل البحث والدراسة والكتابة والتأليف.. ولم أنقطع عن مصر في هذه الفترة منذ خروجي عام 1996، وكما قال الشاعر:

بلدي وإن جارت عليّ عزيزة وأهلي وإن ضنوا علي كرام

وقد تعلمنا في الأزهر الشريف وفي ميدان الدعوة أن (حب الوطن من الإيمان) وقد قيل:

كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل

وقد بدأت بهذه المقدمة حتى لا يتعب رجال داخليتك أنفسهم في البحث عني، وعن أخباري، وإن كنت في زيارة لمصر أجبر على زيارة لهم على الأقل، في محافظتي ومحافظتك العامرة (المنوفية) وبالتحديد في مركز (أشمون) الذي ينسب إليه اللغوي الكبير صاحب شرح (ألفية بن مالك) وأحد فقهاء الشافعية محمد بن عيسى (الأشموني)..


فخامة الرئيس :

لقد اقتضت حكمة الله تعالى أن تتكرر صورة الموت لكل للبشر مرة على الأقل في كل يوم، وذلك حين يخلدوا إلى النوم، قال تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى)(الزمر: 42)، وقد أراد الله لك يا فخامة الرئيس أن تمرّ بهذه الوعكة الصحية لتقترب أكثر وأكثر من صورة الموت، بل هي أقرب ما تكون من صورة القبر، وذلك حين غلقت الأبواب، وحيل بينك وبين الأهل والأحباب، وجردت من ثيابك، ولم يبق عليك إلا ما خف وزنه، ولم تغلُ قيمته، وهو لا ينفع للقاء صديق ولا غريب، ولا عدو ولا حبيب، ووالله يا فخامة الرئيس لستُ شامتا بما أصابكم من مرض، فهل يسلم أحد من المرض؟! وهل يشمت إلا المنافق؟ وقد قال الله تعالى في وصف المنافقين الذين شمتوا في مصاب النبي صلى الله عليه وسلم (وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا)(النساء: 120) فجعل الشماتة بمصاب الغير صفة من صفات المنافقين.


أركز لكم رسالتي في أمرين

فخامة الرئيس :

أما وقد منّ الله عليكم بالشفاء، وعدتم إلى أرض الوطن سالمين فسأركز لكم رسالتي في أمرين:

الأول: مبشرات.

الثاني: مطالب وأمنيات.


أما المبشرات يا فخامة الرئيس فهي كالتالي :

1- قوله صلى الله عليه وسلم:" إن الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم" وفي البلاء يا فخامة الرئيس تكفير للذنوب، وهو لبعض الناس رفعة في الدرجات، فانظر فأي الفرقين أنتم!

2- قوله صلى الله عليه وسلم:" إن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ثم مرض؛ قيل للموكل اكتب له مثل عمله إذا كان طلقا حتى أطلقه أو أكفته إليّ"، فانظر يا فخامة الرئيس لو أنك على عمل صالح كبير؛ ما يكون لك من الأجر، حتى ولو حيل بينك وبين هذا العمل.

3- قوله صلى الله عليه وسلم:" خير الناس من طال عمره، وحسن عمله" وأنت يا فخامة الرئيس - ما شاء الله - قد أطال الله لك عمرك، ولكن الخيرية لا تكون إلا لمن جمع مع طول العمر حسن العمل... فالله الله في عملك وأنت في آخر أيامك يا فخامة الرئيس.

4- ما روي عنه صلى الله عليه وسلم:" عدل يوم واحد أفضل من عبادة ستين سنة" وفي رواية :"عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة: قيام ليلها، وصيام نهارها... وجور ساعة في حكم أشد وأعظم عند اللّه من معاصي ستين سنة" فانظر يا فخامة الرئيس كم يكون لك من الأجر حين يمرّ عليك يوم وقد عمّ عدلك الرعية، بل حين تمر ساعة واحد شمل فيها عدلك من لا يخفى حالهم عن رب الأرض والسماء.

فوالله يا فخامة الرئيس لو كل يمر يمر تطلق فيه سجينا، أو تحرر فيه معتقلا، أو تنصر فيه مظلما، أو تحاسب فيه مسؤلا فاسدا، لأفرحت شعبك، وأغضبت خصمك، وقبل هذا لضاعفت أجرك، وأرضيت ربك.

وفي المقابل انظر كم يكون من الوز والإثم لو مرّت ساعة وجور وظلم؟!

فما بالكم يا فخامة الرئيس لو كان الظلم لا يحسب بالساعات ولا بالأيام ولا بالأسابيع ولا بالشهور!!!

5- قوله صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالخواتيم" فتخيل يا فخامة الرئيس لو أن الله قدر لك أن تختم حياتك بعمل صالح فترفع به أمتك، وتعز به شعبك، وتتقدم به دولتك، وتغيظ به عدوك، وتسر به صديقك، ويرضى عنك به ربك... ألا تتمنى ذلك يا فخامة الرئيس، فوالله إني كواحد من رعاياك أتمنى ذلك لك.

6- قوله تعالى: (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا)

رَّحِيمًا) فانظر يا فخامة الرئيس كما يكون لك من الحسنات وقد بدّل الله سيئاتك حسنات، فأدخلت الغيظ في قلوب شانئيك، والسرور في قلوب محبيك، هذا إضافة إلى ما لك من حسنات، فليس على ظهر الأرض من أحد إلا وفيه من الخير ما فيه، وفيه من الشر ما فيه. ولكن لفخامتكم نوع آخر من الحسنات، تتحصلون عليه ممن يتطاول على فخامتكم، تنالها صباح مساء، وصيف شتاء، بل مع كل زفير وشهيق لدى الشعب المطحون، الذي أضحت نسبة الفقر فيه تفوق كل توقع، فلما يئس من التغيير لم يجد سوى النيل من فخامتكم، ومن لم يستطع في العلن جعلها في السر، ربما اعتبرها قربة والخفاء في القربات أفضل من الجهر، والسر خير من العلانية.


الثاني : مطالب وأمنيات :

أما المطالب والأمنيات يا فخامة الرئيس فليست بالمستحيلة، فوالله لو حسنت النية وصلحت البطانة فليس شيء بمستحيل إن شاء الله تعالى..

إننا يا فخامة الرئيس نقف على نهاية العقد الثاني من نصف قرن جديد، إنها ستون (60) عاما على مرور ثورتنا (الميمونة) تولى نصفها سلفك (عبد الناصر والسادات) وأنت توليتها نصفها الثاني، ويخطئ من يحاسب فخامتكم على أخطاء غيرك، ولكن في عقودكم الثلاثة – كما في العقود التي سبقتها - سجن أقوام وشرد آخرون، وذل أقوم وامتهن كرامة آخرين، وعمّ الفساد البلاد، واستشرى الظلم، وأصبحت مصر الكبيرة بموقعها وتاريخها ورجالها وحضارتها... أصبحت في موقع يسر العدو ويحزن الصديق، وهذا ما يحتاج إلى تغيير عاجل...

ولن أطالبكم يا فخامة الرئيس بسرعة التغيير، وإنما أسوق لك ما قاله عمر بن عبد العزيز حين طالبه الناس بسرعة التغيير فقال:( ألا وإني أعالج أمراً لا يعين عليه إلا الله، قد فني عليه الكبير، وكبر عليه الصغير، وفصح عليه الأعجمي، وهاجر عليه الأعرابي، حتى حسبوه ديناً لا يرون الحق غيره) فإذا كان هذا هو كلام عمر وهو في نهاية القرن الأول الهجري، وبداية القرن الثاني، فما بالكم يا فخامة الرئيس وأنت في القرن الخامس عشر الهجري و.....؟!!!!

إنما يكفيك يا فخامة الرئيس أن تتدرج في الإصلاح والتغيير. إذ التدرج سنة كونية، وسنة شرعية، فكون الله لم يخلق في يوم وليلة (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) (يونس:2)، والجنين في بطن أمه لا يتكون بين عشية وضحاها، (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَن الْخَالِقِينَ)(المؤمنون:12- 14) وشرع الله لم يفرض على الناس دفعة واحدة، وإنما كما قالت أمي وأمك عائشة رضي الله عنها: ( إنما نزل أول ما نزل منه : سورة من المفصل فيما ذكر الجنة والنار , حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام : نزل الحلال والحرام , ولو نزل لا تزنوا , لقالوا : لا ندع الزنا أبداً).

فأنت يا فخامة الرئيس مطالب بالتغيير، وليكن بالتدرج، على أن يبدأ بالضروريات ثم الحاجيات ثم التحسينيات. بالأهم فالمهم.

لذا فيكفي فخامتكم ألا يمر يوم عليكم إلا وقد أقلت مفسدا، وعاقبت مجرما، وأدبت متطاولا، وأحييت سنة، وأمتّ بدعة، وأحسب أنك لو بدأت يا فخامة الرئيس برؤوس الفساد ممن امتلأت بطونهم بدماء رعاياك، وزهزهت نفوسهم بعرق شعبك المسكين، وعلت ضحكاتهم على الرغم من أنين ملايين مواطنيك... إنك إن فعلت ذلك فلن تحتاج إلى زمن طويل إن شاء الله....

فأنت يا فخامة الرئيس وقد دنا أجلك، وقربت ساعتك؛ إذ في الحديث :" أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم الذين يبلغون ثمانين" وأنت يا فخامة الرئيس – ما شاء الله – قد جاوزت ذلك، ولم يبق لمن جاوز الثمانيين الكثير، وهي مرحلة الضعف الثانية التي قال عنها الله تعالى: (ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً)(الروم:54)، وهي التي استعاذ منها النبي صلى الله عليه وسلم حين قال:" وأعوذ بك أن أرذل العمر"، فإنك لو فعلت ذلك يا فخامة الرئيس لأسكتَ والله ألسن المزايدين، وكبتّ (عنترة المتنعترين).

وسأعرض على فخامتكم بعض ما هو مطلوب منكم، لا لأنكم – معاذ الله – نسيتموه، ولكن من باب التذكير، وقد قال ربي وربك: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذاريات:55):

1- احكم بما شرع الله، تكن أعظم الناس أجرا.

2- انشر العدل بين الرعية، تكون أكثر الخلق ثوابا.

3- انشر الحرية في ربوع وطنك، تكن أكثر الناس أمنا.

4- أطعم الجياع... وأنت ابن (كفر مصيلحة) وتعرف حال الجياع في القرى...

5- طبب المريض... وأنت الخارج من وعكة صحية سالما معافى....

6- علم الجاهل.... تنعم بك مصر...

7- طمئن الخائف.. يدعو لك ليل نهار..

8- قرب المخلص الصادق... يسدي لك النصيحة، والرأي السديد...

9- أبعد المحتال والطبال والزمار... يكفك الله شرهم، وتسلم من كل سوء..

10- انصر المظلوم، وأقرب المظلومين منك إخوانك في غزة هاشم.

تلك يا فخامة الرئيس (عشرة كاملة) وأرها بإذن الله كافية.

وسأنقل لك يا فخامة الرئيس صفة الحاكم العادل التي ذكرها الحسن البصري لعمر بن عبد العزيز:

1- اعلم يا أمير المؤمنين: أن الله جعل الإمام العادل قوَّام كل مائل وقصد كل جائر، وصلاح كل مفسد، وقوة كل ضعيف ونصفة، كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف. (فهل أنت كذلك يا فخامة الرئيس؟!).

2- والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله، الرفيق الذي يرتاد لها أطيب المرعى، ويزودها عن مراتع الهلكة، ويحميها من السباع، ويكنفها من أذى الحر والقر. (فهل أنت كذلك يا فخامة الرئيس؟!).

3- والإمام العدل، يا أمير المؤمنين، كالأب الحاني على ولده، يسعى لهم صغيراً، ويعلمهم كباراً، يكتسب لهم في حياته، ويدخر لهم بعد مماته. (فهل أنت كذلك يا فخامة الرئيس؟!).

4- والإمام العدل، يا أمير المؤمنين، كالأم الشفيقة البرة الرفيقة بولدها: حملته كرهاً ووضعته كرهاً، وربته طفلاً تسهر بسهره، وتسكن بسكونه، ترضعه تارة، وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته، وتغتم بشكايته. (فهل أنت كذلك يا فخامة الرئيس؟!).

5- والإمام العادل، يا أمير المؤمنين وصي اليتامى، وخازن المساكين: يربي صغيرهم، ويمون كبيرهم. (فهل أنت كذلك يا فخامة الرئيس؟!).

6- والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوانح: تصلح الجوانح بصلاحه وتفسد بفساده. (فهل أنت كذلك يا فخامة الرئيس؟!).

7- والإمام العادل، يا أمير المؤمنين، هو القائم بين الله وبين عباده، يسمع كلام الله ويسمعهم، وينظر إلى الله ويريهم، وينقاد إلى الله ويقودهم. (فهل أنت كذلك يا فخامة الرئيس؟!).

8- فلا تكن يا أمير المؤمنين، فيما ملكك الله كعبد إئتمنه سيده، واستحفظه ماله وعياله، فبدل المال وشرد العيال، فأفقر أهله، وفرق ماله. (فهل أنت كذلك يا فخامة الرئيس؟!).

9- واعلم يا أمير المؤمنين إن الله أنزل الحدود ليزجر بها عن الخبائث والفواحش، فكيف إذا أتاها من يليها؟ وأن الله أنزل القصاص حياة لعباده، فكيف إذا قتلهم من يقتص لهم؟ (فهل أنت كذلك يا فخامة الرئيس؟!).

لا تصدق أحدا يا فخامة الرئيس يجيبك على هذه الأسئلة....

فأعداؤك سيقولون: لست فيك من هذا الوصف شيء البتة.... نعم البتة.

وحاشيتك سيقولون لك: لقد حزت كل شيء، وفقت بن عبد العزيز، ولعلك في نظر بعضهم تكون الخليفة السادس، وربما الخامس، ولم لا؟! وأنت في نظرهم تفوق بن عبدالعزيز!!!

ولكن أجب أنت عليها يا فخامة الرئيس، وانظر كم تأخذ من الدرجات؟؟؟

إنها تسعة أسئلة، وكل سؤال يحتاج إلى جواب بسيط..

جواب بنعم أو لا... (صح) أو (خطأ) (√) (×)..

أجب ولا تخبر أحدا.... لأن الجميع يعرف الحال كما أنكم تعرفون (تمام بتمام).

ولا تحزن يا فخامة الرئيس من النتيجة لأن قادة العرب جميعا في نفس المستوى، ومن أصحاب التقدير ذاته، وإن بدا تفاوت فلن يكون كبيرا....


فخامة الرئيس :

إن الحياة مهما طالت إلى زوال، والحكم ما بقي إلى نفاد، والمرء مهما خلّد إلى فناء، وسيأتي للجميع الموت... نعم الموت يا فخامة الرئيس.. الموت الذي قصم الله به رقاب الجبابرة، وكسر به ظهور الأكاسرة، وقصر به آمال القياصرة...

الموت يا فخامة الرئيس الذي أصدق ما وصف به بأن "هادم اللذات، ومفرق الجماعات"..

وفرق يا فخامة الرئيس بين من يفضي إلى ربه وهو لا يحمل إلا وزر نفسه، ولا يحاسب إلا عما كسبت يداه، وبين من ملّكه الله رقاب ثمانيين مليونا – أو يزيد- من البشر!!!

نعم 80000000 من البشر، فيهم المظلوم، والمقهور، والجائع، والجاهل، والحائر، و... و... و... و... و...، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم:" أيما رجل استرعاه الله رعية فمات يوم يموت وهو غاش لرعيته حرم الله عليه الجنة"، وفي رواية:" ما من راع يسترعي رعية إلا سئل عنها يوم القيامة أقام فيها أمر الله أو أضاعه". ففي أي الفريقين أنت يا فخامة الرئيس.

فانظر يا فخامة الرئيس لشدة الموقف، وهول المطلع، وقد أسلمك أهلك- وكل أحد مثلك- إلى منزل غير منزلك الذي أنت فيه، ليس بالواسع الفسيح، ولا بالطيب المريح، وإنما طوله قريب من عرضه، ليطول فيه بقاؤك، بعد أن فارقك أحباؤك، فلا حرس ولا جند، ولا صديق ولا قريب، ولا محافظ ولا وزير، وإنما تبقى وحيدا فريدا.

وعند الحساب يا فخامة الرئيس ستجد كتابا (لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا)(الكهف:49)، وهو ليس ككتب رجال مخابراتك، لأن من أمر به قال عن نفسه (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) (الكهف:49)، وستجد كل شيء فيه بالصوت والصورة يا فخامة الرئيس، ولن يفعك لحظتها إلا (نظافة) يدك، و(عدلك) في رعيتك، و(سرور) أدخلته على شعبك، و(عزّ) شرفت به أمتك ...

والله يا فخامة الرئيس ليقفن كل واحد من البشر بين يدي الله تعالى، وليس بينه وبين الله ترجمان، ففي الحديث الذي قاله نبيي ونبيك صلى الله عليه وسلم:"ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان،ولا حجاب يحجبه" وفي رواية:" ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه" فانظر يا فخامة الرئيس ما تقوله لربك، حين يسألك عن شعبك.

إنك يا فخامة الرئيس لست كبقية رعيتك.

نعم. لست كبقية رعيتك.... ولهذا فإذا كان الله سائلا كل واحد من خلقه يوم القيامة عن:

1- عمره فيما أفناه.

2- وشبابه فيما أبلاه.

3- وماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه,

4- وماذا عمل فيما علم.

فأنت يا فخامة الرئيس يضاف لك خامسة، وهي:

5- وعن رعيتك ماذا فعلت بها من 1981م إلى ماشاء الله... عن الثمانين مليونا أنت والله مسؤول يا فخامة الرئيس...

فانظر يا فخامة الرئيس ما أنت قائل لربك... فهل أعددت للسؤال جوابا؟؟!!


وقبل الختام:

فإني أشير عليك بعمل لو أقدمت عليه يا فخامة الرئيس؛ والله ليقفن معك المخلصون من رعيتك، حكومة ومعارضة، أحزابا وجماعات، نخبة وعمالا، كبارا وصغارا، ذكورا وإناثا...

إنه عمل تكون لك به حسن الخاتمة...

إنه عمل تستحق به أن يرفع الجميع صورتك طواعية لا جبرا، ورغبة لا رهبة، وصدقا لا نفاقا..

لتكن أنت – وأنت صاحب الضربة الجوية، التي تغنى لك بها المغنون- لتكن أنت من يرفع راية المقاومة فتقطع بذلك ألسنة المتاجرين، الذين صدّعوا رؤوسنا بأنهم لو المكان غير المكان، لغيروا التاريخ، إذن فافتح المعابر لأهلك في غزة كما فتحتها من قبل، فشكرك الناس على حسن صنيعك، وسجل لك التاريخ هذا الموقف، إذن فأعد الكرة مرة أخرى، وجمّع الصفوف ليميز الله لك الخبيث من الطيب، والعدو من الصديق، والصادق من الكاذب، والمخلص من النفعي الأفاق...

هنا فقط تكون أنت يا فخامة الرئيس من رفع راية الجهاد والمقاومة، وتختم حياتك بما بدأتها به جنديا مغوارا، وقائدا بطلا في معركة العاشر من رمضان..

وتكون أنت يا فخامة الرئيس من نصر إخوانه وجيرانه لتسكت المتاجرين بالقضية... وليعلم الجميع أن مصر هي أكثر الشعوب تضحية في القديم، وأنه لا يوجد شعب قدم لإخوانه في فلسطين ما قدمه الشعب المصري، وليس في ذلك منّة أو تفضل، وإنما هو حق الأخوة الإسلامية، وحق الأخوة الإنسانية، وحق الجار الجنب، وتحقيق لصفة الكرم والشهامة التي عرف بها الشعب المصري على مرّ التاريخ.. وانت اليوم قائده..

هنا تعود بلدنا (مصر) مكانتها.... تعود إلى مصر التاريخ

مصر الحضارة. [[ مصر]] العزة.

مصر الكرامة.

مصر الرجال.

وأخيرا: يا فخامة الرئيس:

فعود حميد، لعهد جديد..

بنفس أكيد، وحكم جديد..

ورأي سديد، ونظام رشيد....

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،،


أكرم كساب....أحد رعايا فخامة الرئيس محمد حسني مبارك