رسالة متفائلة من أسيرٍ محرر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٥:٣٢، ٩ مايو ٢٠١١ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب''''<center> رسالة متفائلة من أسيرٍ محرر</center>''' left|220px وصلتنا رسالةٌ من أحدِ الأسرى الف...')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
رسالة متفائلة من أسيرٍ محرر
اسير.jpg

وصلتنا رسالةٌ من أحدِ الأسرى الفلسطينيين الذين حُرِّروا مؤخرًا، حكى فيها ما يتعرَّض له الأسرى في سجونِ الاحتلال الصهيوني، وهي الرسالة التي بعث بها هذا الأسير للدكتور أحمد العسال رئيس الجامعة الإسلامية بباكستان سابقًا، والذي أرسلها لنا بدوره، ونحن ننشرها لما تحمله من معانٍ وتوضِّحه من حقائق، وفيما يلي نص الرسالة:

"الوالد الحبيب د. أحمد العسال، حفظه الله، تحيةً طيبةً وبعد..

فقد هَدموا البيوت ولم تُهدم إرادتُنا.. قَتلوا الأجنةَ في البطونِ ولَم تُقتل عَزيمتُنا.. حَطَّموا جماجم أطفالنا ولم تُحطَّم عدالةُ قضيتنا.. اقتلعوا الأشجار من جذورها ولم نُقتلَع من أرضنا.. سَلبوا النوم من عيوننا ولم تَُسلب أحلامنا.. انتزعونا من أحضانِ أُسرنا وانتزعوا منَّا فلذاتِ قلوبنا ولم تُنتزع منا آمالُنا.. فهي باقيةٌ فينا، نستمد منها قوةَ صمودنا.

د. احمد العسال.jpg

ومهما نجح الاحتلالُ في توسيع دائرةِ القتلِ والدمارِ هذه فإنَّ دائرةَ الحقد والكراهية له تتسع هي الأخرى، وتتسع معها دائرةُ المقاومة ضده وضد وجوده؛ لتُغذي بذلك جيلاً لم يكبر بَعد على الكراهيةِ لكل ما هو (إسرائيلي).. والطفل الفلسطيني اليوم وبمجرَّد أن يفتح عيونه على الدنيا يكون قد تعلَّم أبجدياتِ الحربِ والدمار، وإن كُتبت له الحياة يكون قد تهجَّى مفردات الاحتلال والاعتقال، وتبقى أشكال المعاناةِ في ذاكرته لزمنٍ طويلٍ، ومع السنين يكبُر ويكبُر بداخله الحقد والكراهية للاحتلال ومؤسساته، ويدفعه دومًا للتفكيرِ بالانتقام، وبالتالي يبقى الصراع قائمًا إذا ما بقي الاحتلال جاثمًا على أرضه ومغتصبًا مقدساته.

ولم يكتفِ الاحتلالُ بما مارسه ويُمارسه من سياسةِ الإبادةِ والقتل الجماعي والتهجير ومصادرة الأراضي وهدم البيوت وغيرها من الأساليبِ العنصرية، بل لجأ أيضًا إلى بناءِ عشرات السجون والمعتقلات، في الوقتِ الذي لم يسعوا فيه لبناء جسرٍ واحدٍ للمحبةِ والتعايش السلمي.

فلم تعد هناك بقعةٌ في فلسطين إلاَّ وأُقيم عليها سجنٌ أو معتقلٌ أو مركز توقيف، تختلف من حيث الموقع الجغرافي وتتَّحد من حيث الظروف والهدف وأساليب التحقيق، والسجَّان في جميعها هو واحد وتُسيره عقلية واحدة، وزجوا بها مئات الآلاف في ظروفٍ قاسيةٍ ولا إنسانية قلما شهدها أو سَمِعَ عنها العالم، واستخدموا فيها أساليب تعذيب دموية ومُحرَّمة دوليًّا، وليس كل مَن تَعرَّض للتعذيب نجا من الموتِ ليُحدثنا عمَّا تعرَّض له، وليس كل من نجا قادرٌ على أن يُحدثنا عمَّا تعرَّض له، لكن هناك الكثير مِمَن نَجوا تحدثوا وبمرارةٍ عمَّا تعرَّضوا له، وهناك مَن لا زالوا متأثرين من ذلك رغم مرور سنوات طوال على تحررهم، ولا يتسع المجال هنا للحديث عن تلك التجارب والمعاناة، لكنهم سيبقون شواهد حية على وحشيةِ التعذيب في دهاليز الزنازين ومسالخ التحقيق.

ولم تعد هناك عائلةٌ فلسطينية واحدة لم يذق أحدُ أفرادها مرارةَ السجن، كما لم يَبقَ هناك فلسطيني لم يعانِ مرارةَ الاعتقالاتِ والمداهماتِ الليلية، والاحتلال في كلِّ الأحوالِ هو السبب، والمقاومة هي نتيجة طبيعية، وإذا زال السبب فلا وجودَ للنتيجة!!

والأسرى جزءٌ لا يتجزأُ من شعبنا الفلسطيني، فانخرطوا في صفوفِ النضال وقدَّموا الغالي والنفيس، وتركوا عائلاتهم وأطفالهم وأحباءَهم وقادوا معارك المقاومة والشرفِ فكانت لهم في سجلِّ التاريخ والمقاومة سطورٌ مضيئةٌ.

وحتى خلف القضبان لم تُرهبْهم السلاسل ولا قساوة السجَّان، فخاضوا معارك عِدة من أجلِ الكرامة والعزة، وهم ليسوا أرقامًا وأعدادًا مجردة، فهم ليسوا سبعة آلاف ونصف، ولا هم 600 ألف حالة اعتقال على مدار سنيّ الاحتلال، فهم ليسوا كذلك ولن يكونوا كذلك يومًا!!

إنهم تاريخ وتاريخ رائع مشرق ومميز، اختُزل بقضية اسمها الأسرى.. قضية عمرها عقود من الزمن.. فلكلِ أسيرٍ قصَّتُه بل قصصه وحكاياته، ولكلِ معتقلٍ أحلامُه وطموحاتُه، ولكلِّ أسير أمٌّ لها دموع ذُرفت لتكتب بها عشرات القصص، وللأسرى أصدقاء وجيران اشتاقوا لرؤيتهم وعانوا من فراقهم، للأسرى أشقَّاء فرَّقتهم الأسلاكُ الشائكة ومزَّقت أوصالَهم جدران السجون، وحتَّى في السجنِ الواحد فرَّقتهم الجدران والأسلاك، وللآباءِ الأسرى أطفالٌ حرمتهم القضبان من الاستمتاع ولو للحظاتِ بدفءِ أحضانِ آبائهم، ومرَّت السنونُ ليتعانق الأبناء والآباء خلف القضبان.

فالأطفالُ كبُروا وكبُر الجرحُ معهم، ولم تضمد جراحهم إلاَّ إذا تحررَ كافة الأسرى وأُزيلت آثار الاعتقال وتوابعه من أذهانهم.. أما نحن، جيش الأسرى المحررون وبالرغم من مرورِ سنوات على تحررنا إلاَّ أننا نحيا في السجنِ ويحيا السجن فينا ولا زلنا أسرى للسجن وعاداته، للسجن ومفرداته ومصطلحاته، للسجن وذكرياته الممتعة والمؤلمة، للسجن وآلامه وعذاباته.

وبسبب كل هذا فالأسرى قضية لا يمكن تجاهلها أو تجاوزها، وأنا على ثقةٍ مطلقةٍ بشعبنا الفلسطيني، فشعبٌ كهذا أنجَبَ هؤلاء العظام لا يمكن أن ينساهم ولو لبرهةٍ واحدةٍ، كما لا يمكن لأية قيادة فلسطينية أفرزها ويفرزها هذا الشعب أن تتجاوز هذ القضية، وعلى الأسرى وذويهم والأسرى المحررين أيضًا أن يكونوا واثقين من ذلك، ودون ذلك لن يُكتب لأي اتفاقٍ النجاح".

انتهت رسالة الأسير المحرَّر بعد أنْ أمضى عِدةَ سنواتٍ في السجونِ والمعتقلات الصهيونية.

المصدر