رضوان ليو لين روي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
رضوان ليو لين روي


لي هوا ينغ

مقدمة

الأستاذ رضوان ليو لين روي

الأستاذ رضوان ليو لين روي (1917-1995 م)، العالم المسلم ابن قومية هوي، الذي كرس حياته لقضية التعليم الإسلامي في الصين، وحقق منجزات عظيمة في مجال الترجمة، فهو من رواد تعليم اللغة العربية في الصين. كلما أتذكره يرن صوته في أذني ويشرق وجهه أمامي.

منذ زمن بعيد كان التعليم الإسلامي في الصين مقتصرا على المساجد، كأنه منعزل عن العالم الخارجي، ومن هنا نشأ فهم خاطئ لدى البعض من غير المسلمين بأن "الإسلام دين منفصل عن الواقع". حيث إن التعليم المسجدي القديم لم يكن قادرًا على تحمل مهمة دمج التعليم الديني مع التعليم الثقافي الحديث، لذلك لم يستطع الشباب الدارسون في المسجد أن يواجهوا التحديات المعقدة في المجتمع برؤى صحيحة، وكانوا غير قادرين على إنجاز مهمة نشر الفكر الإسلامي كما يجب، وهذا أعاق تطور الإسلام في الصين. ظهرت في الصين في أوائل القرن الماضي مدارس إسلامية جديدة أبرزها مدرسة تشنغدا، التي كانت بغية مؤسسيها إعداد جيل جديد من المسلمين لديهم فهم عميق للعلوم الاجتماعية والطبيعية إلى جانب العلوم الإسلامية الأصيلة، حتى يصبحوا، بعد إتمام دراستهم في مدارس حديثة، أكفاء متخصصين لقيادة المسلمين في بناء حياة جديدة. من أبرز خريجي هذه المدارس علماء مشهورون مثل محمد مكين ومحمد بانغ شي تشيان وعبد الرحمن نا تشونغ وتشانغ بينغ دوه وما جين بنغ ورضوان ليو لين روي الذين قد قدموا مساهمات عظيمة للوطن ولقومية هوي، غير أن أحدا من هؤلاء لا ينتمي إلى عائلة إسلامية تقليدية إلا الأستاذ ليو لين روي، ولذلك فإن دراسة حياته ذات مغزى كبير في دراسة تاريخ الإسلام في الصين.

جيل جديد من المؤمنين

ولد رضوان ليو لين روي في 24 ديسمبر عام 1917 في محافظة تسانغتشو بمقاطعة خبي، وهي محافظة نائية ومنعزلة، حيث كان معظم المسلمين يمارسون أعمالا جسمانية بسيطة في قطاعات الجزارة وصناعة الأطعمة الشعبية في المدن أو يمارسون زراعة الأرض الجدباء في الأرياف. توارثت أسرته إمامة المساجد، فقد كان آباؤه وأجداده أئمة في مسجد بيداسي بمحافظة تسانغتشو لسبعة أجيال، حتى أبيه، ليو بين يي.

أثر ليو بين يي في حياة ليو لين روي تأثيرا عميقا أكثر من أي شخص آخر. تخرج ليو بين يي في جامع شيقوانشي بحي تشانغبينغ ببكين وهو في سن الحادية والعشرين. كان طوال حياته إماما رقيق الحال، عمل في مسجد بينغتشيوان بمدينة رخه ومسجد بيداسي بتسانغتشو ومسجد نانداسي بمدينة جينان بمقاطعة شاندونغ. لم يكن يشرف على الشؤون الدينية في المساجد فحسب بل يعلم طلابه العلوم الإسلامية.

كان ذا إرادة ثابتة وأخلاق كريمة، مخلصا في تعليم العلوم الإسلامية، ورغم فقره كان يعطف على فقراء المسلمين ويشعر دائما بالسعادة لمساعدة الآخرين والتصدق، فنال بذلك محبة واحترام المسلمين الصينيين. وقد أثنى عليه الإمام الكبير وانغ جينغ تشاي بالقول: "ليو بين يي إمام مجد لا يهتم بالشهرة الشخصية والمال". انتخب ليو بين يي نائبا لرئيس للجمعية الإسلامية الصينية ثلاث مرات في عام 1956 و1980 و1987، واختير عضوا باللجنة الدائمة للمجلس الاستشاري السياسي.

حطم ليو بين يي القواعد المألوفة في المجتمع الإسلامي القديم بأن المسلمين الصينيين لا يرسلون أولادهم إلا إلى المساجد ولا يعلمونهم إلا العلوم الإسلامية الأساسية فقط، فأرسل ولديه ليو لين روي وليو لين شيانغ إلى مدرسة عامة لتلقى التعليم الحديث إلى جانب العلوم الإسلامية.

بتأثير أسرته وأبيه، حمل ليو لين روي منذ طفولته شعورا عميقا تجاه الإسلام وقومية هوي، وقد قال عن أيام طفولته: "منذ بداية دراستي في المدرسة الابتدائية، كنت أصوم في شهر رمضان مع أفراد أسرتي، كان بيتنا يقع في الجانب الشمالي لمسجد بيداسي، حيث كانت تقام نشاطات إسلامية كثيرة، جذبت اهتمامي. في شهر رمضان، بعد الإفطار، كنت أقف أمام باب بيتنا كي أرى المسلمين يتدفقون إلى المسجد، حاملين في أيديهم فوانيس جميلة، في ذلك الوقت لم أكن أفهم معنى الإسلام أو الصيام، لكني دهشت بهذا المشهد العظيم، وتشوقت لدراسة الإسلام. منذ ذلك الوقت، بدأت تعلم تلاوة القرآن الكريم، واستطعت أن أتلو سورتي الفاتحة والإخلاص بالكامل."

في عام 1931، تخرج ليو لين روي من المدرسة الابتدائية وعمره 13 عاما، وأرادت أمه أن يلتحق بورشة أو مصنع ليتعلم مهنة، غير أن أصحاب معظم الورش في بلدته كانوا من أبناء قومية هان، ومن الصعب أن يتدرب فيها أطفال قومية هوي. لم يكن أمامه إلا أن يدرس في المسجد ليسلك نفس الطريق الذي سلكه أجداده جيلا بعد جيل، غير أن أباه رفض هذا الطريق، لأنه وعى أن التعليم المسجدي في الصين غير قادر على إعداد متخصصين في الدين يتناسبون مع المجتمع الصيني الحديث، لذلك، ظل ليو لين روي بدون دراسة أو عمل لمدة نصف سنة.

بعد تأسيس مدرسة تشنغدا للمعلمين، بعث الشيخ ليو بين يي بابنه ليدرس فيها لاقتناعه أن مدرسة تشنغدا أفضل من أي مدرسة مسجدية. كانت تشنغدا تقبل تلاميذها من الحاصلين على الشهادة الابتدائية، في حين كانت المدارس المسجدية تقبل الأميين، كما أن المنهج التعليمي في تشنغدا تضمن موادا دراسية علمية مثل العلوم الهندسة والرياضيات واللغة الصينية واللغة الإنجليزية والتاريخ والجغرافية والموسيقى الخ إلى جانب العلوم الإسلامية والقرآن، بينما كان المنهج التعليمي في المدارس المسجدية مقتصرا على العلوم الإسلامية فقط؛ وكانت لغة التدريس في تشنغدا هي الصينية الحديثة بديلا عن اللغة الصينية المسجدية، وكان المعلمون في تشنغدا أساتذة صينيين متفوقين إلى جانب مدرسين مصريين، وكان يسمح لطلابها بارتداء الملابس الحديثة وليس الثوب الطويل التقليدي.

كان هدف مدرسة تشنغدا الرئيسي هو رفع وعي المسلمين لتعزيز روح الانتماء العرقي والوطني وبناء الدولة الحديثة، وقد أوضح هذا الهدف العالم التربوي الشيخ ما سونغ تينغ، مؤسس المدرسة بقوله: "إعداد الأكفاء المتخصصين في المجالات الثلاثة التالية:

أولا، في مجال الدين الإسلامي، بحيث يكون خريجوها قادرين على تولى مهمات الإمامة في المساجد، ولديهم المعارف الدينية الكافية في قيادة المسلمين العاديين للسير على الطريق الصحيح على ضوء الشريعة الغراء؛
ثانيا، في مجال التربية والتعليم، أن يكونوا مؤهلين لتولى الوظائف القيادية والتعليمية في المدارس الابتدائية العادية في كل مكان، وأن يسلحوا التلاميذ المسلمين بالمعارف العلمية الحديثة إلى جانب العلوم الإسلامية الأساسية؛
ثالثا، في مجال العمل الاجتماعي، أن يكونوا فاعلين ومتمرسين في تنظيم مختلف الأعمال الاجتماعية للمسلمين عن طريق إدارة المنظمات الإسلامية المتنوعة". وهكذا كان تأسيس مدرسة تشنغدا أحد معالم التعليم الديني والعرقي والاجتماعي في تاريخ الصين الحديث.

واجه طلاب الدفعة الأولي في مدرسة تشنغدا مشكلتان رئيسيتان، المشكلة الأولى هي الانضباط القاسي، حيث كان عليهم أن يدرسوا سبع ساعات يوميا ويؤدوا الصلوات الخمس، والبعض منهم لم يتعود هذه الحياة. المشكلة الثانية أن كثيرا منهم لم يرغبوا في أن يصبحوا أئمة مساجد، نظرا لأن إمام المسجد في ذلك الوقت لم يكن له دخل ثابت. كان معظم الطلاب من أسر فقيرة، يفتقرون إلى عزيمة الدراسة فتركوا المدرسة. ولكن عددا غير قليل من الطلاب، أدركوا أهمية هذه المدرسة الحديثة في إعداد متخصصين لقيادة المسلمين في بناء حياة جديدة، فعزموا على إتمام دراستهم، منهم ليو لين روي، الذي شكر لأبيه إرساله إلى مدرسة تشنغدا، وتفهم طموح أبيه بأن يصبح ابنه إماما جديدا ذا إيمان قوي ومعرفة واسعة وأخلاق نبيلة ورؤية بعيدة وأتباع كثيرين، وأن يكون كريما وفصيحا، وبذلك يكسب المجد والشرف لآبائه وأجداده.

في مدرسة تشنغدا

بفضل ذكائه الفائق وجديته في الدراسة وحبه للغة العربية، تفوق رضوان ليو لين روي على أترابه برغم التحاقه بالصف الأول في منتصف الفصل الدراسي، وتقدم الطلاب الآخرين عليه في دراسة اللغة العربية وتلاوة القرآن لمدى نصف سنة. درس ليو اللغة العربية بجد واجتهاد، حتى نجح في امتحان نهاية السنة، واستطاع حفظ الجزء الثلاثين من القرآن. وقد قال ليو لين روي عن تلك الأيام: "أحببت دراسة اللغة العربية بمجرد وصولي مدرسة تشنغدا، لم اعتبرها لغة أجنبية، شعرت بأنها لغة قريبة مني، على عكس دراستي اللغة الإنجليزية في المدرسة الابتدائية".

كانت مدرسة تشنغدا تقدم لطلابها الطعام والسكن مجانا، ولكن لم يكن بوسعها إلا أن توفر الحد الأدنى لمعيشة طلابها، فقد كانت تعتمد كليا على تبرعات المسلمين، ولم تكن تحصل على أية مساعدات مالية من الجهات الحكومية. لذا، أثرت الظروف القاسية على حماسة الطلبة للدراسة. وعن ذلك قال ليو لين روي: "لم تكن عائلتي تملك أرضا ولا مالا، وكان راتب أبي بسيطا، لذا، كنا فقراء خلال الفترة بين 1932 و1934، وكنت وأخي الكبير نطلب المساعدة من زميلي تشو تشونغ رن، الذي كان يقرضنا بسخاء، ولكن كان جيبي فارغا دائما." بعد ذلك، توقف أخوه الكبير عن الدراسة بسبب الفقر، مما أثر في حماسة ليو لين روي تأثيرا سلبيا، حتى فكر مرات في التوقف عن الدراسة أيضا، لكن نصائح الأصدقاء استطاعت أن تقنعه بالتخلي عن هذه الفكرة. في عام 1936، تلقى ليو لين روي رسالة من أسرته بخبر سار، فقد وجد أخوه الكبير وأخوه الصغير عملا بدخل ثابت وتحسن وضع أسرته. بتشجيع من هذا الخبر، هدأت أعصابه، وشحذ ليو عزيمته على الاجتهاد في الدراسة، نهض يبذل كل جهوده للحاق بزملائه، حتى جاء في المركز الأول في امتحان نهاية المرحلة الدراسية.

لم يكن الفضل في نجاح ليو لين روي يرجع إليه وحده وإنما إلى أساتذته أيضا. في ذلك الوقت، كان في مدرسة تشنغدا مجموعة من المعلمين المتفوقين الذين كرسوا حياتهم لقضية التعليم الإسلامي، منهم العالم المشهور محمد بانغ شي تشيان، الذي أعتبره ليو أستاذا وأبا. كان الأستاذ بانغ يعلمه بهمة اللغة العربية وقواعدها ويشرح له الكتب الإسلامية والمواد الدينية الأخرى، كما أمضى الأستاذ بانغ عامين في تدريس ثلاثين جزءا من القرآن الكريم باللغة الصينية الحديثة لطلابه، مما أتاح للطلاب فهم معاني القرآن الواسعة والعميقة قبل تخرجهم. قال ليو لين روي: " بفضل مقررات القرآن والمواد الدينية المختلفة وقواعد اللغة العربية، ارتفع مستواي في اللغة العربية كثيرا، إلى درجة أنني عند التخرج كنت قادرا على قراءة وفهم الكتب الإسلامية بشكل عام وترجمتها إلى اللغة الصينية."

فضل أساتذة مدرسة تشنغدا على طلابها لا يحصى. في مقاله له بعنوان ((ذكرياتي)) كتب ليو لين روي عن الأستاذ بانغ شي تشيان: "بقيت مع أستاذي محمد بانغ شي تشيان لا أفارقه لمدة 15 عاما بدءا من دخولي مدرسة تشنغدا حتى عودتي من مصر. كان الأستاذ بانغ يثابر على الصلاة والصيام، فيعلمنا بالأسوة الحسنة والإرشاد معا، وكانت له معارف واسعة ارتشفت منها، كما استفدت من أخلاقه السامية".

حققت مدرسة تشنغدا هدفها وأعدت أئمة متمكنين في المعارف الإسلامية واللغتين الصينية العربية في نفس الوقت. ورغم أن عددا قليلا من خريجيها تولى إمامة المساجد، لا يمكن إنكار نجاح مدرسة تشنغدا، لأنها شقت طريقا جديدا للتعليم الإسلامي الحديث، وأعدت مجموعة كبيرة من المثقفين المسلمين، وأرسلت 21 طالبا لإكمال الدراسة في الخارج، عاد كثير منهم بالنتائج المرجوة ولعبوا دورا مهما في التبادل الثقافي بين الصين والدول العربية لاحقا.

ثمانية أعوام مثمرة في مصر

في سنة 1936 شهدت مدرسة تشنغدا تحدثا كبيرا، فقد زار مدير المدرسة، الشيخ ما سونغ تينغ، مصر، وخلال الزيارة قدم له شيخ الأزهر الشيخ محمد مصطفى المراغي 20 منحة دراسية، من أجل دعم الثقافة والتعليم الإسلامي في الصين. وفاز ليو لين روي في امتحان اختيار المؤهلين للدراسة في مصر، مما أتاح له فرصة إكمال دراسته خارج الصين. غير أن السفر إلى مصر تعثر كثيرا عقب وقوع حادثة جسر لوقو في 7 يوليو 1937. ولكن ليو لين روي استطاع بعد تجشم مصاعب جمة أن يصل هونغ كونغ، وهناك التقى مع 14 طالبا مسلما جاءوا من بكين وشانغهاى. وفي الخامس من يناير عام 1938، وتحت قيادة الأستاذ محمد تواضع بانغ شي تشيان، توجه الوفد لمصر، وكان أكبر وفد في تاريخ البعثات التعليمية الصينية إلى مصر.

كانت الرحلة الطويلة الشاقة من هونغ كونغ إلى القاهرة الاختبار الأول للمبعوثين، الذين اضطرتهم ظروفهم المالية الصعبة إلى ركوب سفينة شحن إلى كلكتا أولا، ليركبوا سفينة شحن أخرى إلى مصر. وعندما وصلوا كلكتا كانت المفاجأة أنه لا يوجد أي سفينة تصل مصر. بعد أيام في كلكتا انتقلوا إلى بومباي، وبفضل مساعدة جمعية الشبان المسلمين الهندية وجماعة أبناء شينجيانغ في بومباي، تيسرت رحلتهم ووصلوا مصر على متن سفينة شحن في الثالث والعشرين من مارس.

انكب ليو لين روي وصحبة من الطلاب المبعوثين على الدراسة فور وصولهم إلى مصر، غير أن اتصالهم بالصين انقطع بسبب حرب مقاومة الغزو الياباني، لذا، انشغل بالهم بما يحدث في الوطن وزاد حنينهم إليه وقلقهم على سلامة أرضه وأهله. وقد استطاع ليو لين روي مكابدة تلك المشاعر وحاول التكيف مع الظروف الجديدة ورفع مستوى قراءته للكتب العربية ودراسة المقررات الإلزامية، بالإضافة إلى دراسة معارف واسعة في كل النواحي في مكتبة الأزهر في وقت فراغه، فقطع شوطا كبيرا في تحصيل العلم. في ذلك الوقت كلفه الأستاذ بانغ شي تشيان بمراجعة مؤلفه ((الصين والإسلام)) الذي كتبه باللغة العربية.

كان حب الوطن يزداد يوما بعد يوم في قلب الطالب المغترب ليو لين روي، وقد شارك في سلسلة من فعاليات دعم وتأييد مقاومة الغزو الياباني وإنقاذ الوطن نظمها الأستاذ بانغ شي تشيان في مصر. سعى ليو لين روي والأستاذ بانغ إلى التعريف بأهمية حرب مقاومة الغزو الياباني وفضح الغزاة اليابانيين وسط الأخوة العرب، وجمع التبرعات من أجل دعم كفاح الشعب الصيني. وقد أثنى العالم التربوي المشهور تاو شينغ تشي على الحس الوطني للطلاب المبعوثين في مصر، حيث قال في كتابه ((قصص وراء البحار)) :"رغم أن الطلاب الصينيين الوافدين في الأزهر كانوا فقراء، لم ينسوا جمع أموالهم المتواضعة لاستخدامها في الدعوة إلى مقاومة الغزو الياباني. تأثرت كثيرا عندما زرتهم في مصر ورأيت 31 طالبا مسلما صينيا ينشدون معا لحن النشيد الوطني الصيني ((مارش المتطوعين)) فوق هضبة الهرم."

بعد خمس سنوات من الجهود، أكمل ليو لين روي وزملاؤه دراستهم بنجاح، وحصلوا على الشهادة العالمية من الأزهر في عام 1943، وكانوا جميعا في شوق للعودة إلى الصين بسرعة، لكن حركة المرور الدولية توقفت بريا وجويا وبحريا بسبب الحرب العالمية الثانية، لذا، أضطر جميع الطلاب أن ينتظروا في مصر ثلاث سنوات أخرى، لم يتوقف معظمهم خلالها عن الدراسة، وقرأ ليو لين روي كتبا جديدة في كافة المجالات الثقافية والتاريخية والفلسفية والاجتماعية الخ.

وشاء القدر أن يعودوا إلى الصين أخيرا، بمساعدة تاجر صيني، حيث انطلقوا من مصر في 16 يونيو عام 1946 على متن سفينة سياحية صينية، وبعد رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر دامت ثلاثة شهور ونصف، وصلوا الصين بسلامة في بداية أكتوبر.

إحياء العربية في الصين

بعد ثمانية عشر عاما من الدراسة الواعية والمثابرة على التطبيق، نضج رضوان ليو لين روي في الدراسة والعمل، وبدأ يباشر خطة عظيمة في تطوير التعليم الإسلامي في الصين.

كان من نتيجة الدعم الكبير والتعاطف الذي ناله الصينيون خلال حرب مقاومة الغزو الياباني من شعوب كثير من الدول الآسيوية والإفريقية أن ارتفعت الأصوات المطالبة بتعزيز العلاقات الودية مع دول الشرق، وتفعيلا لهذا قررت الحكومة الصينية افتتاح تخصص اللغات الشرقية، فأقيمت كليةُ اللغات الشرقية في جامعة بكين عام 1946، التي عمل محمد مكين ما جيان مدرسا بها، وأقيمت مدرسة للغات الشرقية في جامعة نانجين عام 1947، عمل ليو لين روي مدرسا بها. كان إنشاء اختصاص اللغة العربية في هاتين الجامعتين يرمز إلى دخول تعليم اللغة العربية في الصين مرحلة جديدة، وأن الأستاذين محمد مكين ورضوان ليو لين روي شقا طريقا جديدا لتعليم العربية في الصين، تلك اللغة التي دخلتها منذ أكثر من ألف سنة.

واجه محمد مكين وليو لين روي مشكلات واقعية كثيرة في بداية إنشاء اختصاص اللغة العربية، حيث لم تكن هناك مواد تدريس، فنهضا بتأليفها وإصدارها وطبعها بأنفسهما؛ ولم تتوفر قواميس اللغة العربية، فذهبا للبحث عنها في كل مكان؛ ولم تكن لدى أي منهما خبرة في التدريس فقاما بتجربة جريئة في التدريس. بجهودهما الجبارة، قطع مكين وليو لين روي الخطوة الأولى لإحياء تعليم اللغة العربية في الصين بنجاح. بعد تأسيس الصين الجديدة في عام 1949، اندمج اختصاص اللغة العربية بمدرسة اللغات الشرقية بنانجين في جامعة بكين، وانتقل ليو لين روي إلى جامعة بكين، حيث نظم مع محمد مكين هيئة للتدريس والبحوث، ضمت أيضا الأساتذة وانغ شي تشينغ ويانغ يوه يشي وما جين بنغ وتشن كه لي، فشهد قسم اللغة العربية تطورا كبيرا. خلال عشرات السنين أعد قسم اللغة العربية في جامعة بكين عددا كبيرا من المتخصصين الأكفاء في اللغة العربية، منهم الدبلوماسيون وأساتذة الجامعات والباحثون والمترجمون والصحفيون والكوادر في الدوائر المختلفة الخ. لا شك أن الفضل في تعليمهم يرجع إلى كل مدرسيهم وعلى رأسهم الأستاذ ليو لين الذي ظل يدرس العربية لمدة أربع وثلاثين سنة. وتقديرا لجهوده منحته جامعة بكين في عام 1960 درجة الأستاذية، وكان عمره 43 عاما فقط.

ترك الأستاذ ليو لين روي عددا كبيرا من الترجمات، منها الكتب التي قام بترجمتها ومراجعتها مع آخرين مثل ((مختارات ماو تسي تونغ - الجزء الأول والثاني)) و((قصائد مختارة لماو تسي تونغ)) و((معجم الصينية العربية)) و((معجم الصينية العربية للأمثال الصينية))، بالإضافة إلى ذلك قام بتعريب ((دستور جمهورية الصين الشعبية)) ورواية ((منتصف الليل)) و((قصص شعبية حول بحيرة شيهو)) و((حكايات حول مدينة قويلين)) و((حكايات حول بكين)) وترجم رواية ((الأرض)) لعبد الرحمان الشرقاوي إلى الصينية ووضع كتاب ((أساس المحادثة العربية للمسلمين)) الخ، هذا بالإضافة إلى إعداد ومراجعة عدد كبير من مواد التدريس للغة العربية.

وقدم الأستاذ ليو لين روي مساهمات كبيرة في مجال الترجمة الشفوية أيضا. منذ أوائل خمسينات القرن الماضي، تولى الترجمة لكثير من رؤساء الدولة والحزب مرات. في مؤتمر باندونغ عام 1955، تولى ليو لين روي الترجمة في لقاء رئيس مجلس الدولة الصيني شو آن لاي والزعيم المصري جمال عبد الناصر، وهو اللقاء الذي كان له مغزى تاريخي كبير في كسر حصار الدول الإمبريالية للصين. وتولى ليو لين روي أيضا الترجمة في محادثات شو آن لاي مع العاهل السعودي الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود، وهي المحادثات التي فتحت الباب لمسلمي الصين لأداء فريضة الحج في مكة المكرمة. وفي عام 1955 شارك في وفد الحجاج الصينيين المكون من 19 مسلما برئاسة الإمام الكبير دا بو شنغ، إلى مكة المكرمة، وفي السنة التالية شارك في وفد آخر من 38 مسلما إلى مكة المكرمة برئاسة برهان شهيدي، وخلال رحلتهم إلى المشاعر المقدسة زاروا كثيرا من الدول الإسلامية في آسيا وإفريقيا. وقد كان ليو لين روي، ببراعته في اللغة العربية وأناقته، يترك صورة طيبة للمسلمين الصينيين لدى الدول الإسلامية، مما لعب دورا إيجابيا في تطوير التبادل الثقافي بين الصين والدول الإسلامية، وإلى حد كبير أزال شكوك وهواجس الدول الإسلامية تجاه الصين.

نال الأستاذ ليو لين روي تقديرا عاليا من الخبراء بشكل واسع لمهارته وبراعته في الترجمة، في يونيو عام 1983، انتخب عضوا بالدورة الأولى لمجلس رابطة المترجمين الصينيين. بعد تقاعده، مُنح لقب "خبير على مستوى الدولة" لإسهاماته العظيمة لوطنه ولقوميته. وقد كان من فرط تواضعه يقول عندما يهنئه الآخرون بهذا التقدير: "إن قدرتي محدودة، وما زلتُ بعيدا عن هذا التكريم، فوزي بهذا التقدير كما يقول المثل العربي إن الأعور بين العميان ملك!"

رضوان ليو.jpg
ليو لين روي (الأول من اليسار) مترجما لرئيس مجلس الدولة شو آن لاي (الثاني من اليسار) في مقابلة مع وفد يمني في أول يناير 1958.jpg
ليو لين روي، يلقي كلمة في مؤتمر قداسة الحرمين الشريفين بتونس عام 1988.jpg