زاوية أخرى محلية للنظـر فى التجربة التركية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
زاوية أخرى محلية للنظـر فى التجربة التركية

5 يوليو 2010

بقلم: ضياء رشوان

باتت تركيا خلال السنوات الأخيرة وتجربة حزبها، العدالة والتنمية، ذى الجذور الإسلامية فى الحكم مثارا لتعليقات وتلميحات وتصريحات واسعة فى مصر والعالم العربى سواء كانت استحسانا لها وإعجابا بها، وهو رأى الأغلبية، أو اعتراضا عليها وتخوفا منها، وهو رأى الأقلية.

وأيا كان موقف الاستحسان والإعجاب أو الاعتراض والتخوف من التجربة التركية فى ظل العدالة والتنمية، فإن المؤكد الحقيقى هو اندفاع التجربة التركية داخليا إلى آماد بعيدة بما جعلها تضاعف ناتجها القومى ثلاث مرات فى أقل من عقد من الزمان وتصبح القوة الاقتصادية العاشرة على مستوى العالم بكل ما يرتبط بذلك من تحسن فى أحوال المواطنين، وتوسع السياسة الخارجية التركية على مستوى الشرق الأوسط الكبير بما جعل منها اللاعب الإقليمى الأبرز والأكثر حضورا فى جميع ملفاتها الساخنة تقريبا.

وقد تم تناول التجربة التركية فى الإعلام والتعليقات المصرية من أكثر من زاوية، كانت أبرزها تلك المتعلقة بمدى تأثير الدور التركى الإقليمى المتصاعد على الدور المصرى الذى تكاد تتفق جميع التقديرات الموضوعية على تراجعه الملموس، ووصل الأمر بعدد من كتاب ومؤيدى الحكم المصرى الحالى إلى اعتبار تركيا تهديدا جديدا وجديا للأمن القومى المصرى يضاف إلى إيران التى سبق لهم أن وضعوها فى نفس المنزلة خلال السنوات الخمس الماضية.

وقد هيمنت هذه الزاوية فى النظر إلى التجربة التركية على مجمل الحوار العام فى مصر الدائر حولها، وكان لرافضيها وناقديها والمتخوفين منها السبق فى إثارتها وترويجها الأمر الذى دفع معارضيهم فى الرأى والرؤية إلى الرد عليهم وتفنيد رؤاهم، بما جعل هذه الزاوية وكأنها الوحيدة التى يمكن أن ينظر للتجربة التركية الرائدة من خلالها.

وفى ظل هيمنة هذه الزاوية تراجعت أخرى مثلت الأساس الذى قامت عليه زاوية تصاعد الدور التركى الإقليمى نفسها، وهى كيف يمكن لحزب ذى أصول إسلامية أن يصل أولا إلى الحكم فى بلاده عن طريق صندوق الانتخاب لعدة مرات وكيف يمكن أن يحقق تلك النجاحات المؤكدة على الصعيد الداخلى والمختلف حولها، عندنا فقط فى مصر والعالم العربى، على الصعيد الخارجى.

والحقيقة أن الأسئلة السابقة يمكن أن تعاد صياغتها فى سؤال واحد مركزى يمثل زاوية مهمة للنظر للتجربة التركية من الجانب العربى وهو: هل من الوارد أو الممكن تكرار التجربة التركية فى بعض البلدان العربية على يد أحزاب وتيارات مماثلة للحزب التركى ذى الجذور الإسلامية؟ ولقد تناثرت وتكاثرت الإجابات عن هذا التساؤل الرئيسى مركزة جميعها على شق واحد فى السؤال دون غيره من الجوانب التى تضمنتها تلك التجربة التركية، وهو ذلك المتعلق بمدى قدرة هذه الأحزاب والتيارات الإسلامية العربية على احتذاء مسيرة نظرائهم الأتراك فى النقد والتطوير الذاتى وصولا إلى حزب العدالة والتنمية الذى نجح فى الحصول على أصوات الأغلبية وحكم البلاد لأكثر من مرة.

بينما غاب الشق الثانى من نفس السؤال كثيرا سواء لدى طرحه أو محاولة الإجابة عنه، وهو المتعلق بالتطورات التى عرفها النظام السياسى التركى برمته والتى أفضت فى نهاية الأمر إلى توافر إمكانية واقعية لممارسة ديمقراطية جادة ومنضبطة فى المجتمع التركى تأتى فى خاتمتها انتخابات حرة ونزيهة يستطيع الناس أن يعبروا فيها عن إرادتهم بلا خوف أو شك.

فأما عن الشق الأول من السؤال والإجابة الأكثر شيوعا، فلاشك أن الحركات الإسلامية السياسية فى بلادنا، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين فى مصر، مطالبة بأن تعى بعمق تجربة نظرائهم الإسلاميين فى تركيا خلال نصف القرن الأخير حتى يمكنهم أن يضعوا أقداما ثابتة على طريق مماثل من التطور والتجديد وقبلهما النقد الذاتى الجاد.

فليس هناك من أدنى شك فى أن قدرة التيار الإسلامى فى تركيا على التكيف مع مختلف الظروف التى مرت بها بلاده خلال هذه العقود الطويلة حتى وصل إلى ممثله الأكثر نجاحا وتطورا، أى حزب العدالة والتنمية، كانت هى القاطرة التى أفضت فى النهاية إلى منحه القدرة على خوض غمار الانتخابات بمختلف أنواعها والحصول على ثقة وأصوات غالبية الناخبين وهم مطمئنون إلى مصيرهم.

وليس هناك أيضا من شك فى أن الإصرار والمرونة الشديدين اللذين تمتع بهما التيار الإسلامى العام فى تركيا وقدرته على مواصلة الضغوط على النظام السياسى بدون الوصول إلى حد الصدام المغامر معه، قد كانا من بين تلك العوامل الرئيسية التى أفضت به فى النهاية إلى هذه الدرجة من الانفتاح والنزاهة الانتخابية التى استفاد منها فى حزب العدالة والتنمية.

وقد ارتبط هذا النهج فى الحركة السياسية للإسلاميين الأتراك بتغييرات واسعة أجراها حزب العدالة والتنمية بداخل صفوفه وفى بنية أفكاره وبرامجه السياسية وقبل كل ذلك فى أدائه السياسى خلال الأعوام الخمسة الأولى التى قضاها فى الحكم.

والمضمون الجوهرى لهذا الدرس الكبير الذى يقدمه الحزب التركى ذو التوجه الإسلامى لنظرائه على مستوى العالم الإسلامى هو أن قدرته على اكتساب تأييد وأصوات الناس فى بلاده ارتبطت ليس بالقدر الذى يقدمه لهم من الأوامر والنواهى حسب تصوره للشريعة الإسلامية، بل بقدر ما استطاع أن يراعيه ويحققه من مقاصد هذه الشريعة ومصالح المسلمين الضرورية وهى حفظ النفس والعقل والدين والنسل والمال.

فقد اجتهد الحزب بكل مستوياته التنظيمية والحركية خلال سنوات حكمه وقبلها أثناء سيطرته على بعض المجالس المحلية فى تركيا، لكى يحسن من أحوال المواطنين الأتراك ويحقق لهم أكبر وأقصى قدر ممكن من تلك الضرورات الخمس، وهو الإنجاز الذى لم تعرفه تركيا منذ تأسيس جمهوريتها العلمانية قبل أكثر من ثمانين عاما.

بهذا المعنى يؤكد حزب العدالة والتنمية التركى أن إمكانية تقدم هذه النوعية من الأحزاب والتيارات الإسلامية أو ذات الجذور الإسلامية فى بلدان مسلمة أو عربية أخرى لا تزال ممكنة بل أكثر احتمالا فى ظل نجاح التجربة التركية.

وبهذا المعنى أيضا تتعدد الدروس التى يقدمها النجاح الكبير لحزب العدالة والتنمية فى تركيا لنظرائه فى العالم العربى وفى مقدمتهم من هم فى مصر، وهى فى الحقيقة دروس عميقة تحتاج منهم إلى مزيد من الدرس والتأمل والقدرة على فهمها والاستفادة منها فى الحاضر والمستقبل. وإلى جانب الموقف المبدئى من القضية المركزية فى النظر إلى السياسة والحكم، أى الديمقراطية، يمتد البحث عن رؤية الحركات الإسلامية السياسية لهما إلى قضايا أخرى لا تقل أهمية.

وفى ضوء ذلك فعلى الحركات الإسلامية السياسية فى بلادنا وفى مقدمتها الإخوان المسلمون بمصر أن تتخطى حالة التردد التى تمر بها والجمود الذى يميز بعض أجنحتها تجاه القضايا الرئيسية الأخرى التى يجب أن تكون مجددة وحاسمة بشأنها.

وهنا يظهر أولا الموقف الأساسى من طبيعة الدولة وهو الذى يوجد كثيرا من التعقيدات فى ظل تبنى الحركات الإسلامية لمطلب تطبيق الشريعة الإسلامية، الأمر الذى يرى فيه البعض جذرا لإقامة «دولة دينية» وهو الأمر الذى قد يتصادم حسب رؤيتهم مع الطبيعة الديمقراطية والحديثة والمدنية للدولة كما يجب أن تكون.

ويمتد نطاق البحث والتساؤل بعد ذلك إلى موقف الحركات الإسلامية السياسية من الحقوق الخاصة بمواطنى الدولة التى يسعون إلى المشاركة فى أحوالها السياسية وحكمها إذا أمكن.

وهنا تظهر قضية المساواة والمواطنة على قمة هذا الموضوع، وهو ما يدفع إلى التساؤل عن الحقوق السياسية الخاصة بالمرأة والأقليات الدينية غير المسلمة فى الدول ذات الأغلبية المسلمة والتى تشارك تلك الحركات فى سياستها وقد تصل فى أحد الأيام إلى حكمها.

إن الاجتهاد البناء القائم على روح الشريعة ومقاصدها يبدو اليوم هو المدخل الرئيسى للحركات الإسلامية فى بلادنا وعلى رأسها الإخوان المسلمون فى مصر لكى يؤكدوا لنا أنهم قد استوعبوا الدروس التركية الكثيرة، ولكى يعيدوا وضع أنفسهم ضمن سياق تطور إيجابى لبلادنا نحو المستقبل وليس مجرد جزء مهم من تاريخها الذى مضى.

أما الشق الثانى من السؤال حول مدى إمكانية تكرار التجربة التركية فى بلادنا فإن إجابته ترتبط بأن أى محاولة للمقارنة بين ما حدث فى تركيا وما يمكن أن يحدث فى بلدان العالم العربى، لابد أن تضع فى اعتبارها مدى توافر الإمكانيات الواقعية لحدوث تطورات جادة فى النظم السياسية بها بما يوصلها إلى تطبيق جاد ودائم للمعايير الديمقراطية المعتمدة عالميا، بما يوفر فى نهاية الأمر مناخا وتشريعات ومؤسسات وإجراءات مستقرة يمكن فى ظلها إجراء انتخابات حرة ونزيهة يستطيع نظراء حزب العدالة والتنمية من أحزاب وقوى إسلامية عربية أن يخوضوها باطمئنان وثقة فى نتائجها.

هذه القاعدة الموضوعية الأولية لأى نوع من المقارنة بين التجربة التركية وإمكانية تكرارها عربيا لا تبدو اليوم متوافرة بأى صورة من الصور فى الواقع العربى السياسى، بل ربما يبدو العكس هو الأكثر وضوحا، حيث تتراجع فى عدد من البلدان العربية خلال السنوات والشهور الأخيرة ملامح ما كان قد ظهر فيها من احتمالات لتطور ديمقراطى نسبى وليس كاملا.

وأكثر من ذلك، فالعوامل الخارجية المقبلة من الاتحاد الأوروبى والتى لعبت دورا رئيسيا فى تحفيز النظام السياسى والنخبة التركية أو الضغط عليهم من أجل مواصلة السير فى طريق الديمقراطية، تبدو غائبة تماما فى الحالة العربية حيث لا يظهر أى اهتمام غربى أوروبى أو أمريكى حقيقى بهذه القضية أو أى محاولة للضغط أو الإقناع فى علاقاتها مع الأنظمة العربية من أجل دفعها إلى السير الجاد فى طريقها.

وتزداد الصورة العربية قتامة بالقياس إلى المشهد التركى حين نلاحظ ما هو شديد الوضوح خلال الأعوام الأخيرة من استخدام مزدوج من تلك الأنظمة العربية والدول الغربية لقضية خوض الأحزاب والقوى الإسلامية العربية غمار التجربة الديمقراطية وبخاصة الانتخابية، حيث تستخدمها الأولى كوسيلة «لتخويف» الغرب من احتمالات ضياع مصالحه إذا ما وصل هؤلاء إلى الحكم ومعها الديمقراطية نفسها التى يؤكدون له أن الإسلاميين سوف ينقلبون عليها فور استلامهم الحكم، بينما تستخدمها الثانية «لتخويف» العالم من أن كل الإسلاميين سواء فى تبنى التشدد والتطرف والإرهاب وأن انتشارهم فى البلدان العربية لن يؤدى سوى إلى منح الإرهاب أرضا جديدة يقف عليها ليوسع من نشاطه ووجوده.

ويبقى بعد كل ذلك التساؤل العملى: بأى الشقين أولا يمكن أن تتكرر التجربة التركية فى بلادنا، تجديد الإسلاميين من داخلهم أم تحديث وتطوير النظم السياسية لكى تصبح ديمقراطية حقيقية؟ والحقيقة أن الدفع نحو الأمرين معا وفى نفس الوقت يعد واجبا واحدا على جميع القوى التى تسعى لتغيير واقع بلادنا ومجتمعاتنا وشعوبنا إلى الأفضل. فلكى يكون هناك احتمال لتكرار التجربة التركية فى الواقع العربى لابد أن يشهد تغييرا عميقا وجادا فى اتجاه الديمقراطية مماثلا أو قريبا على الأقل مما عرفه الواقع التركى خلال العقود القليلة التى خلت.

كذلك لكى يمكن تكرار التجربة التركية فى بلادنا، يجب على الأحزاب والقوى الإسلامية الراغبة فى الاندماج فى التجربة الديمقراطية القيام بجهود حقيقة وجبارة من أجل التطوير الذاتى واكتساب القدرة الأكبر على هذا الاندماج، وألا تتحجج لتعطيل هذه المهمة التاريخية بأى عذر أيا كان نوعه.

المصدر