سوريا في كتابات الأستاذ حسن البنا ولماذا اهتم بها؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
سوريا في كتابات الأستاذ حسن البنا .. ولماذا اهتم بها؟


مقدمة

الإمام حسن البنا

كانت الشعوب الإسلامية تعيش في كنف الخلافة الإسلامية ردحا من الزمان، ومع ضعفها بين الحين والأخر إلا أنها كانت بمثابة حامي الحمى للوطن الإسلامي.

وظلت بوجودها المظهري مصدر خطر على الأعداء الذين كانوا يتربصون بالوطن الإسلامي شرا وخيراته وثرواته، ولذا أغروا كل لئيم حتى نجحوا في إسقاطها في معقلها عام 1924م ولم يتحرك من أجل ذلك أحد سواء كان خوفا أو لانتشار القومية المقيتة بين الناس، أو للتخلف والفقر الذي كان يسيطر على نسبة كبيرة من الشعوب الإسلامية، بالإضافة لارتماء الطبقة المثقفة في أحضان المستعمر الغربي.

وبالفعل مع ضعف الخلافة سقطت الدول الإسلامية دولة تلو الأخرى في قبضة الاستعمار بمعاونة كثير من الأسرة العربية الخائنة التي كانت تبحث لها عن مجد على أكتاف الخلافة العثمانية الضعيفة تحت شعارات التعريب ومواجهة التتريك.

لم يترك الإستعمار دولة إسلامية واحدة دون احتلال (إلا مكة والمدينة لحرمتها لدى المسلمين والخوف من إثارة المسلمين) وتنافست بعض الدول الغربية الكبيرة على بسط أكبر نفوذ لها على الدول، حيث جندت بالقوة كثير من شباب هذه الأوطان لاحكام سيطرتها على البلاد حيث تقسمت أكبر نصيب في التركة بين الإنجليز والفرنسيين.


لماذا اهتم الإمام البنا بسوريا؟

لم يهتم الإمام البنا بسوريا فحسب، لكنه اهتم بكل شبر كان تابعا للدولة الإسلامية، حتى أنها ذكر أقاليم لم يسمع عنها العالم الإسلامي أو يدرك أن بها وتطرق لمشاكلها كمسلمي البوسنة والهرسك والجبل الأسود والبلقان والشياشان وغيرها.

كما ندد بما يجري للمسلمين من مذابح على أيدي الإستعمار في مشارق الأرض ومغاربها، غير أن الشام كان لها وضعها الخاص لأن العدو الغربي وضعها تحت دائرة ضوء التمكين اليهودي بإقامة وطن قومي لهم في إحدى بلاد الشام وهي فلسطين التي تحتضن المسجد الأقصى.

بالإضافة إلى أنه كان يرى في بلاد الشام أملاً كبيرًا للعرب وللمسلمين، وينظر إليها بعين التقدير والمحبة والرجاء. كونها من اوائل البلاد التي عرفت دعوة الإخوان وترسخت فيها وانتشرت حتى كان لها شأن كبير في انطلاقها في العديد من البلاد. (1)

ما طبيعة كتابات البنا عن سوريا؟

وقعت سوريا ولبنان تحت الاستعمار الفرنسي الذي حاول طمس الهوية الإسلامية وفرض الهوية الغربية بالحديد والنار، غير أن سوريا وعلمائها كانوا لهذا التغريب بالمرصاد. بالإضافة لكونها ملاصقة لدولة فلسطين التي وضع المحتل بذور الكيان الصهيوني الغاصب.

حيث فطن حسن البنا إلى ما تستهدفة فرنسا من فرض سياستها على سوريا فقال: وسوريا الشمالية لا يزال الأمر فيها على ما كان عليه، ولم تظفر إلى الآن من فرنسا حتى بوعد منها أنها ستعود إلى الإنصاف والعدل، بل حوكم كثير من رجالاتها، وحكم عليهم بأحكام قاسية شديدة تقبلوها راضين هادئين.

وسوريا الوسطى (لبنان) تغير فيها نظام الحكم تغيرا تاما ولو إلى حين كما يقول المندوب الفرنسى، وأوقف دستورها وحكمت حكما أجنبيا مباشرا أو ما يقرب منه. ولذا أكد على استقلالها الفوري فقال: إن سوريا ولبنان لا ترضيان بغير هذا الاستقلال بديلا. (2)

وكان البنا واضحا وهو يتكلم حينما أكد أن سوريا جزء لا يتجزأ من الوطن الإسلامي وأنها كمصر والعراق، ولا يلقى بالا لدعاة القومية المقيتة فقال: "الوحدة". فنحن فى عرف التاريخ، وفى تقسيم الكرة الأرضية، وفى جغرافيا الزمن، وفى منطق الحوادث الاجتماعية والمظاهر الحيوية أمة واحدة، وحدتها الأوضاع والحوادث واللغة والعقائد والدين والمصالح والآلام والآمال، فلن يفصلها شىء، من الذى يستطيع أن يفصل السودان عن مصر وهما قطر واحد؟

ومن الذى يستطيع أن يفرق بين مصر وسوريا (بأقسامها الأربع) والعراق شرقا وبين مصر وليبيا وتونس والجزائر ومراكش غربا؟ بل من الذى يستطيع أن يفصلها عن إيران وأفغان وتركيا؟ أو عن القلوب المسلمة المؤمنة فى جميع أنحاء الأرض. (3)

بل رفضت سلخ لبنان عن سوريا وطالب بأن تعود إلى أحضانها والتصدي لما يخطط لها المستعمر الفرنسي من محاولات فصلهما عن بعض فقال: العمل على استكمال استقلال البلاد الشامية على اختلاف أقسامها، وإذا أصرت لبنان ومثيلاتها على المحافظة على استقلالها فليكن ذلك لها، حتى يقنعها الزمن وتثبت لها الحوادث أن من خيرها - بل من ألزم اللوازم لها - أن تعود إلى أحضان أمها "سوريا الكبرى" وإن ذلك لقريب. فنحن فى عصر الوحدات القوية والكتل الشعبية الجامعة. (4)

وحينما وقعت الحوادث عام 1946م من قبل المستعمر الفرنسي ضد الشعب السوري ندد البنا بما قام به المحتل وطالب بوحدة المسلمين وحمل راية الجهاد لطرد المستعمرين

فقال:

إن اعتداء فرنسا على سوريا ولبنان ليس ظاهرة عرضية، بل هو مظهر مؤلم لفكرة رجعية عنيفة تسيطر على عقلية بعض الساسة الفرنسيين الذين يظنون أن البلاد العربية ميدان صالح للاستعمار السياسى العتيق، وأن الشعوب العربية شعوب همجية تقبل الاستعباد وترضاه، ويظنون أنهم يستطيعون أن يكونوا لهم إمبراطورية استعمارية فى البلاد العربية على حساب العرب.

وأضاف:

فواجب الدول العربية اليوم هو أن تثبت لفرنسا وللعالم أجمع أن العرب لن يقبلوا منذ اليوم أن تستعمر بلادهم أو تستعبد أوطانهم، وأن الشعوب العربية القوية بإيمانها وشجاعتها، القوية بمدنيتها وثقافتها، القوية بوحدتها وتضامنها، قوة يجب أن يحسب لها حساب بين دول العالم، ويجب أن تحترم حقوقها ومبادئها، وأنها تستطيع أن تدافع عن استقلالها وسيادتها.

وأضاف مطالبا:

الإمام حسن البنا مع أعيان سوريا
أن تطالبوا حكومات الجامعة بالوقوف فى هذه القضية موقفا حازما حاسما حتى تحرر سوريا ولبنان من الفرنسيين المستعبدين نهائيا باتخاذ ما يأتى:
  1. قطع العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية مع الحكومة الفرنسية ووضع الأموال الفرنسية تحت الحراسة.
  2. مساعدة الجمهوريتين العربيتين سوريا ولبنان على تكوين جيشيهما بأسرع ما يمكن بكل المساعدات الفنية والمالية.
  3. أن تساهم جيوش الدول العربية والمتطوعين فى شرف تحرير سوريا ولبنان وطرد الفرنسيين منها إلى آخر رجل.
  4. محاكمة جميع الفرنسيين الذين اعتدوا على الأهالى السوريين المدنيين والمدن السورية المفتوحة اعتداءات يحرمها القانون الدولى وتأباها الإنسانية على هذه الجرائم، ومعاقبتهم مع مجرمى الحرب الأوربية، وتعويض جميع الأضرار التى أحدثوها للأهالى والمدن من أموال الفرنسيين فى البلاد العربية. (5)

بل ارسل ببرقية إلى وزير سوريا المفوض في مصر يطلعه أن الإخوان على استعداد للانضمام للشعب السوري في تحرير وطنه، فكتب له يقول: حضرة صاحب السعادة وزير سوريا المفوض بالقاهرة.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد: فإن الإخوان المسلمين فى المملكة المصرية يشاركون الحكومة السورية المجاهدة والشعب السورى الباسل الشعور والعمل والجهاد ضد الاستعمار والعدوان والظلم فى هذه الآونة الدقيقة من تاريخ العروبة.

وهم ينتهزون هذه الفرصة فيعلنون أن عشرة آلاف شاب من شباب الإخوان المسلمين يرجون قبولهم كمتطوعين فى الجيش السورى، وهم على أتم استعداد للسفر فى أى وقت ترى الحكومة السورية أن تدعوهم فيه إلى الانضمام إلى القوات المجاهدة وأداء الواجب المفروض على كل عربى. فأشرف بأن أخطر سعادتكم بذلك انتظارا لأوامركم مع أصدق العواطف وأطيب التمنيات. (6)

وحينما سعى ملك الأردن لنشر مشروع سوريا الكبرى بحيث تنضم سوريا مع الأردن أرسل البنا برسالة إلى ملك الأردن يطالبه فيها بعدم اتمام هذا المشروع لأنه الأردن كانت ما تزال محتلة من بريطانيا وسوريا كانت قد نالت استقلالها عن فرنسا، ولو تم هذا المشروع لفرضت بريطانيا سيطرتها على سوريا فقال له: لا ريب أن وحدة الأمم العربية جميعا أمل حبيب لا يجدر بعربى أن يكف عن التطالع إليه والعمل لتحقيقه.

الوحدة الاندماجية بين بلاد تم استقلالها وبلد لا يزال دون تمام استقلاله خطوات من شأنها أن تعصف باستقلال قطرين من أقطار العروبة أصبح استقلالهما مفخرة للعرب والمسلمين فى كافة أنحاء المعمورة، فضلا عن أن سريان طيف الاحتلال - ولو فى أرق صورة - على أطراف دولة كبيرة بعضها سوريا ولبنان من شأنه أن يعيد إحكام السلسلة التى (7) اشتد أمل العرب فى استئصالها من سائر الأوطان العربية.

ثانيا: إن إنشاء دولة سورية تكون فلسطين بعض أجزائها - وهى بعد مثقلة بالخطر الصهيونى - من شأنه أن يفتح الأبواب المغلقة، ويرفع الحدود والحواجز المانعة من استمرار الزحف الصهيونى على سائر البلاد العربية؛ لأن نهضة العرب الاقتصادية لم تبلغ -بعد- النضج الذى يغلب بريق المزاحمة الصهيونية.

ثالثا: قد وضح من التمسك بمشروع سوريا الكبرى أنه لا يسعى إلى مجموعة الأمم العربية إلا أداة فرقة وعامل تمزيق للوحدة، وأن تحفز الأردن له وتحامل العالم العربى عليه من شأنهما أن يعرضا كيان الجامعة العربية المبارك لامتحان لا تؤمن عواقبه ومغباته، بعد أن صارت الجامعة العربية - رغم خطواتها الوئيدة - قذى فى أعين المستعمرين والغاصبين وسائر الكائدين للعروبة والإسلام. (8)

كان واضحا أن الأستاذ البنا حريضا على استقلال سوريا وشعبها حيث أن سوريا من البلاد التي لم يستمر فيها المحتل إلا ربع قرن من الزمان وتحررت إلا أنها وقعت في دوامة الانقلابات العسكرية من قبل عسكر حرص المحتل الفرنسي على تربيتهم على عينه ليستكملوا مهامه في تفكيك البلاد وتسرزمها.

المراجع

  1. عدنان سعد الدين: الإخوان المسلمون في سورية مذكرات وذكريات ما قبل التأسيس وحتى عام 1954م، ط 1 (القاهرة، مكتبة مدبولي، 2010م) صـ 20.
  2. حسن البنا: موقف العالم الإسلامى السياسى، مجلة المنار، الجزء السادس، المجلد (35)، رجب 1358ه - أغسطس 1939م، صـ(67-71).
  3. حسن البنا: حقوقنا، مجلة الإخوان المسلمون، العدد (69)، السنة الثالثة، 29 رمضان 1364ه- 6 سبتمبر 1945م، صـ 3-4.
  4. حسن البنا: جامعة شعوب عربية، جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (421)، السنة الثانية، 1 ذو القعدة 1366ه - 16 سبتمبر 1947م، صـ5-6.
  5. حسن البنا: جهود الإخوان المسلمين فى قضية سوريا ولبنان، مجلة الإخوان المسلمون، العدد (62)، السنة الثالثة، 18 رجب 1364ه - 28 يونيو 1945م، صـ1.
  6. حسن البنا: المرجع السابق، العدد (62)، السنة الثالثة، 18 رجب 1364ه- 28 يونيو 1945م، صـ1.
  7. حسن البنا: جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (413)، السنة الثانية، 22 شوال 1366ه- 7 سبتمبر 1947م، صـ1، 5.