سياسة ترسم معالمها الضغوط لهي سياسة فاشلة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
سياسة ترسم معالمها الضغوط لهي سياسة فاشلة

بقلم : الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

مع كل خطوة لا يمكن لمجتمعنا الفلسطيني المجاهد تقبلها ولا تفهمها يخرج علينا من يقول إنها الضغوط الأمريكية، مما يجعل المتتبع لما يجري على الساحة الفلسطينية في حيرة وذهول، فقد ابتعدت الرؤية السياسية الفلسطينية كثيرا عن الهدف الذي من أجله قدمنا الشهداء على مدى عقود من الزمان، فلم تعد حقوق الشعب الفلسطيني ومصلحته الوطنية العليا هي وحدها التي تصنع القرار الفلسطيني وترسم السياسات، .

ولكن الحرص الشديد على تفادي الضغوط الغربية والصهيونية باتت تلعب دورا مركزيا في تحديد معالم السياسة الفلسطينية، ومن ثم الخطوات الإجرائية على الأرض ، وعلى رأسها حقنا المشروع في مقاومة الاحتلال، ففي متاهات الضغوط المصطنعة فقدنا الطريق نحو الهدف، وأصبحت الحنكة السياسية متمثلة في كيفية التعاطي مع الضغوط ولو على حساب الحقوق المشروعة، .

ولو تصفحنا التاريخ قديمه وحديثه لوجدنا أن الشعوب المغلوبة على أمرها لم تأبه بالضغوط رغم اختلال موازين القوى، ولو أقعدتها الضغوط عن مواصلة التحدي للظلم، لاستقر النظام العالمي على ظالم مسيطر إلى الأبد ومظلوم مستعبد مستسلم إلى الأبد،.

ولئن سألت لماذا اعترفنا بدولة إسرائيل، مما يشكل تنازلا عن أربعة أخماس فلسطين وذلك قبل الجلوس على طاولة المفاوضات، ولماذا قبلنا بأوسلو رغم اعترافنا بعيوبها التي تجردها من أي قيمة، فهي التي جملت وجه الاحتلال وعززت وجوده ومزقت وحدة الصف الفلسطيني، ولماذا رضينا بعزل الشعب الفلسطيني داخل كانتونات متباعدة عن بعضها البعض، ولماذا قبلنا بالتعاون الأمني مع العدو، ولماذا فتحنا المعتقلات للمجاهدين والمناضلين الذين دوخوا الاحتلال على مدى عقود من الزمان، ولماذا نعمل على إجهاض الانتفاضة ولجم البندقية، ولماذا نسفنا الميثاق الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية، لأتاك الجواب إنها الضغوط الدولية، واليوم هاهي الضغوط تجعلنا نخرج المجاهدين والمناضلين عن القانون، .

ثم نحيلهم من مناضلين إلى مشبوهين، في الوقت الذي يمارس فيه العدو أبشع صور الإرهاب باقتحامه المدن والقرى في الضفة والقطاع، ناهيكم عما في هذا الإعلان من تسديد ضربة قوية لشرعية المقاومة، وتشويه خطير لنضال شعبنا الفلسطيني الطويل من أجل التحرير، فماذا بقي لنا بعد ذلك إلا أن نشد الرحال ونودع الوطن، حتى نتجنب سلبيات الضغوط الأمريكية والصهيونية التي لن تتوقف.

قد يرى البعض في هذا الإعلان الخطير من قبل السلطة تكتيكا موجها إلى أمريكا والغرب، يهدف إلى إحراج شارون الذي يرفض إلا مواصلة ذبح الفلسطينيين ومواصلة الاحتلال، وإقناعهم بجدية السلطة في إعلانها وقف إطلاق النار، ورغم وجاهة هذا الطرح عند هذا البعض علينا ألا ننسي أن هذا الإعلان يشكل نجاحا كبيرا لسياسة شارون القمعية، مما يغريه بمزيد من التصعيد، ثم في ظل الملاحقة للمجاهدين والمناضلين من قبل السلطة ستكون النتيجة الحتمية مسلسلا جديدا وخطيرا من الاغتيالات، إدراكا من شارون أنه في مأمن من رد فلسطيني موجع على كل جريمة يقترفها، فتوازن الردع في ظل اختلال موازين القوى هو صمام الأمان الوحيد لحماية شعبنا الفلسطيني من التغول الصهيوني،

وأما أمريكا والغرب فلن يحركا ساكنا ولن يذرفا ولو دمعة واحدة على دمائنا، لانحيازهما الاستراتيجي لصالح الكيان الصهيوني، فلم تتحرك أمريكا يوما بسبب النزيف الفلسطيني، ولكنها كانت تتحرك في كل مرة يتمكن فيها الجانب الفلسطيني من الثأر لدماء أبنائه.

وفي ظل الحديث عن مخطط صهيوني معد مسبقا وينتظر فقط الذريعة التي تبرر الشروع في تنفيذه كما يقر بذلك الجميع، ويؤكد ذلك شارون الذي أعلن قبل اغتيال زئيفي عن نهاية أوسلو، وإدانة اغتيال الإرهابي زئيفي بحجة أنه أعطى الصهاينة ذريعة لتنفيذ مخططهم أمر لا نقبله، لأن عدم اغتيال ذلك المجرم لم يكن ليوقف تنفيذ المخطط ولكن فقط ربما يؤجل الشروع في التنفيذ، ثم هل يجوز لنا أن نسمي مقتل الإرهابي زئيفي ذريعة ؟!، .

فماذا كان ينتظر العالم منا عندما تغتال الصواريخ قادتنا السياسيين ونشطاء الانتفاضة والأطفال إلا أن ننتقم، فإذا انتقمنا أصبحنا مدانين وصار دفاعنا عن النفس والشعب والوطن ذريعة للعدوان تخرجنا عن الصف، وإذا كان الانتقام لقتلانا ذريعة لتنفيذ المخطط الصهيوني فلن يعدم شارون الوسيلة لخلق هذه الذريعة بمواصلته ذبح شعبنا بطريقة بشعة حتى يقوم شعبنا بالرد دفاعا عن نفسه، اللهم إلا إذا استسلمنا للذبح بطريقة مذلة حتى لا نمكن شارون من التقاط الذريعة للشروع في تنفيذ مخططه.

إن القرار الذي اتخذته السلطة لن يضر بالمقاومة الفلسطينية ووحدة الصف الفلسطيني ومستقبل القضية فحسب، ولكن الضرر الأكبر سيصيب السلطة الفلسطينية ذاتها، فهي بإصدارها هذا القرار الخاطئ لن تثني شارون عن مخططه الإرهابي والمتمثل في القضاء على السلطة وإعادة احتلال الضفة الغربية، في الوقت الذي ستعمق فيه الهوة بينها وبين الشعب الفلسطيني وفصائله الوطنية والإسلامية المقاومة.

وبعد كل ذلك أليس من الأجدى لنا أن نراجع سياستنا السابقة في التعامل مع أقدس وأعدل قضية عرفها التاريخ ؟ أليس من الحكمة والفطنة أن ننظر في الأسباب التي أوصلتنا إلى هذا المأزق الذي نعيشه اليوم وأن ندرك أن الاعتراف بالخطأ خير من التمادي فيه ؟ أما آن للسلطة أن تصغي للأصوات المخلصة والمشفقة - وما أكثرها -التي تنادي بعدم التفرد في اتخاذ القرارات بعيدا عن الإجماع الوطني ؟ أما آن لنا أن ندرك أن خيار المقاومة هو الخيار الوحيد في عالم لا يفهم إلا لغة القوة ؟

اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد.

المصدر


للمزيد عن الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة بالرنتيسي

مقالات بقلم الرنتيسي

تابع مقالات بقلم الرنتيسي

.

حوارات مع الرنتيسي

حوارات مع عائلة الرنتيسي

بيانات حول إغتيال الرنتيسي

أخبار متعلقة

تابع أخبار متعلقة

.

وصلات فيديو

.