سيف عبدالفتاح يكتب: بلا تزوير.. رؤساء مصر "غير لائقين اجتماعياً"

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
سيف عبدالفتاح يكتب: بلا تزوير.. رؤساء مصر "غير لائقين اجتماعياً"


(5/29/2015)

سيف عبدالفتاح

ليست هذه المرة الأولى التي نفتح فيها هذا الملف، لكنه، بشكل أو بآخر، يتواءم مع تلك السلسلة التي أردنا التأكيد فيها أن شعب مصر لا يمكن أن يعد في مقام "الزبالة"، كما وصفه أحد الصحافيين.

وليست هي المرة الوحيدة التي نفتح فيها ملف ما يسمى باللياقة الاجتماعية، وهي كلمة تغلّف بها كل الخطابات العنصرية التي يطلقها بعضهم حينما يتصدّرون وظائف بعينها، ويشيعون بين الناس أنهم أهلها، ويمنع على غيرهم الدخول إليها.

أشرنا إلى هذا الخطاب العنصري في المقالين السابقين، ونصل هنا إلى شأن هؤلاء الذين يضعون مثل هذا الخطاب موضع التطبيق، ويعبّرون، كل حين، عن أن عموم الشعب هم العبيد وهم الأسياد، وليست هذه المرة الوحيدة، وربما لن تكون الأخيرة، أن نرد هذا الرد "أن من احتل سدة الحكم وتصدّر مشهد السلطة والرئاسة في مصر، بحق أو بغير حق، هو، في النهاية، وضمن معايير هذا الخطاب العنصري نفسه، يعد من غير اللائقين اجتماعياً".

لم أكن أنوي الحديث عن تلميذي (رحمة الله عليه)، الآن، لكن أموراً مستجدة طرأت دفعتني إلى فتح الموضوع مرة أخرى، ولا سيما أنها تدور حول تدليس الرواية الأساسية لانتحار الشاب.

هذا ما حاولته وزارة الخارجية في عهد المنقلب، حيث أصدرت بياناً شديد الحرفية للتشويش على الرواية الأصلية، قائلة: "إن المذكور لم يتقدم أصلاً لاختبار السلك الدبلوماسي، وإنما كان قد تقدم إلى اختبار نظمته إحدى الوزارات الأخرى، وليس وزارة الخارجية".

هكذا يظن من يطلق عليهم دبلوماسيون أن في وسعهم التشويش على القضية، معتمدين على لعبة الأمور الإدارية والتنظيمية التي يلجأ إليها صغار الموظفين، وذلك بالتفريق بين مسابقتي التمثيل الدبلوماسي والتجاري، لكن الأمر ليس كذلك، فشروط الامتحان في المسابقتين واحدة، وطريقتهما واحدة، والوجوه نفسها التي تختبر المتقدمين واحدة، كما تطبّق على الناجحين في المسابقتين القواعد نفسها، وكلاهما تشرف عليه وزارة الخارجية، بأشكال مختلفة.

كانت هذه العبارة التي ألقيت، في وجهه، عند إعلان كشوف النتائج، بمثابة قضاء على مستقبل هذا الطالب النابغ.

وحينما تفحص الأمر، كانت الأسباب أن والده فلاح، ما دفع هؤلاء أن يقرروا في شأنه بهذه العبارة القاتلة، فقتلوا أمله ووأدوا مستقبله، ما بين الأمل الفسيح الذي كان يعمل له والإحباط واليأس المقيم الذي وقع عليه كالصاعقة، يستبعده.

وقد كان يأمل، بعلمه وتعلّمه، بمهاراته وتقدمه، أن يشكل ذلك مدخلاً لترقيه الوظيفي وحراكه الاجتماعي، لكنهم أوصدوا الباب في وجهه، حينما قتلوه، بأن الطالب غير لائق اجتماعياً لهذه الوظيفة، على الرغم من كل ما بذل من جهد، وقدم من اجتهاد. بين هذا وذاك، كانت لحظة قتل الأمل وصد أبواب المستقبل، وقع ذلك كله مصيباً إياه في مقتل، دفعوه دفعاً إلى قتل نفسه، وحرّكوه نحو أسوأ قرار له، بما ينهي حياته.

فات هؤلاء الدبلوماسيين المنتمين إلى عصور سابقة أن من يعيّنهم في مناصبهم على مر العصور رؤساء غير لائقين اجتماعياً، وفق معيارهم الذي يواجهون به الشباب، فمعظم رؤساء مصر ينتمون إلى أصول ريفية، وعاشوا في أسر مصرية بسيطة، كحال الأغلبية من المصريين، ولم يكن آباؤهم من أصحاب المقامات والوظائف الرفيعة، فوالد محمد نجيب أول حاكم لمصر بعد 1952 يتحدّر من قرية النحارية في مدينة كفر الزيات، وقد عمل مزارعاً، ووالد جمال عبد الناصر، ثاني رؤساء مصر، من قرية بني مر في محافظة أسيوط، وعمل ساعياً للبريد في الاسكندرية.

أما والد أنور السادات فينتمي إلى قرية ميت أبو الكوم في المنوفية، وقد عمل كاتباً في المستشفى العسكري في السودان، قبل أن تنفصل عن مصر.

وينتمي والد حسني مبارك إلى قرية ميت أبو شيخة في المنوفية، وعمل حاجباً في محكمة طنطا.

وكان والد محمد مرسي مزارعاً في قرية العدوة في الشرقية، وأخيراً عبد الفتاح السيسي، كان والده يمتلك محلاً في حي الجمالية في القاهرة.

جميع هؤلاء الرؤساء غير لائقين اجتماعياً بهذا المعيار، ومع ذلك تحلفون أمامهم اليمين، وتقدمون لهم فروض الولاء والطاعة.

ليست هذه الظاهرة الطبقية الصارخة قاصرة على وزارة الخارجية، بل في كل مؤسسات الدولة المصرية، مثل القضاء والجيش والشرطة وغيرها، فهذا وزير العدل المستقيل يصرح بكل وضوح "ابن عامل النظافة لن يدخل القضاء، وكتّر خير والده إنه عرف يربيه"، ثم يؤكد تصريحاته بعد الاستقالة، بطريقة تفضح كل مؤسسات الدولة، وتكشف منطقها القائم على فكرة الطبقية والأسياد والعبيد، قائلاً: "لو رجع بيا الزمن، هأقول اللي قولته، أنا بتكلم عن واقع ومبألّفش... هو ده اللي ماشي في القضاء والشرطة والجيش".

أقول لهؤلاء الذين يتعاملون بالقطعة مع المواطن المصري، حينما يمنعونه ويحرمونه من وظيفة، بسبب مهنة الوالد، ثم يُرغِبون الشباب في العمل بالوظائف نفسها، لأن العمل ليس عيباً، أليست هذه خدعة كبرى، تمارسها أجهزة الإدارة والدولة، حينما تهدر الحقوق، بسبب مهنة الوالد؟ وتجعل من ذلك معياراً لتولي وظائفها، مما تعتقد أنه من الوظائف الراقية؟

أقول لكل هؤلاء، من أول وأكبر دبلوماسي أو قاضٍ إلى أصغر موظف في سلك القضاء أو الدبلوماسية، دعنا نوافقكم الرأي، ونستبعد كل أبناء العمال والفلاحين، على أن يكون ذلك بعد دراسة خرائط من يعمل فعلياً في مرفق القضاء أو مرافق الخارجية والجيش والشرطة، فنحصي ملفاتهم جميعاً، ومن دون استثناء التي تتعلق بوظائف الوالدين، ويتم إقصاؤهم جميعاً.

أقول، وبصدق، وأصرخ وبحق، أهؤلاء الذين يعملون جميعاً في سلك الدبلوماسية أو القضاء أو الجيش والشرطة، ولدوا من نسل الباشاوات أو البكوات؟ لعمري، إنهم يتناسون أصولهم، ويتغافلون عن كل معيارٍ يتعلق بأصول العدالة في تولي وظائفهم، حسب حديث الدرجات ومعايير الكفاءات، لا حديث الطبقات وكل ابتداعات تقوم على عنصريات.

ودعونا، إذن، أن نتحدث عن أكبر منصب في الدولة المصرية، وهو رئاسة الجمهورية، لنؤكد أن كل من تولوه، وبتلك المعايير، "غير لائقين اجتماعياً" لتلك الوظيفة، منذ عبد الناصر، ومروراً بالسادات وحسني مبارك ومحمد مرسي، وحتى المنقلب السيسي.

ماذا يريد هؤلاء بعملية تزوير للوقائع والأحداث، فيستعيدون، مرة أخرى، رسم الحدث كما يهوون، فمن المؤسف حقاً أن يحاول بعضهم أن ينفي أنه لم يتقدم أصلاً إلى امتحانات وزارة الخارجية، ومن المؤسف حقاً أن يحاول هؤلاء ليزوروا لمصلحة أهل السلطة والصولجان، على الرغم من أن أهل السلطة أنفسهم لا يستنكفون، بعد كل فترة، أن يفتحوا هذا الملف من أوسع أبوابه، بخطاب عنصري فج ومقيت لا يحتمل التأويل، لكنهم لا يكفون يوماً بعد آخر، عن محاولاتهم للتغرير والتزوير. إنها القصة التي يتداولها أهل مصر كل حين، وتخرج علينا في صفحات التواصل الاجتماعي وفي الصحف، عناوين.

ويبدو الأمر في النهاية، وكأن هؤلاء يملكون تصنيف الناس، فيدخلون بعضهم في متسع رحمتهم، ويطردون الآخرين من نعيمهم المقيم، ينازعون الله ملكه وخلقه ومعاييره وقيمه الكلية التي لن يطولها التبديل أو التغيير.

ومن المؤكد أنه لن ينفع فيها أي تزوير، فحقائق الدنيا وقيم الدين أرسخ من محاولة هؤلاء في التزييف والتدليس والتلبيس.

المصدر