سيف عبدالفتاح يكتب: حكومات الفساد الانقلابي.. من الفاسد للأفسد

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
سيف عبدالفتاح يكتب: حكومات الفساد الانقلابي.. من الفاسد للأفسد


(20/ 2015)

الانقلاب هو أسّ الفساد، ذلك أن هذا الانقلاب الذى وقع فى الثالث من يوليو، وما استند إليه من تجمع مصالح أنانية ودنيئة، وبحكم هذا التحالف هي شبكة فساد، ومن ثم ارتباط الفساد بمؤسسات الاستبداد يكاد يكون أمرًا مفروغًا منه، بحيث يعد ذلك الفساد مكافأة لمعاونيه وسدنة الانقلاب.

ظاهرة الفساد إذ تعالج جانب ظاهر وجوانب خفية يحرص ممارسوه على أن يجعلوه خفيًا بحكم تلك الممارسات التي قد تقع تحت طائلة القانون أو تحت طائلة الحساب، ومن هنا سنرى أن الجانب الظاهر من تلك الظاهرة إنما يشكل في حقيقة أمره جانبًا ضئيلًا بالمقارنة بالمخفي أو المستور أو المسكوت عنه خاصة حينما يتعلق الأمر بالفساد الكبير الذي يصير مع تمكنه حالة مؤسسية تخلق ويترافق معها عمليات إخفاء الفساد فيما يشبه غسيل الأموال، وإن شئت الدقة غسيل الأفعال الفاسدة.

ما الذى يمكننا إذًا من تفسير ذلك "المولد" الذى خرج علينا بعد استقالة محلب، وقولهم أن ذلك بسبب فضيحة الفساد ونتناسى تحصين الفساد فى قرارات وقوانين وجملة أحكام قضائية برّأت الفاسدين من نظام مبارك السابق ومسيرة فساد لا تخطئها عين التى ترتبط بمحلب شخصيًا، بالرغم من أنه كان يشغل وزير التعمير في حكومة الببلاوي، فإنه صاحب تاريخ حافل بمختلف أنواع الفساد والسرقات.

ويكفي أنه بمجرد كتابة اسمه في "جوجل" سيظهر لك اسمه متبوعًا باسم "إبراهيم محلب الح****"،! عضو مجلس الشورى السابق بالتعيين من قبل قرار جمهوري من الرئيس المخلوع حسني مبارك، كما أنه عضوًا بلجنة السياسات بالحزب الوطني المنحل، حيث تم تعيينه في مجلس الشورى وداخل لجنة السياسات بالحزب الوطني مكافأة له على دوره الكبير في تسهيل سرقة ونهب أراضٍ خاصة بالمقاولين العرب وملك للدولة للعديد من رجال أعمال جمال مبارك.

ومن ضمن أشهر قضايا الفساد المتعلقة بمحلب، قام محلب بتسهيل تمليك اللواء الراحل عمر سليمان لعدد 50 فدانًا خلف نادي القاهرة بالتجمع، وكانت هذه الأرض معروف عنها أنها ملك المقاولين العرب، الأمر الذى دفع عمر سليمان لتوجيه الشكر لمحلب والشركة ثلاث مرات، كما أن عمر سليمان هو من ساعد علي إعطاء شركة المقاولين العرب مناقصة بالأمر المباشر لتجميل ورصف جميع ميادين مصر، كما أعطى أيضًا شركة وادي النيل للاستثمار والمقاولات مناقصة بالأمر المباشر لإحلال وتجديد جميع مستشفيات وزارة الصحة علي مستوى الجمهورية.

وقام جمال مبارك بمكافأة محلب بإسناد تجديد قصور رئاسة المخلوع مبارك إليه بالأمر المباشر، وحصل على أكثر من مليار جنيه، وهو مشترك في قضية فساد مع مبارك تقدر بمليار جنيه والمعروفة باسم "تجديد القصور الرئاسية".

هيمن الحديث عن فضائح الفساد التي تلاحق حكومة إبراهيم محلب، على الصحف المصرية، وكأن الصحف قد تفاجأت بذلك وكأن محلب ذاته وقبل توليه الوزارة لم يكن فاسدًا، كان ذلك إيذانًا بانطلاق "مولد" مكافحة الفساد وتحويل المهزلة إلى حالة فى مصلحة السيسي المنقلب الراعى الرسمي للفساد بانقلابه وبالمصالح التى تجمعت حوله، وكذلك بتقنين وتشريع مسالك الفساد، والتى بدت الأمور وكأنها إدارة بالفساد وممارسة كل قدرة لتصب فى القدرة الإفسادية للدولة.

وكانت الفضيحة فى تونس للنظام المنقلب ومنه حكومة محلب الفاسدة العاتية فى فسادها، ظهر جليًا أمام الحضور والمشاهدين فى مؤتمر رئيس وزراء الانقلاب العسكرى إبراهيم محلب، هروبه من مؤتمر عند سؤال أحد الصحفيين عن الفساد، تهرب محلب بكل الطرق، ولكن السؤال الأخير باغته وجعله يهرب من أمام كاميرات الفضائيات.

كان السؤال "لقد ألقيتم القبض على وزير الزراعة في تهمة فساد بالوزراة"، متعجبًا "كيف وأنت متهم في قضية الاستيلاء على مقتنيات القصور الرئاسية"، مما اضطر الأول إلى الهروب، وسلط الضوء على مفاجآت جديدة خرجت فى القضية التى ذاع صيتها عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير والمعروفة إعلاميًا بـ"القصور الرئاسية" وغيرها من القضايا التى اختفت فجأة، كانت الفضيحة إذن فى الهروب الكبير لمحلب وسبقته الأنباء فى طريق عودته، لقد صار ورقة محروقة، هكذا حال وزراء "الكلينكس".

اكتفى محلب بالانسحاب الفاضح، الفاسد تطارده فضيحته.

ولا بأس فى تلك الحال الانقلابية أن يذكر أحد المواقع أن محلب يحرج صحفيًا أثناء توجيه سؤالًا حول "قضية الفساد الكبرى"..

الفضائح كانت من القوة حتى تستعصي على سترها بعد أن قال مرددًا "هذا شأن داخلي"، قبل أن يغادر المؤتمر الصحفي وقد بدا عليه التوتر، موجهًا كلامه للصحفي التونسي: "هل هذه هي حرية الصحافة عندكم؟".

إنها الفضيحة، إنها حالة مثالية لتقديمه قربانًا لتغطية الفشل، إنها "نظرية الكلينكس"، يُلقى بهم فى سلة مهملات عقب الفراغ من الاستعمال والاستخدام، لقد صار هؤلاء عبئًا ويجب التخلص منهم، إنهم أكباش فداء للفشل الانقلابى وسياساته، فليذهب الببلاوي ومحلب وفي الطريق شريف إسماعيل إلى الجحيم، وليبق المنقلب الزعيم، المنقلب يفشل والكل يرحل، إنهم فى خطة استمراره ليسوا إلا مادة استعمالية.

قدم رئيس الوزراء المصري "إبراهيم محلب"، استقالته إلى المنقلب الذي اختار وزير البترول في الحكومة "شريف اسماعيل" خلفا "لمحلب". وكما كان "محلب" متهمًا في قضايا فساد قبل توليه الوزارة، فإن "شريف إسماعيل" متهم ـ هو الآخر ـ في قضايا فساد، ليستكمل خط الفضائح ولينكشف الأمر عن مولد مكافحة الفساد، فإنه إن ضحى بفاسد فقد أتى بمن هو أفسد واستبدل فاسدًا محليًا بآخر دوليا.

وفى مسلسل الفضائح غير القابل للكبت أو الستر، كانت قناة "مكملين" قد أذاعت قبل عدة أشهر مقطعًا صوتيًا مسربًا من مكتب "السيسي"، يتحدث فيه "عباس كامل" مدير مكتب قائد الانقلاب عن وزير البترول "شريف اسماعيل" بطريقة مهينة، قائلا "وزير البترول الصايع الضايع لما حط الحاجة على الحسبة بتاعة السبعة والتمانية مليار حطها كاملة"، في إشارة إلى خطأ "إسماعيل" في حساب المعونات النفطية المطلوبة من دول الخليج دعمًا لنظام المنقلب.

هذا التسريب يظهر استهانة المنقلب ومساعديه من العسكر الذين يثق فيهم، بباقي المسئولين في الدولة ومن بينهم رئيس الوزراء الجديد "شريف اسماعيل".، إنه الفصل الجديد حكومة "الصايع الضايع".. إنه طابور المكسورين من الفاسدين الذين يسندون فاسدا انقلابيا أكبر، هم يرحلون وهو يفشل.

ويقول أحد الصحفيين عن شريف إسماعيل أنه واحد من كبار حر*** عصر "مبارك"، ومسؤول عن بيع الغاز لإسرائيل بملاليم، ثم استيراده منها بأضعاف سعر بيعه لها".

وكان "إسماعيل" قد عمل وكيلًا أول لوزارة البترول لشؤون الغاز، وعضوًا في لجنة تحرير العقود منذ عام 2000 حتى 2005 في عهد "سامح فهمي"، وهي الفترة التي شهدت التوقيع على عقود تصدير الغاز المصري لإسرائيل بأثمان زهيدة، ومثلت إهدارًا للمال العام.

وخلال محاكمة الرئيس المخلوع "حسني مبارك" ونجليه ورجل الأعمال "حسين سالم" ووزير البترول الأسبق "سامح فهمي" في قضية تصدير الغاز المصري لإسرائيل أدلى "شريف إسماعيل" بشهادة ساهمت بشكل كبير في تبرئة كل هؤلاء من تهم الفساد وإهدار المال العام، كما ساهمت شهادته أيضًا في تبرئة سامح فهمي وخمسة من قيادات وزارة البترول، في قضية أخرى متعلقة بتصدير الغاز لإسرائيل، حيث قالت المحكمة في حيثيات حكمها إن "إسماعيل" أكد عدم وجود أي خطأ في إجراءات التعاقد.

وجاء اختيار وزير البترول لرئاسة الحكومة الجديدة بعد نحو أسبوعين من إعلان شركة "إيني" الإيطالية اكتشاف أكبر حقل للغاز الطبيعي في مياه مصر الإقليمية داخل البحر المتوسط، وهو الكشف الذي حمل بين طياته عملية فساد كبيرة، وكانت وزارة البترول في عهد "شريف إسماعيل" قد وقعت مع "إيني" قبل إعلان هذا الكشف بنحو شهر واحد فقط عقدًا يقضي برفع سعر الغاز الذي ستشتريه الحكومة المصرية من الآبار المكتشفة حديثًا للضعف ويحمي هذا السعر من تقلبات السوق، وهو الأمر الذي أكد وجود صفقة فساد كبيرة متورط فيها "إسماعيل"، بحسب مراقبين، حيث تم الإتفاق على تأخير الإعلان عن هذا الكشف الضخم لحين ضمان أعلى ربح للشركة الأجنبية على حساب الموارد المصرية.

يواجه رئيس الوزاء المصري الجديد، شريف إسماعيل، اتهامات مباشرة بالفساد والتورط مع محمد مجدي راسخ، رئيس مجلس إدارة شركة الغازات البترولية "بتروجاس"، وصهر علاء مبارك، نجل الرئيس المخلوع حسني مبارك، بالعبث بمقدرات الشعب المصري الاقتصادية، وتكوين تشكيل إجرامي يضم أيضًا جلال السعيد، محافظ القاهرة، لتحقيق أموال وأرباح طائلة من خلال التلاعب بحصة الغاز المنزلي "البوتاجاز" (أسطونات الغاز) وإبرام صفقات مخالفة للقانون واستمرار التعامل معها، وقد كان رئيس الوزراء آنذاك، وزيرًا للبترول.

الاتهامات الموجهة للمذكورين جاءت في البلاغ الذي حمل الرقم 5498 لسنة 2015 عرائض النائب العام، والمقدم من المحامي محمد جمعة، والذي أمر النائب العام السابق بفتح التحقيق فيه، حيث أحال بركات البلاغ للمحامي العام الأول لنيابة شرق القاهرة، للتحقيق في البلاغ وسماع أقوال مقدمه وفحص المستندات المرفقة.

وباستعراض هذا التاريخ القديم الحديث لرئيس وزراء مصر الجديد، نجد أن اختيار المنقلب له لن يثبت أمر محاربته للفساد مطلقًا لأنه اختار أحد رجال العهد المباركي الذي تدور حوله شبهات الفساد قديمًا، وباعتراف المقربين من النظام أنفسهم، كل ذلك يؤكد أن هذه الحكومات المتعاقبة ما هي إلا ستار مدني ما أفسده لحكم جنرالات جيش متوغل ومتغول على كافة القطاعات في الدولة لا سيما الاقتصادية منها كفساد أكبر، هذا بالتحديد بيت الداء وأس كل فساد، الانقلاب رأس كل فساد.

المصدر