شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر ( 9 )

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر (الحلقة التاسعة) ..‬


إعادة بناء تنظيم الإخوان بعد حادث المنصة

‬‫قضينا معظم من اعتقلوا من الإخوان وخاصة أبناء جيلي نحو عام في المعتقل، فلم نخرج إلا‬ ‫في سبتمبر من عام 1982، وكان أول ما شغلنا بعد الخروج من المعتقل هو البدء في إعادة‬ ‫تنظيم جماعة الإخوان من جديد والإهتمام بالبناء الداخلي،؛

وهو ما شرعنا فيه فور الخروج‬ ‫مباشرة، خاصة وأن نظام الرئيس حسني مبارك لم يغلق الباب مباشرة في وجه الإخوان فقد‬ ‫استمر نشاطنا قويا إلى نهاية عقد الثمانينيات تقريبا، وإن كنًّا على قناعة وقت خروجنا أن‬ ‫عصر السادات لن يعود بما كان فيه من انفتاح وحرية في العمل والتنظيم السياسي.

‬‫يمكن القول بأن الدكتور أحمد الملط هو أبرز من حملوا عبء هذه المرحلة وتولًّوا عملية إعادة‬ ‫البناء، وكان أول ما فعله رحمه الله االتصال بمجموعتنا التي كانت ناشطة في قيادة الجماعة‬ ‫اإلسالمية في الجامعات المصرية، وكان كالمه واضحا في أن األولوية هي إلعادة البناء‬ ‫الداخلي وهو ما بدأ العمل فيه على قدم وساق تحت مسؤوليته مباشرة بعد أيام قليلة من‬ ‫خروجنا من المعتقالت، وقد كنت على رأس تلك المجموعة المسؤولة عن إعادة البناء وترتيب‬ ‫صفوف الجماعة التي اهتزت كثيرا بعد أحداث سبتمبر 1981.‬

‫وقد أطلق على مجموعتنا (مكتب مصر) تمييزا عن التنظيمات القطرية للإخوان خارج مصر،‬‫ووضعنا خطة لتقسيم القطر المصري إلى قطاعات، فكان الأخ ممدوح الديري هو مسؤول شرق‬ ‫الدلتا، والأخ إبراهيم الزعفراني مسؤول غرب الدلتا، والأخ أنور شحاتة مسؤول وسط الدلتا‬ ‫والأخ محمد حبيب مسؤول قطاع الصعيد، والأخ السيد عبد الستار المليجي مسؤول القاهرة...‬ ‫

ولحق بنا في هذه المجموعة الأخوان جابر رزق وإبراهيم شرف رحمهما الله. ثم بدأنا في‬ ‫ترتيب المكاتب الإدارية للجماعة في كل محافظات مصر والتي تنقسم إلى مناطق وشُعب، مع‬ ‫التركيز على تعميق وتقوية التنظيم ووضع القواعد الإدارية التي تضمن فاعليته وكفاءته‬ ‫وانسجام تكويناته وتراتبيته، وهو عمل استغرق الجهد الأكبر من نشاط الجماعة ما يقرب من‬ ‫سنوات متواصلة، فلم يأت عام 1987 حتى تبلور التنظيم وظهر بشكله الضخم واستقر النظام‬ ‫الإداري للجماعة.‬

‫وفي هذه الأثناء كان هناك جهد مواز في ترتيب الجماعة على المستوى الخارجي، فبعد تولي‬‬ ‫مكتب مصر مسؤوليته عن القطر المصري تحت إشراف الدكتور أحمد الملط، تفرغ الأستاذ‬ ‫مصطفي مشهور رحمه الله للتنظيم خارج مصر فكان صاحب الجهد الأكبر في تأسيس‬ ‫التنظيم الدولي وهيكلته ووضع لائحته التي صدرت في مايو من عام 1982، وكان أبرز‬ ‫الإخوة الذين ساهموا في بناء التنظيم الدولي وتنشيط عمله الأستاذ مهدي عاكف المرشد‬ ‫الحالي والمهندس خيرت الشاطر والدكتور محمود عزت، وكانوا جميعا قد خرجوا من مصر‬ ‫قبيل اعتقالات سبتمبر 1981 وبعدها واستمروا في الخارج حتى عام 1986.‬

استقرار جماعة الإخوان المسلمين‬‫

أذهب إلى القول بأن جماعة الإخوان المسلمين لم تستقر فكرا وتنظيما على الصورة التي نراها‬ عليها الآن إال عام 1989 على الأرجح وهو العام الذي أجريت فيه أول انتخابات الختيار‬ ‫مسؤولي الجماعة بعدما كانوا يتولون مناصبهم في كل القطاعات تقريبا بالتعيين، وأن‬ ‫الحسم على المستوى الفكري والتنظيمي بما يرسم الصورة التي عليها الآن مر بعدة محطات‬ ‫وأحداث تاريخية مهمة.‬

‫فإذا تكلمنا عن الموقف من التكفير سنجد أنها حسمته مبكرا مع أول فتنة تكفير واجهتها بعد‬ ‫اعتقالات عام 1965، في هذه الفترة الحالكة من تاريخ الجماعة وقعت فتنة التكفير بعدما‬ ‫تعرض كثير من شبابها للظلم والتعذيب والقهر في سجون العهد الناصري، فتغذى بعض‬ ‫الشباب من كتابات الشهيد سيد قطب ثم أضافوا إليها رؤيتهم الخاصة فخرج ما عرف بالتيار‬ ‫القطبي ثم تيار التكفير والهجرة كما تجسدت في تنظيم جماعة المسلمين الذي أسسه الشاب‬ ‫شكري مصطفى الذي كان سجينا مع الإخوان.

والحق أن التاريخ سيشهد بفضل الأستاذ‬ ‫المستشار حسن الهضيبي مرشد الجماعة وقتها والذي تعالى على جراح التعذيب والتنكيل‬ ‫وتصدى لفتنة التكفير التي بدأت في السجون، فأصدر كتابه المرجع "دعاة لا قضاة" التي‬ ‫استعاد بها منهج الإمام المؤسس الشهيد حسن البنا رحمه الله، مؤكدا أن منهج الجماعة هو‬ ‫دعوة الناس وليس القضاء فيهم، وأنها لا تكفر مسلما مهما كان جرمه حتى ولو طالها أذاه‬ ‫مثلما حدث معها في السجون الناصرية، وقد حسم فيها حسن الهضيبي رحمه الله موقف‬ ‫الجماعة نهائيا وللأبد في قضية التكفير، وأحسب أنها كانت القاضية في هذه القضية فتطهر‬ ‫منها الصف الإخواني من دون رجعة.‬ ‫

كان موقف الجماعة من قضية التكفير حازما وحاسما وفوريا بعكس موقفها من قضية العنف‬ ‫والذي تأخر وتم بطريقة تدرجية وعملية وليس بمراجعة أو موقف واضح ونهائي كما في‬ ‫قضية التكفير، ويمكن القول بأن النقاشات التي دارت في بداية عام 1984 تمهيدا لحسم‬ ‫الموقف من المشاركة في الإنتخابات البرلمانية كانت مهمة في نقل وجهة الحركة باتجاه التيار‬ ‫السلمي في التغيير الذي تزعمه أستاذنا عمر التلمساني على حساب بعض القادة الذين لم يكن‬ ‫لديهم رفض مبدئي لفكرة استخدام العنف على الرغم من عدم لجوئهم إليه فعليا.

وأتصور أن‬ ‫نبذ فكرة استخدام العنف تم داخل الجماعة تدريجيا ومع دخولها في العمل العام حتى انحسرت‬ ‫تماما إلا ربما في قناعات مستترة لبعض الأفراد القليلين الذين لا يجدون سبيلا لنشرها‬ ‫داخل الجماعة فضلا عن الدعوة إليها علانية، وقد تم هذا الحسم بتدرج وهدوء ولم تضطر‬ ‫الجماعة فيه إلى تكرار ما فعله الأستاذ حسن الهضيبي مع فتنة التكفير في نهاية الستينيات.‬ ‫

أما القطع مع العمل السري وحسم قضية علنية الجماعة ورفضها للسرية فقد تم بشكل رسمي‬ ‫ومكتوب عام 1987، حيث اجتمعت كل قيادات الجماعة من مسؤولي المحافظات إلى أعضاء‬ ‫مكتب الإرشاد وتداولنا هذه القضية وظهر ما يشبه الإجماع على الإقرار بعلنية الجماعة‬ ‫ورفض العمل السري، وخرجنا وقتها بوثيقة رسمية مكتوبة عرفت باسم "جماعة الإخوان‬ ‫جماعة علنية"، أقر بها مكتب الإرشاد وأرسلت إلى كل أقسام الجماعة ومكاتبها الإدارية‬ ‫للإلتزام بما جاء فيها.‬ ‫

لقد كان النصف الأول من عقد الثمانينات في رأيي امتدادا لعهد السادات؛ عهد الإنفتاح‬ ‫وحرية العمل والتنظيم السياسي، فكان حاسما في بناء جماعة الإخوان المسلمين واستقرار‬ ‫منهجها الفكري واستراتيجية عملها وصورتها لدى الرأي العام ولدى قواعدها أيضا، وقد‬ ‫شهدت سنواتها القطع في قضايا كثيرة كانت غير واضحة من قبل مثل الموقف من العنف‬ ‫والعمل السري، كما شهدت وضع القاعدة الصلبة للتنظيم الإخواني وتحديد قواعده الإدارية‬ ‫ومناهج التكوين والتربية ورسم مسار حركته.

وهو ما أهل الجماعة لللإنطلاق بقوة وملأ فراغ‬ ‫العمل العام في مصر والعالم العربي على الرغم من أن عقبات كثيرة بدأت تظهر في الأفق كان‬ ‫من شأنها أن تعرقل سير الجماعة وحركتها.‬

علماء الجماعة وشيوخها‬‫

ومما يجب التوقف عنده كثيرا عند حديثنا عن استقرار رؤية الجماعة ووضوح منهجها الفكري‬‫ موضوع علماء الجماعة وشيوخها، فعلى خالف ما يتصوره البعض لم تعرف الجماعة في هذه‬ ‫الفترة ما يمكن أن نسميه بجناح أو تيار المشايخ والعلماء، وإنما كان لدى الجماعة علماء‬ ‫وشيوخ أجلاء ظلوا طوال فترة إعادة بناء الجماعة جزءا من نسيج حركتها وبنيانها الفكري‬‫ والتنظيمي، ولم نشهد في حركتنا ونقاشاتنا الطويلة التي قضيناها في إعادة البناء خلافات ذات‬ ‫وزن تؤشر إلى أن هناك انفصالا بين الشيوخ والعلماء وبين الحركيين أو إخوان العمل العام.‬ ‫

اللهم إلا مواقف قليلة بل ونادرة جدا أشهرها ما حدث مع الشيخ عبد الستار فتح الله سعيد.‬ ‫كنًّا قد حسمنا أمرنا بالدخول في تحالف مع حزبي العمل والأحرار عرف بـ "التحالف‬ ‫الإسلامي" في الإنتخابات البرلمانية عام 1987، وقد رشح حزب العمل على قائمته بإحدى‬ ‫دوائر محافظة الجيزة امرأة هي السيدة عزيزة سند؛

وكان الموقف المبدئي للإخوان هو‬ ‫الترحيب بهذا الترشيح وعلى أن يضم الإخوان امرأة في قوائمهم لما يعنيه ذلك من مواجهة‬ ‫الاتهامات التي تطلقها التيارات العلمانية وتشيع فيها أن الإخوان أعداء للمرأة وسيقفون ضد‬‫ مكاسبها، لكن الشيخ عبد الستار فتح الله سعيد وهو أستاذ للتفسير في جامعة الأزهر من قدامي ‫الإخوان وكان عضوا بمكتب الإرشاد وقتها رفض الأمر تماما وبقوة، وساق جميع الآراء‬ ‫الشرعية التي تعارض مشاركة المرأة بالبرلمان.‬ ‫

والحقيقة أن ما ساقه فضيلة الشيخ عبد الستار في المسألة كان أقرب لرأي شرعي يقبل‬ ‫المراجعة، فهو غير مجمع عليه كما أن كثيرا مما طرحه من حجج شرعية كان مردودًا عليها.‬

‫وكنت ممن عارضوا رأي فضيلته، فعرض عليه الإخوان في مكتب الإرشاد تكوين لجنة من‬ ‫علماء الشريعة تدرس القضية ثم تخرج بعدة آراء يختار منها مكتب الإرشاد ما يراه مناسبًا‬ ‫للجماعة، إلا أن فضيلته رفض الإقتراح وقال إن الرأي الراجح الذي ستراه اللجنة هو الذي‬ ‫يجب أن يلتزم به مكتب الإرشاد وأنه سيكون ملزما للجماعة، وهو ما قوبل بالرفض.‬

‫كنت ممن عارضوا رأي الشيخ عبد الستار فتح الله، وكان من أشد معارضيه ومن تولى الرد‬ ‫عليه الأستاذ المستشار مأمون الهضيبي رحمه الله وكان مشرفا على القسم السياسي وقتها‬ ‫(تولي منصب المرشد السادس للجماعة)، كنًّا نرى أن جماعة الإخوان ليست ملزمة بمذهب ‬‫فقهي أو برأي شرعي محدد لا تتجاوزه إلى غيرها؛

بل يسعها ما يسع الإسلام، وأن الأفضل في‬ ‫قضية ترشيح المرأة للبرلمان أو عملها بالسياسة أن نوسع المسألة ونعرضها على فقهاء‬ ‫وعلماء من هيئات ومؤسسات دينية معتبرة حتى من خارج الجماعة، ونسمع لما تراه في ‬‫القضية المثارة ثم نأخذ بما يناسبنا طالما وسعه الشرع. ولكن الشيخ عبد الستار فتح الله رفض‬ ‫رأينا وأصر على موقفه بل وتطور الأمر إلى أن قدم استقالته من مكتب الإرشاد!.

وقد ظل‬ ‫حفظه الله متمسكا برأيه مخلصا له، وتجددت معارضته حين رشح الإخوان الأخت جيهان‬ ‫الحلفاوي (زوجة الأخ إبراهيم الزعفراني) في الأنتخابات البرلمانية عن دائرة الرمل بمحافظة‬ ‫الإسكندرية عام 2000؛

ثم عاد مجددا لينتقد هذا الموقف حين رشح الإخوان الأخت مكارم‬‫ الديري (زوجة المرحوم الأخ إبراهيم شرف الذي عمل سكرتيرا للمرشد) في الإنتخابات الأخيرة‬ ‫2005 عن دائرة مدينة نصر بالقاهرة، وانتقد بحدة هذا العمل حتى في خطبة الجمعة بالمسجد‬ ‫الذي يؤم الناس فيه، على الرغم من أنه مازال واحدا من جماعة الإخوان وأن استقالته كانت‬ ‫من مكتب الإرشاد فقط وليس من عضوية الجماعة.‬ ‫

وقد كانت الواقعة مهمة جدا في تأسيس منهج للتعامل مع القضايا التي يختلط الشرعي‬ ‫بالسياسي فيها، فحين بدأنا النقاش عام 1994 لإصدار الوثيقة الشهيرة عن موقف الإخوان‬ ‫من الشورى والتعددية الحزبية وعمل المرأة في السياسة، وكان المستشار مأمون الهضيبي‬ ‫وقتها مسؤولا عن القسم السياسي؛

انتهينا في مكتب الإرشاد إلى دعوة مجموعة من علماء‬ ‫الشرع لحضور مناقشات القسم السياسي في الجماعة مع عدد من أعضاء مكتب الإرشاد‬ ‫وإدارة حوار موسع حول هذه القضايا خاصة قضية التعددية وإمكانية قبول الجماعة بالتعددية‬ ‫الحزبية؛

وقد دام هذا الحوار وقتًا طويلا نوقشت فيه قضايا أخرى مثل قضية الأقباط وكان ممن‬‫ حضروه فضيلة الشيخ طه ريان عميد كلية الشريعة آنذاك مع الإخوة من القسم السياسي عصام‬ ‫العريان وعبد الحميد الغزالي (األستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة)

إقرأ إيضا

المصدر