شخصية فريدة جمعت الإخلاص والطاعة والسعي في حوائج الناس

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
شخصية فريدة جمعت الإخلاص والطاعة والسعي في حوائج الناس
سالم البهنساوي2.jpg

بقلم: د. السيد محمد نوح

أستاذ الحديث وعلومه ــ جامعة الكويت

عشتُ معه، وعايشته سنين طويلة في لقاءات علمية ومحاورات في أسفار ورحلات، في تقديم مشورات، ورؤى مستقبلية في إصلاح ذات البين، في آداب اجتماعية، وصلات أرحام، في دفاع عن مظلومين، وقضاء في خصومات، في نصح وإرشاد، ودعوة إلى الله، إلى غير ذلك من المواقف والمناسبات. ومن خلال هذا العيش، وتلك المعايشة، وجدتني أمام شخصية فريدة فذة، وهبها الله عز وجل خصائص ومزايا عملت على تنميتها وترسيخها حتى صارت جزءاً لا يتجزأ من كيانها ، ودونك أهم هذه الخصائص،

وتلك المزايا:

1 ـ الإخلاص لله ـ عز وجل ـ في كل ما يأتي، وفي كل ما يدع: وصحيح أن الإخلاص لله عز وجل ـ عمل قلبي لا يعلمه إلا الله عز وجل، بيد أن له أمارات تدل عليه، منها: قلة حديث المرء عن نفسه وأعماله، إلا إذا كانت هناك مصلحة شرعية تقتضي هذا الحديث، ومنها قبول النقد، والإقرار بالخطأ، والرجوع عنه، وأشهد كما يشهد غيري أنه كان قليل الحديث عن نفسه وعن أعماله رغم كثرتها، ورغم عظمتها، حسبه ثباته أمام صبوة الشباب، وهو الحسن الوجه، مليح القوام، وحسبه ثباته في محنته الأولى عام 4591م، والثانية عام 5691م في السجون الناصرية لكونه من الإخوان المسلمين، وحسبه جهاده للفكر التكفيري، والعلماني،

واليساري، وجهاده لفض الاشتباك بين السنة والشيعة، ورده للشبهات الموجهة للإسلام كتاباً وسنة، وللتاريخ الإسلامي، وحسبه دفاعه عن المجاهدين الذين ظُلموا في تثمين جهادهم، وحسبه سعيه في حوائج الناس، حسبه أي عمل من الأعمال المذكورة ليثني به على نفسه، ولو فعل ما كان كاذباً، ولا مغالياً، ولكنه الإخلاص لله ـ عز وجل ـ الذي يأبى عليه أن يتحدث عن شيء من ذلك، ولقد حاولت معه كما حاول غيري أن يكتب تجربته في محنته الشهيرتين ليتعلم منهما الآخرون لا سيما الشباب والنشء كيف يكون الجهاد والتضحية في سبيل حماية المبدأ، والعقيدة؟ ولكنه كان يأبى بشدة؛ متعللاً بعلل واهية، وبمعاذير ضعيفة، وأشهد كما يشهد غيري أنه كان يقبل النقد المستوفي شروطه وضوابطه ويقر بخطئه إن أخطأ، ويعود بسرعة إلى الصواب.

استشهد في كتابه: «الشريعة المفترى عليها» بحديث ضعيف، فنبهته على ذلك، فما غضب، ولا امتعض، ولما ذكرت له البديل الصحيح، ازداد سروراً، ووعد بتدارك ذلك في الطبعة الجديدة. وقد كان.

إن هذا وغيره لخير دليل على إخلاص الرجل، وصدقه، وولائه الصحيح لله عز وجل وحده، ومن أُمر بموالاته من الرسول والمؤمنين المستقيمين، 2 ـ المواظبة على الطاعات: فقد عرف عنه يرحمه الله المحافظة على الجماعات والجمع، والإكثار من صيام التطوع بعد رمضان وقبله، وأداء فريضة الحج، والإكثار من العمرة مرة في كل سنة على الأقل، وأداء زكاة ماله، مع لزوم صدقة التطوع، وقراءة القرآن وأذكار الصباح والمساء، ومحاسبة النفس، والتوبة والاستغفار، يواظب على ذلك وغيره من الطاعات، ويرى فيه لذة، وانشراح صدر، وطمأنينة قلب، وأمناً، وأماناً.

3 ـ محبة الخير للناس كل الناس: مؤمنهم، وكافرهم، صالحهم وطالحهم، جاهلهم، وعالمهم، صغيرهم، وكبيرهم، حاكمهم، ومحكومهم، وآية ذلك اشتغاله منذ عرف نفسه بالدعوة إلى الله ـ عز وجل ـ والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر المتمثلة في الدروس، والمحاضرات، والندوات، والمؤتمرات، والتآليف العديدة التي خلفها وراءه والفتاوى، والحوارات، والمناظرات.

ومعلوم أن طريق الدعوة إلى الله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طريق محفوفة بالمخاطر، مليئة بالعقبات، ولقد دفع الرجل الثمن غالياً، معتقلات، وسجوناً، وتعذيباً، وهجرة، وغربة.

كل ذلك من أجل إيصال الخير للناس، وانتشالهم من الوهدة، والحضيض، إلى القمة، والنجاد.

4 ـ السعي المستمر في حوائج الناس: فقد رأيته غير مرة ماشياً في حاجة صاحب حاجة، قريباً، وغير قريب، من بلده ومن غير بلده، مسلماً وغير مسلم، مطيعاً، وغير مطيع، يفعل ذلك بنفسه، فإن عجز طلب من أصحابه، وأصدقائه السعي لقضاء هذه الحاجة، ولقد كان التوفيق حليفه كي يستمر في قضاء هذه الحوائج، حدثني أنه بعد إحالته إلى سنِّ التقاعد في الكويت وهي بلوغه الخامسة والستين، كان قد أعدَّ أوراقاً يطلب فيها من إدارة الهجرة منحه الإقامة على نفسه حيث قضى في الكويت خمساً وعشرين سنة، وأنه لما قدم هذه الأوراق لمدير الهجرة رفضه، وبينما هو خارج من مبنى الهجرة إلى بيته،

لقيه رجل برتبة عقيد وسلم عليه، وسأله عن حاجته فذكرها له، فأخذ الأوراق، ودخل بها على مدير الهجرة، حيث ألغيت تأشيرة الرفض، وحلّ محلها تأشيرة الموافقة، وحين سلم الأوراق معتمدة للأستاذ سالم طلب منه هاتفه، وموعداً لمحادثته، وحادثه قائلاً: لقد ساعدت أولاد ابنتي القصر في الحصول على حقهم من ميراث أمهم، يوم أن كنت مستشاراً في هيئة شؤون القصر، ومضى على ذلك عشر سنين، وفي كل يوم يمر أسأل نفسي: كيف أرد هذا المعروف لهذا المستشار الذي ساعد أولاد ابنتي ولا يعرفهم ولا يعرفني؟ ووجدتها فرصة سانحة اليوم لرد معروفك بما صنعت معك، فشكر له الأستاذ سالم.

لا شك أن هذا ـ وغيره كثير ـ كان من مشجعات للأستاذ سالم على الاستمرار في قضاء حوائج الناس، إلى أن لقي ربه يرحمه الله.

5 ـ رعاية العلاقات الاجتماعية: من صلة الرحم، وعيادة المريض، وتشييع الجنائز، والتهنئة بالنعم، والمواساة في الشدائد والمحن، والإصلاح بين الناس، ولم شمل الأسر والعوائل وهكذا..

كان لا يفوته شيء من ذلك، ومن خالط الأستاذ سالماً واقترب منه، وجد في سلوكه وأعماله تصديق.

مـفـكــر الوســطيـة

وانا اهم بركوب مركوبتي فجر السبت 4/3/6002 عقب صلاة الفجر وصلتني رسالة هاتفية ذات رنة حزينة تبلغني برحيل «مستشاري الشخصي» واستاذي المفكر العالم الاستاذ سالم البهنساوي الذي ودع الدنيا وهو يقوم بواجبه الدعوي في باكو عاصمة اذربيجان ليتحقق قوله تعالى: (ولا تدري نفس بأي أرض تموت ..).

تعود علاقتي بالفقيه الاستاذ سالم البهنساوي ايام عملي بجمعية المعلمين الكويتية وايضاً اثناء تولي مهام سكرتارية التحرير في جريدة الانباء ووصولاً الى كتابته لمدة طويلة في جريدة الانباء حيث كنت استلم المادة التحريرية واتابعها معه مستفيداً من خبرته في الرد على القضايا العصرية التي تطرح عليه واجابته عليها في سلاسة وفقه وحنكه وخبرة في ايصال وسطية الدين الاسلامي والرد على الشبهات.

عرفت المستشار سالم البهنساوي مستشارا للكثير من الجهات الدعوية والخيرية والافراد والجماعات.

وعرفته ايضاً مفكرا وفقيهاً وعالما في الرد على الخصوم مما اوجد له قاعدة عريضة من الشارع الاسلامي والعربي المتابع لكتاباته وارائه الفقهية التي تناولت شتى القضايا خاصة تلك التي ترد على الحاكمية والتكفير والهجرة وقوانين الاحوال الشخصية والفقه والعبادات والقانون وتاريخ الحضارات والاديان.

المستشار سالم البهنساوي كان عبارة عن مكتبة ضخمة من الفكر والفقه والقانون اضافة الى انسانيته المتواضعة التي حصدت محبة الناس من كل اصقاع الارض.

اتذكر صلابته التي تجلت في وفاة ابنته كان شامخاً عظم الجبال الراسيات لكنه بين جنبات نفسه وبين محبيه لا يخفي شعوره الابوي بفقدان هذه الغالية التي هي بضع من نفسه.

ولا ننسى كجيل حركي تربى في حضن الدعوة والصحوة كتاباته والرد على مختلف انواع الفتن وتفنيده الرائع لدحض كل الشبهات التي تحوم لتنال من الاسلام والمسلمين.

انني ادعو في هذه المساحة لتبني كتبه التي صدرت لتطبع من جديد ليطلع هذا الجيل على واحد من القمم الاعلام الذين نصروا بجهدهم وفكرهم الدعوة وجاهدوا في سبيلها ونالوا الاذية من سجون واضطهاد وتعذيب ولم يتراجعوا من مبادئهم وقيمهم التي تربوا عليها.

ما احوجنا في هذه المرحلة الى فكر المستشار سالم البهنساوي فلقد رحل عنا ونحن احوج ما نكون الى فقهه وفكره. ولنا في ما تركه من أثر ما نستطيع ان نعيد طباعته لتستفيد الانسانية جمعاء من عمله وفكره.

رحم الله شيخنا «ابو اسامة» فهو في قلوبنا نترحم عليه ونذكر مآثره ومواقفه ونسير على دربه.

آخر الكلام استاذي طيب الله ثراك «انما اشكو بثي وحزني الى الله» بوركت حياً وميتاً انتم السابقون ونحن اللاحقون.

قالب:روابط سالم البهنساوى