شروط بنك التنمية لإقراض الفلاحين .. خطوة متقدمة على طريق الخصخصة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
شروط بنك التنمية لإقراض الفلاحين .. خطوة متقدمة على طريق الخصخصة

19 سبتمبر 2009

بقلم: ضياء رشوان

قبل نحو شهرين من عقد المؤتمر السنوى للحزب الوطنى الحاكم الذى يقدم نفسه كممثل للأغلبية فى مصر، كشفت جريدة «الشروق» عن قرار خطير اتخذه مجلس إدارة بنك التنمية والائتمان الزراعى تجاه الفلاحين الذين يفترض أنهم يعدون قطاعا مهما من تلك الأغلبية التى من المفترض أن يمثلها الحزب الوطنى.

والملاحظات على القرار المذكور كثيرة، وأولها أنه يأتى من البنك التابع لوزارة الزراعة التى هى جزء من الحكومة والتى هى بدورها جزء من الحزب الوطنى الحاكم والذى هو بدوره تقوده خلال السنوات الأخيرة أمانة السياسات التى يحرص أمينها العام السيد جمال مبارك خلال الشهور الأخيرة على تقديم نفسه باعتباره الأكثر حرصا على تنمية القرى الأكثر فقرا فى مصر ضمن برنامجها لتنمية أكثر من ألف قرية مصرية. فهل يدخل ضمن هذا البرنامج أن يقوم بنك التنمية بإجبار الفلاحين المقترضين لسلف زراعية قيمتها أكثر من 10 آلاف جنيه بالتوقيع على عقد بيع ابتدائى لمساحة زراعية من حيازتهم أو حيازة ضامنيهم تعادل ثلاثة أمثال القرض فضلا عن شيكات مصرفية وسندات أذنية وتوكيلات بالبيع موثقة بالشهر العقارى لبعض القروض ذات القيمة الأعلى؟

والملاحظة الثانية تتعلق بمعلومات ذكرها رئيس مجلس إدارة بنك التنمية وكررها فى أكثر من وسيلة إعلامية وهى أن التعثر الحقيقى فى سداد الفلاحين لقروضهم من البنك يتركز فى الاستثمارية منها وليس الزراعية بنسبة تصل إلى 90% تقريبا.

والقروض الزراعية كما يعرفها رئيس البنك ويعرفها الفلاحون هى تلك التى يقدمها البنك لتمويل عمليات الاستعداد لزراعة المحصول من شراء تقاوى وأسمدة حتى جمعه وتسويقه، أما الاستثمارية فهى التى يحصل عليها العميل لشراء أراض أو سيارة أو مواشٍ إلى آخر ذلك، وتبلغ نسبة الفائدة السنوية على الأولى نحو 5.5% بينما تزيد الثانية على 18%.

والسؤال هنا هو: إذا كانت مشكلة القروض والتعثر فى سدادها كما يذكر رئيس البنك تتركز فى القروض الاستثمارية وليس الزراعية، فلماذا يضع بقراره المشار إليه كل تلك الشروط المجحفة غير المسبوقة لحصول الفلاحين على القروض الزراعية التى تمكنهم من تمويل زراعاتهم والاستمرار فيها؟

وهنا تظهر الملاحظة الثالثة، حيث من المعروف أن البنك، حتى اللحظة على الأقل وقبل إقرار مشروع القانون المعد حاليا لتطويره بالمصطلح الرسمى أو تغيير طبيعته بالمعنى الحقيقى، ليس بنكا تجاريا يتعامل مع مقترضين عاديين أو مستثمرين كبار أو متوسطين فى مجالات الصناعة أو التجارة أو حتى الزراعة نفسها، بل هو بنك ذو طبيعة خاصة تتشكل أغلبية عملائه من صغار الفلاحين الذين يحوزون بضعة قراريط أو أفدنة يتعيشون وأسرهم الممتدة من ريعها الضئيل.

فكيف تتسق هذه الطبيعة الخاصة للبنك مع تلك الشروط المجحفة غير المسبوقة التى يفرضها قرار مجلس إدارته الأخير على هؤلاء المقترضين الصغار بقروضهم الهزيلة المضمونة فى كل الأحوال بعقود بيع المحاصيل التى ينتجونها؟ ولا يظهر معنى هذا السؤال سوى بسؤال آخر مكمل وهو: لماذا يبالغ بنك التنمية ويتعسف فى شروط إقراضه للفلاحين الصغار فيما يخص جوهر حياتهم كلها وهو تمويل نشاطهم الزراعى بالسلف الهزيلة التى يحصلون عليها بينما لا تضع البنوك التجارية العامة ولو نصف تلك الشروط على كبار ومتوسطى المستثمرين الذين يغترفون منها ما يشاءون بأيسر الشروط وأقل الضمانات لتنفيذ مشروعات لا تقارن قيمتها الإستراتيجية بالنسبة للبلاد مع الزراعة، فضلا عن تمتعهم بكافة الإعفاءات الضريبية التى تقررها لهم قوانين الاستثمار، وفى النهاية يتهرب عدد كبير منهم من سدادها بينما تقدم لهم الدولة جميع التنازلات للتصالح معهم؟

وأما الملاحظة الرابعة والأخيرة فتتعلق بالغرض من الحصول على عقود بيع ابتدائية أو توكيلات موثقة بالبيع لمساحات من أرض الفلاحين المقترضين تعادل ثلاثة أمثال قيمة قروضهم، فالطريقة التى يوضحها نص القرار توحى بأن الغرض الحقيقى هو الاستيلاء على تلك الأراضى بطريقة منظمة وسريعة دون الحاجة إلى اللجوء لإجراءات قضائية طويلة توفرها عقود البيع الابتدائية والتوكيلات الموثقة.

ولعل الحجة الشكلية التى ستقدمها إدارة البنك لهذا الإجراء الجديد هى أنه سيعفى الفلاحين من الأحكام الجنائية التى كانت تصدر ضدهم فى الدعاوى التى يرفعها البنك عليهم بسبب الشيكات غير ذات الرصيد أو تبديد المحصول، وبالتالى فإن الأمر سيقتصر فقط على نزع ملكياتهم الزراعية دون الحاجة إلى زجهم فى السجون.

والحقيقة أن عقوبة نزع الملكية هى أشد قسوة وتأثيرا على الفلاحين المصريين من سجنهم، حيث أنه فى الحالة الأخيرة تظل مساحات الأرض الهزيلة التى يملكونها قابلة للاستخدام من قبل أسرهم للتعيش من ريعها الضئيل حتى خروج ولى أمرهم من السجن، أما فى حالة نزع الملكية فهى الخراب بعينه على أسر كبيرة ليس لها من مورد سوى هذه الملكيات الهزيلة التى يريد بنك التنمية الاستيلاء عليها.

والسؤال الحقيقى الذى يظهر هنا هو: إلى من ستئول ملكية هذه المساحات الصغيرة التى سيتم الاستيلاء عليها وفى أى غرض سيتم استخدامها؟ هل سيقوم البنك بزراعتها بنفسه، وفى هذا الحالة من أين سيأتى بالموارد المالية والبشرية اللازمة لذلك، وهل سيعنى هذا تغييرا فى طبيعته المصرفية؟ أم أن الأمر يتعلق بتوسيع ملكية البنك من الأراضى بالإضافة إلى المخازن والشون الهائلة التى يملكها حتى يتم تقديم هذا كله على طبق من ذهب إلى المستثمر الرئيسى الذى سيقوم بشرائه بعد أن تسير إجراءات خصخصته وتغيير طبيعته فى طريقها المرسوم بداخل دوائر الحكومة التى اعتادت أن ترتب وتدبر وتنفذ مثل هذه الخطوات الكبرى بسرية تامة دون أن يعلم أصحاب المصلحة أو حتى عموم المصريين عنها شيئا.

المصدر