شهادة صحفي مسيحي على مذبحة الإخوان في ليمان طرة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.


شهادة صحفي مسيحي على مذبحة الإخوان في ليمان طرة
Ikhwan-logo1.jpg

كان من المساجين في ليمان طرة في هذا الوقت أحد الصحفيين النصارى من لبنان، ويُدعى "روكس معكرون"، وشهد تلك المذبحة المروعة رأي العين، وسجل شهادته تلك في كتيِّب بعنوان: "أقسمت أن أروي.. عشت هول المذبحة"، ومما قاله فيه:

(إلى أرواح الشهداء.. إلى الشباب النضر كزهور الربيع.. إلى الإيمان المجرد كأنه جوهر الحق.. إلى التضحية الصادقة بالدم والروح.. إلى الوطنية والإخلاص.. إلى شباب مصر.. شهداء مذبحة (ليمان طرة).. إلى أصدقائي علي حمزة، إبراهيم قعوار، خيري، وبقية الأصدقاء الشهداء..

لقد عشت معكم أيامًا وليالي.. وأنا مسيحي وأنتم مسلمون.. وما شعُرت معكم بغير الألفة والود والمحبة والاحترام المتبادل.. وما لمست فيكم غير إيمانكم بدينكم.. وإيمانكم بوطنكم.. وإيمانكم بإنسانيتكم.. وهو منتهى المعرفة.

لقد عشت معكم صديقًا نأكل ونشرب كأس السجن والعذاب معًا.

جمعتني وكثيرًا منكم رابطةُ الألفة والمودة، ومشاركة العمر والثقافة والميول، فكنتم لي إخوة في المحنة.. وكنت لكم أخًا، وشهدت الكارثة الرهيبة.. ورأيت إخواني يسقطون صرعى.. ورصاص الطغاة الآثمين يسلبكم الحياة، بعد أن فشلت كل أساليب الطغاة الغادرين أن تسلبكم الإيمان.. وأقسمت أن أروي للتاريخ مأساتكم الهائلة).

  • * *

إلى الرأي العام العالمي وإلى الضمير الإنساني

(أقدم قصة هذه الأيام والليالي السوداء التي عشتها في (ليمان طرة)، ودفعت في كل ساعة من ساعاتها، بل في كل لحظة من لحظاتها دمي وأعصابي ونور عيني.

ويخطئ من يظن أنني سوف أستغل صناعة الكتابة أو براعة القلم في تجسيم الحقائق، في التزيين أو التزييف أو التشويه.

إنني لا يمكن أن ألجأ إلى شيء من هذا؛ فإن الحقيقة وحدها تكفي، وإن الواقع أكثر هولاً مما قد يخطر على أي بال، وإن الأحداث لأفظع من أن أقدمها للتاريخ شاهدًا، ولأهدي هذا المجهود إلى أرواح الشهداء، الذين استُشهدوا لإيمانهم بالحق لوجه الحق وحده، وأُشهد الله على ما أقول.. والله على ما أقول شهيد.

  • * *

لقد قُدر لي أن أكون الإنسان الوحيد الذي شهد هذه المحنة الفظيعة، وخرج من السجن، ومن سجون الجمهورية العربية المتحدة وحدودها جميعًا ليتصل بالعالم الحر.

من منبر لبنان الشامخ حصن الحريات والحقوق.. من وطني.. فلتتطلع الإنسانية على ما رأيت، وأشهد التاريخ؛ وكي أنصف الواقع أقول إنه شهد هذه النكبة الوحشية معي أيضًا الصديق اللبناني "جورج يونس".. كنت أجلس في زنزانتي الكئيبة لأكتب هذا الفصل، وأرواح هؤلاء الأصدقاء تحوم حولي، وستظل تحوم حول هذا المكان، وستبقى الجريمة خالدةً والدم البريء المراق، والأرواح الطاهرة المزهقة.. ستظل تضرع وتشير إلى الجناة.. إلى الطغاة.. صناع الدمار.. أعداء الحياة.

  • * *

واليوم ذهب بعضهم شهداء، واختصروا الطريق إلى أهدافهم العليا، والآخرون بعثرهم الطغاة في سجون كثيرة، بعضهم في قلب الصحارى وأعماق الفيافي هناك على مسيرة مئات الأميال من الحضارة والعمران، في سجون الواحات..وأنا أخال أرواحهم تطوف بمسرح المصيبة.. وأذكر أحاديثهم وهم أحياء، أخال أنهم يحمِّلونني أمانة الشهادة وواجب البلاغ.

وأنا- كمسيحي- لا بد مؤدٍّ حقَّ الشهادة الخالصة، وإنني كمواطن عربي لا بد ملبٍّ واجبَ البلاغ الصادق، وكصديق للشهداء الذين ذهبوا، وللسجناء الذين يرسفون إلى اليوم إنما أؤدى الأمانة وألبِّي الواجب، وأنا أضرع إلى الله في صلاة التوسل والرجاء أن يُعينني على ما أنا بسبيله، فلتقرَّ أرواح الأصدقاء الشهداء- رحمهم الله..

وتحيةً لنفوس الأبرياء السجناء الذين ما عرفت عنهم إلا تمسكهم بعقيدتهم، ودفاعهم عن مثلهم وكفاحهم؛ من أجل حقوقهم فنُصبَت لهم المشانق، وفُتحت لهم السجون بظلمها وعذابها، وما وجدتُّهم في محنتهم- وسياط العذاب مسلطةٌ عليهم- إلا رجالاً لها، صابرين مؤمنين قادرين، تهون عليهم أبدانهم والعذاب؛ من أجل كلمة الله والوطن، وهو منتهى الوفاء.

ونعِقَت غربان الشؤم، وأخذت الطغاة العزة بالإثم فأطلقوا الرصاص على صدورهم فتفجَّرت منها آيات الطُّهر والقداسة، وهتفوا حتى في لحظة الموت والرصاص يصرعهم: الله أكبر.. الله أكبر.. وهو منتهى الإيمان.. ونظرت فرأيتهم قتلى.. صرعى.. والدماء تسيل.. وكانوا منذ لحظة ملء الحياة، ولكنني والحق أشهد أنهم لم يكونوا قتلى ولا ضحايا.. كانت لهم حتى وهم في العدم رهبةٌ وجلالٌ.. سيما الشهداء، وهو منتهى الخلود.

وإنني لأخال هذه الأرواح تتحدث إليَّ، وأكاد ألمح نورها يضيء ظلمة السجن، وهمسها يرنُّ كالمعزوفة الجنائزية، تروي قصة الأحزان الخالدة، أخال هذه الأرواح كما كنت أجلس بين أصحابها وهم ملء الحياة يملؤهم الإيمان والأماني، كانوا يعبدون الله، ويعشقون الوطن، ويعملون بوحي إيمانهم لأجل بلادهم، وكانت كل كلمة منهم وكل تصرف لهم إنما هو مدموغ بالعبودية لله، والكفاح من أجل الوطن.

كنت أعرف فيهم الأب الذي انتُزع من أسرته وتحطَّم بيته، والزوج الذي حُرم من زوجه وشُرِّد أولاده، والشاب الذي يقف على باب مستقبله العريض موظفًا أمينًا أو طالبًا مجدًّا أو محاميًا بارعًا أو مهندسًا ناجحًا أو طبيبًا عبقريًّا.. فذهب ذلك كله، وألقي به إلى حبل المشنقة أو إلى السجن.. ولأقدم للرأي العام العالمي والضمير الإنساني تفاصيل هذه المأساة المروعة:

بعد دقائق دوت طلقات نارية كثيرة، ولم أسمع سوى صوت واحد ردَّده الجميع- جميع الإخوان- الله أكبر الله أكبر.. وبقي الرصاص يدوي إلى أن اطمأن الطغاة إلى استشهاد المجموعة البريئة.. وخيَّم صمتٌ رهيبٌ على سكان العنبر حدادًا على الشهداء.

جاوزت الساعة العاشرة، ولم تفتح الدور الباقية، وكنت أود ألا تُفتح؛ لأن قلبي كاد ينصهر من فرط الألم لاستشهاد الأصدقاء الأوفياء، وظننت أن الأبواب لن تفتح قبل أن ينقذوا الجثث من العنبر، إلا أن آدمية الطغاة خيَّبت ظنِّي، وفتحت الزنازين- كل الزنازين- وأُمرنا بالخروج من الغرف لقضاء حاجاتنا..

وما بالك أيها القارئ العزيز إذا علمت بأننا كنا نتخطَّى الجثث، وكأننا في ميدان حرب.. جثث في كل مكان.. أمام غرفتي، وفي الفناء، وعلى سلم العنبر..!!

كم كنت أودُّ أن يُطلق الرصاص على الأعداء.. أعداء بلادنا.. وليس في صدور أبناء عروبتنا الخُلَّص الأبطال، ولكنه الطغيان بأقسى أنواع ظلمه ووحشيته).


للمزيد عن مذبحة طرة

روابط داخلية

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة

متعلقات أخرى

روابط خارجية

مقالات متعلقة

وصلات فيديو

.