شهر رمضان.. تجديد للروح وزاد للمؤمنين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
شهر رمضان.. تجديد للروح وزاد للمؤمنين

رسالة من المستشار "محمد المأمون الهضيبي" المرشد العامللإخوان المسلمين

مقدمة

المستشار محمد المأمون الهضيبي - المرشد السادس للإخوان المسلمين

شهر رمضان.. تجديد للروح وزاد للمؤمنين

أقبل شهر القرآن والمسلمون في شوق إليه؛ ليمسح عن قلوبهم همومها وأحزانها، ويروحها في ساعاته الندية، وأوقاته المباركة، في شوق إليه؛ ليغسل عنهم عناء عام كامل مضى، لنسمو بالروح ونتطهر من ثقلة اللحم والدم، ولنضبط أوقاتنا من جديد على أوقات الصلاة، فالإمساك مرتبط بالفجر، والإفطار مرتبط بالمغرب، حياة تبدأ بالصلاة وتنتهى بالصلاة.

المسلمون في شوق إليه ليؤكد لهم أن النصر قرين الجهاد، ولا جهاد إلا بصبر، ولا صبر إلا بثبات وتضحية، وعلى الرغم من أن المسلمين الأوائل كانوا يبذلون غاية جهدهم في العبادات خلال شهر رمضان، إلا أن هذا لم يمنعهم من أن يجاهدوا في سبيل الله، ويخوضوا أخطر المعارك الفاصلة، ويكون النصر حليفهم، على مدار التاريخ؛ فكم نحن في شوق إليك؟

عن أبي هريرة- رضى الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا جاء رمضان، فُتِّحت أبواب الجنة، وغُلقت أبواب جهنم، وصُفِّدت الشياطين، ونادى منادٍ من قبل الحق سبحانه: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة" (متفق عليه).

أعداء هذا الدين يُصرِّون على ربط الإنسان بالأرض، وقطعه عن السماء، ويعملون على تعليق قلبه بمآرب الدنيا، وإبعاده عن طلب الآخرة، ويأبى الإسلام إلا أن يسوق البشرية إلى الله، قال تعالى: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ (الذريات:50).

وأركان الإسلام عمل حقيقي في إيجاد اليقظة في النفوس، والصحوة في المجتمعات، والعبادات التي تكوّن هذه الأركان، تدريب جليل الأثر في تربية الأخلاق، وتقويم الطباع، وتهذيب النفوس..

وقول الله- عز وجل:

﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ (العنكبوت: من الآية 45) خبر حق، فإذا رأيت مصليًا لا يعلو فوق تفاهات هذه الدنيا، ولا ينتهي عن منكراتها، فصلاته مجرد تمثيل وحركات، لا حقيقة فيها.

وقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم:"من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه" (أخرجه البخاري)، وهذا خبر حق أيضًا، ومعناه أن الصيام الحقيقي يمسح آثار الماضي السيئ، ويمسح أكداره عن مرآة القلوب، فتعود مجلوة نقية، ثم يستأنف الصائم حياة تكاد ترفعه وتلحقه بالملأ الأعلى.

إن الأساس الأول لهذه العبادات هو أداء حق الله، والقيام بوظيفة العبودية، واعتراف البشر بأن الله- الذي خلقهم ورزقهم- يجب أن يعبدوه ويشكروه، إن جعل القلب يتعلق بربه يجعل المسلم إذا ملك الدنيا يسخرها لخدمة دينه، ويجمع المال والبنين ليكونا درعًا للحق، وعونًا للرسالة التي يؤمن بها، ويتحول إلى ذاكر لله بالغدو والآصال، ويضع نفسه ومواهبه وكل ما يملك مع رهبان الليل، فرسان النهار، وصدق الله العظيم إذ يقول:

﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآَصَالِ* رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ﴾ (النور:36-37).

وهاهي الأيام تمضي ويقبل علينا شهر رمضان بخيراته وبركاته، وها هو النور يشرق من جديد، وينساب إلى القلوب، وهاهي مشاعر الخير والبر والرحمة تتجدد وهاهي الآمال في غد مشرق، ومستقبل كريم، وفي ثقة في نصر الله لنا على أنفسنا أولاً، ثم على أعداء الإنسانية ثانيًا.

إن شهر رمضان يُذكرنا برسالتنا الخالدة، والواقع يؤكد حاجة البشرية إليها، إن حاجة العالم إلى هذا الدين أهم من حاجته إلى الماء والدواء والهواء، لقد شغلتنا الدنيا الفانية عن الآخرة الباقية، وأحاطت بنا زخارفها ومباهجها، والرجل المؤمن في سورة (غافر) يُنادى بأعلى صوته:

﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ* يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ﴾ (غافر:38-39).

إن من رحمات الله- عز وجل- أن جعل لنا في هذا الشهر العظيم محطة نقف فيها طوال ثلاثين يومًا، نقف مع أنفسنا، نُحاسبها على تقصيرها، ونفتش عن منابع الإيمان في قلوبنا، فنجلو الصدأ عنها.

ورمضان مصحة للعلاج الروحي، ففي الحديث:

"... ورغِم أنف رجل دخل عليه رمضان، ثم انسلخ قبل أن يغفر له"، فمن لم يحصل المغفرة في رمضان؛ فمتى يحصل عليها؟

إن الإسلام يريد منا أن نعيش في هذا الشهر في جو خاص، نحصن فيه بيوتنا وأنفسنا، ونحسن الصلة فيه بخالقنا سبحانه وتعالى. روى ابن خزيمة والبيهقي أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال:

".... واستكثروا فيه من أربع خصال؛ خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأما الخصلتان اللتان لا غناء بكم عنهما: فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النار، ومن سقى صائمًا سقاه الله من حوضه شربةً لا يظمأ بعدها أبدًا".

الانتفاضة المباركة

ويأتي شهر رمضان المعظم- شهر العزة والفتوحات والنصر للأمة الإسلامية على مدار التاريخ- وشعب العراق المسلم المظلوم يُقتل ويُشرد، والاحتلال الأمريكي والعدوان الأمريكي لا يكف عن القتل والتدمير، وكذلك شعب فلسطين المسلم الأعزل إلا من عقيدته وإيمانه بحقه، يدافع عن وجوده، ويقدم فلذات أكباده شهداءً أبرارًا، بعد أن يلقنوا أعداء الإنسانية ما يستحقون، وإن الكثيرين من أمة الإسلام يصمتون، وسكوتهم غريب؛ فمتى يتحركون ويدفعون العدوان الواقع على المسلمين في كل مكان؟

وإني أهنئ بحلول هذا الشهر المبارك رجال الانتفاضة؛ شيوخًا وشبانًا ونساءً، وأبارك لهم دفاعهم عن أرضهم وعرضهم ودينهم.

إن وقفتهم أمام الجبابرة والمفسدين وطغاة الأرض من الصهاينة ومَنْ وراءهم، وهم عزل من كل سلاح مادي، لهو درس عظيم في الشجاعة وفي قوة العقيدة، وفي الوفاء لهذا الدين، يعلو كل الدروس.

وأقول للذين ظُلِمُوا ووضُعِوا خلف القضبان؛ عُدوانًا وبغيًا وافتراءً، وكل ذنبهم أنهم قالوا ربنا الله، ويريدون إحياء هذه الأمة وردها إلى سيرتها الأولى، أقول لهم: اصبروا، وصابروا، ورابطوا، واتقوا الله. فالفرج قريب، وإن مع العسر يسرًا.

الأبواب مفتحة؛ فهل من مشمِّر للجنة؟

جاء في الحديث الذى أخرجه ابن ماجة عن أسامة بن زيد- رضي الله عنه- يقول رسولنا- صلى الله عليه وسلم:

"ألا من مشمِّر للجنة، فإن الجنة لا خطر لها، هي ورب الكعبة نور يتلألأ، وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرد، وثمرة نضيجة، وزوجة جميلة، وحلل كثيرة، ومقام في أبدٍ، في دار سليمة، وفاكهة وخضرة، وحبرة ونعمة، في حلة عالية بهية"، قالوا:

نعم يا رسول الله، نحن المشمرون لها، قال:

"قولوا إن شاء الله"، قال القوم:

إن شاء الله. (الترغيب والترهيب).

ها هو شهر رمضان يدعونا لذلك، فهيا بنا نشمر ونجتهد، ونهجر فراشنا، ونوقظ أهلنا، ونرفع راية الجهاد ضد أنفسنا وضد رغباتنا، ونعد أنفسنا لجهاد طويل مع أعداء البشرية، ونعمل على أن:

1- نحافظ على أداء الصلوات في المسجد، ونتذكر أن من صلى أربعين يومًا في المسجد لا تفوته تكبيرة الإحرام، كُتبت له براءة من النار، ورمضان فرصة لتحقيق هذا الهدف العظيم.

2- نحرص على إحياء السنن التي كثيرًا ما ننشغل عنها، مثل:

الجلوس في المسجد، ذكر الله، تلاوة القرآن، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء، التبكير لصلاة الجمعة.

3- ختم القرآن أكثر من مرة، مرة في البيت مع الأولاد والزوجة، ومرة في المسجد، ومراجعة المحفوظ، إن كنا قد نسيناه، ولنذكر جميعًا أن صاحب القرآن، يُقال له يوم القيامة، اقرأ ورتل وارق، كما كنت تفعل في الدنيا، فمنزلتك عن آخر آية تقرؤها، ولنعلم أن من ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب.

4- المحافظة على صلاة التراويح، والتبكير إليها في المسجد، والحرص على الصف الأول، ولا ننصرف حتى ينصرف الإمام، ولنصحب معنا الزوجة والأولاد، كلما تيسر ذلك.

5- الإقلال من الطعام والشراب والنوم والكلام، والسيطرة على اللسان، ولا نصوم على الحلال، ونفطر على الحرام، من غيبة ونميمة وأذى للناس، وجو رمضان من أنسب الأجواء التي تعيننا على هذا؛ حيث الصيام بالنهار والقيام بالليل، والقرآن غض طري على ألسنتنا، ويملأ جوانب النفس، والشياطين مصفدة وأبواب الجنة مفتحة، وأبواب النار مغلقة.

6- التنافس مع الأهل والأولاد في العبادات، ورصد الجوائز لذلك، ولا نرهق الزوجة بالإكثار من إعداد الطعام والولائم، فرمضان شهر التسابق في ميدان آخر، وليس شهر التلذذ بطيب الطعام والشراب.

7- لنذكر الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل- في هذا الشهر- تذكرة عملية؛ فنسارع إلى إطعامهم، ونشاركهم فيه، ونُشعرهم بأخوتنا لهم، وهناك- من إخواننا- المكروبون والمعذبون في كل مكان، من البلدان الإسلامية، يقاسون الحرمان والظلم والاضطهاد، لابد من العناية بهم.

8- الحرص على بر الوالدين، وإجابة طلباتهم، والعمل على راحتهم، والإكثار من الدعاء على من تُوفي منهم: ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ (الإسراء: من الآية24)، ولا ننسى الأرحام، ونتفقد الأقارب، ونسأل عن الغائب، ونعود المريض.

9- ليكن شهر رمضان فرصةً للعفو والصفح والصلح، حتى مع الذين أساءوا إلينا، يقول- صلى الله عليه وسلم: "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها" (أخرجه البخاري) وفي الحديث يقول أحد الصحابة: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأُحسن إليهم ويُسيئون إليّ، وأحْلُم عنهم ويجهلون عليّ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: "لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملَّ- أي تلزمهم الحجة-، ولا يزال معك من الله ظهيرٌ عليهم ما دمت على ذلك"؛ (أخرجه مسلم) ، ولنحرص على سلامة صدورنا تجاه الآخرين، ولنكن نحن البادئين بالسلام والتحية.

10- التعود على الإنفاق، وإن كان قليلاً، ولنتذكر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقد كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان.

11- محاسبة النفس على ما مضى من أعمال، خاصةً التقصير في العبادات، والتقصير في الجوانب الإيمانية، ونسأل أنفسنا:

هل كنا مداومين على التوبة؟ وهل نحن نخشى الله حق خشيته؟ وهل نحن نتوكل عليه حق التوكل؟ وهل نتحاكم إليه حين نتخاصم؟ كما نُحاسب أنفسنا على الجانب الأخلاقي والسلوكي؛ هل نحن نؤدي الأمانة؟ وهل نفي بالوعد؟ وهل نقبل العذر؟ وهل نحرص على الصدق؟ وهل نسارع إلى خدمة المحتاجين؟ وهل نخِف لنجدة الملهوف ونصرة المظلوم؟ وهل نؤدي حقوق الآخرين؟... فإن وجد المسلم أنه انحرف عن الطريق، صحح المسار:

﴿كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ (الإسراء: من الآية14)، "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن تُوزن عليكم".

12- يجب الإكثار من الدعاء والتضرع، والوقوف بباب الله، وقرع الأبواب "فدعاء السحر سهام القدر"، وعسى الحق تبارك وتعالى أن يفك أسرى المسلمين، وأن يردّ غائبهم، وأن يفرج كروبهم، ولنكن في دعائنا دعاء المضطر، المشرف على الغرق، الذى لا ينجيه إلا تعلقه بالحبل المتين والركن الشديد، الفعال لما يريد، القائل: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ (البقرة: من الآية186). يقول سيدنا عمر: "إني لا أحمل هَمَّ الإجابة، ولكن أحمل هَمَّ الدعاء".

13- الاعتكاف، فإن لم يتمكن فاستصحاب نية الاعتكاف في العشر الأواخر، والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.