صندوق الانتخابات هو البداية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
صندوق الانتخابات هو البداية


بقلم / د. يحيى الجمل


السؤال الأساسي في أي نظام سياسي هو هل هناك رغبة حقيقية لدى ذلك النظام فى معرفة إرادة الناس على حقيقتها أم أن الهدف هو تزييف هذه الإرادة وتزويرها خوفاً من إظهارها على حقيقتها لأن حقيقتها لا ترضى أهل الحكم والسلطان.

وأمر الإشراف على الانتخابات رغم أهميته ليس هو الأساس فى الموضوع، فى الهند وفى إنجلترا لا يوجد إشراف قضائى على صناديق الانتخاب وإنما فى كل من البلدين وفى كثير من البلاد الأخرى لا يتصور أحد - حاكماً كان أو محكوماً - أن يعبث بإرادة الناس ويغيرها لأن الانتخابات فى تلك البلاد تجرى لصالح المؤسسة التى يقال لها الدولة والتى يسميها علماء السياسة «مؤسسة المؤسسات» ولا تجرى لصالح هذا الحزب أو ذاك ولا لصالح هذا الرئيس أو ذاك.

الانتخابات فى هذه البلاد يقصد منها معرفة إرادة الناس على حقيقتها لأن هذه الإرادة هى التى تملك القرار وتملك توجيه «بوصلة» الحياة السياسية والتشريعية إلى الوجهة التى تحقق مصالح الناس الذين عبروا عن إرادتهم فى صناديق الانتخابات.

وفى هذه الأيام ونتيجة التقدم التكنولوجى يمكن علمياً اتخاذ الإجراءات الكفيلة بضبط صندوق الانتخاب بحيث لا يسهل العبث بمحتوياته، هذا صحيح، ولكن هذا الإجراء لاحق للإرادة، لابد أن تتجه الإرادة إلى معرفة حقيقة توجهات الناس وإلى الحفاظ على قداسة صندوق الانتخاب وطهارته، ولكن إذا لم توجد هذه الإرادة فإن كل تكنولوجيات العالم لا تغنى نفعاً.

وقد شاهدت مصر انتخابات كثيرة بدأت منذ عام ١٩٢٤ فى ظل دستور ١٩٢٣، ثم تكررت بعد ذلك فى ظل الدساتير اللاحقة على ٢٣ يوليو ١٩٥٢. ويكاد يجمع الباحثون على أن المرات التى جرت فيها الانتخابات سليمة، واحترمت فيها حرمة صندوق الانتخاب، تكاد تعد، طوال هذه السنين، على أصابع اليدين الاثنتين لا تزيد.

كانت الانتخابات الأولى، التى أجريت عام ١٩٢٤ والتى اكتسحها حزب الوفد، انتخابات سليمة ونظيفة أجراها يحيى باشا إبراهيم الذى كان قبل توليه رئاسة الوزارة رئيساً لمحكمة استئناف القاهرة ولأول وآخر مرة فى مصر يخسر رئيس الوزراء الذى أجرى الانتخابات فى الدائرة التى رشح نفسه فيها لصالح مرشح حزب الوفد.

ويمكن أن يقال إن الانتخابات التى كانت تجريها أحزاب الأقلية لصالح الملك ولصالحها كانت تتغيا طمس إرادة الشعب وإظهارها على غير حقيقتها وهذا هو ما أدى إلى ألا يحكم حزب الوفد صاحب التأييد الشعبى الواسع بين ١٩١٩ و١٩٥٢ إلا ست سنوات وبضعة أشهر، وطوال الفترة الباقية كانت أحزاب الأقلية، مؤيدة من القصر تزيف إرادة الناس، وتتولى الحكم على غير إرادتها.

وبعد ١٩٥٢ وفى ظل التنظيم الواحد وإحكام قبضة هذا التنظيم على عملية الترشيح منذ البداية لا يمكن الحديث عن الإرادة الحقيقية للناس، قد تتحقق تلك الإرادة وقد لا تتحقق ولكن لا أحد يستطيع أن يجزم.

ويكاد يكون هناك إجماع على أن الانتخابات التى أجراها السيد/ ممدوح سالم الذى كان ضابطاً للبوليس وكان وزيراً للداخلية قبل توليه رئاسة الوزارة - كانت هى أكثر الانتخابات نظافة وشفافية وسلامة وتعبيراً عن إرادة الناس فى الفترة من ١٩٥٢ وحتى الآن.

ونتيجة هذه الانتخابات جاء برلمان قوى، ظهرت فيه معارضة حقيقية وعملت له الحكومات التى عملت وتعاونت معه، ألف حساب.

والقول بأن هذه الانتخابات كانت أكثر الانتخابات شفافية فيه قدر من التجاوز، ذلك أن الحقيقة أن هذه الانتخابات كانت هى الانتخابات الوحيدة التى تمت سليمة مبرأة من أغلب العيوب، وأن سائر الانتخابات التى تمت بعد ذلك فى ظل ما قيل له تعددية حزبية - موهومة - كانت نوعاً من العبث الذى لم ينطل على أحد فى الداخل أو فى الخارج.

وينطبق ذلك على استفتاءات الرئاسة واستفتاءات تعديل الدستور وعلى انتخابات المحليات كما ينطبق على انتخابات مجلس الشعب ومجلس الشورى بعد إنشاء هذا الأخير.

وقد قرأت فى الصحف أخيراً أن مرشح الحزب الوطنى فى دائرة محرم بك بالإسكندرية رسب فى الانتخابات الماضية بأقل من ألف وخمسائة صوت، ومع ذلك، وبقدرة قادر، استطاع أن يحصل فى الانتخابات التكميلية التى أجريت أخيراً على ٢٥ ألف صوت،

وبذلك يحقق الفوز «التاريخى»، وقد ذكرتنى هذه الانتخابات بأخرى حضرتها بنفسى فى دائرة المنيل فى القاهرة بعد أن استقالت نائبة الدائرة لزواجها، وأعلن شغور المقعد وجرت عليه الانتخابات،

وقرر حزب الجبهة عقب إنشائه أن يخوض تلك الانتخابات بمرشح يعمل أستاذاً فى كلية طب قصر العينى، التى تقع فى دائرة المنيل، وخاضت الانتخابات مرشحة قوية هى السيدة إيمان بيبرس وخاضها ممثل لحزب الوفد، وآخر للتيار الإسلامي، وآخر للحزب الوطني، وقد شاهدت وتابعت الانتخابات بنفسى وأستطيع أن أجزم أن عدد الذين جاءوا للإدلاء بأصواتهم فى كل لجان الدائرة لم يتجاوز فى أحسن التقديرات ثلاثة آلاف ناخب،

ومع ذلك فقد رسب الجميع وحصل مرشح الحزب الوطنى على أكثر من اثنى عشر ألف صوت - نزلوا من السماء على أجنحة الملائكة - وبذلك أعلن فوزه، وهكذا تمت كل انتخابات لاحقة سواء لمجلس الشورى أو للمحليات، ودائماً وبأغلبية كاسحة تعبر عن الرضا الشعبى بفوز مرشح الحزب الوطني.

لقد استطاع المهندس سمير عليش، وهو من خبراء التكنولوجيا الحديثة، ومعه فريق من تلاميذه، أن يصمم نظاماً علمياً لإحكام السيطرة على صندوق الانتخابات والوصول إلى شفافيته، مستفيداً بذلك من تجارب الهند وبلاد أخرى، وهذا عمل عظيم، ولكن بغير إرادة سياسية تسمح لهذا النظام بأن يوجد لكى يكون فاعلاً، تبقى كل الأمور فى دائرة الأوهام.

لعلى فى هذا المقال أكون قد أجبت عما طرحه القاضي الجليل المستشار محمود الخضيرى، نائب رئيس محكمة النقض، فى مقال سابق له من تساؤلات وجهها لى.

هل سنصل فى يوم قريب إلى أن نسمح لإرادة الناس الحقيقية بالظهور والتعبير عن نفسها؟سيأتى هذا اليوم إن عاجلاً وإن آجلاً، رضينا أم عاندنا إرادة التاريخ والتطور، وإرادة التاريخ والتطور - في تقديري - لا تُقهر، والله غالب على أمره.