عائلة أبو هين قهرت الجيش الذي لا يقهر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عائلة أبو هين قهرت الجيش الذي لا يقهر

بقلم: حبيب أبو محفوظ

مقدمة

الشهداء لا يموتون، والرجال لا ينهزمون، والعظماء في ذاكرة الشعوب باقون.. هكذا تُروى فصول الحكاية في حي الشجاعية في شرق مدينة غزة، شجاعية القسام التي أذلت بني صهيون مرةً تلو المرة؛ حتى إنهم أصبحوا يترددون طويلاً قبل التفكير في اقتحامها إذا ما اضطروا لذلك يومًا ما.

ستة عشر ساعةً من المقاومة والصمود والثبات والتصدي حتى آخر طلقة وحتى آخر نفس، فقد رفض الشهداء الثلاثة الاستسلام، وإلقاء سلاحهم في الوقت الذي قرروا فيه أنهم لن يعودوا إلى السجون الصهيونية المذلة من جديد، وأنهم سيبدلون ظلمة الأسر بنور الجنة، وكان لهم ما أرادوا، فبعد أن يئس العدو الصهيوني من التغلب عليهم وقتلهم لجأوا إلى أسلوبهم الجبان والخسيس، بأن قاموا بقصف المنزل بالصواريخ على من فيه، وفوق رؤوس أصحابه، فارتقى الشهداء الثلاثة إلى ربهم مقبلين غير مدبرين؛ حيث صدق فيهم قوله تعالى: "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلِيْهِ فَمِنْهُم مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً" (الأحزاب: 23).

يوسف ومحمود وأيمن أبو هين كانوا فرسانًا في زمن عزَّ فيه الرجال المدافعين عن شرف أمتهم وكرامتها، كانوا مثالاً للتضحية والفداء والعطاء من أجل وطنهم و دينهم.. مضى الأشقاء الثلاثة شهداء في الطريق التي اختاروها معًا، فتحقق حلمهم، وفازوا بصحبة الأكرمين والأخيار من الشهداء والنبيين في عليين.

عائلة أبو هين قدمت ثلاثة من خيرة أبنائها في يومٍ واحد شهداء مقبلين غير مدبرين، فعلى الأرض لم تكن موازين القوى متساويةً، فالعدو الصهيوني بطائراته ودباباته ومدرعاته والمئات من جنوده مقابل ثلاثة شباب بأسلحتهم الخفيفة ورشاشتهم المتواضعة.

ولكن قدر الله نافذ ولو كره الكافرون، صدق الرجال فصدقهم الله، فقد تكبد العدو خلال 16 ساعةً متواصلة- وهي مدة المعركة- 4 دبابات و5 مدرعات- ناقلات جنود- وعشرات القتلى والجرحى.

البداية والنشأة

يوسف أبو هين

أكبر إخوته سنًا، ورفيق درب المهندس يحيى عياش لفترة طويلة، فقد آواه في منزله أثناء فترة مطاردته لفترة طويلة، وهو من المطلوبين للعدو الصهيوني في قطاع غزة، وأحد أبرز قادة كتائب القسام في القطاع، حاول العدو الصهيوني مرارًا اغتياله أو القبض عليه أو حتى اختطافه؛ وذلك لما يتمتع به من أسرار ومعلومات حول العمل العسكري الخاص، ولكن رحمة الله، ثم قدرته العالية على التخفي وفطنته القوية حالت دون ذلك.

محمود أبو هين

الشقيق الأوسط، نشأ الشهيد محمود نشأةً إسلامية منذ نعومة أظافره، وكان داعيًا منذ طفولته، يحث الشباب من أبناء جيله على ترك العادات المنبوذة، كالتدخين، وسماع الأغاني الماجنة، أصبح محمود الشاب التقي العابد الزاهد في هذه الدنيا محبوبًا من أهله وأهالي الحي والمنطقة التي يعيش فيها.

وكان من أوائل منطقته ممن بايعوا جماعة الإخوان المسلمين؛ حيث كان عمره حينها 19 عامًا، وجاءت الانتفاضة الأولى عام 1987م، وكان من الذين قادوا المجموعات المجاهدة لحركة حماس والإخوان المسلمين في بداية الانتفاضة ضد العدو الصهيوني.

وكان بيته مأوى للمطاردين، أمثال القائد القسامي محمد الضيف- حفظه الله- والشهيدان عماد عقل ويحيى عياش؛ حتى إن الشهيد المطارد عماد عقل مكث في منزله عامين كاملين والشهيد يحيى عياش مكث عامًا كاملاً.

أيمن أبو هين

أصغر إخوته سنًا، كان حلقة الوصل ما بين القادة والاستشهاديين، وهو أصغر مبعدي مرج الزهور سنًا؛ حيث كان يبلغ من العمر حينها 19 عامًا، كان يُعرف الشهيد أيمن وإخوته أنهم من أكثر الشباب نشاطًا في مسجدهم، وكان الشهيد أيمن يتميز بإطلاق قذائف الهاون وصواريخ القسام على المغتصبات الصهيونية، وكان يقع على عاتقه تجهيز واختيار الاستشهاديين.

أُبعدوا واعتقلوا واستشهدوا معًا

كان الشهداء الثلاثة "يوسف ومحمود وأيمن أبو هين" كالجسد الواحد، فقد عاشوا حياةً حافلةً بالمعاناة والأسر والإبعاد، وقدَّر الله أن يستشهدوا معًا، فقد تعرض الأشقاء الثلاثة للأسر في سجون السلطة الفلسطينية وفي سجون العدو الصهيوني، فقد قضى الشهداء الثلاثة جلَّ عمرهم خلف قضبان الأسر؛ نتيجة مواقفهم وأعمالهم المشرفة والبطولية.

وأبعدتهم الحكومة الصهيونية- حكومة رابين- ظلمًا عن وطنهم إلى جنوب لبنان في منطقة تعرف باسم "مرج الزهور" عام 1990م مع أكثر من 400 فلسطيني آخرين، ليعودوا بعدها مباشرةً إلى زنازين سلطة أوسلو.

بداية المعركة وخسائر فادحة للعدو الصهيوني

أبو محمود شاهد عيان على أرض المعركة قال: في ليلة الخميس الموافق 20031/5/م، وما إن أشارت عقارب الساعة إلى الواحدة والنصف إذا بكافة أهالي الشجاعية عامة، وسكان المنطقة الشرقية خاصةً يفاجَئون بدخول ما يربو على العشرين جيبًا عسكريًا صهيونيًا إلى محيط منزل عائلة أبو هين بصورة مفاجئة من ثلاثة محاور (ناحال عوز، الخط الشرقي، معبر المنطار).

وأضاف أن عملية دخول الجيبات كانت مفاجئةً وسريعةً، لدرجة أن أحد أفراد الشرطة الحدودية قال "رأيت الجيبات الصهيونية قادمةً من مسافة بعيدة، فبمجرد أن دخلت الموقع لإيقاظ زملائي كانت الجيبات قد وصلت إلى منزل أبو هين، وأخذت تنادي على المجاهد يوسف أبو هين وإخوانه بأن يسلموا أنفسهم".

شاهد عيان يُدعى محمد يوسف قال: إن جنود الاحتلال أرسلوا في البداية كلبًا مدربًا يحمل كاميرا على ظهره ليخترق المنزل، ويرسل صورَ ما بداخله إلى غرفة العمليات التي أقامتها قوات الاحتلال في أحد المنازل المجاورة؛ حيث عاجله يوسف بإطلاق النار عليه، فقتله.

ويضيف بكر أبو هين- ابن عم الشهداء الثلاثة- بالقول: لقد استبسل يوسف وإخوته، ورفضوا الخروج من المنزل الذي تحصنوا فيه؛ حتى إن جنود الاحتلال اضطروا إلى إرسال زوجة عمهم السيدة عائشة أبو هين؛ لإقناعهم بأن يخرجوا وأبلغوها بأنهم سينسفون البيت على من فيه، ولما أبلغت المواطنة عائشة الأشقاء الثلاثة بذلك طلبوا منها زجاجة ماء وتوضأوا وقالوا لها ردي عليهم بأن لا أحد في البيت، وفعلا عادت إلى قوات الاحتلال وأبلغتهم بأن البيت خالٍ ولا يوجد به أحد، عندها تقدم عدد من الجنود- يقدر بعشرة جنود- إلى البيت فأمطرهم الشهداء الثلاثة بوابل من الرصاص والقنابل فسقَط العديد منهم بين جريح وقتيل.

المقاومة التي بدأها الشهداء لم تكن منعزلةً لوحدهم، بل كان هناك عناصر من كتائب القسام منتشرين في كافة المحاور، واستخدموا في تصديهم لعملية الاجتياح صواريخ البتار، وصواريخ القسام، وسلاح B7 إضافة إلى قذائف الـ R.B.G والعبوات الناسفة الموجهة والأرضية والجانبية، بكافة أشكالها وأنواعها وأحجامها.

ويتابع أبو محمود شهادته بالقول: "رأيت بأم عيني دبابةً صهيونيةً وجيبًا آخر تم تفجيرهما، وأخبرني زملائي بتفجير ثلاث دبابات وجيبين في شارع المنطار"، وسيارة الإسعاف الصهيونية التي أقلت مجموعة من الجنود الجرحى والقتلى قرب منزل أبو هين تم تفجيرها بعبوة ناسفة بصورة مباشرة.

الملفت للانتباه أن الصهاينة عمدوا إلى إخفاء كافة آثار خسائرهم؛ حيث إننا بمجرد أن ذهبنا إلى مكان تفجير الجيب الصهيوني لم نجد آثار شيء؛ حيث قام الصهاينة بوضع الرمال، وسحب الأجزاء المعطوبة والمدمرة من المكان لإخفاء خسائرهم الفادحة.

نعود إلى الأشقاء الثلاثة فقد بزغ الفجر والصهاينة لم ينسحبوا بعدُ خلافًا لما جرت عليه العادة، ولعله يرجع سبب ذلك إلى أن الجنود لم يحققوا الهدف من حملتهم، فالإخوة الثلاثة لا زالوا أحياء، ويقاومون بكل بسالة؛ ونتيجة لذلك اشتد القصف الصهيوني على المنزل، واشتدت المقاومة من كل مكان، فاضطرت القوات المعتدية إلى استدعاء المزيد من التعزيزات إلى المنطقة لإحكام القبضة عليها، وتزايدت أعداد الشهداء والجرحى، وبدأت نداءات الاستغاثة من أصحاب المنازل المجاورة التي أصابها الدمار والخراب وكادت أن تقع على رؤوس ساكنيها، وجهرت مكبرات المساجد بالتكبير والتهليل ودعوة المجاهدين في أنحاء غزة للتوجه إلى أرض المعركة ونجدة الناس هناك.

وقبل آذان الظهر وعند الساعة الحادية عشرة والنصف بالتحديد انتهى أجل كل من يوسف ومحمود أبو هين بعد أن أصابهم الرصاص وشظايا الصواريخ التي انهمرت عليهم داخل المنزل، ولم يبقَ إلا أيمن الذي فقد بصره وسمعه وأصيب في أنحاء مختلفة من جسده.

وبالرغم من ذلك لم يستسلم وظل داخل المنزل، لكنَّ العدو أبى إلا أن ينال منه، فمع اقتراب موعد العصر بدأت الدبابات والآليات الصهيونية بالانسحاب تحت تغطية من طائرات الأباتشي التي حلَّقت بكثافة في السماء، وظن الجميع أن من في البيت قد نجَوا، وبعد دقيقتين وأثناء الانسحاب انفجر المنزل الذي طال حصاره من قبل، وصار ركاما على من فيه، ولحِق أيمن بشقيقيه شهيدًا.

ذكريات الأشقاء

حينما يرحل الشهداء تبقى ذكرياتهم الجميلة حيةً في الوجدان؛ لتكون شاهدًا حقيقيًا على تضحياتهم ليذكرها كل ذي عقلٍ وبصيرة.

تقول زوجة الشهيد يوسف بثبات الصابرين "يوسف كان يتمنى أن يُفعل له مثلما كان للشهيد الشيخ صلاح شحادة، فلا تعلَّق له صور ولا يصنع له الطعام".

وأضافت "كما أنه قبل استشهاده كان قد خبَّأ مبلغًا من المال، وقال إن هذا المال هو لتغطية تكاليف عرس شهادته؛ حيث إنه أحب أن يكون ذلك من ماله الخاص".

ويقول ابن عم الشهداء "عندما استشهد يوسف كانت الابتسامة لا تفارق شفتيه حتى دُفِن". أما الشهيد محمود يتصل بأهله قبل أن يُستشهد بساعتين ويطلب منهم إبريق ماء، ويقول لهم "أريد أن أتوضأ حتى ألقى الله وأنا على وضوء".

أما الشهيد أيمن فقد أجرى معه راديو صوت الحرية حوارًا قبل استشهاده بساعات، وهو محاصَر في المنزل، فقال لهم: يطالبوني بالاستسلام ومن معي، وأنا لن أسلم نفسي، وها هو الحزام الناسف على وسطي وجاهز للشهادة".

يقول أحد المقرَّبين من الشهيد أيمن "اتصلنا بأيمن وهو داخل المنزل فقال لنا إن معنوياته عالية"، وأضاف "ظل الاتصال بيننا وبين أيمن حتى سمعنا صوته على الهاتف يردد الشهادتين" ويقول "عندما نفدت معه الذخيرة اتصل بأصحابه واستأذن منهم أن يستخدم الذخيرة الخاصة بهم والمخبأة عنده في المنزل".

المصدر