عبد العزيز مجاهد يكتب : عرفت اللي حصل في الاستئناف؟!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عبد العزيز مجاهد يكتب : عرفت اللي حصل في الاستئناف؟!


(8/2/ 2015)

بات السؤال الأول الذي يفتتح به نزلاء سجون القاهرة الكبرى نقاشاتهم في عربات الترحيلات وساحات المحاكم.

المساجين مجتمع لهم أماكن يلتقون فيها يتناقلون أخبار القضاة والدوائر، يتحدثون عن ارتفاع أجور المحامين وحركة تنقلات الداخلية الأخيرة.

مجتمع له اهتماماته التي يعرفها من سكن زنازين العاصمة،أما ما حصل في سجن استئناف القاهرة فهي قصة أخرى.

على غير العادة وقبل أن يبزغ الفجر على السجن العتيق يمر الجنود على الزنازين، يوقظون كل من فيه، صرخات ولعنات وأصوات، شخط ونطر من ضباط السجن تختلط بأصوات أخرى لا تبدو مألوفة حتى لقدامى النزلاء.

تعالت الهمهمات.. البعض يقول إنه تفتيش مفاجئ وآخرون يتحدثون عن محاولة هروب لم يمض وقت طويل حتى أتى (مساجين الخدمة) بالخبر اليقين.

ومساجين الخدمة هم سماسرة بين المحبوسين وطاقم الحراسة، يهربون كل ما تتخيل إلى السجن ويبيعونه ويتقاسمون الأرباح مع الحراس.

والخبر اليقين أن هذا تنفيذ حكم بالإعدام.

ينادي (كبير السجن): جرى إيه؟، هي دي أول مرة يعدموا فيها حد.

معه حق فالاستئناف هو السجن الوحيد الذي ينفذ فيه الحكم في العاصمة.

لحظات وتتعالى صرخات ضابط صغير السن: مش عايز حد نايم، السجن كله انتباه.

لا أحد يرد، ولا أحد يجرؤ على الرد.

ولا يخالط صياح الضابط سوى تكبيرات تأتي من بعيد.

بين صفوف الجنود، ظهر المحكوم علية بزيه الأحمر، هو من يكبر.

لحية خفيفة، ابتسامة ساخرة وصياح بالتكبير لا ينقطع رغم القيود التي جمعت يديه خلف ظهره، ورغم الجنديين اللذين يحيطان بجسده النحيف، الشاب لا يتوقف عن الهتاف.

لكن مهلًا، ليس وحده من يكبر، من يتبعه ويكبر معه؟

آخر محكوم عليه بالإعدام؟

اثنان آخران؟

ثلاثة أربعة خمسة ستة، بل سبعة!

يلبسون “بدلات” الإعدام الحمراء، ويسيرون في صف خلف بعضهم، هذه لم تحدث في تاريخ البلد! لم يعدم من قبل في مصر سبعة في يوم واحد.

هذا هو السبب إذن.

لكن من هؤلاء الذين يصيحون بالتكبير على أعتاب الموت?

سؤال لم يجد له نزلاء الاستئناف جوابًا، فكل من عاصروا إعدامهم كانوا يطأطئون الرأس وبعضهم يفقد الوعي من شدة الخوف.

بخطوات واثقة، دنا الضابط من المتهمين، وبنظرات واثقة تلا عليهم منطوق حكم المحكمة العسكرية، ناظرًا لأحد الجنود: يلا يا عسكري دخلهم لي واحد ورا التاني.

وقبل أن ينتهي، يخرج (عبد الرحمن) من الصف: أنا سأسبقكم إلى الجنة!! لا تجعلوني أنتظركم هناك طويلًا؟!

لا الضابط ولا جنوده ولا نزلاء السجن يفهمون ما يجري، يتقدم إليه الضابط الصغير متسائلًا: يا ابني أنت عارف أنت رايح فين?

وكأنه لم يتكلم، يمضي عبد الرحمن إلى غرفة الإعدام في أقصى زاوية السجن متشاهدًا ومكبرًا يجر معه جنود الحراسة. المتهمون يتسابقون خلفهم إلى الموت، والجنود يوقفونهم لينتظروا حتى ينقلوا الجثث التي تتقاطر منها الدماء.

الضابط الصغير يصيح في الجنود: خلصني يا ابني أنت وهو.

يقضي يومه متسائلًا عن عقيدة شباب يبتسمون للموت، وعن حياة باتت رخيصة في عيون شباب كانوا قبل أشهر متظاهرين وناخبين.

يتساءل كيف يمكن أن يتعامل وزملاؤه مع من باعوا الحياة فداءً لفكرة يعتنقونها.

كم خلف هؤلاء؟ عشرات مئات؟؟! طلقوا فكرة الدولة وباتوا موقنين أن هدم المعبد على رؤوس الجميع هو السبيل الوحيد للتحرر؟

تساؤلات لم تجد لها إجابة لكن الأكيد أن دماء الضحايا لا تشربها الأرض ولا يبخرها الهواء، وإنما توقد تحتها نارًا لن تبقى طويلًا تحت الرماد!

القصة باتت حديث السجن بل حديث السجون.

والقصة التي أريد لها أن تنتهي في سجن الاستئناف بدأت من غرفة الإعدام!

المصدر