عبد اللطيف زغلول

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث



ولد المرحوم الحاج لطفي زغلول في العام 1915 في أحد أحياء قصبة نابلس القديمة التي كانت آنذاك تحت ظلال الحكم العثماني الذي كان في أواخر أيامه . ويعود بنا تاريخ ميلاده إلى فترة عصيبة من تاريخ بلاد الشام التي كانت تعيش آنذاك ما عرف في التاريخ الشعبي (السفر برلك) وهو فترة الحرب العالمية الأولى (1914-1918) والتي أسفرت عن هزيمة الدولة العثمانية وخروجها من بلاد الشام التي سقطت في أيدي الإحتلالين البريطاني والفرنسي مقاسمة بينهما حسب اتفاقية (سايكس بيكو).


في هذه الحرب تم تجنيد أخيه الأكبر (محمد) في صفوف الجيش العثماني وارسل للقتال في الجبهة الشرقية ضد إمبراطورية روسيا القيصرية آنذاك. وقد انقطعت أخباره ، وساد الظن حينها أنه استشهد. وقد جاء مولد عبداللطيف ليخفف من بعض الحزن الذي اصاب العائلة على فقدان (محمد) أحد ابائها الذي كان في الحقيقة أسيرا في أحد ضواحي مدينة موسكو العاصمة الروسية ، وعاد من بلاد المسكوب في العام 1918.

كانت عائلة عبداللطيف بسيطة ، وكان رب الاسرة والده (الحاج سعيد ) يتباهى على الدوام بماضيه العسكري .فقد كان ضابظا صغيرا في الجيش العثماني . وكان ايضا يذكر بافتخار جده الأكبر الذي كان هو الآخر ضابطا في جيش إبراهيم باشا وهو ابن محمد علي باشا والي مصر الذي جاء على راس حملة على بلاد الشام. وكان الحاج سعيد يردد دائما أن أصل عائلته من مصر وهو ( ناصر الدين) من بلدة دسوق المصرية .


في أثناء خدمته العسكرية حارب (الحاج سعيد) في اليمن وسوريا وشرقي الأردن. وفي العام 1908 ، وهو آخر عهده بالعسكرية كان في صفوف حرس الشرف العثماني الذي رافق الإمبراطور (وليام) الألماني الذي زار القدس آنذاك حاجا إلى أماكنها المقدسة . وقد حصل على ( نيشان ) ألماني أسوة بزملائه الذين كانوا في حرس شرف الإمبراطور .


وبعد أن انتهت خدمته رجع إلى نابلس مسقط رأسه وعمل في إحدى مصابنها فترة من الزمن ثم استاجر دكانا قريبا من داره حيث عمل بقالا حتى سن متأخرة .


في ظل هذه الظروف ولد ( عبد اللطيف) وكان له أخ آخر اسمه (أحمد) أكبر منه . وقد تلقى دروسه الأولية في (كتاب الحارة) . ثم انتقل بعد ذلك إلى المدرسة الهاشمية ، فالصلاحية. وقد كان ذكيا ومجتهدا ، وحفظ أجزاء من القرآن الكريم عن ظهر قلب . وكان مولعا بالشعر والتاريخ العربي الإسلامي . إلا أنه كان لافت النظر في حبه للغة العربية التي أتقنها نحوا وصرفا . وهذا لم يمنعه من ان يتقن اللغة الإنجليزية أيضا.


ونظرا للظروف المعيشية القاسية آنذاك فقد خرج من المدرسة قبل أن يستكمل دراسته الثانوية ، ويومها قدم طلبا لدائرة البريد فقبل موظفا في مدينة حيفا . وفي بداية تعيينه عمل بين فلسطين التي كانت تحت الإنتداب البريطاني ومصر التي كانت هي الأخرى ترزح تحت الإحتلال البريطاني أيضا في توزيع البريد المنقول بالقطار الواصل بينهما آنذاك والذي كان ينتهي في مدينة ( العريش ) المصرية . ثم بعدذلك انتقل إلى العمل المكتبي في دائرة بريد حيفا.


مما جاء في رسالة وجهها إلى أبائه يتحدث فيها عن حياته : ( اشتغلت في الحياة وشققت طريقي فيها شأن كل فقير محروم من حطام الدنيا ، غني بنفسه وروحه وعزيمته وإيمانه ، حتى تمكنت من تأمين مستقبلي إلى حد ما . حرمت من التعليم العالي فانكببت على التحصيل والمطالعة الدائبين حتى ثقفت نفسي بما قصر عنه أبناء الأثرياء المترفين . قاسيت ألم الفقر وذقت مرارة الحرمان ، فلم أفقد ثقتي بنفسي وبالله حتى ضمنت لي عيشا وسطا شريفا حلالا . تنعمت واخشوشنت فبقيت في الحالتين متمسكا بأخلاقي وديني ومثلي في الحياة ، وحظيت طوال ذلك باحترام الجميع . عاشرت جميع الطبقات وعشت مع كل الناس في جحيم هذا ونعيم ذاك . وكنت إذا شعرت بتقصير عن مجاراة المنعمين أغطي هذا النقص بتجاريبي في الحياة من علم وثقافة ومعرفة عامة . فان رأيت أن البذرة ألقيت في تربة غير صالحة انسحبت بكل هدوء ولطف حتى يتاح لي مجال أصلح أو ظرف أنسب.


هكذا قضيت حياتي أحمل فكرة معقولة عن الحياة وأسعى لهدف معقول فيها لا أغلو في أفكاري ولا أتسامح في حقي ولا أفرض نفسي فرضا على الناس والمجتمع . ولم يفتني في أثناء هذا كله أن أسعى لإسعاد أسرتي والترفيه عنها واضعا نصب عيني أن لأهلي وذوي قرابتي حقا علي أؤديه لهم ولكل ذي حاجة ما وسعني ذلك وفي حدود العقل والعاطفة معا) .


وفي العام 1937 تزوج عبداللطيف من إحدى قريباته التي كانت عائدة من (هوندوراس) في أمريكا الوسطى . وقام بتغيير اسمها من (ماريا) إلى (أمل) ، ولكنها ظلت تحمل إسم (مريم) في جواز سفرها وأوراقها الثبوتية الأخرى. وجدير بالذكر أن أمها كانت سيدة مسيحية من بيت لحم يقال أنها اعتنقت الإسلام فيما بعد. وقد رزق عبداللطيف من مريم خمسة اولاد وبنت واحدة ، هم: لطفي ، هدى، نزار ، محمد ، عدنان ، وعماد. وقد ظل يعمل في سلك البريد حتى تقاعد في العام1967 ، قبيل الإحتلال الإسرائيلي بثلاثة أيام.


خدم عبد اللطيف عدة سنوات في حيفا . وفي بداية الأربعينيات كانت الحرب العالمية الثانية على أشدها . فانتقل إلى بريد نابلس حيث عمل هناك حتى انتهاء فترة الإنتداب البريطاني عام 1948 . وفي العهد الأردني شغل عدة وظائف في سلك البريد . فكان مراقبا لهاتف بريد نابلس الذي كان مقره في مبنى المحافظة الحالي الذي دمرته قوات الإحتلال الإسرائيلي في اجتياحها للأراضي الفلسطينية عام 2002 . ثم انتدب من قبل وزارة المواصلات الأردنية آنذاك لتأسيس دوائر بريد في كل من سلفيت ودير الغصون. وفي العام 1963 تولى إدارة بلدية قلقيلية . وفي العام 1965 أصبح مساعدا لمدير بريد نابلس . وفي العام 1967 ، وقبل ثلاثة أيام من الإحتلال الإسرائيلي صدر كتاب احالته على التقاعد.


لم يقف عدم استكمال عبد اللطيف دراسته الثانوية حائلا دون تنامي رغبته في الإقبال على القراءة التي شكلت المساحة الكبرى من اهتماماته وهواياته وأولوياته . وكان الكتاب بالنسبة له الصديق والجليس والأنيس والنديم . فأقبل على اقتناء الكتب الدينية والتاريخية والأدبية ودواوين الشعر . ولا عجب أن ترك وراءه مكتبة عامرة بأمهات الكتب منها المجموعة التي كانت من نصيب نجله الأستاذ لطفي . وكان يقول : ( الكتب غذاء العقول وزينتها ، وليست زينة للمكتبات . إنني بحمد الله قد قرأت كل الكتب التي اقتنيتها وما زلت أقرأها . إن هجر الكتاب بعد قراءته مرة واحدة خطأ وخطيئة . وإن التواصل مع الكتاب صلة لا تفوقها إلا صلة الرحم) .


كان المرحوم عبد اللطيف شديد التمسك والإلتصاق بعروبته وعقيدته الإسلامية ، وكان يعتز بانتمائه إلى التاريخ العربي والإسلامي وانجازات المسلمين الحضارية والثقافية والأمجاد العسكرية . وقد احتلت اللغة العربية اهتمامه الأكبر . وغني عن القول أنه كان يتقن قواعدها نحوا وصرفا إتقانا شاملا. وفي هذا الصدد أعلن مرارا وتكرارا أنه يكاد يقارب على إعراب معظم القرآن الكريم . وكان يؤلمه ويحز في نفسه ما آلت إليه اللغة العربية من تراجع على أيدي أبنائها . وكان يخص بالنقد فئة المتعلمين المثقفين الذين لم يعودوا يحترمون قواعدها ، في حين أنهم كانوا وما زالوا حريصين شديد الحرص على إتقان اللغات الأجنبية . وفي هذا السياق كان ينحي باللائمة على المناهج المدرسية التي فقدت دسمها الإنتمائي على صعيد اللغة والتاريخ والعقيدة جراء موجات الغزو الثقافي والفرنجة والإرتماء في أحضان الأغراب وممارسة التقليد الأعمى.


كان عبداللطيف يحب أبناءه وكافح كفاحا مستميتا حتى حقق هدفه السامي في تعليمهم جميعا تعليما جامعيا فنجحوا في حياتهم العملية . وفي حياته كان يعاملهم كأصدقاء ويحضر بعضا من جلساتهم مع أصدقائهم يناقشون في أمور دينهم ودنياهم ويستمعون إليه مرشدا وموجها وشاعرا.

توفي -رحمه الله -عام 1992


المراجع

1- كتاب (ديوان (نفح الذكرى):عبداللطيف زغلول-مختارات من تراثه الشعري) للشاعر الفلسطيني (لطفي زغلول) نجل الشاعر الراحل.