عرائس في سجون عبد الناصر (2-2)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عرائس في سجون عبد الناصر(2-2)

العروس الثالثة: نادية عبدالمجيد عبدالسميع

كانت لنا وقفه في الحلقة السابقة عن بعض عرائس الدعوة في القرن العشرين وكيف كانت حياتهم منذ أول ليلة لهن مع شريك العمر، فقد عرفت كل أخت أنها تسير على طريق محفوف بالأشواك غير أنهن جميعا تحدين هذه الأشواك رضاء لله جل وعلا.
المعتقلات.jpg

نادية عبدالمجيد عبدالسميع هي أخت القيادي الإخواني في تنظيم 1965م أحمد عبدالمجيد وأيضا أخت الحاجة فوزية عبدالمجيد زوجة الأستاذ السيد نزيلي احد قادة التنظيم والتي تحدثنا عنها من قبل.

نشأت نادية عبدالمجيد عبدالسميع ، حيث ولدت لأب كان يعمل سائقا وقد سافر إلى ليبيا للعمل فيها سائق للملك السنوسي أواخر الأربعينيات، وكانت والدتها ربة منزل وكانا من كرداسة، وكان إخوتها أحمد ومصطفى وكمال ومحمد وأسامة وفوزية وإبتسام.

الأخ والزوج :

أخوها الأكبر هو أحمد عبدالمجيد والذي ولد في 27/9/1933م ، وتخرج في كلية الحقوق جامعة عين شمس عام 1979م وكان أحد قادة تنظيم 1965م مع الشهيد سيد قطب ، تعرف على علي عشماوي من خلال دعوة الإخوان المسلمين، وكانا عضوين في اللجنة الخماسية المسئولة عن إحياء التنظيم مرة أخرى حيث تولى علي عشماوي والذي كان يعمل كاتب الحسابات في إحدى شركات القطاع العام مسئولية القاهرة وتولى أحمد عبدالمجيد مسئولية الصعيد وقسم المعلومات.

يقول أحمد عبدالمجيد:

«ومن المعلوم أن نشاط الإخوان كان قد توقف بعد محنة 1954م، وقامت بعض المحاولات المتواضعة ولم تستمر، إلا أن المحاولة الهامة التي ارتبط بها وتولي قيادتها هي تنظيم 1965م، الذي تأسس عام 1957م بين كل من الضابط المهندس أمين شاهين رحمه الله تعالي وأحمد عبدالمجيد وعلي عشماوي من جهة، والشيخ عبدالفتاح إسماعيل التاجر والشيخ محمد فتحي رفاعي المدرس بالمعاهد الأزهرية من جهة أخري، تم دمجهما عام 1962م،
وانضم لهم بعد ذلك تنظيم الإسكندرية والبحيرة ومثله بقيادة التنظيم مجدي عبدالعزيز متولي، وانضم كذلك صبري عرفة الكومى بدلا من الشيخ فتحي رفاعي الذي سافر للجزائر». (1)

تزوجت من علي عشماوي في يونيو 1965م، وقضت بضعة أيام من شهر العسل في ضيافة الشهيد سيد قطب في رأس البر، لكن هذه الفرحة وهذه السعادة لم تدم كثيرا، حيث قبض على زوجها وأخيها وزوج أختها وأختها في أغسطس 1965م، فما جزعت.

شجاعة نادرة

ما كادت تمر الأيام إلا وقد قبض على زوجها غير أنها صبرت واحتسبت الأمر لله، وقدم الزوج والأخ وزوج الأخت للمحاكمة فحكم على زوجها وأخيها بالإعدام شنقا وعلى زوج أختها الأستاذ السيد نزيلي بالأشغال الشاقة المؤبدة، ثم خفف الحكم عن زوجها وأخيها للأشغال الشاقة المؤبدة.

غير أن الزوجة كانت قد لاحظت ان زوجها منذ أول أيام اعتقاله يعامل معاملة حسنة فهي تأتي له بالملابس المكوية والأكلات الطازجة من البيت كل أسبوع، في حين أن أخاها وزوج أختها يعذبان ولا يلقيان معاملة حسنة، مما زاد من حيرتها، وسارت تبكي دموعا حارة في صمت.

ثم جاءت المحاكمة لتزيل هذا الشك، فقد وجدت من زوجها موقف الخزي والعار، حيث انه إعترف على التنظيم بالتفصيل التام، مما سهل على المباحث معرفة كل أفراد التنظيم، فقد اعترف علي عشماوي بالأشياء التي أرادتها المباحث والأشياء التي لم تسأله عنها، مما كان السبب في صدور الحكام الشديدة ضد الإخوان مقابل أن يخرج من السجن؛

لكن القدر لم يعطه هذه الأمنية فبالرغم من كونه اعترف على التنظيم تفصيليا، إلا أنه ظل في السجن حتى وفاة عبد الناصر في سبتمبر 1970م.

لقد وجدت الزوجة من زوجها موقف لا تقبله الإنسانية فقد اعترف على شقيقها وعلى الشهيد سيد قطب ومحمد يوسف هواش غير أنها لم تجد الوقت مناسبا للنقاش.

يقول المهندس محمد الصروي (أحد شهود على أحداث 1965م):

«ثم صدرت الأحكام فصدر الحكم بإعدام زوجها.. فصارت بين فرح إنها زوجة شهيد.. وألم فراق الزوج الحبيب.. وحيرتها من موقف زوجها في خدمة أهل الباطل الذين ضحوا به في النهاية وحكموا عليه بالإعدام .. تمزق نفسي قاتل.. ثم خفف الحكم وتم ترحيل الجميع من السجن الحربي إلى سجن ليمان طرة..
فشكا لها زوجها سوء معاملة الإخوان له فسألت أخاها الذي أخبرها بموقف زوجها الذي باع القضية كلها .. وسلم رقاب الإخوان كلهم قربانا لشمس بدران الذي صعد السلم إلى الوزارة على جماجم الشهداء .. وخاض في دماء الإخوان خوضا بالمعونة الكبيرة من علي عشماوي». (2)

ظل الزوج يبتعد شيئا فشيئا عن الإخوان وهي تناقشه وتتفاهم معه دون جدوى، ثم أعلن زوجها تركه الإخوان وبدأ يغمز ويلمز فيهم.

فما كان منها إلا أن خيرته وقالت له:

لقد تزوجتك أخا من الإخوان وهذا هو الميزان الذي أزن به الرجال .. أما إذا بعدت عن الإخوان فلا شأن لي بك .. وعاشا شهورا قاسية فهو في سجن لا تبدوا له نهاية فلقد سبع من وعود الجلادين بالإفراج عنه غدا .. ومع ما فعله لهم لم يفرج عنه إلا بعد تسع سنوات سجن.

أما هي فعندما لم يعد لإخوانه طلبت منه بشجاعة لا يقدر عليها إلا عظائم الرجال الطلاق وتم لها ذلك، إلا أن الله عوضها خيرا.. فما كاد الإخوان يخرجون من السجون حتى سارع إليها الأستاذ عبد الرحمن بارود أحد مسئولي الإخوان بفلسطين والذي كان معتقل على ذمة التنظيم وحكم عليه بسبعة سنوات وبعد زواجهما حصل على الدكتوراه في الأدب. (3)

والشاعر الدكتور عبدالرحمن بارود (أبوحذيفة) من مواليد قرية بيت داراس (محافظة غزة) عام 1937م، هجّر من قريته عام 1948م وكان عمر آنذاك 11 عاماً، درس في قريته حتى الصف الخامس الابتدائي، نظم أول قصيدة له بعد الهجرة وكانت في أثناء الدراسة الابتدائية وتحدث فيها عن معركة بيت داراس، حصل على شهادة الليسانس من كلية الآداب قسم اللغة العربية في جامعة القاهرة بتفوق

ومن ثم أكمل دراساته العليا ليحصل على درجة الماجستير والدكتوراه من نفس الجامعة، انتقل بعدها للعمل في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة بوظيفة أستاذ جامعي وقضى في الجامعة ما يقارب الثلاثين عاماً متنقلاً بين أقسام اللغة العربية والدراسات الإسلامية حيث تخرج على يديه الكثير من الطلاب والطالبات وكان له الكثير من المشاركات الأكاديمية والبحثية في هذه الفترة؛

تفرغ بعد ذلك للعمل العام حيث يقضي أغلب وقته في الكتابة وتأليف الشعر ومتابعة الشأن العام وله دور واضح وبارز ومؤثر في أوساط الجالية الفلسطينية في السعودية عموماً وفي جدة خصوصاً. (4)

العروس الرابعة: زوجة الطيار ضياء الطوبجي

التحق ضياء الطوبجي بجماعة الإخوان المسلمين كباقي زملاءه الطيارين، وكان ضمن الأسرة التي أشرف عليها علي عشماوي.

كان محمد ضياء الدين عباس الطوبجي قائد لطائرة بوينج بين القاهرة ولندن، وبعد السفر سنوات أراد أن يستقر مع زوجة طاهرة عفيفة فوقع اختياره على بنت خالته.

زواج على أعتاب الحربي

وافقت على الاقتران من ابن خالتها الطيار، فاخذ الزوج في إعداد شقة الزوجية، فاستأجر الدور الثاني في فيلا الحاجة زينب الغزالي لكي تنعم زوجته بالصحبة الطيبة، وتعيش وسط الأخوات اللاتي يترددن يوميا على الحاجة زينب.

جهز ضياء شقته على أحدث طراز حيث اشترى كثير من الأثاث من لندن، وتم تحديد موعد الزفاف يوم السبت الموافق 21 أغسطس 1965م ويومها ارتدت العروس ثوب الزفاف الأبيض، وارتدى العريس بدلة العرس، وتوجه إلى بيتها ليأخذها معه إلى عش الزوجية غير أن القدر كان يخبئ له ولها شيء فقد قابلته المباحث الجنائية العسكرية واعتقلته وظلت الزوجة منتظرة الزوج حتى علمت باعتقاله وتعذيبه عذابا شديد في السجن الحربي. (5)

وتقول الحاجة زينب:

«وسألت غادة عن ضياء الطوبجي وهل تم زفافه ؟ وكان الجواب أنهم قبضوا عليه ويده في يد عروسته والمأذون ، وقبضوا على عروسته وهى في ملابس الزفاف وعلى أخته منى وأخيه الدكتور».

وتضيف:

«تحت التعذيب سألني شمس بدران: أن عبد العزيز على كان يجتمع مع على عشماوي وعبد الفتاح إسماعيل وضياء الطوبجي، ويحيى حسين، وعبدالمجيد الشاذلي، ومجدي عبد العزيز ،وأنه اجتمع مع سيد قطب عدة مرات بعد خروجه من السجن ، قلت: لا أدرى شيئا عن هذه الاجتماعات». (6)

قدم الزوج للمحاكمة وعمره كان 28 عاما، بناء على أمر إحالة إلى المحكمة العليا في الجناية رقم 12-1965م "أمن دولة عليا"، وحكم عليه بـ(15) عاما في القضية الثانية. (7)

بدلت الزوجة فستانها الأبيض الجميل بفستان يملؤه الحزن والفراق، غير أنه مع مرور السنين ضغط أهلها عليها حتى تزوجت، فيحزن الزوج داخل السجن غير أنه فوض أمره لله.

يقول المهندس الصروي:

«داعبت ضياء فقلت له يا ضياء تعرف تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أخطأك لم يكن ليصيبك)؟ فيقول: تقصد إيه؟، فأقول يعنى تبقى في بقك وتقسم لغيرك، فيقول لا تبقى في زورك وتقسم لغيرك، ثم يقوم فيتوضأ سريعا، فأقول له مداعبا ضياء أنت تتوضأ قصرا، فيقول لا .. أنت تتوضأ تحت الجلد أما أنا فأتوضأ فوق الجلد فقط». (8)

خرج ضياء الطوبجي عام 1974م ويرزقه الله بزوجة صالحة تعوض له كل ما مر من حياته.

العروس الخامسة: زوجة مرسي مصطفى مرسي

كان مرسي مصطفى مرسي يعمل معيد بالمركز القومي للبحوث، حيث وفق للزواج من ابنة لواء في الجيش، وسكنا سويا في الشقة التي أعدها في المساكن الشعبية بإمبابة بلوك 15أ شارع 14، وعاشا سويا في هذه الشقة، كان الزوج قد التحق بجماعة الإخوان.

آتون المحنة

لم تكن تعلم الزوجة أن زوجها وشقتها ستكون طعما تتخذه المباحث العسكرية الجنائية للقبض على الإخوان، فقد سقط تنظيم 1965م أثناء التحقيق في قضية حسين توفيق أن اعترف أحد المتهمين أن الأستاذ يوسف القرش أحد إخوان ميت غمر يمتلك قنبلتين، فتوجهت المباحث وقبضت عليه وعذبته وظلت تقبض على من تعرف أسمائهم

غير أن الأمر كان عاديا لم يتجاوز بضعة أفراد، وتحت التعذيب اعترف الأخ محمود فخري على شقة الباحث مرسي مصطفى مرسي ، فتوجهت المباحث وقبضت عليه وعلى زوجته واتخذت منها مركزا تقبض على كل من يأتي إليها، وممن قبض عليهم علي عشماوي وعبدالفتاح إسماعيل وغيرهم؛

ولم يكن التنظيم قد اكتشف غير أن اعترافات علي عشماوي كانت البوابة التي فتحت جهنم على الإخوان فما كاد عبد الناصر يعلم بأمر التنظيم حتى أصدر قرارا باعتقال كل من سبق اعتقال .

زوج بالزوج إلى السجن الحربي حيث العذاب الرهيب، كما زجت زوجته إلى سجن القناطر مع بقية الأخوات اللاتي اعتقلن. (9)

وقدم زوجها للمحاكمة بناء على قرار النيابة وحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة لمدة 25 عاما. عاش الزوج في السجن يرتل القرآن كما وصفه المهندس الصروي بقوله:" ولقد كنت أتبادل الحفظ مع الأخ الدكتور مرسي مصطفى مرسي حتى أتممنا حفظ القرآن الكريم بفضل الله".

خرجت الزوجة من المعتقل وبعدها بسنين عددا خرج الزوج لينعما بالحياة في رحاب أرض الله الحرام حيث عمل بكلية الزراعة جامعة الملك عبد العزيز بالرياض.

الهوامش

  1. كتاب: سيد قطب بين مؤيديه ومعارضيه، أحمد عبدالمجيد عبدالسميع , كتاب المختار الإسلامي.
  2. كتاب: الإخوان المسلمون ومحنة 1965م... الزلزال والصحوة، محمد الصروي لتحميل الكتاب , Pdf.png دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2004م، ص (381).
  3. حوار أجراه الأستاذ عبده مصطفى دسوقي مع الأستاذ أحمد عبد المجيد عبد السميع يوم 25/7/2007م.
  4. موقع الشاعر الدكتور عبد الرحمن بارود.
  5. كتاب: الإخوان المسلمون ومحنة 1965م ، محمد الصروي مرجع سابق ص (375).
  6. كتاب: أيام من حياتي ، زينب الغزالي دار التوزيع والنشر الإسلامية.
  7. مجلة المجتمع الكويتية ، العدد 1755، الموافق 9/6/2007م .
  8. كتاب: الإخوان المسلمون ومحنة 1965م ، محمد الصروي مرجع سابق ص (376).
  9. كتاب: الإخوان وعبد الناصر، القصة الكاملة لتنظيم 1965م ، أحمد عبدالمجيد كتاب المختار، الطبعة الثالثة، 1427هـ، 2006م، ص(80).

إقرأ أيضا

كتب متعلقة

أبحاث ومقالات متعلقة

تابع أبحاث ومقالات متعلقة

متعلقات

وصلات خارجية

مقالات متعلقة

وصلات فيديو