عزة مختار تكتب : عائدون يا رابعة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عزة مختار تكتب : عائدون يا رابعة

بتاريخ : الأحد 15 سبتمبر 2013

عائدون يا رابعة

وكأنها لم تكن ثلاثين ليلة وكأنها كانت بالأمس ما زالت شواهدها شاخصة أمام ناظرينا وأصوات الرصاص والقنابل المريعة من كل جانب ما زالت تملأ الآذان ورائحة الدماء البارد التي انغمست فيها قدماي رغما عني بمسجد الإيمان بينما أتفحص أسماء جثامين الشهداء عسي أن أجد من بينهم من أعرفه ما زالت تملأ صدري في مثل هذه الليلة منذ ثلاثين ليلة .

كنت قد خرجت من أصعب رحلة خضتها في حياتي كلها ، في الطريق من رابعة وحتى مسجد الإيمان ، نفس الرحلة التي خاضتها جثث أحبابنا من شهداء فض الاعتصام صوت الطفل عبد الرحمن الذي كان ينادي أمه ولا يدري إن كانت حية أو ميتة صوت شخنا الذي ما زال ينادي رغم انقطاع الأنفاس يا عشاق الشهادة هلموا.

يا حبذا الجنة وريحها خطوات ثقيلة من رابعة وحتى مسجد الإيمان أطول رحلة سرتها بحياتي كلها غادرت فيها أطيب مكان عشت به وأطيب صحبة رافقتها وأطهر قلوب عرفتها تبتعد الخطوات عن المسجد المكلوم بينما تفارقني كل حواسي ليكون المبتعد عن المكان فقط جسدي يبكي الطريق وتبكي رابعة وينزف المسجد من دماء الشهداء نغادر المكان تاركين فيها أحباب لنا جثامين بعدما ملئوا الدنيا حبا وطهرا وخيرا وصدقا نغادر المكان الحي بشهداء لن يموتوا ، عند ربهم يرزقون .

يشتكون ظلم الظالم ، وصمت شعب رضي أن يهان ورضي أن تغتصب إرادته غادرنا المكان لنتنسم بعض الشعور بالأمان في صحبة جثامين الأحباب في مسجد الإيمان لنكمل معهم العهد علي مواصلة الطريق ونقسم علي عدم مغادرة رابعة لن نتركها لن نرحل بدونها سنحمل رابعة معنا ستمضي حيثما نكون ولن ننساها ما حيينا وكيف ننسي من هي في قلوبنا .

جزءا منا وصرنا نحن منها ، صارت فينا ، وصارت فينا تعاهدت معهم بينما أراقب من قريب شهيدا حضر توا من محرقة نازية بشعة ، يبحثون معه عن هوية لا هوية الهوية حرقها المجرمين ، سارقوا الأوطان ليحرم حتى من اسمه يا بلادي ليكون اسمه أيا ما يكون وليكتب علي جبينه " مجهول " ابنك صار مجهولا يا وطني ولدك اسمه مجهولا يا رابعة هو فيك يا وطن الغربة مجهول ، لكنه عند الله الشهيد ينادي إمام المسجد اخلوا المسجد يا شباب ، الحرارة تشتد بالمسجد .

والجثث تتغير رائحتها أعلم يا أحبابي أن الحرارة شديدة ، آذيناكم كثيرا بتواجدنا ، لكننا وربي نأنس بتواجدنا بينكم ، فانتم فضل رابعة ، انتم من تبقي لنا منها ، فمنذ الصباح الباكر تشتد حرارة الجو ، رغم غياب الشمس عن رابعة كلها ، لأول مرة منذ عرفت رابعة أجد أن شمسها تغيب ظهرا ، دخان ، قنابل ، غاز ، رصاص ، وغابت الشمس ، لكن الحرارة تشتد ، ما تلك الحرارة ، ولماذا تزداد رغم غياب الشمس ؟

إنهم يحرقون الشهداء إنهم يحرقون المصابين أحياء إنهم يحرقون المسجد إنهم يحرقون رابعة الحرارة تشتد إنهم يحرقون قلوب الأمهات إنهم يحرقون قلب الوطن إنهم يحرقون كل معاني الإنسانية في القلوب الحية إنها النازية في أبشع صورها آذينا الشهداء طويلا وآن لهم أن يستريحوا ويهنئوا بلقاء رب رحيم فما بالها الحرارة ما زالت في تزايد يضيق معه الشهيد أما آن لنيران الحقد تلك أن تختبي وتنتهي إنهم للمرة الثانية يقتلون الشهداء يقتلون شهيدا ؟

نعم : إنهم يقتلون الشهيد يخطفونه يحرمونه حق الدفن والتنعم بالهدوء المكفول له كميت قابيل قتل هابيل ، وتعلم من الطائر كيف يواري جثة أخيه ، ثم دفنه كما تعلم منه قابيل العصر لم يقبل قابيل العصر وجد انه من الكثير علي الشهيد أن يدفن ، فأراد أن ينتزع منه كلمة شهيد ، وجعلها انتحارا ، ثم خطف جثته من المستشفي ، ليقتله مرة ثانية ، وليحرقه مرة ثانية ، وليخفي حتى كلمة مجهول من فوق جبهته الوضيئة آه يا وطني .... آه يا رابعة ...... ما الذي غرستيه فينا وما الذي تبقي لدينا ؟ لماذا تمتد أيدنا للوطن بالحب ويمتد هو لنا بألف قابيل جديد ؟

لماذا يا وطني ولماذا يا رابعة لم تعلمينا كيف نتعايش نتعايش نتعايش معهم نعرف قواعد لعبة البيع فنبيع ونبيع لماذا يا وطني لم تعلمنا كيف نخون لماذا لم تعلمنا كيف يهون العرض ، وتهون الكرامة ، ويهون الشرف ، وتهون الحرية ؟

لماذا يا وطني لم تعلمنا الخنوع ، والانبطاح ، والاستسلام ؟ لماذا يا رابعة لم تغرسي فينا سوي القيم النبيلة ، وأن الحرية أغلي من الحياة ، وأن الأرض في نفاسة العرض ، آه يا وطني ، آه يا رابعة مرت الليالي سريعة وكأنها لم تمر لكن لي فيك يا رابعة روحا ونفسا وعقلا وقلبا تركتهم لديك أمانة حين غادرت ولم يغادروا فعذرا يا رابعة سامحينا أن تركتك ورحلت لكن ما لديك لي سوف يجبرني علي العودة ، سأعود يا رابعة ، حتما سأعود.

المصدر