علي أحمد باكثير وتراثه

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
علي أحمد باكثير وتراثه
سعادة الأستاذ/ علوي طه الصافي ـ

رئيس تحرير مجلة (الفيصل) الغراء

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

وبعد:

فلقد سعدت غاية السعادة بما قرأته لأستاذنا معالي الشيخ عبد الله عمر بلخير. وللأخ الكريم الدكتور محمد أبو بكر حميد، في مجلة (الفيصل) الغراء بعددها رقم (168) عن سيرة وشاعرية أستاذنا الكبير علي أحمد باكثير يرحمه الله.

ولقد أنصف الكاتبان الأستاذ باكثير ـ يرحمه الله ـ وكانا في غاية الوفاء له في وقت تنكّر فيه الكثيرون لأمثاله من الأدباء الذين كانوا قممًا شامخة، وذرى سامقة في ميدان الأدب الهادف البنَّاء، حيث كان باكثير يعتز بأصالته، ويتمسك بعقيدته، ويلتزم بلغته، ويحرص كل الحرص على أن يسخر طاقاته الأدبية في الشعر، أو القصة، أو الرواية، أو المسرحية، أو المقالة، أو النقد، لخدمة عقيدته ورسالته في الحياة.

ويعلم الله أن لي مع هذا الأديب الفذ مواقف ذات تأثير عميق في نفسي، فمنذ كنت طالبًا في الجامعة بمصر سنة 1953م قرأت معظم مسرحياته الصادرة آنذاك، ومنها مسرحية (أبو دلامة)، وأشهد الله أنني أثناء قراءتي لهذه المسرحية لم أشعر إلا والضحك بصوت مسموع وقهقهة عالية يتملكني وأنا أقرؤها، مما يدل على قوة المؤلف وبراعته في انتزاع القارئ؛ ليعيش في أجواء المسرحية، ثم دار الزمن دورته، وقرأت آخر مسرحياته (ملحمة عمر) - 18 جزءًا - التي طبعتها دار البيان في الكويت يوم كنت مقيمًا هناك سنة 1971م، فما ملكت نفسي عن البكاء بنشيج مسموع، وتساقطت دموعي غزارًا على صفحات الكتاب، وبللتها لفرط التأثر؛ لأن الأسلوب الرائع في العرض والحبكة الفنية للمسرحية بلغت أقصى درجات السمو الأدبي الذي يشد القارئ إلى تاريخه الإسلامي الناصع، وأمجاد سلفه الصالح، كالفاروق عمر ـ بطل المسرحية ـ فتجعل القارئ كأنه يشاهد عمر الفاروق، ويسمعه، ويعايش الزمان والمكان والأحداث التي كانت موضوع المسرحية وميدانها، وقد اشترت مديرية الشؤون الإسلامية التي كنت مديرها العام آلاف النسخ وُزِّعت على المراكز والجمعيات والاتحادات والمؤسسات الإسلامية في أنحاء العالم.

إن هذا النمط من الأدباء نادر الوجود، قليل المثال ومعظم شبابنا لا يعرف الكثير عن هؤلاء الأفذاذ من الرجال، ولا يقرأ لهم إلا القليل من القراء الذين ينشدون الحق والصدق، ويسعون إلى الحب والخير، ويعملون للبناء، ويدعون إلى الوحدة.

إن الأستاذ باكثير ـ يرحمه الله ـ تعرض - كما تعرّض الرافعي وغيره - لحملة شرسة وإهمال متعمد من المسيطرين على الإعلام ومعظمهم من اليساريين والعلمانيين ودعاة التغريب، وكانت مسرحية (حبل الغسيل) التي عرَّاهم بها، وكشف مخططاتهم، بالإضافة إلى مسرحيته عن (الزعيم الأوحد) عبد الكريم قاسم، من المسرحيات السياسية القوية التي كان لها أبلغ الأثر في إبطال مقولات دعاة الاشتراكية والقومية والعلمانية، وتفنيد دعاواهم، وفضح زيفهم وهتك أستار باطلهم.

أما مسرحياته عن التاريخ الإسلامي، وعن اليهودية العالمية، فقد كفاني الدكتور محمد أبو بكر حميد مؤنة الكلام عنها، جزاه الله خيرًا.

وكم سرّني هذا الجهد الطيب لجمع تراث باكثير الذي لم يطبع، فضلاً عن المطبوع الذي يحتاج إلى إعادة طباعة؛ ليشيع، ويذيع بين الناس بعد أن عانى طوال السنين الماضية سُحُب التعتيم وقساوة الرقابة الإعلامية التي كانت بأيدي اليساريين والعلمانيين بمصر.

كما سرّني ما سمعته من ثناء على تلك الدراسة القيّمة التي كتبها الشاعر الإسلامي عبد الرحمن العشماوي، ونال بها شهادة علمية، ولم أسعد بعد بالاطلاع عليها.

إن الأستاذ علي أحمد باكثير في حاجة إلى جهد الكثيرين، فهو صاحب مدرسة في الأدب تفوق في نظري مدارس غيره من كُتَّاب المسرحية الذين قرأت لهم، وأقدر جهدهم وأسلوبهم وبعض أفكارهم.

إنني أضم صوتي إلى صوت معالي أستاذنا عبد الله عمر بلخير في أن ينهض الأخ الدكتور محمد أبو بكر حميد وغيره من الغيورين على الأدب الإسلامي في الجزيرة؛ ليؤدوا دورهم في إبراز تراث هذا الأديب الكبير، فهذا من الوفاء له، وفيه الخير العميم لأبناء العروبة والإسلام وشباب الصحوة الإسلامية الذين يتطلعون إلى الأدب الهادف البنَّاء في كل مجالاته شعرًا ونثرًا.

ولعل (رابطة الأدب الإسلامي) التي أنشئت حديثًا، وتضم عددًا من الأدباء والشعراء والنقاد في عالمنا العربي والإسلامي، تشارك في دورها المطلوب نحو هذا الأديب الإسلامي الكبير الذي أضاعه قومه في الليالي الظلماء حتى خلا الجو للخفافيش الحمر من أدعياء الأدب الذين تنكروا لعقيدتهم، وانسلخوا عن أمتهم، وهجروا لغتهم، وذابوا في الفكر الوافد من الشرق والغرب، وطرحوا شعار الحداثة والمعاصرة بديلاً عن تراثنا ولغتنا.

ومن أجل تحقيق ما دعا إليه الكاتبان الفاضلان: بلخير وحميد، أهيب بالمقتدرين وذوي اليسار من أبناء وطننا الحبيب أن ينفقوا أموالهم لطباعة تراث هذا الأديب الملتزم الذي هو مفخرة لكل عربي ومسلم، كما أناشد صحافتنا الوطنية والعربية أن تعطي أدب باكثير ما يستحق من التعريف والعناية والاهتمام، كما أدعو أبناءنا الأعزاء من طلاب الدراسات العليا لتقديم البحوث وكتابة الرسائل عن شخصية باكثير ومؤلفاته الشعرية والنثرية، فالأدب الإسلامي من أساليب الدعوة، وبخاصة في عصرنا الحاضر، فكم من قصة، أو رواية، أو مسرحية، أو قصيدة، أو مقالة، كانت السبب في هداية قارئها إلى الطريق المستقيم.

ولست أنسى فضل الأديب الأستاذ سعود بن عبد العزيز العقيل حين وجّهني وأنا في المرحلة الثانوية لقراءة شعر المتنبي، وأدب الرافعي، فأقبلت عليهما قراءة وحفظًا، حتى صرت أحفظ الكثير من نصوص الرافعي، فضلاً عن قصائد أبي الطيب المتنبي، مما كان له أطيب الأثر في التزام المنهج الإسلامي في الأدب.

وأخيرًا أتقدم بالشكر الجزيل لمجلة (الفيصل) الغراء على هذا العطاء الخيِّر والمنبر الحر، والأدب الرصين، راجيًا لها المزيد من التوفيق والسداد والهدى والرشاد، والله الموفق لعمل الخير وخير العمل.

الأمين العام المساعد برابطة العالم الإسلامي

عبد الله عقيل سليمان العقيل

المصدر