علي عبد الفتاح: رحلتي من نار العنف إلى نور الإخوان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
علي عبد الفتاح: رحلتي من نار العنف إلى نور الإخوان

[15-12-2004]

مقدمة

- بدأت مع الجماعة الإسلامية.. وفي السجن اقتنعت بمبادئ الإخوان

- أدركنا قوة الدولة وأن الإخوان أكثر خبرة فبدأنا المراجعة الذاتية

- أقول للشباب: نحن دعوة ولسنا دولة واضبطوا حماستكم بضوابط الإخوان

بدأ حياتَه الدعوية مع الجماعة الإسلامية في فترة اتسمت بالحماس الشديد الذي يفتقد إلى الترشيد والفقه الدعوي الصحيح، وكان يرى أن التغيير لا بد أن يكون بمجابهة مباشرة مع الباطل، ولكن أثناء اعتقاله منَّ الله عليه بنعمة مراجعة النفس فأخذ يقلب أفكاره ويعيد حساباته، فأيقن بسلامة منهج الإخوان المسلمين الذي يهدف إلى تربية الفرد والأسرة والمجتمع ككل، وأن التغيير لا بد أن يتفق مع سنن الله في الخلق، فخرج من المعتقل، وبدأ العمل مع الإخوان.

إنه المهندس السكندري علي عبد الفتاح، الذي التقت به شبكة (إخوان أون لاين) لينقل تجربته وخبراته لإخوانه الشباب في مجال الدعوة الإسلامية.


النكسة والشيخ عاشور!!

بدأت فكرة الالتزام لديَّ نتيجةً لمجموعة من العوامل والمواقف التي تراكمت على مرِّ السنين، تاركةً الأثر في داخلي، فأذكر وأنا صغير كانت البلاد تعاني من آثار نكسة 67، فسمعت الشيخ عاشور- عضو مجلس الشعب وقتها- وهو يقول لعبد الناصر:
إن سبب النكسة هو انتشار موضة "الميكرو جيب"، فضحك المجلس وأخذ عبد الناصر يتندَّر ويقول للشيخ عاشور: "وأنت بتبص ليه يا شيخ"..!! فترك ذلك الموقف في نفسي الأثر؛ حيث أرجع الشيخُ سببَ النكسة والهزيمة إلى المعاصي والبعد عن طريق الله.
بعد ذلك بدأت الدعوة تنمو في المساجد التي تحولت من مجرد دور للعبادة إلى منارة للعلم ذات الاهتمامات المتنوعة، مثل دروس التقوية والدروس الدينية، وتم الإعلان وقتها عن جبهة علماء الإسكندرية والتي أثرت في الشعب السكندري كثيرًا.


الإيمان سبب النصر

  • هل كان الارتباط بالمسجد التزامًا أم رغبةً في الاستفادة من دروس التقوية الموجودة بالمسجد؟
في هذه الفترة لم يكن هناك سلوك التزامي حقيقي تجاه الفرد، فكنت أذهب للمسجد لحضور دروس التقوية فقط.. لكن بعد فترة بدأ الشعور الديني لدَى الناس ينمو، وظهر ذلك مع انتصارات 73 وارتباط عوامل النصر بالحالة الإيمانية للمجتمع.
  • وما أثر ارتباط النصر بالإيمان في أكتوبر على الشعب في هذه الفترة؟
في هذه الفترة كان الشعب كله- وليس الشباب فقط- على يقين بأن الإيمان هو سبب النصر، حتى الأناشيد والأغاني الوطنية ظهر فيها ذلك، فنجد.. (الله أكبر.. بسم الله.. بسم الله.. ، أذِّن وكبر بسم الله بسم الله)؛ مما ألهب حماس الجماهير وجعله يربط بين النصر المتحقق في رمضان والأناشيد والأغاني والخطب ودروس العلم في المساجد وفي أشياء كثيرة، وظهر ذلك بشكل واضح في الشوارع، وأصبح الشباب يتمسك بالكثير من مظاهر الالتزام الديني ويرتاد المساجد بعد ما كانت للشيوخ فقط.


بدايتي مع الإخوان

بدأ الإخوان- وقتها- يخرجون من السجون وكان مسجد الإخوان (مصعب) أمام بيتي، فبدأت أتعرف على أفراد من الإخوان وظهرت وقتها آراء لجماعة التكفير والهجرة، وأخذت الصحف تكتب عنهم وعن آرائهم الشاذة.. كتحريم الباذنجان والملوخية.. الأمر الذي طرح في ذهني أسئلةً عدة، منها: هل يجب العمل في جماعة؟‍ وإذا كان الله سيحاسبنا فردًا فردًا فلماذا الجماعة؟‍ وكان نفس السؤال يطرح في أذهان الكثير من الشباب وقتها.
ورغم أني كنت قبل الإعدادية لا أصلي ولا أصوم شهر رمضان.. إلا أنني في هذه الفترة بدأت مصاحبة رواد المسجد وبدأت ألتحي، فدخلت الجامعة في 1976م وقد تغير سلوكي العام تمامًا بتغير المناخ العام في مصر.
تميزت هذه الفترة بالعنف والتغيير بالقوة، ومن رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، ولم نكن نعلم أن التغير باليد ملك للسلطان فقط أو من له حق التغيير بالقوة أو لمن يلزمك التغيير فيهم، وإلا ستتحول البلاد إلى فوضى، واستشعرنا وقتها كجماعة إسلامية أن القوة سبيل التغيير.
(يصمت قليلاً كأنه يتذكر شيئًا ثم يقول):
عند دخولي الجامعة وجدت أفراد الجماعة الإسلامية يقومون بالفصل بين الطلبة والطالبات، وذات مرة جلس شاب في أماكن الطالبات فحاولوا أن يتكلموا معه، فقال لهم: من أعطاكم السلطان في الفصل بين الطلبة والطالبات؟! أنتم لستم من إدارة الجامعة أو أعضاء هيئة تدريس، وهذا المكان ملك لمن يأتي أولاً.. فما هي سلطتكم..؟ وما هي قوتكم؟!
فكنت وقتها متحمسًا، فضربته على وجهه بالقلم؛ كنتيجة للفقه المنقوص الذي انتشر وقتها بيننا، ويضيف قائلاً: في هذه الفترة بدأت الحياة العامة تصبح حافلةً بالمؤتمرات والمسيرات التي انطلقت في الشوارع لمناصرة أفغانستان.. يقودها الشيخ أحمد المحلاوي وشباب الجامعة، وقد أعلنوا من خلالها رفضهم لفكرة التكفير.
  • هل كان هناك تمييز واضح وقتها بين الأفكار الإسلامية على الساحة؟
لا.. فقد كانت المعسكرات الأولية للجماعة الإسلامية لا تميز بين فكر وآخر.. إلى أن بدأ التمييز في سنة 1980م بين الإخوان المسلمين وغيرهم.


رفض التطبيع وحرق الأعلام

  • ماذا كان موقفكم من التطبيع وعقد اتفاقية (كامب ديفيد) مع الصهاينة؟
عندما حضر بيجن إلى الإسكندرية أعلنا رفضنا وجوده، وحرقنا الأعلام الصهيونية، ورفضنا التطبيع بشدة، فكان رد الحكومة علينا باعتقال عدد كبير منا، منهم الدكتور إبراهيم الزعفراني، وكان وقتها الأستاذ عادل عيد- المحامي المعروف وعضو مجلس الشعب- ينتمي للإخوان المسلمين وأخبرنا أن الموضوع أكبر مما كنا نتوقع، فقمنا بتكوين مجموعات للدفاع عن المعتقلين، وأخرى لتوفير الطعام لهم، وثالثة لرعاية منازلهم، وكنت أزورهم يوميًّا في المعتقل.. أعرف أخبارهم، وأنقل لهم أخبار الخارج.


تجربة الاعتقال

  • متى كانت أول تجربة اعتُقلت فيها..؟ وكيف تمت؟
في يوم 13أكتوبر عام 1981م- يوم الاستفتاء على الرئيس مبارك- وأثناء زيارتي للإخوان المعتقَلين تمت محاصرتي ونقلي إلى مباحث أمن الدولة، ومنها إلى مديرية الأمن ثم إلى سجن "أبو زعبل"، وهذه الحادثة كانت نقطة تحول في حياتي؛ حيث كان عمري وقتها 22 عامًا.
  • وكيف تعاملت مع الموقف؟
كان الاعتقال وحياة السجن تجربةً جديدةً، فقد كنا نحو 76 شخصًا مسجونين في مساحة 30 مترًا، وكنا من مختلف الاتجاهات والأفكار، وكان من بيننا أفراد لا يعلمون لماذا هم معتقلون.. وبعد مرور شهرين أو ثلاثة أشهر أحسسنا بقوة الدولة وضرورة أن نتغير نحن كجماعات إسلامية تدعو للتغيير بالقوة، وأن الإخوان أكثر خبرةً، وبدا لنا أن الأمر أكبر مما كنا نتصور، فشعرنا بالقلق، وأثناء ذلك وجدنا بين المعتقلين من حُكم عليه بالإعدام وعفي عنه، لكنه عاد مرةً أخرى للسجن مستمسكًا بفكرته، فعلمنا أن الأمر مرتبط بعقيدة وآخرة، فراجعنا مواقفنا من الدعوة، وتساءلنا هل سنكمل رغم إمكانية تعرضنا للإعدام؟‍ وهل تساوي الآخرة هذه التضحيات أم لا؟‍


ذكرياتي معهم في السجن!!

أتاح لنا السجن الاختلاط المباشر مع الإخوان، فتعلمنا منهم أن هناك فرقًا بين الحكمة والمداهنة، وكان مما قاله لنا الأستاذ أحمد حسين ليُثبتنا به: "إن من سيخرج من هنا ليدعو إلى الله فسيعود مرةً أخرى.. فالأصل هو السجن، وأن من سيخرج ويترك الدعوة فقد أراحها الله منه".
فأصبحت الأمور لدينا محسومة، والقناعة القلبية التي كنا نتميز بها قبل السجن أصبحت عقليةً أيضًا، وذادت واتضحت أمامنا سلامة المنهج النظري للإخوان، وبذلك كان السجن منحةً من الله، فلقد وفرت لنا الدولة الاحتكاك المباشر مع الإخوان؛ مما ساعد على تكوين صور ذهنية واضحة عنهم وعن فكرتهم وتعاملاتهم وقُدرتهم على احتواء الناس، ودرسنا خلالها محاضرات في معالم الفكر والمنهج الإخواني، وشرح الأصول العشرين، وبدأنا ندرس العلوم الشرعية بشكل مكثَّف.
  • وما المدة التي قضيتها في المعتقل؟
مكثت في أبو زعبل 9 أشهر و13 يومًا.. تعلمت خلالها أشياءً كثيرةً في أمور الدعوة، وتبينت حقيقة الطريق الذي يجب أن أسير فيه، وعندما خرجتُ قمت بالعمل الدعوي من خلال مسجد (عصر الإسلام).
  • كيف كانت الحالة العامة في رمضان داخل السجن؟
كنا نحاول دائمًا تخفيف الأمر بعضنا على البعض، فمثلاً قمنا بعمل1760 كارت معايدة داخل السجن.. رسمناهم بخط اليد، ووضعناهم في أكياس كُتب عليها اسم السجين، ودعونا جميع السجناء كذلك لإفطار جماعي شارك الجميع بطعامه ووضعه على بطانية، وجلس على غيرها ليأكل كل فرد من طعام الآخر وتم دعوة مأمور السجن، وحينها قال البعض: الإخوان يُطعمون الطواغيت.


كلمتي للشباب

لا أستطيع أن أقول للشباب تخلَّ عن حماسك ونشاطك، ولكن أضبطهم بضوابط الإخوان؛ فنحن دعوة ولسنا دولة، ونحن لا نكفِّر أحدًا.. بل ندعو الناس إلى الفكر المعتدل الوسطي دون تهور ودون أن ننظر نظرةً علويةً للآخرين، وأقول لهم: تحمَّسوا لفكرتكم، وانشروها بين الناس، وتفاعلوا بقضيتكم، وتفاعلوا مع قضايا الأمة؛ فأنتم الآن أكثر نضجًا وثقافةً.
نريد منكم أن يتعمق الحب بينكم، وأن يتعمق حب الدعوة في قلوبكم، وأن تضحوا بأوقاتكم وأموالكم.. برغم ظروف الحياة القاسية الآن، ولنحمل الدعوة لكل الناس.. المسلم وغيره.. وعلينا أن نعكس الاعتدال في الفكر والسماحة في الدعوة، والمطلوب بحق من الشباب أن يتميزوا بالعمل لا بالكلام.
وعلى الشباب كذلك أن يتعلم ثقافة الوسط الذي يعيشه، فيعرف مشكلة مصر أين.. ويعرف تصورات عامة حول الخروج من الأزمة، ومشكلة فلسطين والعراق، وما الحلول..؟ وما هي الحالة السياسية التي تعيشها مصر؟ والتغيرات الأيدلوجية الحادثة؟ وما التيارات الأخرى الموجودة؟ وما مساحات الاختلاف لنقللها؟ وما مساحات الاتفاق لنقويها؟ وكذلك لا بد أن يعرف تطورات الصراع وشيئًا عن النظام العالمي الجديد وتاريخه..؟‍
  • وكلمتك إلى شباب الجامعات على وجه الخصوص..!!
شباب الجامعات مستقبل مصر، وإذا أردنا أن نقيم مصر سنقيم الشباب (ثقافته، انتماءه، هويته)؛ فتمسكوا بانتمائكم وهويتكم، واستمروا في نضالكم السلمي؛ من أجل إسقاط اللوائح التي تريد أن تحاصر عملكم السياسي الطلابي داخل الجامعات، لا بد وأن تعبِّروا عن هويتكم وتعكسوا صورتكم الإسلامية المعتدلة، والإسلام الحضاري الذي يتسع لكل البشر ويقبل التنوع والاختلاف.. مسيحي.. شيوعي.. ناصري.
ولا بد أن تجاهدوا لتعبِّروا عن وجودكم، وتصرُّوا على ذلك؛ لأننا لا نقبل أن يصادر أحد حرياتنا ويمنعنا من التعبير عن أنفسنا؛ حتى لا تأتي الأجيال المقبلة وهي غير قادرة على النضال أو إدارة الأمور في مصر.


المهندس علي عبد الفتاح

- من مواليد 18مايو 1958م.

- التحق بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية عام 1976م.

- حصل على بكالوريوس هندسة، ثم ليسانس شريعة إسلامية من جامعة الأزهر.

- يعمل الآن مهندسًا ميكانيكًّا.

المصدر