عملية ميناء اسدود .. صفعات قوية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عملية ميناء اسدود .. صفعات قوية

بقلم : الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

لم تكن العملية الاستشهادية الأخيرة التي تم تنفيذها في ميناء اسدود -

تلك المدينة الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948م ولا زالت ترزح تحت الاحتلال إلى يومنا هذا - عملية عادية، بل هي عملية استراتيجية كما وصفها الشيخ المجاهد أحمد ياسين، وأقر بذلك قادة العدو الصهيوني، فقد سددت هذه العملية عدة صفعات سيكون لها بالغ الأثر على مستقبل المخططات الخبيثة التي تدور اليوم في الخفاء بين أطراف عدة على رأسها يتربع كل من أمريكا والكيان الصهيوني بشارونيته الوحشية، ولم يعد سرا أن على رأس سلم أولويات هذه المخططات سحق رأس المقاومة الفلسطينية، لأن المقاومة أثبتت بجدارة أنها البديل النظيف والواقعي والموضوعي لنظرية الانحناء الفاشلة والمفرطة بالثوابت والحقوق أمام عاصفة الظلم والقهر والعدوان الصهيو – أمريكية.

ولقد بدأت المقاومة تتبوأ مكانها الذي يليق بها، وتفرض وجودها بقوة على مسرح الأحداث، مما جعل القفز عنها، أو تجاهلها أمرا غير ممكن، ومن هنا بدأ التفكير الجدي بالقضاء عليها قبل المضي في أي خطوة سياسية تصفوية جديدة، فشرعوا بتوجيه ضربات عسكرية، وأخرى سياسية، وثالثة اجتماعية، ومن هنا كان التزامن العجيب والمريب بين عمليات استهداف المجاهدين المتلاحقة، وبين إعلان قرار شارون بالهروب من غزة من جانب واحد، وبين قيام الصهاينة بعملية السطو المسلح لسرقة أموال المؤسسات الخيرية الإسلامية من البنوك في رام الله، وبين ما قامت به السلطة من تجميد لأموال تلك المؤسسات الخيرية الإسلامية في قطاع غزة والضفة الغربية، هذه الأمور لم تكن لتقع متزامنة مصادفة فأنا ممن لا يؤمن بالصدفة.

وخطورة هذه العملية النوعية الفذة على المخطط الصهيو – أمريكي أنها جاءت في أوج الخطوات العملية في تنفيذه، مما سيكون له أثر كبير على إفشاله، فكل المخططات السابقة أفشلتها المقاومة بعون الله.

لقد كشفت الابتسامة التي علت وجهي الشهيدين إدراكهما الواعي لما هما مقدمان عليه من عمل عظيم له ما بعده، ولقد رافقتهما العناية الإلهية في تسديد أعظم الصفعات للوحش الصهيوني الذي حل به الذهول مما حدث، ولولا البرهان القوي وهو وجود الجسدين الطاهرين في ميدان الواقعة لتحولت العملية في الدعاية الصهيونية إلى انفجار أنبوبة للغاز كما حاول العدو أن يزعم في بداية الأمر، ولكن كان لابد من إعلان ما لا يمكن إخفاؤه رغم ما في الإعلان من مرارة.

ومعظم الصفعات تلقتها أجهزة الأمن الصهيونية، فقد تمرغ أنف نظرية الأمن الصهيونية في الوحل وعفا عليها الزمن :

فالصفعة الأولى كانت بسبب كون العملية من قطاع غزة، القطاع المحاصر بما كان يسمى الجدار الأمني، فقد أسقطت هذه العملية مزاعم العدو الصهيوني في أن إقامة جدار النهب الصهيوني للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية إنما يقام لأسباب أمنية، وسقطت بهذه العملية آمال الصهاينة الذين لم يرحلوا بعد عن فلسطين بأن يتحقق لهم الأمن من وراء الجدر، فسقوط هذا الجدار اليوم يذكرنا بسقوط خط بارليف عام 1973م على يد المجاهدين المصريين الأبطال.

وأما الصفعة الثانية فالمرفق الذي تم استهدافه وهو ميناء اسدود الفلسطيني المغتصب، فباعتراف العدو أن الإجراءات الأمنية في هذا المرفق كانت عالية جدا، وهذا يعني ببساطة شديدة أن قادة المقاومة الفلسطينية الذين لم يتخرجوا من الأكاديميات العسكرية برهنوا على أنهم أكثر ذكاء وحنكة وتخطيطا من جنرالات العدو الصهيوني الذين يُسَوِّقون أنفسهم على أنهم الأكفأ في العالم، كما أن هذه العملية تعد ضربة قوية للعصب الاقتصادي للعدو الصهيوني الذي مازال يستخدم سلاح التجويع ضد شعبنا المرابط في فلسطين.

وأما الصفعة الثالثة فلأن العملية كانت مشتركة بين أكبر فصيلين فلسطينيين، وهذا يعني أن هناك إجماعا في الشارع الفلسطيني على خيار المقاومة، ومثل هذا الإجماع كفيل أن تتبخر أمامه أماني العدو الصهيوني في حدوث اقتتال فلسطيني فلسطيني، أو حدوث وقف للمقاومة في حال هروب العدو من قطاع غزة.

وأما الصفعة الرابعة فلأن هذه العملية كفيلة بأن تضيق هامش المناورة لدى شارون وهو يعد للهروب من قطاع غزة، فلن يعود قادرا على البقاء في قطاع غزة إلى أن يحقق ما يصبو إليه من إنجاز في الضفة الغربية عبر الصفقات، ولن يعود قادرا على البقاء إلى أن يتمكن من الهروب دون أن يُصبغ هروبه بعار الهزيمة أمام المقاومة الفلسطينية.

وأما الصفعة الخامسة فلأن هذه العملية قد دللت بقوة على أن قادة حماس لا يبالون بما يطلقه قادة العصابات الصهيونية بين الفينة والأخرى من تهديدات بتصفيتهم، لا لأن قادة حماس قادرون على توفير الأمن لأنفسهم بواقع 100%، ولكن لأنهم يؤمنون أن الآجال بيد الله وحده، فتراهم يأخذون بالأسباب ثم يتوكلون على الله سبحانه، كما أنهم واللهُ يشهد يحبون الشهادة في سبيل الله ويتمنونها، فليسوا والحمد لله ممن قال الله فيهم "وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ"، ولكنهم إن شاء الله يقفون في خندق الذين قالوا " فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا"، وهذا يعد فشلا جديدا لشارون الذي كان يحلم بإيقاف العمليات الصهيونية في العمق الصهيوني عن طريق إرهاب قادة حركة حماس.

وهناك صفعة جاءت على هامش الصفعات ربما لم تكن في وارد تفكير القادة العسكريين الذين خططوا لهذه العملية القوية، وهذه الصفعة لم تكن موجهة للعصابات الصهيونية ولكنها أصابت من غير رامٍ الذين أعلنوا الحرب على خيار المقاومة من غير اليهود، أولئك الذين يتسابقون فرحين للتشكيك بسلامة القيادة العسكرية لفصائل المقاومة من الاختراق الأمني، فبعد كل عملية اغتيال ينفذها قادة العصابات الصهيونية يسارع هؤلاء لاتهام الصف الأول في القيادة العسكرية بأنه مخترق أمنيا، فعجبا لأمرهم لماذا لا يسارعون الآن ليعترفوا ويقروا أن القيادة المخترقة لا يمكن أن تنفذ عملية كهذه؟!!

ولماذا لا يبادرون بعد نجاح هذه العملية لاتهام الصف القيادي لدى العدو الصهيوني بأنه مخترق من قبل أجهزة المقاومة الفلسطينية وقد حدث ذلك من قبل؟!!، يكفيهم اليوم صفعة أن حقيقتهم قد افتضحت أمام شعبنا الفلسطيني.

المصدر