فخري صويلح

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
فخري صويلح ..إخوان الأردن

موقع إخوان الأردن

توطئة

شيع مئات المواطنين عصر 6/ 11/ 2012م جثمان القيادي في الحركة الإسلامية الدكتور فخري صويلح إلى مثواه الأخير في مقبرة النعيمة بمحافظة اربد.

وشارك في التشييع العديد من الشخصيات القيادية في الحركة الإسلامية أمثال المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور همام سعيد وأمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ حمزة منصور وأعضاء المكتب التنفيذي للحركة.

وألقى القيادي في الحركة الإسلامية الدكتور علي العتوم كلمة في نهاية التشييع قال فيها: "هذه سنة المسلمين بأن يتشاركوا في الآمال والآلام فالمؤمنون إخوة".

وأضاف "نحضر اليوم وفاة أحد إخواننا القادة في هذه الدعوة العظيمة دعوة الإخوان التي هي دعوة إسلامية ربانية"، لافتا إلى أنه يعرف الفقيد منذ 46 عاما كان يشار إليه بالبنان، وكان جلدا صبورا على العمل لا يكل ولا يمل وجمع إخوانه على دعوة لا اله إلا الله.

وأكد أن دعوة حسن البنا ماضية حتى تصل إلى غايتها.

ودعا العتوم في نهاية كلمته للفقيد ولعامة المسلمين بالثبات والرحمة.

يذكر أن الدكتور فخري صويلح توفي إثر مرض سرطان في الدماغ ، وهو اختصاصي طب أطفال، يعد أحد كبار قيادات الحركة الإسلامية في محافظة اربد، وهو شخصية اجتماعية لها بصمات بارزة في العمل العام والتطوعي، ويعرف بخلقه النبيل وتسامحه وحبه الشديد لنشر الخير.

كما كتب الدكتور علي العتوم يرثي صاحبه بقوله

ما إنْ انْقضت سنتان على بدء عملي في جامعة اليرموك –وقد كان الدكتور أبو محمد فخري محمد صويلح رحمه الله نائب شعبة الإخوان في إربد التي كانت تمتد من المفرق شرقاً إلى الغور غرباً– حتى جرت انتخابات هيئة إدارية جديدة، كنت أحد أعضائها، وهو نائب الشعبة إلى أواخر العام (1988م)، حيث غادرت بعد الفصل من الجامعة إثر أحداثها المشهورة (1986م) إلى الإمارات العربية للتدريس في جامعة عجمان لمدة ثلاث سنوات، عدت بعدها لاستئناف التدريس في جامعة اليرموك، إثر صدور قرار رسمي بالسماح بعودة المفصولين من الجامعة إليها.

وفي هذه الفترة (بداية التسعينيات) من القرن الغارب، وقد مرَّ على الأخ فخري نائباً للشعبة حتى ذلك الوقت ما يزيد على اثني عشر عاماً، أصبحت نائباً للشعبة المذكورة، وهو أحد أعضائها لفترةٍ من الوقت، قُسِّمت بعدها شعبة إربد إلى عدة شعب.

ومن ثمَّ أصبح هو نائب إحدى شعبتي القصبة وبعض الألوية حولها، وأنا نائب شعبتها الأخرى وبعض ألويتها كذلك.

إنّ الفترة التي جئت فيها إلى إربد للتدريس في جامعة اليرموك في هذه الآناء، كانت فترة حسّاسة، فيها انفتاحٌ على المجتمع واسع، وتطوّر لنمط الحياة كبير، وتنوّع لطيوف المجتمع عريض، وانفساح لميادين العلم مديد، واتّساع للصحوة الإسلامية فسيح، وإقبال على الدعوة ملموس.

وأهمّ من ذلك الحال التي كانت تمر بها دعوة الإخوان في سورية، وانعكاس آثارها على الوضع الإخواني في الأردن بالذات.

هذه الفترة التي تشمل من القرن المنصرم أواخر السبعينيات إلى أوائل التسعينيات كانت بحاجة إلى يد تحمل الراية بقوّة، وتَلُمُّ الشعث بتصميم، وتسير بالدعوة إلى الأمام بعزم، متخطية عواثير الطريق، وسادّةً الفراغ الحاصل من غياب بعض الدعاة الأوائل عن الساحة، لسبب أو لآخر، فكان الأخ فخري هو الأخ الكريم الذي حُمِّل الراية فحملها بجدٍ وهمّة، ومضاء وإقدام.

لم يكن الأخ فخري خطيباً أو مدرساً أو محاضراً، ليتعرف إليه الناس بشكل واسع أو يتعرف هو عليهم بالصورة نفسها، مما يجعله تحت الأضواء.

وقد تكون طبيعة عمله المهني طبيب أطفالٍ، بل طبيعته الذاتية من العوامل الرئيسة بهذا الشأن، وقد يكون زهده في الأضواء أصلاً، وميله إلى ميدان العمل هو الذي رسم له هذا السمت، ولعل انشغاله بإداريات الدعوة، هو العامل الأكبر في هذا الأمر.

وعلى كُلٍ، فإن الأخ الكريم رحمه الله كان –أحسبه كذلك ولا أزكيه على الله– صاحب همّةٍ عالية، وعزيمة نافذة، صُلب المِراس، صبوراً جلداً، إداريّاً جادّاً، لا يحب الجِدال، والإفاضة في الحديث، والإطالة في جلسات الإدارة، ولكنّ أعماله وآراءه وقراراته كانت ناجزة ومؤثِّرة، ونتائج حركته ونشاطه وإدارياته تظهر للعِيان في أوساط الإخوان: اتّساعَ رقعةٍ للدعوة، وتنامِي أعداد، وازدهارَ لجانٍ وأقسام.

لقد كان الرجل صادقاً فيما يراه أو يذهب إليه من توجّهات، وكان ولا شك يتبنّى الرأي الأقوى، غير أنّه لم يكنْ رجلاً تأخذه العاطفة، أو يستنيم للإطراء، أو يُخادَعُ عن نفسه وعن حقيقة الدعوة ونصاعتها.

ومن هنا كان على الرغم من محاولة بعضهم مجاملته لجرِّه إلى ما يهواه من مواقف فيها لِينٌ، لا ينطلي عليه ذلك. ولهذا كان رحمه الله يعرف الرجال، وحقيقة أوزانهم، وما يصلحون له في الدعوة.

لقد مرت في الفترة التي أشرت إليها بالدعوة عامّةً، وبإخوان إربد خاصة أحداثٌ شِدادٌ، يضطرب منها الكثيرون، وينوء بحملها الأشدّاء.

ومن ذلك آثار أحداث سوريّة وما نتج عنها بسببٍ مباشر أو غير مباشر من تفجيرات في إربد، ومن ثمَّ أحداث جامعة اليرموك واعتصام طلبتها المشهور داخلها الذي نتج عنه مداهمة قوات الأمن ليلاً للجامعة واقتحام حرمها، ومن ثمَّ قتل عددٍ من طلابها وجرح الكثيرين وما تبع ذلك من فصلٍ لعددٍ من الإخوان من وظائفهم. فكان فيها الأخ فخري ثابت الجَنان، أدار مرحلتها إدارةً ناجحةً.

ومن هذه المسؤوليات التي تحمّلها بوفاء آنئذٍ كذلك، إدارته للانتخابات النيابية التكميلية سنة (1984م)، ومن ثمَّ الكاملة سنتي (1989 و1993م) بكل حنكة وحَصافةٍ.

ومن ذلك إدارته الإشرافية على المدرسة الإسلامية، وبعدها بداية التسعينيات على تنظيم طلاب الجامعة، وكنت أحد معاونيه فيه.

شاركت الأخ فخري في إدارة الشعبة كما قلت عدّة سنوات فكان نعم النائب القائد، وشاركته لفترةٍ كنت فيها نائب الشعبة وهو أحد أعضائها، فكان نعم الجندي الملتزم.

وكُلِّفْتُ في عهده فترة الثمانينيات برئاسة قسم نشر الدعوة في وقت اشتدت فيه على الدعوة القبضةُ الأمنية.

فكان درس الثلاثاء في المسجد الكبير، مُراقَباً ومُتابَعاً كلُّ من يحضره ومُحاسَباً، في فترة جدُّ عصيبة مرت على الدعوة والدعاة: فصلاً واعتقالاً وملاحقةً وإثارة إشاعاتٍ وأكاذيب، ولكنه كان نعم الأخ الوطيد اللُّبّ والمدير الناجح.

وإنني هنا –وبكل تأكيدٍ– لا أقول: إنّه رحمه الله وحده الذي كان يقوم بهذه الإنجازات الكبيرة أو تُنسب إليه دون غيره النجاحات فيها.

فمع أنّ الفضل لله أولاً وأخيراً ومن ثمَّ لجهوده الكبيرة، فإنّ العديد من عامّة الإخوان أو ممن كانوا يشاركونه في الهيئات الإدارية أو يتولون الأقسام المتعددة في الدعوة كانوا من العوامل الرئيسة في هذه النجاحات في وقت كانت الطاعة فيما لا معصية لله فيه، عبادةً، ودروساً تُطبقُ.

وإنّني هنا وأنا أؤبِّنه أخاً حبيباً، أعرف له قدره، وقد عزَّ عليَّ فراقه، بعد أنْ كنت أخفُّ لزيارته في عيادته في أثناء وجودي في مكتب مجلس النواب في إربد، وبعدما حلَّ به المرض كلّما علمت أنّه يرقد على سرير الشفاء في المستشفى أو في بيته، أو دائم السؤال عنه إذا لم يكن بالإمكان زيارته لاشتداد المرض عليه، كنت أشعر وأنا أزوره أنّي أؤدي له عليَّ حقَّ الأخوّة التي أعرفها فيه تُجاهي كذلك. كيف لا وقد رافقته سنواتٍ في جلسات الهيئة الإدارية، أو الذهاب معاً لتفقد أحوال الإخوان، وحلِّ بعض المشكلات الناجمة في مختلف نواحي الشعبة المترامية الأطراف.

أجل، إنّني هنا –وأنا أذكر محاسنه من قبيل ذكر الفضل لأهله– لن أنسى تلك الرفقة التي كنت معه فيها بسيارته، وقد أبى إلاّ أنْ يرافقني في ليلةٍ باردةٍ ضبابيّةٍ، يكاد المرء إذا أخرج يده فيها لا يراها؛ ليشاركني في العزاء بوفاة أحد أعمامي الكبار في سوف، وذلك بداية الثمانينيات من القرن السالف، كما لا أنسى موقفه وبعض الإخوان عندما قررت الجماعة في إربد قبل بضعة عشر عاماً أن تقوم باعتصامٍ حاشدٍ أمام المدرسة الإسلامية بعد صلاة جمعة، وأكون أنا الخطيب فيه، حين حاول أحد رجال الأمن المعروفين في إربد بكلِّ «عَباطةٍ» أنْ يتناولني بيده وأنا أخطب، فيوقفني عن الكلام، أو يعمل على اعتقالي، أو إيذائي بصورةٍ من الصور، فما كان منه رحمه الله ومن بعض إخوانه الشباب وآخرين من العامّة، إلاّ أنْ أحاطوا بي، ومنعوا ذلك العنصر من أنْ يقترب مني، ومن ثمَّ دفعوه بعيداً، فاندفع خائِباً خاسِراً.

كما لا أنسى وهذا مني من قبيل الثناء المكافئ لما كان يبديه تُجاهي من إحسان ظنٍ سألت الله وأسأله أن أكون له أهلاً ، وهو أنّه لما حاول يوماً أن يستعفي من نيابة الشعبة أواسط الثمانينيات من القرن الماضي لبعض الإشكاليات، وقد حضر حينذاك إلى إربد أستاذنا الجليل أبو ماجد ليستجلي الأمر، سأله: إذا كنت عازماً على ذلك فمن ترشحه خلفاً لك؟ قال له: إنّني أرشح الدكتور علي العتوم.

وهذا ما حدثني به وقتها أخونا أبو ماجد المراقب العام رحمه الله.

ولست أنسى كذلك قولته لي يوماً -وأنا أذكر له تهجُّم أحد الإخوان عليَّ في جلسةٍ إخوانية تنظيمية، تهجّماً لا أساس له من الصحة على الإطلاق، وقد جاء مفاجئاً هكذا، وبلا مقدِّماتٍ أو أسبابٍ - : لا بأس يا أخي عليّ، اصبرْ واحتسبْ، فإنّ من يريد أنْ يتقرب من أصحاب السلطان لا بدَّ من أنْ يقدّم الثمن فيقدح بأمثالك وينال منهم. وسبحان الله لم تمرَّ سنواتٌ قلائل حتى انسلخ هذا الأخ من الدعوة انسلاخ الشاة من جلدها، وصار جد مقرب من الدولة، تنقله من موقعٍ إلى موقع. وعندها عرفت تأويلها، وأدركت زكانة ما ذهب إليه أخي فخري من صدق نظرةٍ، وصواب رأيٍ.

أخي فخري، ما كنت أحسب -وقد زرناك أنا ومجموعة من إخواني في اللجنة الاجتماعية لحزب جبهة العمل قبل رمضان الفائت، زيارة محبّةٍ وتواصل وردِ جميل، ومن ثمَّ تكرمت ودعوتني أنا وثلّة من إخوانك لتناول طعام الإفطار في بيتك أيام رمضان المذكور، وقد أصررتَ عليَّ وأكدت بالحضور قبل أيامٍ من وقت الدعوة حتّى لا أشغل بموعدٍ آخر جزاك الله خيراً- أنّك ستفارقنا بهذه السرعة، وأنْ يأخذ منك المرض مأخذه، ولكنْ ممّا خفف المُصاب أنّ الله اختارك إلى جواره فجر يوم الاثنين (20 من ذي الحجة 1433هـ، 5/11/2012م) في ساعة مباركة من يومٍ مبارك، وشهرٍ مبارك، وشهودُ جنازتك والصلاةُ عليك في مسجد عثمان بن عفان في بلدة النّعيّمة مسقط رأسك يوم الثلاثاء (21 من ذي الحجة 1433هـ، 6/11/2012م) وتشييعك إلى أن وُورِيتَ الثرى هناك.

حيث كان لي على القبر كلمة، وكنتُ من الذين اصطفّوا مع إخوانك وأهلك –استجابةً لرغبتهم في تقبل العزاء معهم– ومن ثمَّ حضوري إلى بيت العزاء في إربد وإلقاء كلمة ثانية، وثالثة في ختام أيّام العزاء يومَ الجمعة (9/11/2012م) كلها ثناءٌ عليك بما تستحقه، ودعاءٌ لك بالقبول عند الله، وهو بعض ما أؤدِّيه من واجب عليّ تُجاهك أخي الحبيب، ولكنْ لا حول ولا قوة إلا بالله، أسأل الله أن تكون ممّن يصدق فيك قوله تعالى: (مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ، وما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً).

ويقول عبدالرحمن الدويري

رحمك الله أبا محمد، فما أنت إلا ذلك العبدُ، نَفَضَ يدَه من الدنيا وأوضَارِها، قبلَما ينقلبُ عنها إلى طيبِ المأوى فيمن يُرتجى لهم الشمول في فضل أرحم الراحمين.

نعم كل الناس يموتون؛ لكن ليس كلُّهم يُحسنُ اختيار علامَ يموت، وما أراك أبا محمد إلا قد اخترت مبكرا، فأعطيت العهد أن تكونَ كُلُّك لله ولدعوته، وها أنت على العَهد تموت، فلك اليوم - إن شاء الله تعالى- جزاءُ القاضين نحبهم، ولك بالأمس أجر المنتظرين، وما بدلوا تبديلا.

في شارع الهاشمي في إربد يافطة بيضاء صغيرة تطلّ إلى الجنوب مكتوب عليها: عيادة الدكتور فخري صويلح، لو كان لصاحبها غرضٌ في الدينا لكان له شأن في الشهرة والغنى أوائل السبعينيات، لكنه الغرضُ القريب والمتاع القليل الذي تَفْرَقُ منه نفس المؤمن وتخاف، فجعل منها عيادة تحمل آلام الأمة وأحلامها، وتعالج فكرها وأحوالها قبلما تعالج أبدان شبابها وأبنائها.

تدخلُ العيادةَ فلا تقع عينُك على شيء ذي بال.. أثاث متواضع.. أكوام من المنشورات .. المطويات.. الأعلام واليافطات والكتيّبات.. رجل مربوع القامة، حليقُ الذّقن لا يخطر ببالك للحظة أن هذا الرجل هو قائد الإخوان المسلمين في الشمال كله من المفرق إلى الأغوار وما بينهما، تُطوى جميعا طيّ الثوب لتكون بين يدي ربّ الأمانة وراعيها ونعمَ القائد والراعي.

لو كان للولاء والمواطنة ميزان صحيح لكان الرجل عِيارَه، ولو كان للكيل أداة لكان أبو محمد أرْدبَّهُ وصاعه، لكن في عصر الوَضاعة تختلُّ المعايير وتنقلب المقاييس، فيصير الرجل وإخوانه الأبرار دُخلاء في زحمة النفاق على أبواب الولاء الكاذب، إذ لا ولاء يصحُّ إلا على أساس الحق، ولا انتماء إلا يصدُق على أساس التلقي من السماء، وإلا فلا، ولاء ولا انتماء.

إنه زمن التهريج حيثُ يُضربُ على الأحرار والشرفاء بسور يحول بينهم وبين الناس والقرار، ويتصدَّر المشهد الحُثالات والصِّغِار، ممن تَربوا على أكلِ الذُّل، وشُرب الصغَار، من الذين يمتلكون جلودا وأقنعة بعدد المطامع والأدوار، ولما كان الرجل طبيعيا صافيا فطريا، بلا أقنعة حِيلَ بينه وبين الوصول لرئاسة بلدية إربد عام 1992م، لأن الصناديق الأمنية الضَّيقة لا مرُّ من خلاها إلا الذين رَقَّ دينهم وخلقهم، وهانت عليهم نفوسهم وشخصياتهم، وأنت أبا محمد عظُمَ دينُك، وتجسّد خُلقك، وعزّت عليك نفسُك فكَرُمَت، وحضرت شخصيتُك فاستقلّ قرارك، وكان قرارك من رأسك لا من رأس سواك، فأنَّى لمثلك المرور في زمن الزيف، وزحمة النفاق والارتزاق، وصولة التجبّر الغرور؟!!

ما ضَرَّك أبا محمد أن تكون خفيَّا على العيون، مجهولا في المحافل، وأنت تحتَ عين الله وفي سِجلّ المجاهدين حاضِرٌ ماثل!! ما ضرَّك أن تكون صاحب النَقَب، ذلك الملثم الذي فتح الحصون، وجحفل الجيوش وجاء بالفتح، وكأنك اشترطت أن لا تُعرف فتُمدحَ، وأردت الأجر كامَّلا، فكنت نموذجا في التجرُّد، وصرت دعوة الصالحين الذين يحمون القلاع مِن بعدُ : " اللهمّ احشُرني مع صاحب النَّقَب". دعوةٌ ظفر بها مَسْلَمة بن عبد الملك في جولته مع الروم، وجدّدتها أنت على الأثَر.

هل تَخونُني الذاكرة!؟ وأنت تروى كيف جمعت الشَّتات، وأخذت منهم البيعة، فأجابك لها منهم ثمانية وأربعون، وردّك الأخيرُ رَدَّ الجُفاة الغلاظ، فما ساءك ذلك، وانطلقت بالركب تزرع إخوانك فسائلَ زاكيةً في تُربة الوطن ردحاً مِن الزّمن، وها هي - أبا محمد - فسائلُك غدت نخلا، جوابا عن أُحجية الحبيب صلى الله عليه وسلم - حين قال: « مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ، لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَلاَ يَتَحَاتُّ »، فَقَالَ الْقَوْمُ هِي شَجَرَةُ كَذَا .

هِي شَجَرَةُ كَذَا ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِي النَّخْلَةُ .

وَأَنَا غُلاَمٌ شَابٌّ فَاسْتَحْيَيْتُ ، فَقَالَ « هِي النَّخْلَةُ » .

لك الله أبا محمد، ولله درّك قائدا فذا آثر الخفاء، وأحسن البلاء، وأحفل الدلاء بالخير، حتى جاءت للشمال كله بها الفيض من الأطهار الذين يبذلون لك العهد أن يكملوا المشوار.

أنت فخري، وفخرُ دعوة الإخوان، وفخرُ كتيبة الأحرار، وفخرُ الدّار والأوطان، مررت من هنا، وجزت الحياة سهما للحق ما أخطأ هدفه، ولا ضل طريقه، وجسّدت للسالكين سيرة الصالحين، فكنت تغريدة المربِّي للمريدين: خذْ لك زادين مِن سيرةٍ *** ومن عملٍ صالح يدّخرْ

وكُن في الطريق عفيفَ الخُطى *** شريفَ السَّماع كريم النظرْ

وكُن رجلاً إن أتوا بَعدَهُ *** يقولون مَرّ، وهذا الأثرْ

ويقول د/ عبدالله فرج الله

حين التحقت بركب جماعة الإخوان المسلمين في بداية الثمانينيات من القرن الماضي في مدينة إربد، ما كنت أظن للحظة واحدة أن الدكتور فخري صويلح (أبو محمد) هو قائد الجماعة في شمال المملكة، لا بل لم يكن اسمه معروفاً عندنا، وكنا نعرف رموزاً كبيرة، كن نظنها هي القيادة، ولا أظن أن الأمر كان يخطر ببال أحد ممن يعرف هذه الدعوة المباركة، ويتعامل مع بعض أشخاصها.. وذلك لسبب بسيط جداً أن أبا محمد لم يكن خطيباً، ولا واعظاً، ولا مصلحاً عشائرياً، ولا ناشطاً في المجالات التي ينشط فيها الحزبيون والمنظمون والمثقفون في العادة..

وهذا الأمر قاله لنا كثيرون حين قررت الجماعة في إربد ترشيح الدكتور فخري لرئاسة بلدية إربد، سنة 1992م.. لكن الجماعة كانت مطمئنة وهي تتخذ قرارها لأنها تضع الرجل المناسب في المكان المناسب، فالبلدية ليست بحاجة لخطيب يهز أعواد المنابر، بقدر حاجتها لإداري من طراز رفيع، مثل الدكتور فخري صويلح- رحمه الله- وكان ترشيحه آنذاك مزعجاً جداً للأجهزة الأمنية، بدرجة كبيرة، الأمر الذي استدعى تدخلاً مبكراً ومفضوحاً من هذه الأجهزة لتزوير الانتخابات.. لمعرفتهم بصلابة الرجل وقوته وحزمه، وعدم إمكانية التأثير عليه بأي حال من الأحوال.. فكان الواجب الأمني أن لا يأتي رئيساً للبلدية، وبأي ثمن؟ وفعلاً كان لهم ما أرادوا، فمفاتيح صناديق الاقتراع للأسف كانت ومازالت بأيديهم.

الدكتور فخري صويلح الذي قاد جماعة الإخوان المسلمين في شمال المملكة الأردنية كله، لفترة طويلة، يوم كانت شعبة ممتدة من الرمثا حتى الأغوار الشمالية، لم يكن خطيباً، ولا متحدثاً، كما أسلفت بل كان قليل الكلام، لكنه كان قائداً يمتلك فنون القيادة، ويقف الخطباء الأجلاء بين يديه، يستمعون توجيهاته، ويتلقون انتقاداته، ويحرصون على سماع آرائه.. وفي الحقيقة كانت إربد متميزة بهذه السمة، أنها لم تقع بما يقع به الكثيرون في العادة عند الانتخاب والتصويت، فيتم تقديم البارزين في الخطابة والمواعظ والدروس للمواقع القيادية.

كان لي شرف القرب من الدكتور فخري صويلح، الذي أدعي أنه كان يحبني كثيراً، كما كنت أحبه حب القائد والوالد، كان يمتاز بصفات عظيمة، تشكل في مجموعها مدرسة خاصة في القيادة، نستطيع أن نطلق عليها مدرسة (القيادة الفخرية) وفعلاً كانت قيادة فاخرة وفخرية، من أهم ميزاتها:

الحزم، فقد كان حازماً، لا يعرف التردد، إن قال التزم، وإن أمر لا يراجع.. وكان معروفاً للجميع بهذه الصفة.. وكم فعلاً حسم أموراً كثيرة وبشكل مباشر وسريع، لو لم تحسم لفتحت أبواب الفتن داخل الصف.. وكان حزمه هذا يستدعي منه سرعة التدخل والحضور، الأمر الذي يؤكد حضور القيادة وجديتها.. وكان يرى البعض من إخواننا في هذا الحزم صورة القسوة والجمود، والشدة، وهذا بنظره يخالف قول الله تعالى:" وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ".

لكنه ما علم أن من لوازم التنظيم الدقيق في مرحلة الأحكام العرفية، والمداهمات والملاحقات الأمنية يتطلب كل هذا الحزم.

الصراحة والمواجهة، فهو صريح وواضح، في أقواله وتوجيهاته وقيادته.. وبعيد عن المجاملة، بل لعله لا يعرف شيئاً اسمه المجاملة، فلم يكن يجامل أحداً في أمور الدعوة والتنظيم على الإطلاق، مهما كان موقع هذا الأخ، ومهما كانت مكانته في التنظيم، لا تمنعه صراحته من المواجهة المباشرة مع صاحب العلاقة، مهما كانت حساسية الأمر.

الخصوصية، وأقصد هنا خصوصية التنظيم والمهام، ما كان –رحمه الله- يتحدث بالأمر إلا لصاحبه، ولا يعطي المعلومة إلا لأهلها، بل كان يضن في المعلومات حتى على أهلها، إلا بالقدر المناسب.. فالمعلومة عنده ليست مستباحة، بل لها قدسيتها، وخصوصيتها. ولا يجوز عنده التفريط بها، ومن التفريط بها أن تقولها لصاحبها بحضور غيره.

احترام الوقت، وكان هذا واضحاً في سيرته القيادية –رحمه الله- في المحافظة على بدء اللقاءات في موعدها المحدد، وعدم إعطاء الفرصة لأي كان في إضاعتها في غير برنامجها.. فكانت مختصرة على ما عقدت من أجله، بعيداً عن المداخلات التي في الغالب تسرق الوقت وتهدره.

ندرة الكلام واختصاره، وكان-رحمه الله- يطالب الآخرين بالاختصار، وعدم الإطالة، والدخول بالموضوع المراد بشكل مباشر، وتقديم وجهة النظر والمقترح بأقل ما يمكن من التعبير غير المخل ولا الممل، وهو في الحقيقة محق بهذا، لأن بعض المتحدثين مدمن على الإطالة المملة.

رحم الله شيخنا وأستاذنا ووالدنا الحبيب الدكتور فخري صويلح، الذي عاش متجرداً لدعوته، واقفاً جهده ووقته وفكره وعيادته التي تحولت إلى مركز قيادة للشعبة، كل ذلك أوقفه لهذه الدعوة المباركة.. إن قده مؤلم، وغيابه عزيز، وسيترك فراغاً كبيراً، غير أن الأمر لا مرد له، وهو نافذ بحكم الله تعالى، لكنني أظن أن الذين عاشوا في كنف مدرسته المدرسة الفخرية الفاخرة، لن ينسوا أستاذهم وشيخهم الكبير، لن ينسوه في تجرده وزهده وبذله وصبره وحزمه وقوته في الحق، وجرأته في حمل دعوته.. فلن تغلق مدرسته الدعوية المباركة بإذن الله.

روابط خارجية

1-تشييع القيادي في الحركة الاسلامية الدكتور فخري صويلح موقع:إخوان الأردن

2-الدكتور فخري صويلح موت على العهدموقع:أخبار وطن

3-الدكتور فخري صويلح..مدرسة لن تغلق بموته!!موقع:البوصلة للأنباء

للمزيد عن الإخوان في الأردن

من أعلام الإخوان في الأردن

روابط داخلية

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة

أخبار متعلقة

تابع أخبار متعلقة

وصلات فيديو

.


بيانات صادرة عن الإخوان في الأردن