فلسطين أرض الرباط والبطولات

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
فلسطين أرض الرباط والبطولات
توفيق الواعي.jpg

بقلم د. " توفيق الواعي "

فلسطين مهبط الرسالات وموطن النبوات، وملتقى القارات، وأرض بيت المقدس، وأكناف المقدس، وأرض الإسراء والمعراج، وأولى القبلتين، وثاني المسجدين، وأرض المحشر والمنشر، والأرض المباركة، وأرض الرباط، رجالها ونساؤها مرابطون إلى يوم القيامة، من اختارها لإقامته فهو في رباط إلى يوم الدين؛ لرفعِهِم لواء الحق، وجندُهم خير أجناد الأرض، لا يزالون يجاهدون في سبيل الإيمان، لا يضرُّهم من خَذَلهم حتى يأتيَ وعدُ الله وهم ظاهرون على الحق.

فلسطين بوابة الأمة العربية والإسلامية، يردُّ أهلها عن الأمة الشرورَ والآثامَ والأعداءَ والطامعين، فبِجُندها وعلى أرضها كُسِرَت شوكةُ الصليبيين، وطُهِّر بيت المقدس وأكنافُ بيت المقدس من الأعداء الطامعين المحتلِّين على يد "صلاح الدين"، ويومها أنشد "أبو الحسن الجويني" قصيدته التي هنَّأ بها "صلاح الدين" بفتح القدس يوم الإسراء والمعراج، فقال:

جندُ السَّماءِ لهذا المَلكِ أعوَانُ

مَن شكَّ فيه فهذا الفتحُ بُرهانُ!!

هَذِي الفتوحُ فتوحُ الأنبياءِ ومَا

لها سِوَى الشُّكرِ بالأفعَالِ أثمانُ

أضحَت مُلوكُ الفِرنجِ الصِّيدِ في يدِه

صَيدًا وما ضعُفُوا يومًا وما هانُوا

ويوم اجتاح التتار ديار المسلمين، وهدَموا الخلافة، وخرَّبوا المكتبات، ودمَّروا كل معالم الحضارة، وانطلق السلطان "قطز" وقائده الظاهر "بيبرس" على رأس خير أجناد الأرض، لملاقاة التتار في موقعة (عين جالوت) وهزموا التتار، وارتدوا على أدبارهم خاسرين.

واليوم تواجه أرض الرياط غزوة من أشرس الغزوات، غزوة تدفعها أحقاد قديمة قدم رسالة الإسلام ، تقوم عليها نفوس شريرة مفطورة على الحقد والكراهية، وإثارة الحروب ونشر الفساد والرذيلة، نفوس تعادي الإنسانية قاطبةً، وتسعى جاهدةً إلى إفساد الآخرين، ومن ثمَّ تدميرهم، بعنصرية حتى النخاع، تعشق سفك الدماء، ولو كانت دماء الأنبياء؛ ولهذا يصدق عليهم قول المؤرخين: "إنهم قتلة الأنبياء"؛ فقد قتلوا من أنبيائهم الجمَّ الغفير، فهل يرحمون أحدًا؟!

ولكن- لله الحمد والمنة- قد عَرف جيل فلسطين اليوم مَن هم، ومن آباؤهم وأجدادهم، ومن اليهود، ومَن أسلافهم؟ وسيعلم الباغي على مَن تدور الدوائر!!

أولئكَ آبَائِي فَجِئنِي بمثلِهِم

إذا جَمَعَتنَا يَا "جَرِيرُ" المَجَامِعُ

علموا أن الجهاد فريضةٌ لحماية الديار والأوطان، وأنَّ القوةَ الغاشمةَ الصهيونيةَ لا يردعُها إلا رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضَى نحبَه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلاً، وعرفوا أنَّ كبَر الأماني يقتضي كبَر الرجال، وأنَّ الحق لا بدَّ له من قوة، وصدق القائل:

ومَا نيلُ المَطَالِبِ بالتَّمَنِّي

ولكِن تُؤخَذُ الدُّنيا غِلابًا

وما استعصَى عَلَى قومٍ مُنَالٌ

إذا الإقدامُ كانَ لَهُم رِكَابًا

وشباب فلسطين اليوم- الذين يدافعون عن أرضهم وعن أعراضهم وعن دينهم، ويقفون كالطود الراسخ في وجه الصهيونية العالمية ومَن وراءَها- لمفخرةٌ للجميعِ ومثلٌ حيٌّ يُضرب للأمة اليوم، يذكِّر بقول الله سبحانه: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ* إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ (أل عمران: 139،140).

رأت الأمة كلُّها- من شرقها إلى غربها- الشبابَ الناهضَ وهو يحارب الصهاينة بالحجارة؛ لأنه لا يَجدُ غيرها، ويطاردهم وهم يركبون دباباتهم وهو حافي القدمين، وكأنه يقول لأصحاب السلاح، ولمالكي الرواجِم والدبابات: عزائمنا هي السلاح، وصدورُنا هي الدبابات، وحجارتنا هي المدافع، فلا نامت أعينُ الجُبَناءُ، ويقول للمترفين الذين ينظرون إليه خاوي الوفاض، جائع البطن، عاري الجسد، ويتطلعون إلى الأموال المهدَرَة، والأرصدةِ المنفَقَة على الملذَّات والفِسق، ويتذكَّرون قول ربهم: ﴿وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ (هود: من الآية 116)، فيشكرون ربهم على نعمة الإيمان والإسلام، وأن جعلَهُم ذُخْرًا لأمتهم وسنَدًا، وصدق الله: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ (الإسراء: 16).

وما النُّفس إلاَّ حيثُ يجعلُهَا الفَتَى

فإن طَمِعَت تَاقت وإلا تسلَّت

لقد فطم المجاهدون نفوسهم عن الدينا وعن الوهن، فاستقامت لهم وعزَّت، وما تركوها ترعى كالحيوان، وتسرح كالمواشي، فتهونُ وتذلُ وتتمرَّغ في الأوحال.

وكَانَت عَلَى الأيامِ نَفسِي عزيزةً

فلمَّا رأت صَبرِي على الذُّلِّ ذَلَّتِ

فقلتُ لها: يا نَفسُ مُوتِي كريمةً

فقَد كَانَت الدُّينا لَنَا ثُمَّ وَلَّتِ

هذا الجيل المجاهد العظيم- إن شاء الله- هو الذي سيوقِظ الأمة، وسيربي القادةَ العِظامَ، ويُغيِّر الشريحة الواهية التي لا تعرف معروفًا ولا تنكر منكرًا، وهم يعرفون صعوبةَ الطريق؛ ولكنهم يستعدُّون له، وطولَ الدرب؛ ولكنهم يشحذون أمامه العزائم، ويقول أحدهم: "نحن نعلم طول الدرب، وقد أعددنا له الصبر الطويل والزادَ العظيم، الذي به تعلو المقامات، وتُرفع به أقدارُ الرجال.. نحنُ نعلمُ كم أعدَّ لنا أعداؤنا من سلاحٍ وجندٍ، وتربُّصٍ وغدرٍ، ونعلم كذلك ضعفَ قومنا وجُبنَ قادَتِنا، ولكننا متوكلون على الله: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ (آل عمران:173).

إنَّ اللَّيالِي والأيامَ حاملةٌ

ولَيسَ يعلمُ غيرُ اللهِ مَا تَلِدُ

وستَلِدُ الخيرَ لهؤلاء الرجال- إن شاء الله-: ﴿وَسَيَعْلَمْ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ (الشعراء: من الآية227).

المصدر

قالب:روابط توفيق الواعى