في ذكراه الرابعة.. الرنتيسي أسد فلسطين الذي وأد أحلام الصهاينة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
في ذكراه الرابعة.. الرنتيسي أسد فلسطين الذي وأد أحلام الصهاينة


أجهش المصلون في مساجد غزة بالبكاء بعد الانتهاء من أدائهم لصلاة العشاء إثر شيوع نبأ اغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي زعيم حركة المقاومة الإسلامية حماس واثنين من مرافقيه في قصف سيارته في أحد شوارع مدينة غزة .

ولم يكن المصلون يعرفون تعرُّض عبد العزيز الرنتيسي لعملية الاغتيال؛ حيث وقعت العملية أثناء أدائهم لصلاة العشاء، وبعد انتهاء الصلاة تسرَّب الخبر إلى المصلين الذين أجهشوا بالبكاء وتضرَّعوا بالدعاء إلى الله أن يحميَ الشعب الفلسطيني وقادته، وأن يتقبَّل الدكتور عبد العزيز الرنتيسي شهيدًا.

وخرجت مسيراتٌ بشكلٍ عشوائي من كافة مساجد غزة، وتوجَّهت إلى مستشفى الشفاء في المدينة، وإلى منزل الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، فيما عمَّت حالة الاستنفار الشديد في المدينة، وسادت حالة من الغضب.

نشأته وحياته الجهادية

د. عبد العزيز الرنتيسي يتحدث حاملاً بندقية

- وُلِد عبد العزيز علي عبد الحفيظ الرنتيسي في 23/10/ 1947 م في قرية يبنا (بين عسقلان ويافا)، لجأت أسرته بعد حرب 1948 إلى قطاع غزة واستقرت في مخيم خان يونس للاجئين، وكان عمره وقتها ستة شهور، نشأ عبد العزيز الرنتيسي بين تسعة إخوة وأختين.

التحق وهو في السادسة من عمره بمدرسةٍ تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، واضطر للعمل أيضًا وهو في هذا العمر ليساهم في إعالةِ أسرته الكبيرة التي كانت تمرُّ بظروفٍ صعبة.

- وأنهى دراسته الثانوية عام 1965 ، وتخرَّج في كلية الطب بجامعة الإسكندرية عام 1972 م، ونال منها لاحقًا درجة الماجستير في طب الأطفال، ثم عمِل طبيبًا مقيمًا في مستشفى ناصر (المركز الطبي الرئيسي في خان يونس) عام 1976 م.

- متزوَّج وأب لستة أولاد (ابنان وأربع بنات).

- شغل الدكتور عبد العزيز الرنتيسي عدة مواقع في العمل العام؛ منها عضوية هيئة إدارية في المجمع الإسلامي، والجمعية الطبية العربية ب قطاع غزة (نقابة الأطباء)، والهلال الأحمر الفلسطيني، وعمل في الجامعة الإسلامية في مدينة غزة منذ افتتاحها عام 1978 محاضرًا، يدرس مساقاتٍ في العلوم وعلم الوراثة وعلم الطفيليات.

- وقد اعتقل عبد العزيز الرنتيسي عام 1983 بسبب رفضه دفع الضرائب لسلطات الاحتلال، وفي 5 يناير 1988 جرى اعتقاله لمدة 21 يومًا، وأسس مع الشيخ أحمد ياسين وثلة من نشطاء الحركة الإسلامية في قطاع غزة تنظيم حركة المقاومة الإسلامية حماس في القطاع عام 1987 م.

- وفي 4 فبراير 1988 م عادت قوات الاحتلال لتعتقله؛ حيث ظلَّ محتجزًا في سجون الاحتلال لمدة عامين ونصف العام، على خلفية المشاركة في أنشطة معادية للاحتلال، وأُطلق سراحه في 4 سبتمبر عام 1990، وفي 14 ديسمبر 1990 اعتُقل مرةً أخرى إداريًّا، وظل في الاعتقال الإداري لمدة عام.

- في 17 ديسمبر 1992 أُبعد مع 400 من نشطاء وكوادر حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى جنوب لبنان ؛ حيث برز هناك ناطقًا رسميًّا باسم المُبعَدين الذين رابطوا في مخيم العودة في منطقة مرج الزهور، في جنوب لبنان ؛ لإرغام سلطات الاحتلال على إعادتهم، وتعبيرًا عن رفضهم قرار الإبعاد الصهيوني، ونجحوا في ذلك.

- وقد اعتقلته سلطات الاحتلال فور عودته من مرج الزهور، وأصدرت محكمة عسكرية صهيونية عليه حكمًا بالسجن؛ حيث ظلَّ محتَجزًا حتى أواسط العام 1997 م.

في سجون الاحتلال والسلطة

- خرج من المعتقل ليباشر دوره في قيادة " حماس " التي كانت قد تلقَّت ضربةً مؤلمةً من السلطة الفلسطينية عام 1996 م، وأخذ يُدافع بقوةٍ عن ثوابت الشعب الفلسطيني، وعن مواقف الحركة، ويُشجِّع على النهوض من جديد.

- وقد اعتقلته السلطة الفلسطينية بعد أقل من عامٍ من خروجه من سجون الاحتلال؛ وذلك بتاريخ 10 أبريل 1998 ، وأُفرج عنه بعد 15 شهرًا؛ بسبب وفاة والدته، وهو في المعتقلات الفلسطينية، ثم أُعيد للاعتقال بعدها ثلاث مرات، ليفرَج عنه بعد أن خاض إضرابًا عن الطعام، وبعد أن قُصِف المعتقل الذي كان فيه من قِِبل طائرات صهيونية، وهو في غرفة مغلقة في السجن المركزي؛ لينهيَ بذلك ما مجموعه 27 شهرًا في سجون السلطة الفلسطينية.

- حاولت السلطة الفلسطينية بعد ذلك اعتقاله مرتين، ولكنها فشلت بسبب حماية الجماهير الفلسطينية لمنزله.

- وفي العاشر من يونيو 2003 نجا صقر حماس " من محاولة اغتيال نفَّذتها قوات الاحتلال الصهيوني؛ وذلك في هجوم شنَّته طائرات مروحية صهيونية على سيارته؛ حيث استُشهد أحد مرافقيه وعدد من المارة بينهم طفلة.

نجله يروي تفاصيل استشهاده

بعد جولةٍ من العمل المضني طوال النهار والليل لخدمة حركته وقضيته التي عاش من أجلها، عاد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي قائد حركة المقاومة الإسلامية حماس في قطاع غزة حوالي الساعة الثالثة فجر يوم السبت 17 أبريل إلى منزله؛ لأن أخاه صلاح قادم من خان يونس لرؤيته والسلام عليه.

محمد عبد العزيز الرنتيسي

"المنزل الذي يقع في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة لم يدخله صاحبه منذ أكثر من أسبوع"، يقول نجله محمد (25 عامًا) الذي بدا متماسكًا قويًّا ويضيف: "أختي إيناس أيضًا كانت تريد رؤيته، وطلبنا منه عدم الخروج يومها وقضاء ساعات معنا؛ فقد كان يأتي إلى المنزل قرب منتصف الليل ويغادره قبل الفجر، وبعد إلحاحنا وافق وأرسل في طلب أختي الثانية أسماء لرؤيتها".

وقال محمد إن والده قضى الليل يتحدَّث مع العائلة المشتاقة إليه ولا تراه إلا قليلاً؛ بسبب ملاحقة جيش الاحتلال لوالده، لا سيما بعد فشل محاولة اغتياله في حزيران 2003 م واغتيال الشيخ أحمد ياسين في شهر مارس الماضي"، وأضاف:

"جلس يتحدَّث عن زواج أخي أحمد الذي أُصيب خلال محاولة الاغتيال، وذلك بعد أن حصل على قيمة مدخراته من الجامعة الإسلامية التي كان يحاضر فيها ووزَّع قيمة مدخراته؛ حيث سدَّد ما عليه من ديون واقتطع مبلغًا من المال لزواج أحمد (21 عامًا)، وقال لنا: "الآن أقابل ربي نظيفًا.. لا لي ولا علي".

استيقظ عبد العزيز الرنتيسي أسد فلسطين - كما يصفه نشطاء حماس - واغتسل ووضع العطر على نفسه وملابسه، وقال محمد: "أخذ أبي ينشد على غير عادته نشيدًا إسلاميًّا مطلعه (أن تدخلني ربي الجنة هذا أقصى ما أتمنَّى)، والتفتَ إلى والدتي وقال لها:

"إنها من أكثر الكلمات التي أحبُّها في حياتي".

مرافقه أكرم منسي نصار (35 عامًا) لم يتصل بالدكتور عبد العزيز الرنتيسي منذ مدة طويلة تصل إلى أسبوعين، وإنما كان ينسق بعض تحركاته وفق شيفرة معينة لبعض التنقلات، وزارنا يوم السبت في المنزل بعد العصر وتحدَّث مع والدي قليلاً واتفقا على الخروج!!.

فعلاً قبل آذان العشاء بقليل خرج عبد العزيز الرنتيسي برفقة نجله أحمد الذي كان يقود السيارة من نوع سوبارو ذات نوافذ معتمة كما هو متفق عليه من منزلهم، متنكرًا بلباسٍ معين، وأوصله إلى مكانٍ محددٍ في مدينة غزة متَّفقٍ عليه سابقًا، وبعد دقائق وصل إلى المكان سيارة سوبارو أخرى يستقلها أكرم نصار ويقودها أحمد الغرة الذي يعمل بشكلٍ سري ضمن صفوف كتائب القسام، بهدوءٍ انتقل عبد العزيز الرنتيسي من سيارة نجله إلى السيارة الأخرى التي انطلقت به مسرعة إلى هدفٍ لم يُحدَّد، لكن صاروخين من طائرات الأباتشي الصهيونية كانت أسرع من الجميع.

محمد كان على علم بما هو مخطَّط لخروج والده، وقال: "عندما سمعت صوت القصف اتصلت سريعًا بأخي أحمد لأطمئن، وردَّ عليَّ، وهنا اطمأننت قليلاً، ولكن يبدو أن أحمد كان يُدرك ما حدث وانتظر حتى يتأكد من الأمر؛ حيث عاد إلى المكان وشاهد السيارة المشتعلة تحوَّلت إلى ركامٍ وأيقن بما جرى".

وأضاف محمد:

أسرعت إلى مكان القصف، وعندما شاهدتُ السيارةَ علمت أن والدي بين الشهداء رغم ما حاوله البعض من التخفيف بالقول إنه جريح".

أم محمد زوجة الشهيد عبد العزيز الرنتيسي

زوجة عبد العزيز الرنتيسي أم محمد ربما لا تقل عن زوجها في النشاط الإسلامي، استقبلت النبأ بكل قوةٍ وعزيمة، وقال محمد:

"والدتي قالت بعد سماع الخبر:

الحمد لله، وأخذت بالتسبيح والتهليل، شقيقتي أجهشت في البكاء، لكننا جميعًا متماسكون.. هذا قدرنا، ونحن راضون بقضاء الله".

وللدكتور عبد العزيز الرنتيسي ولدان، هما:

محمد الذي يدرس حاليًّا في كلية التجارة بالجامعة الإسلامية بعد منعه من قِبل قوات الاحتلال من السفر لإكمال تعليمه في اليمن بعد مشاكل أثارها حزب البعث الحاكم آنذاك في العراق؛ حيث كان يدرس الطب في جامعة المستنصرين في بغداد لمدة عامين ونصف، وتزوَّج منذ حوالي عام، وشقيقه أحمد أُصيب بجراحٍ بالغة خلال محاولة الاغتيال الأولى لوالده، وبدأ يتماثل للشفاء، واعتبر سببًا رئيسيًّا في نجاته في المرة الأولى بعد قدر الله؛ فقد كان سائق السيارة، ولم يتوقف رغم إطلاق الصواريخ باتجاهه، فيما تمكَّن والده من القفز منها، وله أيضًا أربع بنات، هنَّ: إيناس، وسمر، وآسيا، وأسماء.

وتعكس اللحظات الأخيرة من حياةِ الشهيد القائد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي حرصَه على اتخاذ إجراءاتٍ وتدابير أمنية عالية في تحركاته، ولم يستخدم الاتصالات الهاتفية أو اللاسلكية، لكن ما تتمتع به دولة الاحتلال من تكنولوجيا وعيون ورصد على مدار الساعة يجعل من الصعوبة بمكان الإفلاتِ من المصير.

ويرى محمد أن والده ترك فراغًا كبيرًا في منزله؛ فقد كان مرجعًا للكبير والصغير، وقال إن الصورة التي في أذهان الناس عن والدي هو الثوري الشديد، لكنه داخل الأسرة صاحب الحنان الكبير والقلب الرءوف الهادئ، وإذا أصررنا على شيء ربما لا يريده كان ينزل عند رغبتنا ويُرضينا، خطابه المتشدِّد في الإعلام لم يكن في المنزل، وأكثر حنانه ومحبته كانت لأحفاده؛ فقد كان يحب الأطفال".

لم يترك الرنتيسي قصورًا وشركاتٍ وحسابات في البنوك تزعم الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا تجميدها، بل ما تركه قائمة تفصيلية بما له وما عليه من أموالٍ على المستوى الشخصي ومستوى حركة حماس.

ويقول محمد:

"علَّمنا والدي أن نكون رجالاً منذ الصغر، وأذكر أنه عند اعتقاله إبَّان الإبعاد إلى مرج الزهور في الجنوب اللبناني كان عمري حينها حوالي (11 عامًا)، واقتحم جنود الاحتلال المنزل لاعتقاله..

نظر إليَّ وقال:

الآن أصبحت رجل البيت وتستطيع أن تعتنيَ بأمك وأخواتك..

المشوار هذه المرة في الاعتقال يبدو طويلاً".

قضى الرنتيسي في الإبعاد عام 1992 مدة عام كامل مع 417 من كوادر حركة حماس بعد اختطاف مجموعةٍ من كتائب القسام جنديًّا صهيونيًّا، وبعد عودته من الإبعاد اعتقلته قوات الاحتلال حتى عام 97 حتى أُفرج عنه، وخضع للاعتقال عدة مرات من قِبل السلطة الفلسطينية نتيجة مواقفه السياسية التي لا تعرف المهادنة.

ويقول محمد:

أنا لستُ قلقًا على حركة حماس بتاتًا، وقال: حماس حركة ربانية، ولن يكون فيها فراغ أو ضعف، وستخرج الكثيرين من القادة أمثال والدي وغيره، ولن تتوقف المسيرة، وكان والدي يُتوقَّع اغتياله في أية لحظة، وأعتقد أنه غادرنا مطمئنًا على حماس ".

يتحدَّثون عنه

سعيد صيام

قال عنه سعيد صيام رئيس كتلة حماس في المجلس التشريعي:

"رجل المواقف الذي لا يتزحزح ولا يهادن ولا يتنازل حينما يقتنع بصوابية موقفه، ثم تثبت بعد ذلك الأيام صدق فراسته.. كان رحمه الله يتمتَّع بفراسة المؤمن، فراسة غريبة متقدمة؛ فقد كان يستبق في رؤياه كثيرًا من الأحداث.

كانت له صورتان:

الأولى التي يعرفها معظم الناس بتشدُّده في خطاباته ورؤاه، والثانية صورة الأخ الودود الذي يحب إخوانه ويحب حركته ويحب شعبه، الأخ الرجَّاع الذي إذا ما رُوجع في أمرٍ وثبت له عكس رؤياه فإنه يتراجع ويعترف، وكان حريصًا على العمل الجماعي والرؤية الجماعية، وليس كما يَظنُّ أو يُصوِّر البعض الدكتور الرنتيسي أنه يعتدُّ برأيه فقط دون أن يستمع للآخرين.

حينما أصبح قائدًا ل حماس بعد اغتيال الشيخ أحمد ياسين، هذه القيادة تُملي عليه التزامات جديدة، كما قال أحد قادة الأمن الفلسطيني في اجتماعنا معه:

"الآن الدكتور عبد العزيز هو الذي سيجمعنا"، بمعنى أن عليه مسئوليات وتبعات، وبالتالي هذه من استحقاقات أي قيادة، لكن من ناحية مواقفه ومبادئه ورأيه فهو لا يزال حتى اللحظة الأخيرة صلبًا في الدفاع عن مواقفه، والتي في الحقيقة تمثِّل في معظمها مواقف الحركة.

بفقد هذه القيادة الإسلامية وهذا الرعيل الأول المؤسس ل حماس نفقد أشياء كثيرة، ولا يمكن ملء هذا الفراغ أو تعويض هؤلاء العظماء في الوقت الراهن على الأقل؛ لأنهم يملكون تجربةً تراكميةً وثقافةً حركيةً وتاريخًا لهذه الحركة، ولكن عزاءنا أننا لا نعمل من خلال أفراد وأشخاص، ولكن من خلال منهجٍ مُتَّفق عليه، والحركة بفضل الله لها رصيد ومخزون قيادي تربَّى وتتلمذ في مدرسة واحدة، والذي يستلم الراية وفاءً لشهدائنا وقادتنا سيواصل الدرب كما كان أحمد ياسين والرنتيسي وأبو شنب والمقادمة وشحادة.

المصدر

للمزيد عن الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة بالرنتيسي

مقالات بقلم الرنتيسي

تابع مقالات بقلم الرنتيسي

.

حوارات مع الرنتيسي

حوارات مع عائلة الرنتيسي

بيانات حول إغتيال الرنتيسي

أخبار متعلقة

تابع أخبار متعلقة

.

وصلات فيديو

.