في ضيافة الاستاذ سيد قطب

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٩:٤٤، ٢٤ أغسطس ٢٠١٥ بواسطة Sherifmounir (نقاش | مساهمات) (حمى "في ضيافة الاستاذ سيد قطب" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
في ضيافة الاستاذ سيد قطب

الاثنين,17 أغسطس 2015

كفر الشيخ اون لاين | خاص

بقلم \ وليد شوشة

ضريبة الذل

جلست ساعة بين يدي الاستاذ سيد قطب ، أشكو له الحال التي وصلت إليه البلاد ، وما وصل إليه العباد ، بدأت أسأله عما يُحيرني من هؤلاء الذين اختاروا لأنفسهم السير في ركاب الظالمين ، والمستبدين . وكيف انقلبوا على قيمهم ، وهانوا علي أنفسهم ، ورضوا بالعيش الذليل تحت أقدام المتجبرين عيش العبيد ، وقد كانوا لنا كالنجوم الساطعات ، لمكانتهم وعلمهم . ثم تنازلوا عن كل ذلك فسقطوا من أعين الناس بعد ما سقطوا من عين الله .

قلت يا سيدي...لقد ظن هؤلاء أصحاب النفوس الضعيفة أن للكرامة والحرية ضريبة باهظة لا يطيقونها ، وثمنها فادحاً لا يقدرون علي دفعه ، ومصالح عظيمة اكتسبوها لا يستطيعون التنازل عنها والتفريط فيها ، وقد ظنوا أنهم بذلك الفرقة الناجية ، وقد أمنوا علي أنفسهم وأولادهم وأموالهم ومصالحهم ، كما أمنوا بطش الظالم وجوره ، وأفتى لهم بعض فقهائهم بذلك . فهل هم كذلك ؟؟

فقال بعد أن رحب بنا : " هؤلاء الأذلاء يؤدون ضريبة أفدح من تكاليف الكرامة . انهم يؤدون ضريبة الذل كاملة ".

قلت : عفوا سيدى ...لكن كيف يؤدونها ؟؟؟

فقال : " يؤدونها من سمعتهم ، ويؤدونها من اطمئنانهم ، وكثيراً ما يؤدونها من دمائهم وأموالهم وهم لا يشعرون ".

قلت صدقت ، والواقع يشهد لك ، وما اقالة محمد إبراهيم ، ومقتل النائب العام ، وفضيحة قاضي الرشوة الجنسية إلا برهان ودليل. ثم أردفت قائلاً :لكنهم ينالون ثمن ما يبذلون ...قربى الحاكم ، ومناصب الجاه .

قال بعد أن ابتسم :" انهم ليحسبون أنهم ينالون في مقابل الكرامة التي يبذلونها ، قربي ذوي الجاه والسلطان حين يؤدون إليهم ضريبة الذل وهم صاغرون. ولكن كم تجربة انكشفت عن نبذ الاذلاء نبذ النواة بأيدي سادتهم الذين عبدوهم من دون الله . كم من رجل باع رجولته ، ومرغ خديه في الثري تحت أقدام السادة ،وخنع وخضع ، وضحى بكل مقومات الحياة الانسانية ، وبكل المقدسات التي عرفتها البشرية ، وبكل الامانات التي ناطها الله به أو ناطها الناس ...ثم في النهاية إذا هو رخيص رخيص ، هين هين ، حتي على السادة الذين استخدموه كالكلب الذليل ؛ السادة الذين لهث في اثرهم ، ووصوص بذنبه لهم ، ومرغ نفسه في الوحل ليحوز منهم الرضاء .ثم قال باستنكار: " كم من رجل كان يملك أن يكون شريفاً ، وأن يكون كريماً ، وأن يصون أمانة الله بين يديه ، ويحافظ علي كرامة الحق وكرامة الانسانية ، وكان في موقفه هذا مرهوب الجانب ، لا يملك له أحد شيئاً ، حتى الذين لا يريدون له أن يرعي الأمانة ، وأن يحرس الحق ، وأن يستعز بالكرامة ، فلما أن خان الأمانة التي بين يديه ، وضعف عن تكاليف الكرامة ، وتجرد من عزة الحق ، هان على الذين كانوا يهابونه ، وذل عند من كانوا يرهبون الحق الذى هو حارسه ، ورخص عند من كانوا يحاولون شراءه ، ورخص حتى اعرضوا عن شرائه ، ثم نُبذ كما تٌنبذ الجيفة ، وركلته الأقدام ، أقدام الذين كانوا يعدونه ويمنونه ، يوم كان له الحق جاه ، ومن الكرامة هيبة ،ومن الأمانة ملاذ ".

ثم سكت قليلاً وأنا أنتظر بلهفة الأب المنتظر عودة ولده ، ثم قال :"كثير هم الذين يهوون من القمة إلى السفح لا يرحمهم أحد ، ولا يترحم عليهم أحد ، ولا يسير في جنازتهم أحد ، حتى السادة الذين في سبيلهم هووا من قمة الكرامة إلى سفوح الذل ، ومن عزة الحق إلى مهاوي الضلال ".

قلت ألا يتعظون ممن سبقهم ، ويؤوبون إلى رشدهم وكرامتهم وانسانيتهم ؟؟

فنظر نظرة أسف وقال : "ومع تكاثر العظات والتجارب ، فإننا ما نزال نشهد في كل يوم ضحية : ضحية تؤدى ضريبة الذل كاملة ، ضحية تخون الله والناس ، وتضحى بالأمانة والكرامة . ضحية تلهث في اثر السادة ، وتلهث في اثر المطمع والمطمح ، وتلهث وراء الوعود والسراب ...ثم تهوى ، وتنزوي هنالك في السفح خانعة مهينة ، ينظر إليها الناس في شماتة ، وينظر إليها السادة في احتقار".

قلت هل فضيلتكم قد شاهد أمثال هؤلاء الذين نشاهدهم كل يوم يهوون إلى سفوح الذل ؟؟

فنظر إلى متعجباً ، حتى قلت ليتني لم أسأل ، ثم هز رأسه كأن نعم وقال : "لقد شاهدت في عمرى المحدود – وما زلت أشاهد – عشرات من الرجال الكبار يحنون الرؤوس لغير الواحد القهار ، ويتقدمون خاشعين يحملون ضرائب الذل تبهظ كواهلهم ، وتحنى هاماتهم ، وتلوى أعناقهم ، وتنكس رؤوسهم ... ثم يُطردون كالكلاب ، بعد أن يضعوا أحملاهم ، ويسلموا بضاعتهم ، ويتجردوا من الحسنيين : في الدنيا والآخرة ، ويمضون بعد ذلك في قافلة الرقيق لا يحس بهم أحد حتى الجلاد ".

ثم سكت طويلا حتى ظننته قد أنه كلامه ، وقد حدثتني نفسي بالانصراف ،و فجأة بنبرة حزينة قال : "لقد شاهدتهم وفي وسعهم أن يكونوا أحرار ، ولكنهم يختارون العبودية . وفي طاقاتهم أن يكونوا أقوياء ، ولكنهم يختارون التخاذل .وفي امكانهم أن يكونوا مرهوبي الجانب ، ولكنهم يختارون الجبن والمهانة ...شاهدتهم يهربون من العزة كي لا تكلفهم درهماً ، وهم يٌؤدون للذل ديناراً أو قنطاراً . شاهدتهم يرتكبون كل كبيرة ليرضوا صاحب جاه أو سلطان ، ويستظلوا بجاهه".

فأخذتني دهشة واستغراب ، وقلت في نفسي سبحان الله إن هؤلاء من نشاهدهم الآن ، إنهم ليسوا مقطوعي الصلة عن أسلافهم . ولما لاحظ تعجبي ، قال : " لا . بل شاهدت شعوباً بأسرها تشفق من تكاليف الحرية مرة ، فتظل تؤدي ضرائب العبودية مرات . ضرائب لا تقاس إليها تكاليف الحرية ، ولا تبلغ عشر معشارها ، وقديماً قالت اليهود لنبيها :" يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ" فأدت ثمن هذا النكول عن تكاليف العزة ،أربعين سنة تتيه في الصحراء تأكلها الرمال ، وتذلها الغربة ، وتشردها المخاوف...وما كانت لتؤدي معشار هذا كله ثمناً للعزة والنصر في عالم الرجال "

فاستأذنته للسؤال ، فأذن لي فقلت : يا استاذي هل للذل ضريبة يدفعها أصحابها كما يدفع أصحاب العزة والكرامة والحرية ضريبتها ؟؟

قال :"إنه لابد من ضريبة يؤديها الافراد ، وتؤديها الجماعات ، وتؤديها الشعوب. فإما أن تؤدى هذه الضريبة للعزة والكرامة والحرية ، وإما أن تؤدى للذلة والمهانة والعبودية . والتجارب كلها تنطق بهذه الحقيقة التي لا مفر منها ولا فكاك ".

وفي خلسة نظرت لساعة الحائط المعلقة أمامي ، فوجدت أنى قد أثقلت على الاستاذ ، ويجب أن يستريح فقررت أن يكون آخر سؤال لي ، فقلت هل من كلمة إلى هؤلاء ؟؟

فقال مشكوراً :" إلى هؤلاء جميعاً ؛ أوجه الدعوة أن ينظروا في عبر التاريخ ، وفي عبر الواقع القريب ؛ وأن يتدبروا الأمثلة المتكررة التي تشهد بأن ضريبة الذل أفدح من ضريبة الكرامة ، وأن تكاليف الحرية أقل من تكاليف العبودية ، وأن الذين يستعدون للموت تُوهب لهم الحياة ، وأن الذين لا يخشون الفقر يُرزقون الكفاية ، وأن الذين لا يرهبون الجاه والسلطان يرهبهم الجاه والسلطان . ثم قرأ قوله تعالي" مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا".

فقبلت رأسه ويده معتذراً عن الاطالة والإثقال عليه ، ثم شكرته ، ورجوته لو يسمح لنا بلقاء آخر، وانصرفت وأنا مشفق على هؤلاء الذين يدفعون للذل ضريبته ، وتمنيت لو يعودوا إلى رشدهم ، وقيمهم وشعبهم .

مواد متعلقة

الشيخ محمد مصطفى المراغي

من الإخوان المسلمين إلى شعب مصر

وفاة المستشار فتحي لاشين من الرعيل الأول للإخوان عن عمر 83 عاماً

من صفات المسلمين بقلم الإمام الشهيد حسن البنا

المصدر