في فقه المشاركات البرلمانية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
في فقه المشاركات البرلمانية

خطوة حتمية

ان قرار الإسلاميين, دخول المجالس التشريعية, ووصول نواب الساحة الاسلامية والوطنية وحلفائهم إلى (البرلمان) غدا أمراً بديهياً, بل ارتفع في حكمه الشرعي من مستوى (الجواز) إلى مستوى (الوجوب).

قديماً – وفي ظل ظروف غير هذه الظروف – كان هناك شبه تحفظ حول شرعية المشاركة في المجالس التشريعية (في الدول ذات الأنظمة الوضعية) فضلاً, عن ان الظروف التي احاطت بالساحة الإسلامية كانت صعبة ومعيقة, وهذا ما جعل بعض تلك المحاولات تفشل كلياً في بعض الأقطار, وتنجح نسبياً في أقطار أخرى.

ولكن, بالرغم من تغير الظروف السياسية والأمنية بشكل عام,واتساع رقعة المد الإسلامي, فقد بقي موضوع (مشروعية المشاركة) قائماً ولفترة قريبة.

هذا بصرف النظر عن وجود فئات لا تزال تعتبر المشاركة في هذه الجالس ترشيحا واقتراعا عملاً غير شرعي...

وعلى أية حال, وبالرغم من اجماع الاسلاميين على (جواز المشاركة) واختلافهم حول المقاطعة ترشيحا واقتراعا فقد خضعت الخطوة, وخضع قرار المشاركة,لدراسة شرعية متأنية قبل الإقدام عليها عام 1992م.


مبررات شرعية تبعية

لن أعرض هنا للدراسات المتعددة التي صدرت عن جهات وجماعات وتنظيمات اسلامية مختلفة،والتي ضمنتها آراءها الشرعية حول الإنتخابات النيابية,وإنما سأتناول عدداً من النقاط والمبررات الشرعية التبعية والتي ترتفع بمجموعها بحكم المشاركة ترشيحا واقتراعا من درجة الجواز إلى درجة الوجوب...

المبرر الأول: اعتبار العمل النيابي,اسلوباً من اساليب (الحسبة) ومنبراً من منابر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وبخاصة ان كان الاعتماد في الحسبة على (التغير باللسان) وليس بالقوة...

والمعروف أن الحسبة واجب شرعي عيني, يمكن أن يكون باليد وله شروطه, ويمكن أن يكون بالكلمة وله شروطه, كما يمكن أن يكون بالقلب, وهذا الذي لا يعذر المسلم بتركه...

المبرر الثاني: إن المشاركة في المجالس النيابية لا يلزم بقبول أي موقف تشريعي أو سياسي يخالف الشرع, فللنائب أنيعارض وله أن يقدم البديل, وأن ينتقد أو يقاطع وينسحب... وهذا يعني أن الأصل في الممارسة (الإباحة) وجوازها وعدم جوازها إنما يتعلق بالموقف والممارسة...

فإذا كانت الممارسة شرعية وبقصد تسديد السياسات وترشيد القوانين وإصلاح النظام بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية, فيصبح القيام بذلك واجباً, وعدم القيام به مع القدرة والإستطاعة هروباً من المسؤولية وترك هذه المواقع لمن أرادوا أن يسخروها لمحاربة الإسلام والمسلمين, وأن يستلبوا حقوق الضعفاء والمحرومين من أي ملة كانوا, لأن مقاصد الشرع تحقيق العدالة والمساواة, ورفع الظلم والقهر والتسلط عن عباد الله أجمعين, مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم (الخلق كلهم عيال الله, احبهم إليه أنفعهم لعياله).

المبرر الثالث: ان المشاركة في المجلس النيابي, باب من أبواب الدعوة إلى الإسلام, وعرض أفكاره ومبادئه, من خلال المناقشة والحوار والاحتكاك بالآخرين... بل هي منبر من أقوى المنابر الدعوية وأعمها وأشملها وأفعلها, في إيصال الصوت الإسلامي إلى كل كل الناس على مختلف طوائفهم ومذاهبهم ومواقعهم العلمية والسياسية والنقابية والمهنية... إنها فرصة لعرض المشروع الإسلامي من جوانبه المتعددة ومفرداته المختلفة...

المبرر الرابع: ان المشاركة النيابية من شأنها توفير الكثير من الفرص لتحقيق مصالح الناس, ودرء المفاسد عنهم... ان من شأنها تحقيق الإنماء المتوازن والإعمار المتوازن وتكافؤ الفرص امام الجميع...

والخلاصة... ان مشاركة الإسلاميين في المجالس التشريعية – وفي كل الأحوال – بات ضرورة ملحة تفرضها إعتبارات متعددة منها:

· الانتقال بالطرح الإسلامي من المستوى النظري التجريدي إلى المستوى العملي التجريبي...

· تعريف الغير بالمشروع الإسلامي, بأصالته ونقائه ومرونته وخصائصه المختلفة, وبخاصة بعد ما أصابه من تشويه مفتعل ودخيل, ومن خلال ممارسات شاذة وغير صائبة, وغبية وغير حكيمة.

· الانتقال بالحركة الإسلامية من إطار (الشريحة التنظيمية)

إلى إطار الحالة الجماهيرية, وبالتالي تطوير (الطرح) و (الخطاب) و (الممارسة) تطويراً نوعياً وكمياً, من شأنه أن ينتقل بها من قيادة (النخبة) إلى قيادة (الامة).

· تعبئة الفراغ الذي خلفه سقوط التيارات العلمانية والقومية المختلفة, والتي كانت وإلى فترة ليست ببعيدة مصادرة للقرار السياسي بإسم المسلمين...

· تحقيق حالة الإنسجام مع (المد الإسلامي) الدعوي والمقاوم المتـنامي في كل مكان, والذي يتهيأ لأخذ دوره على كل صعيد, وليقوم بطرح السلام كبديل حضاري وتشريعي وحيد للبشرية برمتها...

انه لم يعد مقبولاً, أن تبقى الساحة الإسلامية بعيدة عما يجري.. وغير عابئة أو مشاركة أو صانعة لما يجب أن يجري, أو لما يمكن أن يجري.

ان كل ذلك.. يفرض على الساحة الاسلامية بكل فصائلها التقدم من الاستحقاق الانتخابي النيابي تحت سقف مشروع اسلامي ووطني واحد لمواجهة عربدة المشاريع الاميركية والصهيونية التي تجتاح الأمة ومنها لبنان على كل صعيد .


المقاطعة تعطيل للقواعد الفقهية وسكوت عن الحق وقبول بالمنكر!

· إن مقاطعة الانتخابات – ترشيحا واقتراعا – من شأنه أن يعطل كافة القواعد الفقهية المرتبطة برفع الحرج عن الأمة وأخص من ذلك : قاعدة المشقة تجلب التيسير، وقاعدة إذا ضاق الأمر اتسع،وقاعدة الضرر يزال،وقاعدة الضرر لا يزال بالضرر،وقاعدة إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما،وقاعدة درء المفاسد يقدم على جلب المنافع،وقاعدة يتحمل الضرر الخاص لأجل دفع الضرر العام،قاعدة الأخذ بأخف الضررين وأهون الشرين .

· وإن مقاطعة الانتخابات بمثابة السكوت عن الحق،والقبول بالمنكر وعدم الإقدام على تغييره،والساكت عن الحق قي تعريف رسول الله صلى الله عليه وسلم(شيطان أخرس)أما الساكت عن المنكر فمعني بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطنة الله عليكم شراركم فيدعوا خياركم فلايستجاب لهم)وقد تكون المنكرات السياسية أشد خطورة من المنكرات الاجتماعية..


درء المـــفــاســـد

ومقابل كل ذلك.. فإن المشاركة النيابية ترشيحا واقتراعا من شأنه ان يدرأ الكثير من المفاسد.. فعلى سبيل المثال يمكن ان يحقق الاداء النيابي التالي:

· ما يمكن تقويمه من سياسات تربوية من شأنها ان تنعكس إيجاباً على تكوين أجيال مسلحة بالعلم والإيمان والأخلاق..

· ما يمكن تقويمه من سياسات إعلامية من شأنها ان تنتقل

بوسائل الإعلام من حالة التخريب إلى حالة البناء..

· ما يمكن تقويمه من سياسات إقتصادية من شأنها ان تحقق الكفاية والرفاه والعيش الكريم, وبخاصة في نطاق الضرورات الثلاث: (التعليمية) و (الطبية) و (الغذائية).. إضافة إلى ما يمكن إستحداثه من مؤسسات مصرفية (غير ربوية) تدفع الحرج الشرعي عن المسلمين والمتورعين عن التعاطي الربوي..

· ما يمكن تقويمه من سياسات مسلكية – من خلال تقديم مشاريع قوانين – من شأنها الحد من التداعيات الأخلاقية, وكبح جماح ظواهر العهر والفجور, وتعاطي (المخدرات, وكافة الإدمانات الكحولية والتبغية), ومن خلال تحصين الأجيال ودفعها للتمسك بالقيم الدينية والمكارم الأخلاقية.

ما يمكن تقويمه من سياسات بيئية من شأنها التخفيف من الأخطار الناجمة عن تخلف اساليب التخلص من النفايات, ودخان المصانع, والسيارات, وغبار المقالع, إضافة إلى المخاطر الناجمة عن شركات ومستودعات الغاز والنفط المتجاوزة لأبسط قواعد المحافظة على الاعتبارات البيئية والصحية والأمنية..

· ما يمكن تحقيقه في (المجال السياسي) من مواجه المشروعين الأميركي والصهيوني،ووقف زجف العولمة الفكرية والتربوية والاعلامية والأمنية والعسكرية على غرار ما تقوم به المقاومة الباسلة في فلسطين والعراق ،والتي تتهيأ لوضع اليد على لبنان والمنطقة ـ، وتتحضر لإقامة القواعد العسكرية الأميركية فوق اراضيها .

· الإرتقاء بالحس الوطني والجهادي الذي من شأنه ان يوفر حداً مقبولاً في مواجهة مشاريع (التغريب, والهيمنة والتسلط) التي يمارسها النظام الدولي وقوى الإستكبار في العالم.


كلـــمــة أخــيـــرة

الأمة تتعرض اليوم لأشرس هجمة،هجمة غير مسبوقة،تستهدف دينها وهويتها وخصائصها الحضارية والثقافية جمعاء .

  • هجمة طالت المصحف الشريف بالتدنيس ،ومناهج التعليم بالتحريف،كما طالت الأجيال الاسلامية بالتخريب،وطالت عاداتنا وتقاليدنا بالإفساد،وتجرأت على قدسية الاسلام بالتعديل،وعلى حرمة الصلاة بإمامة المدعوة أمينة داوود !
  • هجمة تستهدف العالم الاسلامي بالاذلال،والإخضاع،والتحكم به وبمقدراته بقوة أسلحة الدمارالشامل التي تمتلكها،ومن خلال القواعد العسكرية الاميركية المنتشرة في معظم الدول العربية والاسلامية .
  • هجمة تسعى الى صناعة حكومات وأنظمة حكم ومجالس نيابية مذعنة وخاضعة لسياساتها وقراراتها،وصولا الى فرض المشروع الشرق أوسطي الاميركي الصهيوني على المنطقة بكاملها .

إن مواجهة المحادل الأميركية والصهيونية سواء منها السياسية أو الاقتصادية أوالإعلامية أوالتعليمية غدا فرضَ عين على كل فرد من أفراد هذه الأمة،على مثل ما فعله جيلُ الحجارة من خلال تصديه لاسطورة الدولة التي لا تقهر فكان أن قهرها وفرض معادلة توازن الرعب مع العدو الصهيوني.

إن ساحة الصراع والتدافع تفرض علينا جميعا المشاركة في دعم جبهة الأبرار بكل جهد مستطاع .. فالتفرج ممنوع،والهروب أشبه بالتولي عن الزحف،وفي غيبة أهل الحق يرتع أهل الباطل،واستجابة لقوله تعالى :(يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثير لعلكم تفلحون.)وحتى لا نكون معنيين بقوله تعالى(يا أيها الذين أمنوا إذا لقيم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ، ومن يولهم يومئذ دبره الامتحرفا لقتال أو متحيزا الى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير)

قد بلغت اللهم فاشهد

المصدر