في وداع رمضان : ( لا يا أمير الشعراء )
شعر: الدكتور جابر قميحة
كتب أمير الشعراء " أحمد شوقي " قصيدة مطلعها : -
رمضان ولى هاتها يا ساقي
- مشتاقة تسعى إلى مشتاق ِ
وهذه معارضة د. جابر قميحة لها :-
رمـضـانُ ودَّع وهْو في الآماق
- يـا لـيـته قد دام دون فراقِ(1)
مـا كـان أقصَـرَه على أُلاَّفِه
- وأحـبَّـه فـي طـاعـةِ الخلاق
زرع الـنـفـوسَ هـدايةً ومحبة
- فـأتـى الـثمارَ أطايبَ الأخلاق
«اقـرأ» به نزلتْ، ففاض سناؤُها
- عـطـرًا على الهضبات والآفاق
ولِـلـيـلةِ القدْر العظيمةِ فضلُها
- عـن ألـفِ شـهر بالهدى الدفَّاق
فـيـهـا الملائكُ والأمينُ تنزَّلوا
- حـتـى مـطـالعِ فجرِها الألاق
فـي الـعامِ يأتي مــرةً..لكنّه
- فـاق الـشهورَ به على الإطلاق
شـهـرُ الـعبادةِ والتلاوةِ والتُّقَى
- شـهـرُ الـزكاةِ، وطيبِ الإنفاق
لا يـا أمـير الشِّعر ما ولَّى الذي
- آثـاره فـي أعـمـقِ الأعـماق
نـورٌ مـن اللهِ الـكـريمِ وحكمةٌ
- عُـلـويـةُ الإيـقـاعِ والإشراق
فـالـنفسُ بالصوم الزكى تطهرتْ
- مـن مـأثـم ومَـجـانةٍ وشقاقِ
لا يـا «أميرَ الشعر» ليس بمسلمٍ
- مَـن صامَ في رمضانَ صومَ نفاقِ
فـإذا انـتـهـتْ أيامُه بصيامِها
- نـادى وصـفَّق (هاتها يا ساقي)
(الله غـفـار الـذنـوب جميعها
- إنْ كان ثَمّ من الذنوبِ بواقي)(2)
عـجبًا!! أيَضْلَع في المعاصِي آثمٌ
- لـيـنـالَ مغفرةً.. بلا استحقاقِ؟
أنـسـيـتَ يومَ الهولِ يومَ حسابِه
- حـينَ التفاف الساقِ فوقَ الساقِ؟
وتـرى الـمنافقَ في ثيابِ مهانةٍ
- ويُـسـاقُ لـلـنيرانِ شرَّ مساقِ
لا يا «أمير الشعر» ما صام الذي
- رمـضـانُـه فـي زُمْرة الفسَّاق
لا يا «أمير الشعر» ما صام الذي
- مـنـع الطعام، وهمه في الساقي
من كان يهوى الخمرَ عاش أسيرَها
- وكـأنـه عـبـدٌ بـلا.. إعتاق
الـصـومُ تـربيةٌ تدومُ مع التُّقَى
- لـيـكونَ للأدواءِ أنجعَ راقي(3)
هـو جُـنـةٌ للنفس من شيطانِها
- ومـن الصغائرِ والكبائرِ واقي(4)
الـصومُ - يا شوقي إذا لم تدْرِه
- نـورٌ وتـقْوى وانبعاثٌ راقي(5)
واسـمع - أيا من أمَّروهُ بشعره
- لـيـس الأمـيـرُ بمفسدِ الأذواق
إن الإمـارةَ قـدوةٌ وفـضـيـلةٌ
- ونـسـيـجُـها من أكرمِ الأخلاق
والـشعرُ نبضُ القلبِ في إشراقِهِ
- لا دعـوةٌ لـلـفـسقِ.. والفسَّاق
والـشـعر من روح الحقيقة ناهلٌ
- ومـعـبِّـرٌ عـن طاهرِ الأشواقِ
فـإذا بَـغَـى الباغى بدتْ كلماتُه كـالـساعِرِ المتضرِم.. الحرَّاق
وإذا دعته إلى الجمـــال بواعثٌ
- أزْرى على زريابَ أو إسحاقِ(6)
لـكـنه يبقى عفيفًا.. طاهرًا..
- كـالـشّـهـدِ يحلو عند كلِّ مذاق
رمضانُ - يا شوقي - ربيعُ قلوبنا
- فـيـها يُشيعُ أطايبَ الأعباق(7)
إن يـمْـضِ عـشنا أوفياءَ لذكِره
- ويـظـلُّ فـيـنا طيّبَ الأعْراق
الهوامش:
(1) الآماق: العيون.
(2) ما بين القوسين من قصيدة شوقي
(3) راقي «من الرقية» أي معالج.
(4) جنة (بضم الجيم) وقاية وحماية. وفى الحديث النبوي «الصوم جنة».
(5) راقي: سام رفيع.
(6) زرياب وإسحاق من أشهر موسيقيي العرب.
(7) الأعباق: جمع عَبق: وهو الرائحة الطيبة.
المصدر : نافذة مصر